كلما حل اليوم العالمي للوقاية المدنية، تنظم القيادة الإقليمية لهذا القطاع بخنيفرة، على غرار باقي أقاليم المملكة، أبوابها المفتوحة لاطلاع المحيط على الإحصائيات المتعلقة بتدخلاتها، واستعراض بنياتها التحتية ومواردها البشرية، كما لا يفوتها تقديم عروض في طرق الإنقاذ والإغاثة والإسعاف والإطفاء، إلا أن الجميع، على ما يبدو، لا يصلون إلى "الوجه الآخر" لوضعية أفراد هذا القطاع ممن يعانون في صمت، ولا يتكلمون خوفا من فقدان مصدر قوتهم أو تعريضهم لتنقيل تعسفي. الحديث هنا ليس فقط عما يتعلق بهزالة الأجور وغياب تحفيزات العمل، وعدم التوفر على تأمين عن الأخطار والتعويض عن الساعات الإضافية، أو عن مطلب توفير معدات الحماية بما يتوافق و معايير السلامة الدولية، بل عن معاناة وظروف من نوع آخر لا يستطيع العاملون الاحتجاج بشأنها، أو حتى التحدث عنها أو تسييسها أو تنقيبها، نظرا للقيود المفروضة على نظام القطاع، والتي لم تسمح لهم حتى بتفعيل الحق في تأسيس جمعية تدافع عن حقوقهم ومصالحهم، لتظل نداءاتهم "خرساء" على مشجب اللامبالاة رغم الجهود والخدمات التي يبذلونها في سبيل الحياة والإنسان والممتلكات. مصادر "الاتحاد الاشتراكي" ضاقت ذرعا ونفد صبرها قبل أن تفضل رفع صوتها "إعلاميا"، حيث استعرضت ظروف عمل أفراد الوقاية المدنية بخنيفرة، نتيجة الضغوط النفسية والعملية التي يقاسونها ليلا ونهارا وتصيبهم بالإحباط والاكتئاب، وما يتعرضون إليه من تعسفات وسلوكيات مهينة وألفاظ حاطة بالكرامة من طرف قائدهم الإقليمي الذي لا يتوانى عن التعامل مع غالبيتهم بالقسوة أمام الملأ، وليس أخيرا إصابة موظفة بحالة إغماء، كما تحدثت مصادرنا عن تذمر بعض العاملين جراء حرمانهم من الاستفادة من إجازاتهم السنوية، بما فيها أحيانا إجازة المناسبات العائلية، مع وجود أفراد منهم يطالبون بتسوية وثائقهم التي لاتزال مسجلة بثكنات أخرى، حسب مصادرنا. ويشتغل أفراد الوقاية المدنية بخنيفرة في ظروف تتميز بفقر ملحوظ على مستوى شروط العمل وحق الاستراحة، إذ لم يعثر العاملون على أدنى تفسير أو تبرير للحالة المتردية التي توجد عليها غرفة الاستحمام (الدوش) الوحيدة واليتيمة، وكيف أنهم كلما عادوا من عملية إطفاء، أو حادثة سير أو غير ذلك، يضطرون في غالب الأحيان إلى "الترقيع" باستعمال خيط كهربائي (ريزو سطانس) لتسخين المياه رغم ما يشكله ذلك من خطر على حياتهم، بالأحرى التحدث عن الحالة المتردية التي يوجد عليها "الدوش" برمته، أو عن برميل المياه (الشوفاج) الذي يعلوه الصدأ والتقادم، كما لم يفت مصادرنا التحدث باستياء عن قلة المرافق الصحية (المراحيض) التي لا تتعدى الاثنين، في حين لا وجود لمرافق خاصة بالإطفائيات. وفي ذات السياق عبرت مصادر "الاتحاد الاشتراكي" عن قلقها حيال عدم وجود حتى كراس بالثكنة لاستراحة العاملين، هؤلاء الذين يلجؤون لاستعمال براميل أو علب أو «درجات» سلم لأخذ قسط من الراحة، فيما يقومون بابتكار موائد يدوية الصنع لتناول طعامهم عليها في ظل انعدام موائد تليق برجال الوقاية المدنية، كما صار مألوفا في ظل هذا الوضع الصادم قيام العاملين بالثكنة بصنع أسِرَّة للنوم من لوائح الخشب أو أبواب الخزانات، مع ضرورة الإشارة إلى حالة الاكتظاظ القائمة بغرف الراحة والنوم، وربما كان على القيادة الإقليمية التفكير في فتح مستودع الأفرشة واستعماله للتخفيف من هذا الوضع. ولعل المؤلم أكثر ضمن تصريحات متطابقة، يكمن في تأكيد بعض العاملين أنهم يلجؤون أحيانا لاقتناء من اللباس ما يشبه لون الزي الرسمي المخصص لهم، ويضعون عليه الخط المضيء المعروف ب «بالي زاج» حتى يكون مطابقا للزي الموحد، حسب مصادرنا، شأنهم في ذلك شأن معاناتهم مع حطب التدفئة الذي يلجؤون بشأنه بين الفينة والأخرى إلى البحث عنه كلما ساء المناخ، وقال أحدهم إن الثكنة لم تستقبل أية شحنة من الحطب إلا مرة أو مرتين خلال موسم الشتاء لهذه السنة. و تتشابه ظروفهم في الحر أيضا عندما يضطرون إلى "الفرار" من جحيم غرفهم المسقفة بالصفائح الرقيقة، والنوم خارجها، وعلى بعد خطوات قليلة يقع مقصف الثكنة وهو محاذ لقناة للمياه العادمة تنبعث منها روائح كريهة تزكم الأنوف. وصلة بذات الموضوع، ذكرت مصادر من ثكنة الوقاية المدنية ل "الاتحاد الاشتراكي" أن إهانة العاملين، الذين يحاولون التّكيُّف مع الظروف التي وصفوها ب "اللاإنسانية"، تتجلى أيضا من خلال نوافذ الغرف التي تفتقر للزجاج، ما يجعلهم يلجؤون إلى استعمال "الكرطون" أو "البلاستيك" في معالجتها، وبينما يصعب إسقاط شرط الحلاقة من القواعد الإلزامية لنظام العمل، فقد عبَّرت مصادرنا عن تذمر العاملين بالثكنة من افتقار الثكنة لأبسط الضروريات ولا أقلها المرآة التي لا توجد منها إلا واحدة بالمطبخ، يتناوب عليها الجميع، وعوض معالجة ما تمت الإشارة إليه من الأوضاع وغيرها كان العاملون قد فوجئوا باستقدام عناصر "أمن خاص" تراقب تحركاتهم بصورة غريبة.