قال عبد الكريم بنعتيق رئيس لجنة المقرر التوجيهي في أفق انعقاد المؤتمر الوطني العاشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المزمع تنظيمه في19، 20 و 21 ماي القادم ببوزنيقة أن اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العاشر تبنت منهجية تشاركية في أفق الوصول إلى صياغة تركيبية لمضامين المقرر التوجيهي. وأوضح بنعتيق أن لجنة المقرر التوجيهي، الذي صادقت عليه عضوات وأعضاء اللجنة الإدارية بالإجماع السبت الماضي، عقدت منذ انطلاق أشغالها ستة اجتماعات وأنجزت 14 وثيقة وقدمت ثمانية عروض، كما تم تنظيم يومين دراسيين في مدينة بوزنيقة من أجل تجميع مضامينه. وأضاف رئيس لجنة المقرر التوجيهي أن العنوان الأبرز للصياغة التركيبية لمضامين المقرر التوجيهي هو إشراك جميع مناضلي ومناضلات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مناقشة القضايا المطروحة حزبيا، وطنيا وقوميا. وبخصوص الوضع الوطني وتوجهات الحزب السياسي، تستحضر الوثيقة الأسئلة الكبرى التي كانت مطروحة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والإجابات التي قدمها من خلال المؤتمرات الوطنية السابقة، مع تحليل الوضع السياسي الراهن، واستشراف الآفاق المستقبلية، مشيرة إلى أن الخلاصات المتوصل اليها ينبغي أن تكون أساسا صلبا لتحديد معالم استراتيجية عملنا المستقبلي، وإيجاد التأطير السياسي الملائم لبرنامج الحزب. وتوقفت الوثيقة عند سياقات الماضي والحاضر وأسئلة المستقبل في ما يتعلق بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مستحضرة في هذا السياق المسار السياسي والوضع التنظيمي للحزب وأيضا في ارتباطه بالوضع الراهن، وكذا معالم استراتيجية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المستقبلية من خلال الإجابة عن أسئلة من قبيل أي رهانات سياسية؟ أي استراتيجية انتخابية؟ أي شروط لتنافس انتخابي متكافئ؟ أي تحالفات حزبية؟ ثم أي إدارة ترابية بلادنا؟ كما استحضرت الوثيقة التأطير السياسي لبرامج الحزب الأساسية عبر البحث عن أجوبة أسئلة مثل أي أوراش كبرى يحتاجها المغرب، مؤسساتية وحقوقية وقانونية؟أي نموذج اقتصادي ناجع له؟ أي حماية اجتماعية لمواطنيه؟ أي مشروع مجتمعي يتبناه سواء في الدين والثقافة واللغة والتواصل؟ كما قاربت الوثيقة السياق الدولي مشيرة الى أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،يعتبر أن طبيعة المجتمع الدولي، والتطورات المتسارعة التي حولته إلى عامل أساسي مُتحكم في التوجه العام للسياسات الوطنية، لا يُمكن تجاهل تأثيره على أوضاع المغرب، وتموقع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المشهد السياسي. وأوضحت أن انتقال المجتمع الدولي من مجتمع تنافسي إلى غاية إرساء دعائم نظام العولمة أدى إلى تشابك وترابط التحديات العالمية التي على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية واجب الوعي بها، قصد الاسترشاد بخلاصاتها في وضع استراتيجيتنا الحزبية، كما استحضرت هيمنة الرأسمالية المتوحشة، وتنامي الحركات المحافظة والمتطرفة، وتأقلم الأحزاب الاشتراكية الديمُقراطية مع هذه الأوضاع من خلال مراجعة استراتيجية عملها. لقد عرفت البلاد دينامية سياسية جديدة، لكنها لم تخرج عن الإطار الدولي العام المتميز بصعود القوى اليمينية والمحافظة. وهكذا وجدنا أنفسنا أمام تعاقد دستوري متقدم تُشرف حكومة محافظة على تطبيقه، مدعمة بتحالف جعل كل عناصر التحالفات السابقة (اليسار، الكتلة، وحتى ما كان يُسمى الوفاق)، غير ذات معنى، مما أصبح يفرض علينا التفكير في أشكال جديدة لبناء التحالفات الحزبية. إن تحليل هذه الصيرورة، قد أثبت أن تصاعد القوى المحافظة، يجد تفسيره، وطنيا، في استغلال الانعكاسات السلبية للنموذج الاقتصادي المتبع على الطبقات المتوسطة والشعبية، خاصة منها تلك التي تعيش على هامش الفقر، من خلال العمل على سد حاجياتها بوسائل ظرفية تعتمد العمل الإحساني أساسا. فأصبحت مجالات وهوامش الفقر تعرف إنزالا مكثفا تقوده حركة دعوية تستغل الدين للحصول على مكاسب يتم تحويلها لصالح الواجهة السياسية للحركة. وفي مقابل ذلك، لم تترك الدولة المجال فارغا بشكل يُكرس احتكار جهة واحدة لهوامش الفقر، فجعلت من آليات التنمية البشرية والتضامن الاجتماعي وسيلة للإحاطة بالعمل الإحساني ومحاصرته قصد عدم استفحاله. فالدولة اعتمدت برنامجا للتنمية البشرية، يُقدم إلى جانب مؤسسات أخرى، بالعمل على التقليص من انتشار الفقر والهشاشة، وأشركت في تنفيذ برامجها جمعيات تم إحداثها خصيصا لهذا الغرض، قصد ربط علاقات جديدة مع ساكنة هذه المجالات التي تم تحديدها مسبقا وفق خريطة تشمل الأحياء الهامشية في المدن، والقرى النائية. وهكذا، تحولت هذه التوجهات مجالات الهشاشة إلى ساحة «للصراع» بين سياسة رسمية للدولة مدعمة بجزء من المجتمع المدني، وسياسة دعوية تعتمد في انتشارها على العمل الإحساني الذي تقوم بترصيد مكتسباته لصالح حزب سياسي محافظ. وهكذا، أصبحت الأحزاب السياسية الأخرى مقصية من هذا التنافس الجديد الذي زاد من ارتباط الفئات الهشة بالد ولة من ناحية، وشكل قاعدة انتخابية واسعة للواجهة السياسية للحركة الدعوية من ناحية أخرى. إن اقتحام هذا المجال، هو الذي ينبغي أن يُعول عليه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – ضمن تدابير أخرى- لإعادة ربط صلاته بالمجتمع من خلال برنامج يتفادى سلبيات الأسلوبين المعتمدين لحد الآن، واللذين يلتقيان في تطبيق برامج للمساعدة الاجتماعية، وذلك بوضع وترسيخ نظام للحماية الاجتماعية. ومما زاد في تعقيد الوضع السياسي بالبلاد، هو أن علاقة الد ولة بالأحزاب السياسية، أخذت منحى آخر نتيجة الإبعاد التدريجي للأحزاب الوطنية الديُقراطية، وبصفة عامة، الأحزاب التاريخية التي كان لها وزن في الساحة السياسية قبل مرحلة العهد الجديد، فأصبحت البلاد تنحو نحو استقطاب ثنائي مصطنع كان له الأثر البالغ في تحديد نتائج كل الاستحقاقات الانتخابية. وهو ما يجعل المشروع السياسي للأحزاب الأخرى يُواجه صعوبات جديدة نتيجة آثار الاستقطابات التي تمت على أساس سلطة المال أو استغلال الدين. لقد أصبح من الضروري البحث عن آفاق جديدة للعمل على صعيد التحالفات الحزبية لكسر هذه الثنائية المصطنعة. ومُقابل هذا الوضع، تستمر الدولة في اعتماد نهج إصلاحي قائم على فتح أوراش مُتعددة الأبعاد (اقتصادية، اجتماعية، ثقافية ولغوية، سياسة خارجية)تستهدف هيكلة المجتمع للدفع به نحو آفاق تنموية شاملة، بما يجعل الدولة المحرك الأساسي والقاطرة الرئيسية للبلاد نحو الإصلاح الذي نُريده لبلدنا ومجتمعنا. وفي هذا الإطار، فإننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مدعوون مرة أخرى إلى أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار، مُستحضرين أنه طالما راهنا -ولا نزال- على الاستثمار العمومي كقاطرة للتنمية. لذا، فإن تلاقي إرادة الدولة والسياسة العامة التي تُعول عليها، سيكون مدعاةً لإعادة النظر في علاقاتنا مع الدولة، ليس فقط من زاوية التعاقد معها، بل باعتبارنا شريكا في إنجاز هذه المهام الإصلاحية الكبرى. وهو ما يستلزم منا العمل على استعادة مكانتنا السياسية والمجتمعية لنستطيع تحويل أنفسنا من حزب «مُتعاون» إلى حزب «شريك». هذا هو التوجه الذي نبتغيه لحل إشكالات عديدة، ومنها أساسا إرجاع الثقة للمواطنات والمواطنين في العمل السياسي، وإرجاع الثقة للناخبات والناخبين في صندوق الاقتراع، وبما يخدم مشروعنا الاتحادي. إن تجاوز الوضعية السياسية الحالية، ينبغي أن يتم من خلال بناء عناصر الثقة بين كل الفرقاء السياسيين وتخويلهم وسائل التنافس السياسي المتكافئ، وتمكينهم من آليات وضع وتنفيذ السياسات العمومية وفق تصوراتهم وبرامجهم التي يكون المواطن قد صادق عليها. وفي نفس السياق، ينبغي أن تشمل عناصر الثقة، أح د الأوراش الهامة التي جاءت بها مكتسبات دستور 2011 ، والتي كان من «سوء حظ» المغرب، أن حكومة محافظة هي التي كانت وراء تطبيقها بإخراج النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتجسيدها على أرض الواقع مستندة في ذلك في جل الحالات إلى الأغلبية العددية، ومُنتهجة سياسة المس بمكانة المؤسسة التشريعية، سواء في مجال المراقبة أو في مجال سن القوانين. والنتيجة، أن البلاد أهدرت خمس سنوات من الزمن السياسي. لذا، واعتبارا لذلك، ينبغي علينا أن نستمر في الدفاع عن المؤسسة التشريعية قصد «تحريرها» من هيمنة الممارسات الحكومية التي تُفرغها من مهامها الدستورية الحقيقية، وفي نفس الآن، إعادة النظر في المنظومة التشريعية لكل النصوص ذات الصلة بمختلف مؤسسات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وهيئات الحكامة الجيدة والتقنين، وهيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديُقراطية التشاركية. والهدف من ذلك، هو تحويلها إلى مؤسسات داعمة للعمل الحكومة في وضعها لسياساتها العمومية كقوة اقتراحية قائمة على تقديم الخبرة بأطر يتم اختيارها بناء على كفاءتها، وليس على انتماءاتها السياسية أو النقابية أو الجمعوية. ثانيا: أية استراتيجية انتخابية؟ إن تشخيصنا الدقيق للممارسة الانتخابية بالبلاد، قد أبانت عن صحة وجهة نظرنا التي لا نزال نعتبرها حجر الزاوية لكل تحول ديُقراطي، إذ لا يُُكن تقويم الاختلالات التي تشوب العملية الانتخابية ومنحها الإطار الملائم لتصبح جزءً من مسلسل اتخاذ القرارات الكبرى، إلا بجعلها أكثر جاذبية للناخبات والناخبين. إن ظاهرة العز وف الانتخابي المتصاعد من استحقاق لآخر لا يُُكن أن تجد تفسيرها إلا بالمضمون الذي نُريده لمدلول الانتخابات الحرة والنزيهة، والتي تُحرر الناخب (ة) من أي ضغط خارجي، ماديا كان أو معنويا، قد يُؤثر في عملية التصويت. وفي هذا الصدد، فإن تحقيق هذا الهدف رهين بمعالجة إشكالية نعتبر أنه سيكون لها الأثر البالغ في إضفاء دينامية جديدة على المسلسل الانتخابي. إن الإشكال، يتعلق بالدور الذي نريده للأحزاب السياسية في علاقتها بالدولة والمجتمع. لقد منحها دستور 2011 أدوارا مهمة، تُمكنها من القيام بمهمة التأطير والتكوين السياسي، والتعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة. وإذا كان الدستور قد استعمل مصطلح «الوسائل الديُقراطية»، فإن ذلك يجعلنا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نعتبر أن الوسائل الديُقراطية الحقيقية تقتضي التنافس بين المشاريع السياسية المدنية، بُغية تطبيق برامج ذات صلة بالسياسات العمومية التي لا علاقة لها باستعمال المال أو استغلال الدين. إن الوسائل الديُقراطية هي آليات اشتغال سلمية، مبنية على التطلع إلى تطبيق برامج قطاعية وفق تصور شمولي قابل للتنفيذ على أرض الواقع. ولن يتأتى هذا إلا بتحديد واضح لعلاقة الأحزاب السياسية بالدولة. فهذه العلاقة التي ظلت لفترة طويلة، تحكمها ميزة «التعاون»، ينبغي أن تُمن ح بُعدا أوسع. فالتعاون يُظهر الأحزاب السياسية وكأنها دخيلة على مؤسسات الدولة، وليس لها من دور إلا في الاندماج في سياسة عامة للدولة دون القدرة على المساهمة في وضعها، وهو ما يخلق لدى المجتمع إحساسا بعدم جدوى وجود هذه الأحزاب السياسية أصلا. فهذا الإحساس أصبح يتعمم وبشكل يُؤثر على رغبة الناخب (ة) في جدوى الإدلاء بصوته خلال الاستحقاقات الانتخابية. وإننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كنا، ومنذ اعتمدنا استراتيجية النضال الديُقراطي، نعتبر أن تدبير الشأن العام سيؤدي تدريجيا إلى اقتسام السلطة، فيتحول التعاون إلى شراكة حقيقية تجعل الأحزاب السياسية، الممارسة للسلطة، مسؤولة مسؤولية كاملة عنها، وليس عن جزء منها. كما أننا واعون جدا أن جسامة تحقيق هذا الهدف، الذي ع برنا عنه آنذاك بالملكية البرلمانية، لا يتنافى مع المكانة الخاصة، والمجالات المحفوظة للملك، والتي هي حصرية بالنسبة لإمارة المؤمنين، ومؤطرة دستوريا بالنسبة لرئاسة الدولة، على غرار الدول الأخرى التي يتمتع فيها رؤساء الدول باختصاصات وصلاحيات محددة. إن توضيح مكانة الأحزاب السياسية بعلاقتها مع مختلف مؤسسات الدولة، ما زالت تحتاج إلى التأطير التشريعي والتنظيمي الملائم قصد منحها أبعادا تشاركية، ما دام أن طبيعة نظام الدولة كانت دائما محسومة، ولم تعُد تحتمل أي تأويل أو ممارسة لا تسير في هذا الاتجاه. فالقطيعة التي قام بها حزبنا مع خيارات ما قبل اعتماد مبدأ النضال الديُقراطي كانت بمثابة نقطة انطلاق لصيرورة كبرى اعتبرناها أساسا لتعاقد كان وراء «المسلسل الديُقراطي» الذي فتح آفاقا جديدة في الحياة السياسية الوطنية. ورغم أننا كنا آنذاك معارضة مجتمعية وبرلمانية، فإننا حرصنا على المشاركة في كل الاستحقاقات التمثيلية التي ضمنت تواجد حزبنا في كل المؤسسات التشريعية والترابية والمهنية، ودون أن يُنعنا ذلك من المساهمة، أحيانا بشكل مباشر، وأحيانا أخرى بالدعم اللازم، في كل القضايا المصيرية التي تهم الوطن، سواء على صعيد القضية الوطنية، أو على صعيد إنقاذ البلاد من «السكتة القلبية» بقيادتنا لحكومة التناوب التوافقي، أو المشاركة في الحكومتين المواليتين رغم الخروج عن «المنهجية الديُقراطية». لقد تبين لنا أن تراجع قاعدتنا الانتخابية يعود أساسا لتحميلنا مسؤولية المشاركة في تدبير الشأن العام لمدة 13 سنة، رغم أننا لم نكن إلا مشاركين بجانب أحزاب سياسية أخرى. وهو ما جعلنا نستشعر أهمية تحديد موقع الأحزاب السياسية ضمن مسلسل اتخاذ القرارات الكبرى كشركاء حتى تكون مسؤوليتنا واضحة. لقد كانت قيادة حكومتي ما بعد التناوب التوافقي بين أيدي غيرنا، في الوقت الذي تحملنا فيه المسؤولية لوحدنا. ثالثا: أي شروط لتنافس انتخابي متكافئ؟ إن تتبع نتائج مشاركاتنا الانتخابية، قد أبرزت أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بقي وفيا -طيلة مشاركاته- لنفس تقنيات التنافس، استنادا إلى وضوحه الإيديولوجي، ثم مواقفه السياسية، ومعارضته للسياسات العمومية المتبعة، لغاية اعتماد برنامج انتخابي مُتكامل، واعتمادا على تنظيمه الحزبي كوسيلة لإدارة مختلف مراحل العملية الانتخابية، بدءً من الترشيحات إلى غاية الطعون الانتخابية. وقد كان هذا النمط المتميز من الممارسة يُجابه في كل مرحلة زمنية بتدخل لجهات تعمل على الإخلال بشروط التنافس المتكافئ. وقد كان تدخل الإدارة في المراحل الأولى، عاملا يُضعف من نتائجنا بكل الوسائل الممكنة المؤثرة في إرادة الهيئة الناخبة، والتي وصلت حد تزوير النتائج نفسها. وإذا كنا قد ساهمنا لاحقا، في إدخال العديد من التقنيات اللازمة لرفع الضغط عن الكتلة الناخبة، من خلال إلغاء نظام الألوان، واعتماد نظام الرموز، والورقة الفريدة للتصويت، والاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي، وغير ذلك، فإننا ما فتئنا نعتبر أن المنظ ومة الانتخابية لا تزال في حاجة إلى المراجعة، خاصة وأن طبيعة العناصر المؤثرة في عملية التصويت قد تغيرت نتيجة «الحياد» الذي بدأت الإدارة تُمارسه من استحقاق لآخر. إن إصلاح المنظومة الانتخابية مدخل أساسي من مداخل الإصلاح السياسي الشامل، ومرتبط بنضالنا الذي اتجه من بناء الديُقراطية بكل الطرق الممكنة، إلى بناء الديُقراطية بطرق سلمية تضمن لكافة الفرقاء السياسيين نفس الحظوظ وشروط العمل لبلورة إرادة سياسية جماعية للترسيخ الديُقراطي. وفي هذا الصدد، فإننا نعتبر أن الشروط الأساسية للتنافس السياسي المتكافئ والشريف، تقتضي إبعاد كل استغلال للدين أو استعمال للمال في العملية الانتخابية. إن ظاهرة استعمال المال للتأثير في الهيئة الناخبة، بدأت تعرف منحى تصاعدي، وبأشكال لم تعد معه الأحزاب السياسية المعتمدة على استقلالية ماليتها قادرة على مجاراة هذه الوضعية، وحتى الدعم العمومي نفسه أصبح يخلق أوضاعا غير متوازنة نتيجة طريقة توزيعه. ونعتقد في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن هذا النوع من الممارسات يسهل الإحاطة به بتقنيات عديدة وصارمة، سواء من خلال المراقبة المواكبة أو اللاحقة، ليضل استغلال الدين المعضلة الثانية التي ينبغي التصدي لها. إن العمل السياسي بصفة عامة، والانتخابي بصفة خاصة، لا يُُكن بتاتا أن نستمر في قبوله بين أحزاب مدنية وأحزاب لا تُعتبر إلا واجهة لحركة دعوية دينية، فاستعمال الجمعيات الدعوية والخيرية، وترويج خطاب الحقد والكراهية، عناصر تُخل بشكل فادح بشروط التنافس المتكافئ، خاصة وأنه يهم أساسا الفئات الشعبية التي يتم استغلال فقرها وهشاشتها للحصول على مكاسب انتخابية غير مُستحقة. إن ما يُنح تصورنا مصداقية أكبر، هو أن كل القوى التي لها مصلحة في التغيير نحو الأفضل، تتأثر بهذه الظاهرة التي سيؤدي المزيد من استفحالها إلى «مُستقبل مجهول» في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إلى تكثيف الجهود لخدمة المصلحة الوطنية لبلادنا. لذا، فإن إرجاع التوازن في شروط المنافسة السياسية إلى وضعه الطبيعي، ينبغي أن يتم من خلال توجيه التنافس إلى مجال البرامج المدنية، المرتبطة بالسياسات العمومية، وهذه مسؤولية الدولة أساسا باعتبار أن الأمر يتعلق بسيادة الدولة. فالعمل الإحساني الواسع يفتح المجال للتمويل الأجنبي ما دام أن الدولة نفسها من خلال سعيها إلى محاربة الفقر والهشاشة تحتاج للميزانيات الضخمة. إن هذا العامل لوحده، يُسند تصورنا الذي نعتبر أن شروط تحقيقه قائمة على إبعاد استغلال واستعمال العمل الدعوي والإحساني، وبصفة عامة، الخطاب الديني، عن المسلسل الانتخابي. وهكذا، سنتمكن تدريجيا من وضع أسس جديدة لفصل الدين عن السياسة بمنع أي خلط بينهما. إن مؤسسة إمارة المؤمنين، باختصاصاتها الدينية، كفيلة لوحدها بتدبير الشأن الديني، حصريا، بكل ما تملكه من شرعية تاريخية، دينية، ودستورية. إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر أن تركيزه على هذين العاملين (استغلال الدين واستعمال المال) يهدف إلى التنبيه إلى أن دفع البلاد إلى قطبية مُصطنعة، ستمس في الصميم مشهدنا السياسي والحزبي القائم على التعددية، وهو ما أبانت عن صحته نتائج استحقاقات 2015 و2016 بشكل جلي. لذا، سنستمر في اعتبار أن المنظومة الانتخابية لا يُُكن أن تُؤدي إلى النتائج المرجوة منها إلا من خلال إعادة نظر شاملة لكل النصوص والتدابير ذات الصلة بالاستحقاقات الوطنية، الترابية، والمهنية. رابعا: أي تحالفات حزبية؟ إن مسار تحالفات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قد ظل لفترة طويلة يتحكم فيه تموقعنا في المعارضة، مما سهل علينا التحالف مع أحزاب من نفس تموقعنا. وقد تم ذلك لفترة طويلة مع حزب الاستقلال إلى غاية تأسيس الكتلة الوطنية. إلا أن تغير موقع الطرف الآخر، من فترة لأخرى، أدى إلى الاعتماد على ذاتنا للقيام بدور المعارضة، وهو ما جعلنا نتموقع بشكل أكبر ضمن اليسار المغربي إذ كنا الحزب الذي تلقى أقسى وأوسع درجات القمع والمضايقة. لذا، ظل تحليلنا منصبا على الدعوة إلى وحدة اليسار في الوقت الذي كان فيه هذا اليسار يتعرض للتمزيق عبر الانشقاقات المتتالية. وقد شكلت هذه الظاهرة، هدرا للزمن الحزبي، وتشويشا على الوضوح الإيديولوجي والسياسي اللازم، باعتبار أن جلها تم لأسباب تتعلق بالذات الشخصية وتصفية الحسابات الضيقة، دون أي اعتبار للأطروحة السياسية التي قد تُضفي على أي انشقاق طابع الخلاف السياسي. ومع مطلع التسعينات، وتشكيل الكتلة الديُقراطية كإطار جماعي للعمل والدفاع عن الإصلاحات الدستورية والسياسية، فإن تأثير هذه المرحلة بقي مستمرا لفترة طويلة حتى أن تفكيرنا ظل حبيس اختيارين فقط. فرغم استنفاذ الكتلة الديُقراطية لدورها، استمر «الحنين» إلى إحيائها، بالموازاة مع استمرار دعواتنا إلى وحدة اليسار. إن هذا التأرجح قد جعل منا حزب لا يُقدر ذاته، إلا ضمن إطار أوسع (اليسار أو الكتلة)، وهو ما فوت علينا فرصة إثبات ذاتنا وترسيخها ضمن المشهد الحزبي، في استقلالية تامة عن أي تحالف أو تكتل أوسع. ومما زاد في تعقيد وضعيتنا، بعض النقاشات والدعوات غير الواضحة المعالم، من قبيل «الكتلة التاريخية»، والتحالف مع كل «القوى الديُقراطية والحداثية والتقدمية»، فبدأنا نفقد زمام المبادرة التي كانت تُميزنا عن غيرنا، وتجعل منا حزبا يبني توجهاته ومواقفه على الموقف الحزبي المستقل، وهو العنصر الكفيل بإطلاق دينامية استعادة المبادرة. ومع تنصيب حكومة يقودها حزب يُيني محافظ، وتموقعنا من جديد في المعارضة، وجدنا أنفسنا -موضوعيا- إلى جانب تنظيمات حزبية تجمع خليطا من الليبراليين والحداثيين والمحافظين. إن ضبابية المشهد السياسي في هذه اللحظة، والاصطفاف المصطنع الذي لم يعُد قائما على الموقف السياسي، بل فقط على التموقع في الحكومة أو المعارضة، يطرح علينا من جديد، ضرورة إعادة النظر في تحالفاتنا. لقد كان البحث عن «من» سوف نتحالف معه، هو المتحكم في اختياراتنا، في الوقت الذي كان ينبغي فيه البحث عن «ماذا» سنتحالف حوله. فالتجارب الدولية للأحزاب الاشتراكية الديُقراطية، أبانت عن قدرتها في التأقلم مع التحولات العالمية التي أصبحت تفرض اصطفافات وتحالفات أخرى، تُراعي واقع العولمة وما ترتب عنها من تنام لليبرالية المتوحشة والقوى المحافظة والمتطرفة، مُقابل تراجع لمكانة أحزاب اليسار بصفة عامة. لذلك، لم تجد أي حرج في التحالف مع التيارات الليبرالية «الوطنية» التي تضررت بنفسها من الليبرالية المتوحشة. فإذا كانت بلادنا تعرف نفس التحولات من تأثير للعولمة، وصعود القوى المحافظة المتسترة وراء الدين من خلال العمل الدعوي والارتباط الخارجي الواضح المعالم، فإنه أصبح لزاما علينا، كحزب يتوخى تحقيق نموذج اجتماعي واقتصادي مُعين على أرض الواقع، أن نبحث عن حلفاء يتقاطعون مع أهدافنا. وما دام أن التحالفات المتعددة الأطراف، لم تعُد قادرة على مسايرة الوضع الوطني الجديد، فإن نمط تفكيرنا وممارساتنا ينبغي أن يذهبا في اتجاه آخر، يُؤطره برنامجنا الحزبي. لقد أصبح لدينا، رصيد مهم من التراكمات، التي سمحت بوضع برنامج انتخابي مُتكامل بمناسبة استحقاقات 2016 ، ينبغي استغلاله بتحويله لبرنامج تنفيذي قابل لأن يكون برنامجا حكوميا يتم استعماله لغرضين رئيسيين. فمن ناحية أولى، فإن موقعنا -سواء داخل الأغلبية الحكومية أو داخل المعارضة- ينبغي أن نُوفر له الخطاب السياسي الملائم، للدفاع عنه، حتى لا تهُيمن علينا الانتظارية التي تعتمد فقط على فشل الآخرين لبلورة البديل، ومن ناحية ثانية، فإن تحالفاتنا يجب أن تُؤسس على المفاوضات الحزبية الثنائية مع كل الطيف الحزبي الفاعل في الحياة السياسية، والبحث عن نقط الالتقاء التي يُُكن أن تكون أساسا لتحالف ثنائي مع أي حزب نتقاطع معه فيما نعتبره جوهريا في تصورنا وبرنامجنا. إن أسلوب التحالفات الثنائية، المبنية على أسس واضحة، سيُضفي أولا دينامية جديدة على صعيد حزبنا، من زاوية المساهمة في تحويل النقاش العمومي إلى نقاش حول برامج عملية يسهل قياسها، وبالتالي التأكد من جدواها على أرض الواقع، وتبعا لذلك، يتحقق لحزبنا عودة قوية للنخب والفئات المثقفة إلى حلبة النقاش، وحتى إخراج فئة واسعة من المجتمع من دائرة العزوف والانتظارية وطغيان التشاؤم، إلى دائرة المشاركة بالتقييم والنقد والإدلاء بالرأي وحتى المشاركة الانتخابية. ومن ناحية ثانية، فإن أسلوب التحالفات الثنائية المبنية على البرامج، سيكون لبنة أساسية لاصطفافات حزبية جديدة غير مبنية بالضرورة على مواقف أصبحت الضبابية سمتها البارزة، من قبيل اليمين واليسار، الأغلبية الحكومية والمعارضة، المحافظ والتقدمي، أو حتى الاصطفاف الذي ساهمنا في خلقه في لحظات تاريخية معينة، والذي استنفذ دوره من خلال وضعه للأحزاب الوطنية الديُقراطية في مواجهة الأحزاب الإدارية بتصور جامد يُراعي فقط أصل نشأة الأحزاب دون استحضار التطورات اللاحقة. إن إقامة فصل جامد بين مجموعتين أو كتلتين، بناء على معايير لم تعد تستجب للتطورات الحاصلة على المستوى الدولي، وللتحولات الاجتماعية الوطنية، لا يُُكن أن يحصرنا ضمن استقطابات جامدة وعقيمة. فواقعنا الحالي لا يُُكن أن يضعنا كاشتراكيين ديُقراطيين في مواجهة الليبراليين، والحال أن التجارب الدولية تذهب في الاتجاه المعاكس حيث التعاون بين التوجهات الاشتراكية الاجتماعية والتوجهات الليبرالية الاجتماعية على أساس العناصر المشتركة. لذا فمن غير الحتمي أن نبقى مُتمسكين بما هو عقيم ضدا على التاريخ والتطور الذي يفضي إلى الدينامية وليس إلى الجمود. إن المشهد الحزبي الوطني، وخاصة من ذلك، الجزء الفاعل في الحياة السياسية، قد أصبح يُسائلنا، فبقدر ما ينبغي أن نعمله جماعيا لترسيخ دور أساسي للأحزاب السياسية في صناعة القرار السياسي، بقدر ما ينبغي أن نعتمد تحالفات دينامية مهما كان الطابع الظرفي يغلب عليها، ما دامت ستُمكننا من تحقيق تموقع أفضل لحزبنا في تنفيذ جزء من برنامجه الذي تحالف على أساسه. وأخيرا، فإن أسلوب التحالفات الثنائية المبنية على البرامج، مدخل هام لتشكيل الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة قائمة مُسبقا على برامج مُتفق حولها، وبنفس القدر، لتشكيل معارضة واضحة المعالم لا يُُكن أن تستمر في طمس هويتنا داخلها. لقد تحملنا لوحدنا تبعات المشاركات المتتالية في الحكومة لوحدنا، وتحملنا تبعات المعارضة نفسها لوحدنا، وفي كلتا الحالتين كان لتحالفاتنا آنذاك دور سلبي في تقدمنا إلى الأمام، فلا التوافق خدمنا، ولا تموقعنا في المعارضة أدى إلى نتيجة. خامسا: أي إدارة ترابية لبلادنا؟ لقد راهن الاتحاد الاشتراكي دائما على أن إعطاء دينامية نوعية جديدة للفعل التمنوي الشامل، يقتضي اعتماد سياسة فعالة لإدارة التراب الوطني بالشكل الملائم، الذي يسمح بالمساهمة الإيجابية للساكنة في تدبير شؤونها. ومن هذا المنطلق، يعتبر الحزب، أن المستوى الجهوي، مجال واعد بامتياز، استنادا على الدراسات والأبحاث التي تمت في إطار الحوار الوطني لإعداد التراب، وعلى المنظور الخاص للحزب، المستند على اعتبار الجهوية، عنصر أساسي لتصريف المشروع الاقتصادي التنموي. وإذا كان الدستور، قد وضع أسسا مهمة لإقامة نظام للجهوية المتقدمة، فإن تطبيقه عبر القوانين التنظيمية ذات الصلة بالجماعات الترابية، لا زال لم يُحقق المرجو منه. لقد تم اختزال الجهات في حدود مستوى معين من هذه الجماعات الترابية، رغم أنها تحتل مكان الصدارة بين هذه الجماعات. وبالموازاة مع ذلك، فإننا نعتبر أن مسار الجهوية المتقدمة، ينبغي أن يسير بشكل يسمح بالتميز للمبادرة الوطنية للحكم الذاتي بالنسبة لأقاليمنا الصحراوية. ورغم اختلاف الآراء حول هذه النقطة بالذات، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سيبقى دائما في طليعة المدافعين عن إيجاد حل سياسي مُتفاوض حوله، يُراعي المسار الدولي وخصوصيات باقي الجهات الوطنية. إن انخراطنا، في مقترح الحكم الذاتي، كحل عادل ودائم لقضية الصحراء المغربية، يتطلب منا اقتراح وسائل تدبير محلي جديدة تتناسب وتطلعات الساكنة. لذا، سنعمل على إشراك جميع الفاعلين المحليين (منتخبين، جمعيات، نقابات، أحزاب وسلطات) في تطبيق النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية، وبالأساليب الأنسب لتحقيق النهوض الاقتصادي والاجتماعي، والقطع مع ممارسات الماضي المبنية على التحديد المركزي للسياسات التنموية. وعلى هذا الأساس، فإن الحزب مُطالب بالعمل على تطبيق برامجه السياسية والثقافية على أرض الواقع آخذا بعين الاعتبار البعد الجهوي، وذلك تحت شعار: «مرجعية اشتراكية ديُقراطية واحدة، ومنظومة تأطيرية متعددة». وهذا يقتضي منا ابتكار أساليب تنظيمية جديدة على كل الأصعدة، عملا بمبدأ التأقلم المستمر مع الخصوصيات المحلية ومواكبة الابتكارات المتسارعة للحركة الاجتماعية والثقافية. إن الجهة ليست مجرد مؤسسات مُنتخبة بالاقتراع العام المباشر، ذات صلاحيات مُحددة حصريا بالنصوص التشريعية والتنظيمية. بل هي أبعد من ذلك، سنعمل على تطويرها من خلال جعل اختصاصات الجهات هي القاعدة العامة، وتدخل الدولة هو الاستثناء، لأن الدولة ينبغي أن تنحصر مهمتها في تحديد الوظيفة الوطنية للجهة وفق ما تسمح بذلك المؤهلات الطبيعية والاقتصادية والبيئية والبشرية، وفسح المجال المؤسسات الجهوية لوضع البرامج اللازمة لتحقيق الأهداف المحددة بما يُحقق التكامل ويخدم التضامن. فالجهة ليست مجرد مجموعة مشاريع منفصلة عن بعضها البعض، بل مشروع وطني استراتيجي يندرج ضمن الرؤية الوطنية للجهة التي عليها أن تقوم على أساس إبراز عنصر التضامن ولاستغلال الأمثل لكل ث روات الجهات لما فيه مصلحة الجميع. ويتطلب هذا الأمر، إعادة النظر في علاقة الدولة وممثليها بالمجالس الجهوية بشكل لا يجعل من الطرف الأول وصيا ومراقبا ومسؤولا عن تطبيق القانون، بل شريكا ومواكبا ومساعدا للثاني في إنجاز مهامه، مع ما يتطلبه الأمر مرحليا من تدخلات لصندوق التضامن بين الجهات لتمكين الجهات الناقصة التجهيز والبنيات التحتية، من وضع برامجها استنادا على هذا البرنامج الوطني؛ وهكذا، نُسجل في البداية، مواقفنا الجوهرية والمنطلقات والأسس التي نريدها لجهوية متقدمة، حقيقية، ونوعية، تُشكل دعامة لنظام الحكم الذاتي الذي نُعول عليه كحل نهائي للقضية الوطنية. إن الجهوية المتقدمة ليست مسلسلا داخليا محضا فقط، ولكنها مسلسل سيسترعي انتباه كل الدول الصديقة والشقيقة والمنظمات التي تتابع الوضع بالمغرب، والتي ينبغي أن نقدم لها برهانا آخر على جدية ومصداقية اقتراحاتنا. وفي هذا الصدد، فإن الاتحاد الاشترامكي للقوات الشعبية، ينبغي أن يعمل على تعميق النقاش حول «الهوية الجهوية»، والتي لا يُُكن أن تتحقق من خلال التقسيم الترابي والمتمثل في إعادة تفكيك وتجميع العمالات والأقاليم بشكل جامد، واعتماد التدبير الجهوي للتنمية من خلال جعل الخيارات التنموية للجهة هي الأصل، دون تدخل الدولة لفرض توجه محدد بشكل مسبق ومركزي. وبالموازاة مع ذلك، تسريع مسلسل اللاتمركز بشكل يفتح علاقة مباشرة بين المصالح الخارجية لمختلف الوزارات والمجلس الجهوي، وجعل هذه المصالح في خدمة التنمية الجهوية. ونعتبر أن هذا الأمر يفرض إحداث تغيير جوهري في دور الإدارة الترابية من خلال تحويل المصالح الاقتصادية والاجتماعية التابعة للولايات والعمالات والأقاليم تباعا إلى مجلس الجهة ومجالس العمالات والأقاليم. المحور الثالث: في التأطير السياسي لبرامجنا الأساسية أولا: أية أوراش كبرى؟ ثانيا: أي نموذج اقتصادي ناجع لبلدنا؟ ثالثا: أية حماية اجتماعية؟ رابعا: أي مشروع مجتمعي؟ خامسا: في الدين والثقافة واللغة والتواصل أولا: أية أوراش كبرى؟ إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعي تماما أن ترتيب الأولويات من خلال أوراش كبرى، عملية متداخلة، تتحكم فيها العوامل الظرفية أحيانا، لكنها لا يُُكن أن تُحيدنا عن أوراشنا الكبرى، التي نٌراهن عليها لإحداث تغييرات في مختلف البنيات التي تحتاج، وباستعجال، إلى معالجة الاختلالات التي تشوبها. وبهذا الخصوص، نُركز هنا على أربعة أوراش كبرى، تتمثل في القضايا المؤسساتية (1)، وترسيخ سيادة القانون (2)، واحترام الحقوق والحريات الأساسية (3)، واستكمال الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة(4 ؟). 1 – القضايا المؤسساتية إن المكتسبات المتقدمة، التي جاء بها دستور 2011 ، تستلزم منا الحرص على تطبيقها بما يضمن تحصينها من جهة، والرقي بمختلف مؤسساتنا الوطنية لتُصبح دعامة أساسية لدولة الحق والقانون من جهة أخرى. وإذا كان الدستور قد وضع الخطوط العامة المنظمة لبعض المؤسسات، فإنه المنظومة القانونية والتنظيمية ينبغي أن تكون في مستوى هذه المكتسبات. وعلى هذا الأساس، يعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كل الولايات التشريعية لما بعد صدور الدستور، تُعد استمرارا للعمل التأسيسي، الذي ينبغي أن يتم دائما في إطار نهج المقاربة التشاركية التي تم اعتمادها لبل ورة المراجعة الشاملة للدستور، والابتعاد عن المنهجية المستندة على الأغلبية العددية. فالبلاد في حاجة إلى المزيد من النقاش والتعديل والتدقيق لكل المنظومة القانونية والتنظيمية المؤطرة لمختلف المؤسسات الدستورية الوطنية، والجماعات الترابية، وقضايا اللغة، وتنظيم حق الإضراب … وإعادة النظر في القوانين المنظمة لم ؤسسات وهيئات الحكامة. فالأمر يتعق بأوراش مفتوحة، ينبغي أن تبقى في جدول أعمال حزبنا. إن عملنا ينبغي أن يصب في اتجاه تعديل الأسس التي يقوم عليها القانون التنظيمي للأحزاب السياسية بما يُحقق بشكل أكبر مضمون المادة السابعة من الدستور، ويُعقلن الحزبي بشكل أفضل، وبما يضمن تمكين البرلمان من ممارسة صلاحياته التشريعية والرقابية والتقييمية والديبلوماسية، بما يُحقق التوازن في علاقة السلطة التنفيذية. كما أن تصورنا لأسلوب وضع وتنفيذ السياسات العمومية لا يُُكن إلا أن يستمر في الدفاع عن كونها تُعد من صلاحيات السلطة التنفيذية، حيث دافعنا طويلا عن مبدأ الحكومة ذات الصلاحيات الواسعة، حتى تتم مساءلتها ومحاسبتها عن كل السياسات العمومية التي نفذتها، وبالتالي فإن هذا الوضع يتعارض مع قبول سحب أية صلاحيات حكومية لصالح مؤسسة دستورية أخرى. إن اختصاصات هذه المؤسسات والهيئات، لا يُُكن أن تُعتبر سببا أو ذريعة لتوجيه العمل الحكومي إلا بقوة اقتراحاتها ومذكراتها ودراساتها وأبحاثها، لأنه بقدر ما تكون قوة الاقتراحات حقيقية، بقدر ما تُصبح فاعلة ومؤثرة على السياسات العمومية. إن جسامة المهام الملقاة على عاتقنا، كحزب يتفاعل مع تطلعات الفئات الشعبية، يقتضي منا أيضا العمل على تقوية دور المجتمع المدني في مُتابعة تطبيق الدستور. فالأمر يتعلق بمهمة وطنية سنستمر في قيادتها وتحصينها إلى جانب جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الفاعلة. وبنفس المنطق، ينبغي أن نتفاعل مع المجتمع بشكل إيجابي في كل ما يهم العرائض وملتمسات التشريع التي يُُكن أن نتسلمها من الجمعيات والمواطنات والمواطنين. 2 – ترسيخ سيادة القانون لقد كان لتضحيات ونضال عموم الاتحاديات والاتحاديين، إلى جانب كل القوى التقدمية والحداثية والحقوقية، النصي ب الوافر في التطور المطرد لترسيخ دولة الحق والقانون، وسيادة القانون. إلا أن هذا التقدم يصطدم مع سياسات عمومية تعمل على تعميم قمع ممارسة الحقوق والحريات، الفردية والجماعية، مع عدم القيام بما يلزم لمكافحة الفساد وحل إشكالة تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الدولة. وانطلاقا من هذا، يسعى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى تحقيق دولة الحق والقانون التي تضمن للأفراد ممارسة حقوقهم وحرياتهم الأساسية من خلال إعادة النظر بكيفية جذرية في الوسائل الردعية الضرورية الواجب إقرارها للحد من من جميع أشكال العنف التي قد تهدد استقرار البلاد، حتى نتمكن من إرجاع الثقة للمواطنات والمواطنين في تطبيق القانون في مواجهة الدولة نفسها. ولن يتأتى هذا، إلا بعمل حكومي مُنسجم مع المبادئ الدستورية حول سيادة القانون، وعدم رجعيته، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الشطط في استغلال مواقع النفوذ، ومحاربة الفساد…؛ سياسة حكومية لا تتساهل مع مظاهر التكفير والتحريض على القتل، وتبرير المواقف والمقترحات الأصولية، وبالتالي التحريض على الترهيب الاجتماعي. فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر أنه ينبغي القطع مع كل مظاهر العنف في الشارع العمومي، وانتهاكات حقوق الإنسان، وفسح المجال لتهييج الناس وحشدهم وجعلهم باسم «الأخلاق» و«الهوية» يعقدون محاكمات في الشارع العام ويصدرون أحكاما ينفذونها في حق مواطنين ومواطنات، وبالتالي سنكون ضد أي توجه نحو خوصصة تطبيق القانون بناء على قناعات فردية، أو بسبب ميولات إيديولوجية. هذه هي عناصر الحكامة الأمنية التي تُعد أحد أهم مظاهر تدبير الدولة الحديثة، والتي ينبغي أن تقوم على أساس التوزيع الصائب للأدوار والمسؤوليات بين مختلف فاعلي الأمن، والعمل على انفتاح المصالح الأمنية على الأطراف الأخرى الشريكة وأساسا المجتمع المدني والإعلام. فالحق في الأمن يعتبر في مرتبة محورية باعتباره الخيط الناظم للتحديات المتعلقة باحترام الحريات والحقوق، وب رج مراقبة من أجل تصريف أو إدارة الأزمات خصوصا مع تنامي وتيرة العنف والجريُة بكافة أشكالها. إن الوصول إلى تحقيق الأمن الاجتماعي، ينبغي إضافة لذلك، العمل بكل حزم على محاربة الفساد بكل مظاهره ومستوياته وآلياته وخاصة فصل سلطة المال والأعمال والنفوذ عن السياسة وفضاءاتها، ورفع إيقاع تفعيل السياسة الجنائية عبر تقوية الآليات القانونية في محاربة الفساد المالي الذي لا زلنا بخصوصه متشبثين بإخراج هيئة قضايا الدولة إلى حيز الوجود لوقاية مختلف مرافق الدولة من المخاطر القانونية والتوفر على آليات مركزية في مجال محاربة الفساد وهدر المال العام، وفق مقترح القانون المتكامل، الذي قدمناه بتاريخ 18 شتنبر 2011 . 3 – احترام الحقوق والحريات الأساسية إن احترام الديُقراطية وحقوق الانسان، واحترام دور الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية، وجمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، أركان أساسبة لبناء الديُقراطي والتنموي على المستوى الداخلي، ولكن أيضا للرقي بالمغرب إلى مرتبة تسمح له بالتفوق، أمام خصوم وحدتنا الترابية، بآليات جديدة عند الدفاع عن صحرائنا المغربية، في كل ظرفية تجعل بلادنا تحت مجهر الفحص. والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إيُانا منه بكون حقوق الإنسان مجال شمولي لا يقبل أي تجزئة، يحرص دائما على الدفاع عن حق المواطنات والمواطنين في العيش في مجتمع كريم لا تُمس فيه أية حقوق أو حريات للأف راد والجماعات والفئات الاجتماعية، وفق ما هي متعارف عليها عالميا من جهة، ووفق ما يكرسه دستور يوليوز 2011 من جهة أخرى. هذا هو توجهنا الذي يُحافظ لحزبنا، في عمله النضالي والسياسي، على البُعد التقدمي والحداثي، ويجعلنا موضوعيا إلى جانب الحركة الحقوقية والمؤسسات الوطنية التي تُعنى بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، للمساهمة الفعلية في تقويم الاختلالات الكبرى التي يشهدها العمل الحقوقي مع مراعاة الطابع الكوني للحقوق والحريات الأساسية وعدم قابليتها للتجزيء. كما سنبقى مُتشبثين بضرورة مُتابعة ما تبقى من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والقطع النهائي مع ممارسات الماضي بخصوص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وخاصة في كل ما يتعلق بترشيد الحكامة الأمنية وكذا متابعة البحث والتقصي لكشف الحقيقة الكاملة لحالات الاختفاء القسري التي لم يتم التوصل بشأنها إلى أية نتيجة واضحة. أما على صعيد المغاربة المقيمين بالخارج، فإنه سيتم العمل على: تمتيع مغاربة العالم بالحقوق التي جاء بها دستور 2011 داخل مؤسسات الدولة عبر إقرار حق مغاربة العالم في المشاركة السياسية عبر تمكينهم من ممارسة حق التصويت والترشيح انطلاقا من بلدان الإقامة، والانفتاح على جميع الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج والاستفادة من مواقعها، وإشراكها في كل هيئات الحكامة بتمثيلية وازنة، وتبني فكرة إحداث مجلس أعلى للهجرة. إن تصورنا الشامل، لا يقف عند حد الحقوق السياسية، بل يتعدى ذلك، باعتماد مقاربة واضحة الأهداف موجهة لكل الفئات المغربية القاطنة بالخارج وخصوصا الأجيال الصاعدة، سواء على صعيد تقوية وتطوير المواكبة الاجتماعية لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج عبر توسيع خارطة المستفيدين من الدعم الاجتماعي من الفئات الهشة، وخلق نظام وآلية لإدماج مغاربة العالم العائدين إلى أرض الوطن اضطراريا، ومواكبة القاصرين الغير المرفقين وكذا المسنين الموجودين في وضعية صعبة، وخلق آلية دائمة لتدبير الأزمات، أو على صعيد تأهيل العمل الثقافي الموجه لهم عبر تنفيذ برامج ثقافية ذات بعد هوياتي هادفة موجهة لهذه الفئة، تُشجيع الاندماج الإيجابي داخل بلدان الإقامة مع تقوية روابطها مع وطنها الأصلي. 4 – استكمال الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة يعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن إصلاح العدالة في منظورها الشمولي، ينبغي أن يتم من خلال إصلاح جميع مكونات هذه المنظومة المتشعبة والتي تتجسد في ثلاث مرتكزات أساسية هي القوانين، الجهاز المطبق لهذه القوانين الذي هو القضاء، ثم المهن المرتبطة به. ورغم أهمية الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، فإن ورش إصلاح منظومة العدالة لا زال مفتوحا، وسنستمر في الدفاع بخصوصه عن بدائل تتجاوب وانتظارات المواطنات والمواطنين بخصوص عدالة مستقلة ونزيهة، وقوانين عادلة ومُنصفة، قائمة على منح القضاة المزيد من الضمانات لاستقلاليتهم بشكل أفضل تدعيما لاستقلالية السلطة القضائية. إن القضاء العادل والقوي يُساهم بشكل وافر في ضمان السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي وكسب ثقة أفراد المجتمع وبعث الثقة خارج حدود الوطن لجدب الاستثمارات الأجنبية التي يعتبر القضاء وجهاز العدالة برمته حافزا محوريا للتشجيع على إقامة أي مشروع اقتصادي ينعكس إيجابا على التنمية الاقتصادية. إن جوهر تصورنا يقوم على أساس ضمان الحق في المحاكمة العادلة بواسطة قوانين عادلة، مرتكزة على مراجعة شاملة للقوانين الموضوعية والمسطرية التي أصبحت مُتجاوزة بما يجعلها تتماشى وتنسجم مع المواثيق الدولية المصادق عليها ومع دستور 2011 . ثانيا: أي نموذج اقتصادي ناجع لبلدنا؟ إن نجاح نظام الحماية الاجتماعية، رهين بنجاح النموذج الاقتصادي الذي ينبغي أن نُدافع عنه. فاقتصاد بلدنا مبني أساسا على الاستثمارات العمومية التي لا زالت نسبتها من الناتج الداخلي الخام مرتفعة، وبشكل جعلنا نحتل مكانة مُتقدمة ضمن الدول اعتمدت هذا النهج. وبالموازاة مع ذلك، فإن ميزانية التجهيز تعرف بدورها تصاعدا مطردا، وهو ما يجعلنا نتساءل عن القيمة المضافة لهذا التوجه على الاقتصاد الوطني ومدى نجاعة هذا الأسلوب. ومما يُعطي هذا التساؤل مصداقية أكبر، هو أن نسبة النمو -المقبولة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب- لا تنعكس على سوق الشغل إيجابا، كما أن نسبة الديون بمختلف أنواعها ارتفعت بشكل يجعلها تكاد تُمثل جل الناتج الداخلي الخام. إننا أمام نموذج اقتصادي، ينبغي أن يكون لنا جواب حول عدم نجاعته، هل يرجع ذلك إلى النموذج نفسه، أم إلى سوء تدبيره. إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينبغي أن يبقى مُتميزا في مجال بلورة وتنفيذ استراتيجية تنموية تهدف إلى خلق نموذج متكامل ومندمج قائم على التضامن الاجتماعي والعدالة الترابية والهيكلة العقلانية والجاذبية الاستثمارية، بما يُعالج اختلالات النموذج القائم ويُؤسس لنموذج تنموي جديد، مستمد من الاشتراكية الديُقراطية، ومستجيب للمعطيات الاقتصادية والمجتمعية الراهنة، ومُشجع لوتيرة التنافسية الاقتصادية وتحسين القدرة الشرائية للمواطنات وللمواطنين وتقوية البعد الجهوي. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تعاقد اقتصادي ذي بعد اجتماعي بجيل جديد من الإصلاحات لكل السياسات العمومية القائمة. إن الأمر يتطلب إعادة النظر في المجالات المؤثرة في الاقتصاد الوطني، وفي كل القطاعات الإنتاجية. فعلى صعيد المحور الأول، فإنه ينبغي تأهيل السياسة المالية وتحسين الحكامة العمومية بما يُكن من تقليص الفوارق الاجتماعية وتحصين القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين وإقرار العدالة المالية والإنصاف الاقتصادي، ومُعالجة تدهور الحسابات العمومية، وارتفاع نسبة المديونية، وتدهور الموقع الخارجي للبلاد حيث يُسجل ارتفاع العجز الجاري لميزان الأداءات، وهشاشة التوازنات المالية الكبرى نتيجة عجز الميزانية وارتفاع المديونية الخا رجية مما يزيد من مخاطر التدخل المحتمل للمؤسسات المالية الدولية. إن هذه العوامل تؤثر بشكل مُباشر على نسبة النمو، وتؤدي إلى التدهور الحاد في مستوى عيش المغاربة، وبالتالي تراجع مرتبة المغرب في تصنيف مؤشر التنمية البشرية. إن النموذج الاقتصادي الذي نبتغيه، ينبغي كذلك أن يقوم على مبادرات شجاعة قادرة على معالجة الاختلالات المتعلقة بالميزانية، سواء على مستوى نفقات الدولة أو على مستوى مداخيلها، وتوفير الآليات الكفيلة بعقلنة النفقات العامة وإعادة توجيهها لتتسم بالنجاعة القصوى، والقيام بإصلاحات أفقية عبر تنسيق أفضل للاستراتيجيات القطاعية والحرص على اندماجها وانسجامها والتقائها، بما يجعل منها رافعة أساسية لإعادة هيكلة أجهزة تدخل الدولة. وسيؤدي اعتماد المقاربة التشاركية من خلال إطلاق حوار وطني حول المواضيع الكبرى (من قبيل نظام المقاصة ومجموع ترسانة المساعدات العمومية) إلى إيجاد شروط أفضل لإرساء نظام للحماية الاجتماعية الموجه بشكل مشروط ومضبوط للفئات المعوزة، وفق تصورنا لهذه الحماية الاجتماعية. إن جوهر وضع السياسات العمومية، ينبغي أن يكون في اتجاه عصرنة مسلسل برمجة وتنفيذ هذه السياسات بهدف تحسين فعاليتها ورسم خارطة طريق للتنفيذ والمتابعة، مع تحسين قيادة وحكامة المؤسسات والشركات العمومية ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبلورة سياسة جبائية عادلة ومتضامنة، وسياسة للصرف في خدمة تنافسية الاقتصاد الوطني، واعتماد سياسة نقدية إرادوية، وإعادة النظر في النظام البنكي الوطني، وغير ذلك من التدابير ذات الطابع المالي. أما على صعيد القطاعات الإنتاجية الأساسية، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يتوفر على تصور مُتكامل، يهم كلا من الفلاحة والصيد البحري، والصناعة، والتجارة، والاقتصاد الرقمي، والاقتصاد الاجتماعي، والسياحة، والطاقة، والنقل والتنقل، وهكذا، يعتبر الحزب أن الفلاحة والصيد البحري، تستوجبان التقييم الموضوعي للمخططات الوطنية المعتمدة بخصوصهما من أجل تنفيذ استراتيجية وطنية تكاملية ومندمجة تستند أساسا إلى التعبئة الشاملة لمختلف الطاقات الوطنية، وتكريس ثقافة تشاركية جديدة وموسعة في أوساط الفاعلين والعاملين في القطاعين للرفع من القدرة الإنتاجية وتأهيل الموارد البشرية والتقنية والحكامة المالية الجيدة، ضمانا للأمن الغذائي للبلاد. وبن يتأتى ذلك إلا عبر ميثاق فلاحي يستجيب للمستجدات الفلاحية، والعمل في اتجاه التنمية المستدامة للثروات البحرية. أما في المجال الصناعي، حيث الهشاشة الأفقية والمؤسساتية تعرقل تحول اقتصادنا وتطوير نسيجه الإنتاجي وتُعيق تنافسيته، فإن الرهان على الصادرات لوحدها، لا يُُكن أن يقوي هذه التنافسية إذا لم يكن المنتوج نفسه يندرج ضمن منظومة البحث العلمي والتكنولوجي، وبقدر يسمح بتقوية الاقتصاد الوطني، وتحريك عجلة التنمية البشرية ومحاربة الفقر والهشاشة والبطالة. كما أن إن السياسات العمومية المتبعة في قطاع التجارة، لم ترق إلى المستوى الطموح الذي يستحقه المغرب بحكم موقعه الاستراتيجي الهام وبالنظر إلى الإمكانات والمميزات الهائلة التي يتمتع بها والتي لم يتم بعد استغلالها، وهو ما يتطلب منا كحزب يُدافع عن القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين وعن مصالح التجار الصغار والمتوسطين، اعتماد استراتيجية وطنية جديدة ذات بعد جهوي حقيقي بغية تطوير المجالات التجارية وتأهيل قطاع التوزيع وطنيا ومحليا. إن تقوية اقتصادنا الوطني، تتطلب كذلك الاهتمام بمجالين نعتبر أن الرهان عليهما، سيدعم مكانة المغرب. فمن ناحية أولى فإن الولوج إلى عالم الرقميات وامتلاك التقنيات الجديدة للمعلومات والمعرفة والتواصل أصبح ضرورة ملحة من أجل تحديث وعصرنة طرق الاشتغال وضمان نجاعة أكبر في إنجاز والمشاريع، وهو ما يتطلب تحفيز المقاولات على تطوير استثمارها للتقنيات والأنظمة المعلوماتية والرفع من مستوى الابتكار، وفق مخطط استراتيجي مندمج يعبئ الطاقات القطاعية والمجتمعية لترسيخ مقاربة متقدمة للاقتصاد الرقمي تنطلق من مبادئ الحكامة والعدالة الرقمية والتعبئة الشاملة للموارد البشرية والمالية الملائمة، ومن جهة ثانية، فإن مناهضة التداعيات السلبية للرأسمالية المطلقة واتجاهات العولمة، تقتض توفير شروط أفضل للاقتصاد الاجتماعي لضمان نوع من التوازن بين طموحات المقاولات الاقتصادية ومتطلبات المحيط المجتمعي. فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سيسعى دائما إلى توجيه الاقتصاد الاجتماعي نحو الوجهة الصحيحة بإعادة النظر في السياسة العمومية المتبعة وتسريع وتيرة إنجاز المشاريع التضامنية من خلال وضع وتنفيذ مخطط استعجالي يراعي الفوارق الاجتماعية والتفاوتات الجغرافية، مُدعم بمجموعة من التدابير العملية لإنعاش الاقتصاد الاجتماعي تُعيد النظر في الإطار المؤسساتي والقانوني، وتعمل على تعزيز القدرات والكفاءات، وتنويع الشراكات بما يحقق العدالة الاجتماعية والإنصاف والمساواة والكرامة. وفي نفس السياق، ينبغي اعتبار النشاط السياحي أحد المرتكزات الضرورية للرفع من الأداء الاقتصادي من خلال تعزيز الواردات السياحية من العملة الصعبة وإتاحة فرص مهمة للتشغيل ودعم الخدمات التجارية والاجتماعية المختلفة، وتقوية الاستثمارات القادرة على تحسين العروض السياحية الوطنية. فالمغرب، بحكم مؤهلاته، ينبغي أن يجعل من التنمية السياحية رافدا من الروافد الأساسية للتنمية الاقتصادية بالاعتماد على المؤهلات الطبيعية والحضارية والبنيات التحتية المهمة. ويعتبر الحزب، أنه من الأساسي استحضار البٌعد الجهوي في كل مقاربة تتوخى ترسيخ مبادئ الحكامة على المستوى المؤسساتي والتسويقي، وتأهيل الموارد البشرية مهنيا وتواصليا، وتمكين الفاعل المحلي من آليات لليقظة لمواجهة الظرفية الدولية المتقلبة والمضطربة. أما بخصوص مجال الطاقة، فإن بلادنا تُواجه إكراهات وتحديات كثيرة من ناحية تأمين التزود بالموارد الطاقية الضرورية والمحافظة على البيئة والتقليص من حدة التبعية الخارجية. في ظل ظرفية اقتصادية عالمية متغيرة باستمرار، وتقلب دائم لأسعار المواد الأساسية والمنتجات النفطية. فالتنمية الطاقية رهينة بتطوير العمل الاستراتيجي المرتبط بالنجاعة الطاقية وبلورة مقاربة استباقية على المدى المتوسط والبعيد بناء على التوقعات العلمية الدقيقة. ويقترح الحزب مخططا وطنيا بأبعاد جهوية متكاملة تستهدف الرفع من الإنتاج الطاقي المتجدد وتقوية المؤهلات المحلية الملائمة، بشريا وتقنيا وماليا، وبشكل يُراعي التراكمات التي حصلت بالبلاد. وأخيرا، فإن هذه القطاعات الأساسية، لا يُُكن أن تُعطي النتائج المرجوة منها، إذا لم يتم تدعيم قطاع النقل باعتباره أحد أهم القطاعات الرئيسية داخل المجتمع إذ يساهم بشكل كبير، عبر نقل الأشخاص والبضائع، في التنمية الاقتصادية والحركية الاجتماعية وتدعيم الأنشطة الحيوية: فلاحيا وتجاريا وصناعيا وخدماتيا وسياحيا. ومن هذا المنطلق، يطرح حزبنا تصورا بديلا يقوم على مباشرة الإصلاحات الكبرى على مستوى جميع أنماط النقل في أفق إقامة «نظام آمن»، يطبعه التكامل والانسجام، وتميزه الفعالية والمردودية القصوى، والحد من الخسارات البشرية والمادية. ويهدف هذا التصور إلى تقوية الاستثمار في البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية ووسائل النقل والتقنيات الحديثة من أجل إصلاحات قوية تنهي مع الممارسات الريعية وتساهم في تقوية التنافسية وتحسين جودة الخدمات المتصلة بالأفراد والسلع. إن هذه التصورات، المبنية على تدابير مُفصلة يتوفر الحزب عليها، ينبغي أن تصب كلها في اتجاه إرساء أسس اقتصاد قوي، قادر على المنافسة من جهة، ومُستجيبا لحاجيات المجتمع بما يتماشى مع نظام الحماية الاجتماعية المتكاملة، العادلة، والمنصفة. يتبع ثالثا: أية حماية اجتماعية؟ إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر أن البلاد تُواجه إشكالات مجتمعية متعددة تدعو إلى التأمل والتحليل من أجل إيجاد إجابات شافية حول كيفية معالجتها وبلورة البدائل والحلول الكفيلة للحسم في تداعياتها ومضاعفاتها المختلفة. وتطرح على مجتمع اليوم والغد تحديات كبرى سيكون التعامل معها حاسما ومصيريا في مستقبل البلاد على جميع المستويات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وحده الفهم العميق المفرز لمشاريع الأجوبة المقنعة والناجعة يشكل المدخل الحقيقي لرفع التحديات الراهنة والمقبلة ومواجهة مختلف تجليات الأزمة المجتمعية واستشراف أفق مغاير تعمه الكرامة والمساواة والتنمية الشاملة. ولعل من أبرز التحديات المطروحة بإلحاح اليوم التحدي الاجتماعي الذي يستلزم مضاعفة الجهد لإقرار نموذج تنموي جديد ذي بعد اجتماعي قوي يستطيع ضمان التماسك المجتمعي وترسيخ مبادئ الاشتراكية الديُقراطية المتمثلة في العدالة والتضامن وتكافؤ الفرص. لقد تفاقمت الأخطار المحدقة بالمجتمع، على الرغم من المبادرات البارزة التي اتخذتها الدولة والمؤسسات الحكومية في العقدين الأخيرين، إذ تعمقت الفوارق الاجتماعية بين الفئات المجتمعية واتسعت مجالات العديد من المظاهر والتجليات السلبية، خاصة الإقصاء والهشاشة والفقر. ومن شأن هذه الأخطار أن تؤثر بشكل سلبي على النسيج الاجتماعي والنمو الاقتصادي، وبالتالي إفراغ التنمية البشرية من محتواها. والأخطر من ذلك أن الاختلالات الاجتماعية لن يتوقف تهديدها عند زعزعة الاستقرار الاجتماعي بتقويض علاقات التماسك والتضامن بين مكونات المجتمع، بل سيشمل إضعاف البناء السياسي والاقتصادي برمته. فقد انعكست موجات الاقتصادي العالمي، الناتجة عن المد الليبرالي الجديد والمتوحش، على الاقتصاد الوطني في الكثير من اللحظات نتيجة عدم التحكم في السياسة الاجتماعية، وما أفرزته مخططات التحرير وتفويت القطاعات العمومية والتخفيض من ميزانيات الدولة وحصر الإنفاق العمومي وتفكيك الخدمات الاجتماعية وغيرها. إن تفاقم الوضعية الاجتماعية لم يكن فقط نتيجة استمرار المظاهر المشار إليها وغض الطرف عنها وعن مضاعفاتها المزمنة، بل نتج أيضا عن عجز السياسات العمومية المتبعة إلى اليوم عن المعالجة الجذرية للمعضلات الحقيقة ومواجهة القضايا الاجتماعية ذات الأولوية بطريقة شاملة ومنهجية استباقية. وللأسف الشديد، ومنذ التجربة الرائدة التي خاضتها حكومة التناوب التوافقي، لم تستطع السياسات العمومية للحكومات المتعاقبة المحافظة على وتيرة الإنجاز الاجتماعي، وبدأت تتقهقر تدريجيا من منظور التنمية الاجتماعية نحو ممارسات ارتجالية تتراوح بين الدعم المحدود وبين المساعدة الاجتماعية. فمن جهة، سجلت مؤشرات التنمية البشرية على الصعيد الوطني تواضعا ملحوظا في عملية الإدماج الاجتماعي، إن لم نقل تراجعا بينا في محاصرة مساحات الفقر والإقصاء لدى أكثر الفئات المجتمعية هشاشة؛ ومن جهة أخرى، استسلمت السياسة الاجتماعية لمنطق المساعدة الذي يعتبر ترجمة فعلية لانعدام التخطيط والتدخل الارتجالي الذي لا يحصل أي أثر تنموي يذكر على المدى المتوسط والبعيد. وترسخت المساعدة الاجتماعية بشكل كبير، في العقدين الأخيرين، عبر المشاريع الحكومية الخاضعة للتدخلات الظرفية والمعالجة الجزئية التي توجه بطريقة متعسفة لفئات مجتمعية هشة دون غيرها، أو عبر مشاريع المجتمع المدني الذي هيمن عليه الطابع الخيري ذي البعد التعاوني أحيانا والطابع الإحساني ذي البعد الديني أحيانا أخرى. وبناء على ذلك، أدت منظومة المساعدة الاجتماعية، المرتجلة والترقيعية، إلى اختلال عميق في أكثر المجالات حيوية، وبشكل أخص في مجالات التربية والصحة والتشغيل والسكن، مما انعكس سلبا على التنمية المجتمعية والبشرية على حد سواء. فعلى المستوى التربوي، لم تتمكن السياسة العمومية المتبعة من إرجاع الثقة إلى المؤسسة المدرسية وتمكينها من مقومات ووظائف التنشئة الاجتماعية المرتكزة على العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والحق في المعلومات والمعرفة، وأصبح الفشل والهدر المدرسيين، والرسوب في السنوات الدراسية، مؤشرات تدل على أن المنظومة التربوية بدون أفق ما لم تتبلور الرؤية الاستراتيجية الفاعلة والعادلة. وعلى المستوى الصحي، لم تنجح السياسات العمومية المعتمدة في مواجهة الإكراهات الحقيقية المتمثلة في تدني الخدمات الصحية، وغياب التغطية الصحية الشاملة، واتساع حدة الفوارق الصحية المجالية، وصعوبة الولوج إلى العلاجات، وقلة العرض الصحي، والنقص في الموارد البشرية. وظل المغرب من أقل الدول إنفاقا على صحة مواطنيه ونصيبهم في الميزانيات العمومية. أما على مستوى التشغيل، فقد فشلت «الاستراتيجية الوطنية»، وعجزت الإجراءات المتخذة عن تحسين سياسة التشغيل وضمان فاعليتها، حيث لم تتمكن السياسات العمومية المتبعة من إحداث مناصب الشغل الكفيلة بامتصاص نسب معقولة من البطالة، بل إنها لم تتمكن من وقف النزيف المتواصل في فقدان مناصب الشغل وإغلاق المقاولات. أما على مستوى السكن، فلم تواكب السياسة العمومية المعتمدة التحولات المجتمعية والترابية، من أجل توفير عرض يستجيب للحاجيات الوطنية والجهوية فيما يتعلق بالسكن، وخاصة السكن الاجتماعي. كما أنها لم تنجح في تطوير برنامج سكني بديل يواجه العجز المتراكم، ويُكن من إبداع آليات جديدة لتطوير منظومة السكن، ويشجع الاستثمارات من أجل ضمان الاستقرار الاجتماعي، والمساهمة في التنمية البشرية والاقتصادية. استنادا إلى ذلك، وأمام الاختلالات الكبرى المسجلة، وهيمنة منطق المساعدة الاجتماعية، أي أمام اللامشروع الذي يفتح الباب على مصراعيه للارتجالية والظرفية، يحق التساؤل عن طبيعة وفحوى المشروع الاجتماعي الكفيل بوقف الاختلالات وتكريس التنمية المجتمعية المندمجة، أي المشروع الذي ينبغي أن يتبناه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كأداة لتغيير الوضعية الاجتماعية والنهوض بأوضاع الفئات المجتمعية، وفق تصوره الاشتراكي الديُقراطي للعلاقات الإنتاجية والترابطات الاجتماعية وتوزيع الثروات. أسئلة كثيرة تواجهنا، فما هي رؤيتنا للاقتصاد في ظرفية مالية متقلبة باستمرار؟ وأي تصور واضح لدور الدولة وتدخلاتها ووظائفها؟ وما المنهجية السليمة لتحقيق التكامل بين الفاعلين الاقتصاديين العموميين والخواص؟ وكيف السبيل إلى تعبئة الموارد الضرورية والكافية؟ وأية استراتيجية تمكن من إنتاج القيمة المضافة وتقوية الادخار وتطوير الأداء المالي؟ أسئلة لا يُُكن الإجابة عنها إلا بتصور متكامل لمنظومة اجتماعية تستطيع حماية التماسك المجتمعي وضمان التضامن بين مختلف فئات المجتمع. إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر أنه من بين المداخل الضرورية لمعالجة المسألة الاجتماعية وتحقيق الاستقرار والإنصاف الاجتماعي والقضاء على الهشاشة والفقر والتهميش، من خلال مشروع التنموي، يتأسس على مفهوم «الحماية الاجتماعية الموسعة» ضمن مفاهيم متشابكة تتجلى في العدالة والمساواة والتضامن والكرامة الإنسانية. إنه تصور يطمح إلى القطع مع الطابع الخيري والظرفي للمساعدة الاجتماعية وإقامة منظومة موسعة وعادلة للحماية الاجتماعية الموجهة إلى مختلف الفئات المجتمعية والمفرزة للآليات القادرة على توفير الخدمات التربوية والصحية وضمان الحق في السكن والشغل والعيش الكريم. وتتمحور المنظومة الموسعة حول اعتماد مجمل الآليات ذات الصلة بالرعاية الاجتماعية، بشكل مباشر أو غير مباشر، قصد تمكين المواطنات والمواطنين من مواجهة الهشاشة والآثار المالية المترتبة عن المخاطر الاجتماعية بفعل الانخفاض في الموارد أو الارتفاع في الإنفاق. وعلى الرغم من أن الحماية الاجتماعية التي نستهدفها نريدها أن تكون موسعة بما يفيد تدخل الدولة (ليس الراعية، وإنما الداعمة9 لضمان خدمات شاملة في المجال الاجتماعي، فإن ترتيب الأولويات ضروري لتيسير ولوج كافة شرائح المجتمع إلى مختلف الخدمات الاجتماعية من خلال التركيز على الفئات الهشة ذات الأسبقية التي تعاني من البطالة أو العجز أو المرض أو الانقطاع عن العمل أو الشيخوخة أو غيرها. والهدف الأساس من ذلك أن تتأسس منظومة الحماية الاجتماعية الموسعة على مبدأ العدالة بكافة تلاوينه (العدالة الاجتماعية، العدالة المجالية، العدالة النوعية، …) وخاصة العدالة القائمة على النوع التي تعترف للمرأة بإمكاناتها المتميزة في النسيجين الاقتصادي والاجتماعي ضدا على التراجعات الخطيرة التي سجلها المد المحافظ اتجاه قضايا النساء. ويرتبط منظور الحزب لمنظومة الحماية الاجتماعية الموسعة بنموذجه التنموي البديل القائم على تشجيع وتيرة التنافسية الاقتصادية وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين وتقوية البعد الجهوي من خلال تكريس التماسك المجتمعي، والعدالة الترابية، والجاذبية الاستثمارية. إنه نمو ذج تنموي مؤسس على تعاقد اقتصادي مبتكر بعمق اجتماعي بارز، يُترجمه جيل جديد من الإصلاحات على صعيد المجالات الاجتماعية الحيوية، وخاصة التربية والصحة والتشغيل والسكن. ويرتكز النموذج التعاقدي على إعطاء أهمية قصوى للرأسمال البشري، والرفع من الاستثمارات المعززة للنمو الاقتصادي، والاستفادة من التطور التكنولوجي على كافة المستويات. فكلما تمكنت المبادرات الاقتصادية الكبرى من تسريع وتيرة النمو وتقليص نسبة البطالة والرفع من مستوى التشغيل والزيادة في معدل الدخل الفردي، كلما تقوت الخدمات الاجتماعية الأساسية وازدادت مناعة النسيج الاجتماعي أخذا بعين الاعتبار الإشكالات الطارئة على المجتمع من قبيل الشيخوخة والهجرة والبيئة وغيرها. ذلكم هو التحدي الأكبر لبناء مغرب المستقبل حيث يتم القطع نهائيا مع سياسة التقاعس والاستغلال البشع للهشاشة بدل استئصالها، وحيث يسود التحفيز والحث على الإبداع والابتكار وعلى النشاط الاقتصادي المتيح لإمكانات الشغل وتكافؤ الفرص للجميع وحماية الفئات الهشة. رابعا: أي مشروع مجتمعي؟ إن المشروع المجتمعي الذي يتوخى حزبنا ترسيخه لن تتحقق أهدافه الكبرى إلا بتحقيق مجتمع ديُقراطي عادل يتسع لجميع الكفاءات والطاقات القادرة على مواجهة التحديات المتعلقة بالاستقرار والتنمية والتقدم بما يضمن المساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ولذلك، يعتبر الحزب أن المجتمع المتماسك يقتضي إشراك مختلف الفئات الاجتماعية، وخاصة النساء والشباب والأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنون، في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولن يتأتى ذلك إلا خلق المناخ الملائم للإدماج ومحاربة الإقصاء أو التهميش وتفعيل الآليات الديُقراطية وضمان كافة الحقوق السياسية والاجتماعية والبيئية الأساسية. وضمن هذا المشروع المجتمعي، تحتل المرأة موقعا فاعلا في معركة البناء الديُقراطي وتنمية المجتمع ورقيه إذ تستطيع، إذا ما توفرت لها الشروط الملائمة، أن تساهم بشكل مؤثر في الحياة السياسية والاقتصادية وفي التنشئة الاجتماعية والثقافية. ولذلك، يدعو الاتحاد الاشتراكي إلى الإشراك الفعلي للمرأة في الشأن المجتمعي باعتماد رؤية منفتحة تناهض مختلف تجليات الفكر التقليدي المحافظ والرجعي المناقض لمبدأ المناصفة ولقيم المساواة وتكافؤ الفرص. بالطبع، استطاع المغرب أن يجعل من قضايا النهوض بأوضاع النساء جزء لا يتجزأ من الإصلاحات المجتمعية الشاملة حيث تحققت جملة من المكتسبات لفائدة المرأة تم تتويجها باعتماد الوثيقة الدستورية ذات المقتضيات الأساسية، وخاصة الفصل 19 الذي ينص على ضرورة تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في جميع المجالات. ورغم ذلك، ما زالت التحديات مطروحة مما يستوجب تعبئة جماعية، على الأقل لوقف التراجعات الخطيرة المتمثلة في عدم تفعيل الحكومة للمقتضيات الدستورية ومباشر الإصلاحات الجوهرية الضرورية. أضف إلى ذلك أن الوضعية العامة تكشف عن اختلالات أساسية من بينها استفحال ظاهرة الأمية في أوساط النساء حيث تصل نسبتها، حسب تقارير المندوبية السامية للتخطيط، إلى حوالي النصف (48 %) في حين لا تتجاوز الأمية نسبة 26 % في أوساط الرجال. كما أن نسبة النشاط الاقتصادي للنساء لاتتعدى 25 % ، مما يؤكد عدم استفادتهن العادلة من سوق الشغل وإرغامهن على الاشتغال في قطاعات غير مهيكلة خارج أية حماية قانونية واجتماعية وبأجور تقل عن أجور الرجال بحوالي 30 % . وقد نتجت هذه الوضعية عن السياسة المحافظة التي تسعى إلى تأزيم وضع المرأة والحيلولة دون ولوجها للخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والصحة والسكن اللائق. إن الأمر يستلزم تدخل القوى الحداثية لإقرار الآليات التشاركية المنصفة للنساء ورد الاعتبار لهن وإنصافهن وتمكينهن من ممارسة حقوقهن باعتبارهن مواطنات كاملات المواطنة، وفاعلات وشريكات أساسيات في صناعة مغرب العدالة والمساواة والكرامة. فمن الضروري بناء عدالة سياسية واقتصادية واجتماعية لصالح النساء من خلال التفعيل الإيجابي للمقتضيات الدستورية وحظر كافة أشكال التمييز ودعم المشاركة النسائية في مختلف المجالات المجتمعية وفي مراكز القرار السياسي والاقتصادي. وبالإضافة إلى قضية النهوض بأوضاع النساء، يرتكز المشروع المجتمعي الذي يتبناه الحزب على ضرورة العناية بأوضاع الطفولة من خلال محاربة مظاهر الهشاشة باعتماد سياسات عمومية متوازنة قائمة على العدالة الاجتماعية والترابية. ففي العديد من المناطق، يحتاج أطفال المغرب إلى تحسين ظروف عيشهم وتهيئة بيئة سليمة لتنشئتهم وتعزيز حقوقهم لحمايتهم من المخاطر المحدقة بهم، وخاصة الإهمال والحرمان والعنف والاتجار والاستغلال. وللأسف الشديد، ما زالت مجموعة من الإشكالات الحقيقية مطروحة إلى اليوم من قبيل ظاهرة تشغيل الأطفال التي تهم 69 ألف طفل، وعدم تمدرسهم بما يُا يزيد على مليون طفل ومغادرة حوالي 400 ألف طفل لمقاعد الدراسة سنويا وعدم توفر ما يفوق 30.000 طفل على مأوى يلجؤون إليه. ولا يُكن التصدي لهذه المظاهر الخطيرة إذا استمرت السياسات العمومية في اعتماد رؤية قطاعية مشتتة تظل قاصرة عن بلورة توجه استراتيجي واضح وتخطيط مستقبلي لمعالجة الاختلالات لوضع حد نهائي للهشاشة والإقصاء. ولذلك، يعتبر الاتحاد الاشتراكي أن أوضاع الطفولة تتطلب بشكل مستعجل بلورة سياسة عمومية منسقة تمنح البعد الجهوي والمحلي أولوية خاصة من أجل ضمان تدخلات ناجعة ووقائية لحماية الطفل من كافة الاختلالات ومن كل أشكال العنف وسوء المعاملة ا ولاستغلال. وعلاوة على ذلك، يعتبر الحزب أن إقامة مجتمع متوازن يتطلب جعل الشباب في قلب الرهانات التي يتعين ربحها نظرا لما يتوفر عليه من طاقة حيوية مؤثرة في مختلف المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية. والمدخل الرئيسي لذلك إشراك الشباب في المشر وع المجتمعي الديُقراطي الحداثي وتمكينه من المساهمة الفعلية في تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية عبر تحفيزه على المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والمدنية. وبكل تأكيد، يبرز الواقع المغربي أن ثمة انتظارات كثيرة لدى الشباب لم يتم التمكن، إلى اليوم، الاستجابة لها في غياب الرؤية السياسية الواضحة وأمام بطء تفعيل المقتضيات الدستورية واستمرار المشاكل والمعضلات. فمن جهة، يعاني الشباب من مشكل البطالة وتردي أوضاعهم، خاصة في المناطق الحضرية الهامشية والأوساط القروية، ومن جهة ثانية، لا يتمكنون من الولوج إلى خدمات صحية واجتماعية وثقافية تلائم حاجياتهم ولا يستفيدون من فرص التشغيل وإطلاق مشاريع اقتصادية متوسطة أو صغرى. ولذلك، من الضروري إعادة النظر في بلورة السياسات العمومية الموجهة للشباب عبر تفعيل المقتضيات الدستورية، وخاصة المقتضى التشاركي الذي يُنحهم فرصة الإسهام في المخططات والبرامج التي تستهدفهم. كما يتعين العمل على الاستثمار في تكوين الشباب وإنعاش تشغيلهم لاسترجاع ثقتهم في المجتمع، مع تحفيزهم على الابتكار والإبداع واتخاذ المبادرة على كافة المستويات: السياسية والاقتصادية والثقافية. على صعيد آخر، يستدعي المشروع المجتمعي العادل إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة وأخذ متطلباتهم بعين الاعتبار – إن لم نقل منحهم الأولوية – في وضع السياسات العمومية، وإشراكهم كلما أمكن في مختلف مناحي الحياة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. الأمر الذي يتطلب مواكبة المعايير والتوجهات الحديثة للمجتمع الدولي، وبالتالي الانتقال من المنظور التكافلي المحض إلى المعالجة التشاركية ذات البعد الحقوقي التي تمكن الفئات المعنية من الاندماج بشكل كلي في المجتمع وفي الحياة. فما نشهده اليوم من مؤشرات مقلقة لن يساعد على تحصين التماسك المجتمعي إذ وصلت نسبة انتشار الإعاقة وطنيا، حسب نتائج البحث الوطني الثاني حول الإعاقة بالمغرب الذي أنجزته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية سنة 2014 ، إلى 6,8 % بما يفوق مليونين و 260 ألف شخص يصرحون بأن لديهم إعاقات تختلف أنواعها ودرجاتها. كما أن الاختلالات المتعددة التي تعتري السياسات العمومية الوطنية لا تتيح، بشكل شامل، تحقيق أي تقدم ملموس في النهوض بأوضاع الأشخاص في وضعية إعاقة ورفع كل أشكال التهميش والإقصاء عنهم. ولذلك، من الضروري بلورة رؤية مندمجة تستحضر مختلف الأبعاد التشريعية والاستثمارية والاجتماعية والحقوقية من أجل إقرار إجراءات ناجعة تتناغم مع التوجهات الدولية من جهة، والمقتضيات الدستورية من جهة ثانية. ويتعين أيضا وضع مخطط استعجالي ذي بعد جهوي ومحلي يقوم على تعبئة الموارد البشرية المالية اللازمة ومراجعة الإطار المؤسساتي والتنظيمي ووضع آليات ملائمة للإعاقات المختلفة. وبالإضافة إلى مختلف العناصر المذكورة أعلاه، ونظرا للتحولات المهمة في البنية السكانية المتجهة نحو الشيخوخة، لا بد من إقامة مجتمع منصف للأشخاص المسنين يقطع مع ما يعانونه من إقصاء وتهميش في الحياة السياسية والمجتمعية على الرغم مما راكموه من تجربة وخبرة في المهنة والحياة. فالأشخاص المسنون في المغرب يُثلون، حسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حوالي 1 / 10 من مجموع الساكنة، ولا يستفيدون من حقوقهم استفادة كاملة، بل يعاني أغلبهم من الهشاشة وانعدام الاستفادة من التغطية الاجتماعية والصحية التي لا تتوفر إلا لشخص واحد من بين 5 أشخاص مسنين. ولذلك، حان الوقت للتصالح مع هذه الفئة الاجتماعية باعتماد سياسة متكاملة ناجعة راعية للمسنين ومستجيبة لانتظاراتهم وضامنة لكرامتهم. فالوضعية القائمة تستدعي اتخاذ إجراءات قوية، إن على مستوى المجالات التشريعي والمؤسساتية والاجتماعية، أو على تعزيز الرعاية الاجتماعية وتكريس مبدأ التضامن الجماعي. إننا مدعوون إلى الاعتراف بعطاءات الأشخاص المسنين بإقرار مقاربة تشاركية جهوية ومنصفة تضمن حقوقهم ترسخ آليات رعايتهم وحمايتهم. ويستلزم المشروع الذي ندافع عنه اعتبار الأمن المجتمعي هاجسا أساسيا وأولوية قصوى نتيجة تزايد ظواهر العنف والإرهاب وارتفاع أشكال الانحراف والجريُة مما يهدد استقرار المجتمع وسلامة المواطنات والمواطنين. وعلى الرغم من أن المغرب أصبح نموذجا في المنطقة المتوسطية في محاربة الإرهاب والتطرف ا ولهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات، وعلى الرغم من جهوده في المجال الأمني وفي تقوية المؤسسات والأجهزة الأمنية، تظل الحاجة ماسة إلى تطوير المنظومة الأمنية لتساير التقنيات الحديثة للتخطيط الأمني والآليات المعاصرة للتدخل الناجع لمواجهة التهديدات والمخاطر المحتملة وإشاعة أجواء الطمأنينة والارتياح في أوساط المجتمع. فالحزب يعتبر أن المنظومة الأمنية يجب أن تظل محط تجديد وتطوير من أجل التمكن من تطويق الأشكال المتغيرة للجريُة والأفعال المنحرفة، وبالتالي ينبغي سن سياسة شمولية مندمجة في محاربة الانحراف والجريُة باعتماد مقاربة استباقية على مستوى التدخل الأمني المباشر، وأيضا على مستوى الاستثمار في المجالات التربوية والاقتصادية والمجتمعية المختلفة. والهدف من هذه السياسة تعزيز الحكامة الأمنية وتقوية الموارد البشرية والمالية والاستثمار في التكنولوجيات الحديثة بغية الردع الصارم والزجري للأفعال الإجرامية طبقا للقانون وفي احترام تام للحقوق والحريات. ومن بين الانشغالات الحقيقية للمجتمع الراهن حماية البيئة التي تعد مطلبا ملحا لما يتعرض له النظام الطبيعي من تهديدات خطيرة بفعل التغيرات المناخية واختلال التوازنات الطبيعية وارتفاع مظاهر التلوث والأضرار البيئية. وعلى المغرب أن ينخرط في المجهودات الدولية الرامية إلى حماية الموارد الطبيعية ورعاية الأنظمة البيئية بما يضمن التوازن بين تداعيات التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة من جهة، ومتطلبات المنظومات البيئية من جهة أخرى. ولذلك، لا بد من اللجوء إلى إصلاحات حقيقية من أجل التأهيل البيئي وتقوية آليات الحماية البيئية والرفع من مستوى التدبير المستدام للموارد الطبيعية. ومن الضروري على بلدنا، بوصفه فاعلا تاريخيا صديقا للبيئة ومصالحها، أن يقوم بمراجعة للأطر التشريعية والمؤسساتية والتنظيمية وفق مقاربة موحدة ومنسجمة تمكن من ربح الرهانات الاقتصادية والاجتماعية، ورفع التحديات البيئية والتنموية. كما ينبغي وضع سياسة بيئية مندمجة متعددة الأبعاد تهم تفعيل التدابير الكفيلة بتحسين إدارة الموارد وتقوية النظام البيئي والمحافظة على المكون الطبيعي في إطار من التنوع والتوازن. وأخيرا، بحكم أن المجالات الترفيهية والرياضية تمثل أداة للتنشئة والتأطير الاجتماعيين لإشاعة قيم التسامح والتعايش والتضامن، فإن المشروع المجتمعي – في جانب من جوانبه – يتمحور حول ضرورة اعتماد سياسات عمومية متكاملة تجعل من الممارسة الرياضية رافعة أساسية لتعزيز الاستثمارات الاقتصادية وتقوية التنمية البشرية والتعبئة الجماعية للمختلف الطاقات المجتمعية. على أن تنفيذ السياسات العمومية ذات الصلة بالمحاور المتعلقة بالمشروع المجتمعي كما يراه حزب الاتحاد الاشتراكي والتي رصدناها أعلاه، تجعل من المجتمع المدني شريكا أساسيا في الصياغة، كما في التنفيذ، إذ يعد فاعلا حاسما في مبادرات تأطير المواطنين والمجتمع من أجل ترسيخ قيم المواطنة والتضامن، وفي تطوير الحياة السياسية والمجتمعية والفكرية. وبدون الالتزام بمبادئ الديُقراطية التشاركية وضمان التدخل الناجح لمكونات المجتمع المدني، لن يتحقق المشروع المجتمعي المنشود الذي يقتضي من الفاعل المدني أن يكون فاعلا مستقلا، مبادرا وشريكا استراتيجيا في تدبير الشأن العام بعيدا عن أي منظور مجحف لتكريس وصاية الدولة أو أطراف داخل المجتمع. ومن شأن إشراك المجتمع المدني خلق جبهة متراصة لمواجهة المعضلات الاجتماعية الكبرى بغية التأسيس لثقافة مجتمعية جديدة قوامها المواطنة والتضامن والفعل الجماعي. ولذلك، يشدد الحزب على ضرورة تقوية الانفتاح على المجتمع المدني لتوفير شروط الشراكة الحقيقية، يتعين تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالمجتمع المدني وتعزيز دوره الرائد عبر ثلاث آليات رئيسية: – تفعيل المبادئ والمقتضيات الدستورية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية لسنة 2011 ، وفق التوجه المنسجم مع تطوير البناء الديُقراطي ودعم الحريات والحقوق وبلوغ التنمية المجتمعية الشاملة؛ – المراجعة الشاملة لظهير 15 نونبر 1958 المؤطر للجمعيات من أجل الأخذ بعين الاعتبار التحولات المجتمعية العميقة ومواكبة المستجدات الدولية والوطنية المتعلقة بالعمل المدني ومتطلبات الممارسة الجمعوية؛ – وضع آليات مواكبة للسياسة العمومية المعتمدة في تطوير الحياة المدنية بمصاحبة مكونات المجتمع المدني، سواء عبر مساعدته في تأطير وإنجاز مشاريعه وبرامجه التنموية والمجتمعية، أو عبر تمكينه من الوسائل والتقنيات اللازمة للاشتغال الاحترافي. خامسا: في الدين والثقافة واللغة والتواصل لا يُكن للمشروعين الديُقراطي والمجتمعي أن يتحققا على الوجه الأكمل بما يعزز التطور الفكري والتنمية البشرية إذا لم يستندا إلى منظومة ثقافية قادرة على تحصين الذات في انفتاح على الآخر وانسجام مع الثقافات والحضارات المغايرة. ولذلك، يعتبر الاتحاد الاشتراكي أن الرهان الأساس يكمن في إرساء قطب ثقافي جديد قادر على ترجمة مبادئ الديُقراطية والحداثة والحرية عبر تفعيل المقتضيات الدستورية واحترام التعددية والتنوع وترسيخ حس المواطنة والانتماء الكوني. فالمنظومة الثقافية، من زاوية الاشتراكية الديُقراطية، شرط ضروري للارتقاء بالإنسان عبر تفاعل الهوية والذات الوطنية من جهة، والحضارات الإنسانية المختلفة من جهة ثانية، وعبر إشاعة قيم الانفتاح والتعايش والإبداع الرافضة للتفكير المنغلق والعدمي. وعلى هذا الأساس، يعد العامل الثقافي حاسما في خلق دينامية مجتمعية منتصرة للفكر المبدع والنقدي الذي يسهم فعليا في ترسيخ التنشئة الاجتماعية المنفتحة ومواصلة إصلاح الشأن المعرفي وإشاعة المبادئ الحقوقية ذات البعد الكوني وتعميم قيم الحوار العقلاني. بمعنى أن الثقافة ليست شأنا ثقافيا صرفا فحسب، بل هي أيضا تدابير سياسية واقتصادية واجتماعية وإجراء تربوي عميق وشامل. إن عالم اليوم يعيش أزمات كثيرة واضطرابات متنوعة نتيجة الأفكار المتعصبة والمغالطة التي تسود مجموعة من الأوساط المجتمعية، وخاصة على مستوى المعتقدات المتطرفة أو سوء الفهم الكبير للنصوص الدينية. ويعاني العالم العربي والإسلامي من وجود تيارات متعصبة مستندة إلى التمثل الديني المتحجر ورافضة للرؤى المجددة والمنفتحة على الآخر مما أدى إلى القيام بممارسات إجرامية وارتكاب أفعال إرهابية أودت بحياة الأبرياء وأربكت الحياة المجتمعية برمتها. وقد تأثر المغرب بدوره من هذه المعضلة العالمية إذ سبق له أن اكتوى، على غرار دول أخرى، بضربات إرهابية طائشة مازالت آثارها عالقة بالأذهان خاصة أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء وحدث أركانة يوم 28 أبريل 2011 بمراكش. الأمر الذي جعل الدولة والمجتمع المغربي ينخرط كليا في التعبئة الجماعية والتلقائية ضد الإرهاب مما أفرز إجماعا وطنيا لشجب التطرف الديني ومقاومة كل تجليات الفكر المتعصب ومختلف أشكال العنف والإرهاب. ويبدو ضروريا، في هذا الصدد، الإقدام على إصلاح ثقافي شامل لا يقف عند كيفية التعاطي مع الفكر الديني، بل ينبغي أن يشمل ترسيخ الفلسفة التربوية المستمدة مع المقتضيات الدستورية والاعتدال والتسامح والتعايش مع الثقافات والحضارات الإنسانية. ويُكن لهذا الإصلاح الثقافي أن يدعم مجموعة من المداخل المؤثرة، لعل أهمها التربية والتنشئة الاجتماعية للمواطنين ومحاربة الفقر والهشاشة ودعم برامج التنمية ونشر ثقافة الحوار. على صعيد آخر، وبحكم الموقع الحيوي للثقافة في تقوية النسيج المجتمعي وإحداث التحولات السياسية والاجتماعية الرصينة، يؤكد حزبنا، بوصفه فاعلا تاريخيا في المسألة الثقافية الوطنية، على البعد الديُقراطي والحداثي للمسألة الثقافية من خلال تكريس مبادئ التعددية والتنوع والمواطنة. ولتحقيق هذا البعد، يتعين النظر إلى الثقافة المغربية من منظور متعدد ومندمج يستطيع بلورة سياسات عمومية واعية تستوعب مختلف التعبيرات والمكونات والتجليات المتصلة بالنسيج الثقافي الوطني. كما يتعين مأسسة الفعل الثقافي وتعبئة الطاقات المختلفة حول التوجهات الثقافية الأساسية والإسهام الجماعي لتحصين الهوية المغربية والتحفيز على الإبداع وتقوية التنوع الثقافي في مختلف المجالات والأشكال التعبيرية وتكريس العدالة المجالية في الممارسة الثقافية. ويجب أيضا احتضان المستجدات الأساسية من خلال تقوية الإعلام الثقافي واستثمار التقنيات والوسائط الجديدة للتواصل من أجل تعميم الثقافة المغربية ودمقرطة الولوج إلى الخدمات الثقافية والمساهمة في التنمية البشرية والتطور الرقمي. وعلاوة على ذلك، تستند المنظومة الثقافية إلى وظيفتين حاسمتين في نظر حزبنا: الوظيفة الإعلامية والوظيفة اللغوية. فالوظيفة الإعلامية تعد حاسمة في المجتمعات المعاصرة من حيث الإسهام الفاعل للإعلام في البناء السياسي والثقافي والتعبئة المجتمعية وتوجيه الرأي العام حول مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. والإعلام، إذا ما توفرت شروط الحرية والمهنية، يؤدي دورا مهما في تداول المعلومات والأفكار والمعارف وتقديم الخدمة الإخبارية للمواطنين في مختلف مناحي الحياة، ويشكل سلطة فعلية للتأثير في صناعة القرار السياسي وترسيخ القيم المجتمعية وخلق التحولات المجتمعية الكبرى. ولذلك، يرى حزبنا أن الإعلام اليوم يوجد في قلب التحديات التي يراهن عليها الصف الديُقراطي الحداثي لترسيخ حرية الرأي والتعبير والتعددية السياسية والثقافية. فلا منظومة ثقافية ديُقراطية بدون إعلام حر ومتطور يكرس فعليا الحق في الولوج إلى المعلومة وضمان الحق في الخبر والتعددية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. أما الوظيفة اللغوية، فتمكن من إثراء التنوع الثقافي الذي يطبع الهوية الوطنية من حيث الاعتماد على نسيج لغوي مهم يجسد التعبير الحقيقي عن مختلف الأبعاد الحضارية والتاريخية والفكرية والبيئية للإنسان المغربي ويسهم في التنمية الثقافية العامة. غير أن الفضاء اللغوي المغربي، الذي يزخر بتعدد لغوي أساسي يتمثل في ما هو رسمي (العربية والأمازيغية) وما هو مجتمعي (الدوارج واللغات الأجنبية الوظيفية) لم يأخذ نصيبه من التعامل العقلاني والمعالجة الشاملة ضمن سياسات لغوية عمومية واضحة المعالم. ولذلك، يقر الحزب بضرورة تدبير مختلف الأشكال اللغوية استنادا إلى المعطيات التقنية والوظيفية والمجالية، بما يعزز الوضعية الثقافية والاعتبارية للغتين، العربية والأمازيغية، وفي نفس الوقت ترسيخ مختلف الأبعاد المؤسساتية والعلمية والاقتصادية والمجالية في التدبير اللغوي تدبيرا معقلنا وعادلا ومنصفا.