هذه الحكاية، حكايتي، أصبحت أيضا حكاية جماعية، عامة ديموقراطية، جمهورية وسياسية، حكاية فرنسية لأنني وزيرة في الجمهورية، وأنني حملت كلمة بلادي، وفي بعض الأحيان تتمثل هذه البلاد في وجهي، لا هي حكاية جميلة ولا سيئة، فقط هي حكاية حقيقية. بالنسبة لي قبل 39 سنة، الحياة رحلة بدأت في بني شيكر بالمغرب، ولا أعرف تماما كيف هو مسارها، أو بالأحرى أحاول ألا أعرف … بالمقابل، أعرف جيدا لصالح من أعمل كل صباح، كل مساء، في كل مرة أركب الطائرة، أغيب عن عائلتي، أعتذر عن حضور احتفال بنهاية السنة، أو عندما تتصل بي والدتي لتقول لي إنها لم تعد تراني، مؤاخذات حنونة، إنه شيء فظيع. واليوم لا أعتقد أنه بإمكاني أن أتوقف هنا، أن أقول بأنني كنت ناطقة باسم الحكومة، وزيرة لحقوق النساء، وزيرة للمدينة، للشباب والرياضة، ووزيرة للتعليم العالي والبحث العلمي، بأنني وضعت قوانين ووقعت مراسيم، تلقيت ضربات، تكلمت في البرلمان.. ضحكت من صوري من هفواتي، وبالأخص استمتعت وسط هذا الصخب، وأيضا كوني كنت محبوبة، ولي أصدقاء في كل الظروف، كل هذا صحيح ومثير وقاس، لكن هذه ليست فكرة هذا الكتاب. الفكرة هي أن أتحدث عن فرنسا، عن فرنسا بلدي، فرنسا بلدنا...
إن المنتدى الافتراضي الواقعي لا يمكن أن يقتصر على توالي النقاشات، بتوالي الواحد بعد الآخر، والمعالجة الإعلامية المتعلقة بقرار له أهمية بالغة مثل قرار إخراج 50 ألف مساعد في الحياة المدرسية يشتغلون بعقود مدعومة في مدارسنا، من أجل توفير عدد مماثل من مناصب المساعدين التلاميذ في وضعية إعاقة، وهي مناصب أكثر استقرارا واستدامة وتكوينا، ستكون هي التعليق الوحيد لمثل هذا القرار، والذي يهم عشرات الآلاف من العاملين، وعشرات الآلاف من العائلات وأطفالها، وهذا التعليق لا يمكن أن يقتصر التركيز فيه على صراع مرضي عبر تويتر، لأن "الترحيب"بإحداث عشرات الآلاف من مناصب المساعدين (aesh)كما لو أنه يعني التهليل لداعش (daech) يبدو ضخما وغريبا- ولكنه الواقع – مثل خطأ في استوديو ملغوم، أو حركة مضحكة التقطت في الجمعية الوطنية (البرلمان) أو تنورة قصيرة أو طويلة.. إذ أن هذا ليس سوى تتفيه للتبادل الإنساني، وأنا أقيس كلامي جيدا، حيث السيل القاسي والعنيف والمفبرك يطغى على القول، وكما هو الأمر دائما، فالثمن الذي تؤديه النساء – وأعني هنا كريستين توبيرا (وزيرة العدل)، فادح. وبالنسبة لي، فمازلت مقتنعة، ومنذ أول حضور لي في المجلس الجهوي لمنطقة رون ألب، بأنه يتعين تقييد النفس، ووزن الكلمات وعدم التجريح أو التمييع. ورغم كوني أؤمن بالصراع في السياسة إلا أنني لا أحب فكرة فرنسا جريحة، مصابة، يخترقها فكر سائد فرجوي وهدام. وعلى وسائل الإعلام بطبيعة الحال، أن تتساءل حول نصيبها من المسؤولية في إشاعة كلام قاس وعنيف. حول تركيبة استوديوهاتها المصممة أكثر فأكثر من أجل التجريح والسب ومن أجل الجدل، وحول ندرة القيام بعمل التقديم النزيه المتوازن والعادل، وحول قلة استعمال كلمة "لقد أخطأنا " أو العودة إلى تجربة ما بشكل محتشم، وكذا حول شيوع السلبية بشكل عام، فهل قُبح العالم يجب أن يختصر كل شيء؟ إذن هنا يكمن خلل عميق، وأعتقد أن الصحفيين أنفسهم يصبحون ضحايا ومتهمين. لأنهم ينتقدون اليوم أكثر من السياسيين. أعبر عن قلقي هذا لأن الشباب متأهب، وتغريه، في بعض الأحيان، الأخبار الخاطئة أو نظريات المؤامرة، وهذا الأمر صحيح منذ بضع سنوات، وقد قفز كل ذلك أمام أعيننا بعد هجمات يناير 2015، لأنه موضوع خطير جدا يجعلنا نشعر أننا جميعا معنيون، ولكننا يمكن أن نضحك، في نفس الوقت، عندما نلاحظ، حسب استطلاع للرأي، أن ملايين المواطنين الأمريكيين يعتقدون أن حكومتهم مشكلة من أشخاص من فصيلة الزواحف، يعملون على احتلال كوكب الأرض، غير أن هذا الرقم في الحقيقة يكشف قوة هذه النظريات المؤامراتية وسلطتها . فإذا كانت أطروحة بهذه البلادة تلقى انخراطا بهذا الحجم ، أطروحات تبدو في ظاهرها، مقنعة ولها مصداقية، وتعرف نجاحا كبيرا و خطيرا، ولاسيما مع تطور الانترنيت، إلى درجة أنني أتساءل إن كان هذا واحدا من أكبر المخاطر التي تتربص بشبابنا. فهذا لا يعني أن البالغين في منأى عن كل ذلك، ومن اللازم أن نتصور الآثار المدمرة لأي قراءة مختلة للواقع على عقول شابة، وبالتالي صعوبة الانخراط في العالم كما هو، وعلينا أن نتخيل أيضا سهولة الاختراق والسقوط في أحضان التطرف وبكل أشكاله ومستوياته التي يتغذى منها كما يريد. ومحاولة مني للانكباب على هذا الموضوع بعد يناير 2015 (من خلال إعطاء المدرسين الآليات لتطوير الحس النقدي للتلاميذ، وتعليمهم كيفية التحكم في الخطاب من أجل تفكيك أفضل الحجج المطروحة أمامهم، ومن خلال التمكن من الأدوات الرقمية كفاعلين بدل مفعولين، وتطوير التربية على وسائل الإعلام والأخبار من خلال الولوج مجانا للصحافة أو عبر دعم صناعة مجلات وجرائد تلاميذية وطلابية) أقيس اليوم جيدا حجم نقط الضعف التي يتغذى وينهل منها رد الفعل المؤسف هذا. لأن الطريق الذي يؤدي إلى هذه المؤامرة سليم: البحث عن الأسباب، عدم أخذ كل ما يقال لنا على أنه حقيقة مسلمة، الحذر من كل ما يتم بالتوافق، البحث عن المعنى، إلا أنه وفي النهاية هناك تلك المصيدة، مصيدة المعلومة الخاطئة المنحوتة في منتديات مجهولة. حيث كان يفترض أن نعطي لتلاميذتنا إمكانية رؤية الاختلاف الواضح بين الأخبار والتضليل، بين الرأي والحكي الظرفي، بين عمل التقصي والتعاليق الجاهزة. إلا أن هذا التمييز يصبح، في بعض الأحيان، مشوشا وضبابيا، مما يضيّع كل جهودنا، وذلك عندما تجد الأخبار الجزئية أو التي تكذبها الوقائع أو المبنية على مجرد إشاعات، تجد مكانها بارزا على أعمدة جرائدنا أو على شاشات قنواتنا الإخبارية، مما يزرع الشك ويقود إلى فقدان عام للثقة تجاه تلك الوسائط وتجاه المؤسسات التي من المفروض أن هذه الوسائط تخدمها.