جمعت النسخة السابعة ل»فطور بلورييل»، مساء الأحد الماضي بالمحمدية، ممثلين عن الديانات التوحيدية الثلاث، مسيحيين ومسلمين ويهود تقاسموا حفل إفطار، في لقاء ترجم معاني التنوع والتعايش والقبول بالآخر، التي تميز المجتمع المغربي، وتشكل أساس العيش المشترك بين الجميع. وجاء هذا الحفل، الذي نظمته جمعيتا (مغاربة بصيغة الجمع) و(ديابازون) وكنيسة سان جاك بالمحمدية، ليعكس الروح التي وسمت الزيارة الأخيرة التي قام بها للمغرب قداسة البابا فرانسوا، بدعوة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين ، والتي قام خلالها شباب مغاربة من أعضاء (مغاربة بصيغة الجمع) بتسليم البابا درع «أركانة الأخوة». وفي كلمة له بالمناسبة، قال مستشار صاحب الجلالة أندري أزولاي»إننا نتقاسم هذا المساء لحظة استثنائية، هي ثمرة إرادة وتعبير عن حضارة»، مضيفا «لا تترددوا، حين تعرفوا بأنفسكم كمغاربة، في القول إنكم تنتمون إلى الحضارة المغربية، إننا لسنا دولة فقط». وأكد أزولاي، في السياق ذاته، أن المملكة المغربية تبقى بلدا فريدا، يتميز بالمناعة والمشروعية والمثالية، مشيرا إلى أن دستور 2011 أشار في ديباجته إلى أن مغرب اليوم هو ثمرة إسهامات كل الحضارات التي تعاقبت عليه، ومنها «الحضارة الأمازيغية الكبرى، والحضارة اليهودية الكبرى والحضارة العربية الإسلامية الكبرى، وإفريقيا والأندلس وأوروبا». وتابع «نحن هنا لنعبر عن مبادرة للمجتمع المدني، لسنا مجتمعين هنا بناء على طلب أحد، ولم يتم الإعداد مسبقا لهذا اللقاء، أو أنه نظم وأريد له أن يقام بناء على ضرورة سياسية أو سياسوية، بل نحن هنا استجابة لنداء قلوبنا، ولأننا أردنا الحضور، ونجد فيه سعادتنا ومتعتنا». ومن جهته، اعتبر رئيس الزاوية الحراقية الشاذلية الدرقاوية بجهة الدارالبيضاء-سطات الشريف عمر العمراني المريني أن هذا الإطار يتماشى وقيم التعايش والتسامح التي تطبع العلاقات بين معتنقي مختلف الديانات بالمغرب. وأشار إلى أن هذا الحفل يعد مناسبة لممثلي الديانات التوحيدية الثلاث لمناقشة جملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك، مذكرا بأن الإسلام هو دين السلام والتسامح. وتضرع الشريف عمر المريني، بمعية المشاركين في حفل الإفطار، إلى المولى العلي القدير بأن ينعم على صاحب الجلالة الملك محمد السادس بموفور الصحة وطول العمر، وبأن يحمي ويعين جلالته على العمل من أجل رفاه الأمة، وأن يشد عضده بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. ومن جهة أخرى، أبرز الأب جوليان، راهب كنيسة سان جان، أهمية هذه الأمسية الروحية لمعتنقي الديانة المسيحية بالمغرب، والذين تجمعهم روابط جيدة مع المغاربة، مسلمين ويهود. وقال إنه «مع جمعية (المغرب بصيغة الجمع)، نحن مقتنعون بأن الاهتمام الذي يوليه كل منا للآخر يشكل ثروة»، موضحا أن «الأصوات المتضادة»، التي اختيرت شعارا لهذا الحفل، «ليست بالضرورة أصواتا متنافرة، بل هي أصوات متناغمة ومنسجمة». ومن جانبه، أشاد الحاخام جوزيف إسرائيل، رئيس الغرفة العبرية بالمحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء، بفكرة جمع المؤمنين من الديانات التوحيدية الثلاث لتقاسم وجبة الإفطار. واعتبر أن هذا الإفطار المشترك يتيح للجميع فهم معنى التعايش الذي يميز الحياة بالمغرب، مذكرا بأن العلاقات التي تربط بين العرب واليهود بالمغرب تعود إلى قرون عديدة. وبهذه المناسبة، قام الحاخام جوزيف إسرائيل بالصلاة والدعاء لصاحب الجلالة الملك محمد السادس والأسرة الملكية الشريفة، والتي قام بترجمتها من العبرية إلى العربية حاخام كنيس نيفي شالوم جاك سيباك. فيما أشار رئيس جمعية (مغاربة بصيغة الجمع) أحمد غياث إلى أن هذا الإفطار يشكل مبادرة رمزية مشتركة بين الديانات التوحيدية الثلاث مستمدة من عادات مغربية عريقة، عادة ما يعبر عنها ب «تقاسم الملح والخبز». وأبرز أن هذه النسخة «أخذت بعدا آخر بعد الزيارة التي قام بها قداسة البابا فرانسوا للمغرب بمبادرة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، واخترنا مكانا ذا رمزية للمسيحيين المقيمين في المغرب لاحتضان هذا الحفل». وأضاف أن هذا الإفطار يروم تعزيز التعايش والتعددية داخل المجتمع المغربي، قائلا «لقد ورثنا إرثا عريقا من العيش المشترك»، موضحا أن المبادرة لقيت نجاحا كبيرا منذ دورتها الأولى وامتدت نحو بلدان أخرى مثل تونسوفرنسا وبلجيكا وكندا. وأكد «نحن محظوظون لأننا في المغرب لدينا جلالة الملك محمد السادس ، ونحن هنا ورثة إرث علينا أن نكون فخورين به، ليس حنينا للماضي ولكن لنشره وضمان استمراره عبر الأجيال في المستقبل». وطيلة الحفل، تمازجت أصوات شخصيات بارزة، لتتجاوز حدود المغرب، وتخترق الآفاق، لإعلاء صوت الأخوة ورفع راية العيش المشترك عاليا. وحضر حفل الإفطار عامل عمالة المحمدية السيد هشام المدغري العلوي، وسفراء وممثلو عدة بلدان أجنبية (النرويج، بوركينافاصو، فرنسا، إيطاليا، كندا، الدانمارك)، وسفير الفاتيكانبالرباط المونسينيور فيتو رالو، ورئيس أساقفة الرباط المطران كريستوبال لوبيز. وعرف الحفل تقديم عروض موسيقية امتزجت فيها أصوات مسلمة بأخرى يهودية ومسيحية، توجت بأداء أغنية مشتركة تحت عنوان «ليس لنا سوى إلاه واحد». وقام المشاركون في هذا الحفل الرمضاني بغرس شجرة أركان، تم إهداؤها لراهبات كنيسة سان جاك بالمحمدية.