يجلس شبان صغار بجانب كومة من الحجارة ونار مشتعلة في نوبة حراسة لحماية المدخل الوحيد إلى حي محاصر يسمونه «غزة كشمير» فيما يبث مكبر صوت في مسجد الحي شعارات حماسية تدعو إلى التحرير. وفي تحد لقرار نيودلهي المثير للجدل بإلغاء الحكم الذاتي للشطر الهندي من كشمير ذات الغالبية المسلمة في الخامس من غشت، أغلق حي سورا في ضواحي سريناغار كبرى مدن كشمير، نفسه أمام قوات الأمن. وقال مفيد وهو من سكان الحي وتطوع لحراسته ليلا لوكالة فرانس برس «لا يمكنهم الدخول إلى سورا إلا على جثثنا. لن نعطي الهند شبرا من الأرض». ويشهد الشطر الهندي من كشمير حركة تمرد مسلحة منذ ثلاثة عقود ضد الحكم الهندي، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف معظمهم من المدنيين. وبسبب خشية الحكومة المركزية من احتجاجات واضطرابات، أرسلت السلطات آلاف الجنود الإضافيين لتعزيز نحو 500 ألف آخرين موجودين بالفعل في الاقليم. كما فرضت حظر تجول في المنطقة وقطع خطوط الهاتف والانترنت. لكن ذلك لم يمنع خروج التظاهرات، وقاد حي سورا للطبقة العاملة والفقيرة الاحتجاجات. وشارك 15 ألف شخص على الاقل في تظاهرات التاسع من غشت الأكبر في الإقليم حتى الآن. إلا أن قوات الأمن استخدمت الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش لتفريق الاحتجاجات، ما أسفر عن إصابة أكثر من 24 شخصا. تحيط قوات الأمن من ثلاث جهات بحي سورا المكتظ بالسكان ويضم أكثر من ألفي منزل والواقع على ضفاف بحيرة. وبات المسجد الشهير جناب صائب نقطة تجمع لآلاف المحتجين في الحي. وكل ليلة، يسير السكان عبر ممرات الحي الضيقة حاملين الكشافات بجوار كتابات على الجدران تقول «الحرية لكشمير» وأخرى تطالب الهند بالتراجع عن قرارها. ويتناقل السكان المحليون الرسائل سريعا إذا رصدوا أي حركة للشرطة على الطريق السريع الرئيسي خارج سورا. وحاولت الشرطة التي نشرت طائرات مسيرة وطائرات مروحية، الدخول إلى سورا ثلاث مرات على الأقل ولكن تم صدهم من قبل شباب رشقوا عناصرها بالحجارة، وبعضهم مسلح بالفؤوس والحراب. ومع علمهم بأساليب الشرطة في تفريق الاحتجاجات، يستخدم المحتجون المياه المالحة لغسل وجوههم بعد إطلاق الشرطة الغاز المسيل للدموع وقنابل الفلفل الحار كما يرتدوا خوذا ونظارات لحماية أنفسهم من طلقات الخرطوش. وأوقفت السلطات ثلاثة شبان غامروا وخرجوا من الحي المحاصر. وقالت ناهدة لوكالة فرانس برس «إنهم (الهند) يختبرون قدرتنا على التحمل وسوف يفشلون بالتأكيد». وأضافت «هزمناهم آخر مرة، وحتى إذا استمر هذا الوضع لسنوات، فلن نستسلم». على الرغم من احتجاجات سورا، تؤكد السلطات أن كشمير ظلت سلمية إلى حد كبير منذ فرضها الإغلاق مطلع الشهر. شكل حي سورا جزءا من تاريخ كشمير المضطرب منذ تقسيم المنطقة بين الهندوباكستان بعد الاستقلال عن بريطانيا في 1947. وسورا هو مسقط رأس رئيس وزراء كشمير السابق الشيخ محمد عبد الله، الذي وافق على الانضمام إلى الهند كولاية تتمتع بحكم ذاتي. وأدار حزبه المؤتمر الوطني، الذي حاول الحصول على مزيد من الحكم الذاتي تحت حكم الهند، المنطقة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وشغل ابنه فاروق عبد الله وحفيده عمر عبد الله منصب رئيس الوزراء. واعتقلت السلطات الهندية فاروق وعمر كجزء من ترتيبات عملية الإغلاق الأخيرة. وخلال السنوات الماضية، بات السكان أكثر مناهضة للهند. ففي 2016، عندما اندلعت احتجاجات حاشدة في الشوارع بسبب مقتل قائد شعبي، تحول حي سورا إلى ساحة لعشرات من الاشتباكات مع القوات الحكومية. وقال أحد السكان المحليين ويدعى رفيق منصور شاه إن العديد من السكان المحليين يشاطرونه الشكوك بشأن قرار عبد الله الانضمام إلى الهند. وبموجب الترتيبات الجديدة التي أعلن عنها مطلع الشهر الجاري، يمكن للهنود من أجزاء أخرى من الدولة شبه القارة التقدم بطلب للحصول على وظائف حكومية وشراء العقارات في كشمير. لكن العديد من سكان سورا مثل شاه يعتقدون أن نيودلهي تملك «خططا شنيعة للاستيلاء على أرضنا». وقال لفرانس برس «بسبب جشع (عائلة عبد الله) في السلطة (…) اصبحنا عبيدا للهند. نحاول الآن تصحيح هذا الخطأ التاريخي». وأضاف أن نضال حي سورا المستمر «يحاول قيادة وإلهام بقية كشمير». أسر تطالب بمحاسبة المسؤولين عن وفيات توفيت زوجة رفيق شاغو بعد وقت قصير من صلاة الجمعة في الشطر الهندي من كشمير حين اخترقت قنبلة غاز مسي ل للدموع نافذة منزلها الذي امتلأ بالد خان خلال صدامات مع الشرطة التي تنفي ان تكون السبب وراء عدد من الوفيات. وتنفي السلطات الهندية أن تكون قواتها تسب بت في وقوع قتلى في صفوف المدنيين اثناء إغلاق استمر أكثر من اسبوعين في الإقليم المتنازع عليه بين الهندوباكستان والواقع في منطقة الهيمالايا، تاركة شاغو يحاول محاسبة المسؤولين عن مقتل زوجته. وقال شاغو إن «الشرطة ليست مستعدة لتحمل مسؤولية مقتلها. أريد إجابات لكن ني لا أعرف أين ابحث عن العدالة». وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس، استرجع شاغو الأحداث المروعة التي حدثت لأسرته بعد ظهر 9 غشت حين قال إن زوجته فهميدا كانت تدر س لطفليهما في منزلهما في سريناغار، كبرى مدن الشطر الهندي من كشمير. وقال شاغو إن منطقته كانت تشهد اشتباكات صغيرة بين القوات الحكومية والمتظاهرين، ثم بدأت الشرطة في إطلاق الغاز المسيل للدموع وقنابل الفلفل على المنازل السكنية. وحصلت هذه المواجهات بعد أربعة أيام من إلغاء رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الحكم الذاتي للشطر الهندي من كشمير، ونشر عشرات الآلاف من القوات الإضافية قبيل اتخاذ القرار خشية تنظيم احتجاجات واضطرابات. وقال شاغو «لم يكن بوسعنا رؤية بعضنا البعض في الغرفة بسبب الدخان الكثيف. حدثت ثلاث رجات حين انفجرت قنابل الغاز». وتابع «تمكنا من إخراج الأطفال من الغرفة لكن ها سقطت فيما كانت تحاول الهرب وسط الفوضى. وفيما كنا نخرجها من المنزل كانت تحتضر». واوضح ان زوجته نقلت إلى المستشفى على دراجة بخارية لكن الأطباء عجزوا عن انعاشها. وأطلعت فرانس برس على التقرير الطبي الذي ذكر أنها «استنشقت غازا ساما من قذيفة غاز مسيل للدموع» وأن سببا محتملا للوفاة هو «إصابة سامة في الرئة». وسعت السلطات الهندية لمنع خروج أي أخبار من كشمير منذ فرضها الإغلاق الكبير. فبجانب نشر القوات الإضافية، قطعت خطوط الهاتف والهواتف الجوالة وخدمة الانترنت، لكن بعض خطوط الهواتف الأرضية عادت للعمل أخيرا. وتصر السلطات الهندية أنه ليس هناك دليلا موثوقا عن مقتل أي شخص في كشمير نتيجة للإغلاق، وأن ثمانية اشخاص فقط جرحوا جراء ذلك. لكن عدة مصادر في مستشفيات في الإقليم أبلغوا فرانس برس أن 100 شخص على الاقل أصيبوا، بعضهم بطلقات نارية. فيما تلقى آخرون علاجا في منازلهم، خشية أن يتم توقيفهم اثناء تلقيهم العلاج في المستشفيات، على ما أفاد اشخاص اصيبوا برصاص الخرطوش فرانس برس. وتحدثت فرانس برس مع ذوي شخصين آخرين تزعم اسرتاهما أنهما قتلا نتيجة عنف قوات الأمن. أحدهما القاصر عصيب أحمد البالغ 15 عاما والذي غرق في 5 غشت. وقالت أسرته أن احمد كان متواجدا قرب منزله حين استخدمت الش رطة الرصاص الحي وقذاف الغاز المسي ل للدموع اثناء مطاردتها المحتجين نجاه ضفة النهر حيث غرق الطالب الصغير. وقال أحد أقاربه الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية «تم انتشال جثته بعد خمس ساعات من المياه وقد هاجمت الشرطة جنازته». وتابع أن «الشرطة حاولت اختطاف جثته لأنهم خشوا خروج المزيد من التظاهرات». أما الضحية الثانية، محمد أيوب خان فكان يقف خارج مزله في وسط سريناغار السبت حين أطلقت الش رطة الغاز المسي ل للدموع لتفريق مجموعة صغيرة من المتظاهرين الذين كانوا يرشقون عناصر الأمن بالحجارة، كما قال أفراد من الأسرة والجيران. وسقطت قذيفتان أمام بائع الخشب البالغ 62 عاما، ليسقط أرضا فورا وينهار. وفي المستشفى التي نقل إليها، أ علنت وفاة خان الأب لثلاث بنات، لكن الشرطة اخذت الجثة. وحضر عشرة من أفراد أسرته فقط جنازته تحت جنح الظلام ومراقبة الشرطة. وقال شقيقه الأصغر شبير أحمد خان لفرانس برس إن «ضابط ش رطة هد دنا بأنه سيلقي الجثة في النهر إذا تحدثنا لوسائل الإعلام أو حاولنا الخروج في موكب». وتابع «تم نقلنا في أربع شاحنات للشرطة إلى منطقة المقابر». وزارت أسرته المستشفى عدة مرات للحصول على شهادة وفاته لكن الأطباء أخبروهم أن الشرطة أمرتهم بعدم إصدار شهادة وفاة. وقال خان إن وفاة شقيقه الأكبر «لن تسجلها الحكومة على الأرجح لكن بالنسبة لنا فهو شهيد»، وتابع أن «وفاته نموذج آخر على وحشية الهند». ريبورتاج عن مداهمات ليلية يجلس علي محمد راح على الرصيف خارج مركز الشرطة في مدينة سريناغار الرئيسية في القسم الذي تسيطر عليه الهند من كشمير، الثلاثاء بانتظار رؤية ولديه المراهقين اللذين اعتقلتهما السلطات في مداهمات ليلية. قال راح لوكالة فرانس برس ان «الجنود دقوا بعنف على نوافذ منزلنا بينما كنا نياما « واعتقلوا ولديه 14 و16 عاما قبل الفجر في حي مهجورناغار في سريناغار. وأضاف «اقتحموا المنزل وجروا ابنائي إلى الخارج». وفي حي نوشيرا القديم في المدينة، قال السكان ان الشرطة اقتادت واحتجزت العديد من الشبان ليل الاحد الاثنين. وتحدث سكان الاحياء الأخرى عن مداهمات مماثلة. وفي محاولة لوقف المداهمات قام سكان منطقة سورا في سريناغار بنصب الحواجز وحفر الخنادق في الطرقات المؤدية إلى تجمعات منازلهم. وإلى جوار راح جلس العشرات أمام مركز الشرطة بانتظار سماع أخبار عن اقاربهم الذين احتجزتهم الشرطة وبينهم 21 صبيا، في اخر عملية دهم ليلية. يقول هؤلاء ان الشرطة استخدمت السلالم لصعود أسوار مجمعاتهم السكنية. وذكرت ارملة قالت ان اسمها روزي، أن الجنود وضعوا البندقية على رأسها وطلبوا منها التزام الصمت بينما اقتادوا ابنها سهيل محيي الدين البالغ من العمر 20 عاما. وذكرت امرأة أخرى تدعى محبة أن جنديا قام ب»رش مادة على وجهي» عندما اعتقل أخيها.وصرحت لفرانس برس «لقد سقطت أرضا من الألم، ولم استطع أن أبصر لفترة من الوقت. وعندما استجمعت نفسي كان الجنود قد أخدوا شقيقي».بجانبها وقفت ألفت وهي تحمل طفلها الذي لم يتعد عمره الشهر، بانتظار معرفة مصير زوجها مشتاق أحمد الذي قالت ان الشرطة اقتادته. وتابعت «ليس لدي مال لشراء الادوية لي والاحتياجات اللازمة لطفلي». ولم يستجب المسؤولون في مركز الشرطة لطلب الحصول على تصريح منهم. ورفضت السلطات مرارا تحديد عدد المعتقلين، باستثناء تأكيد اعتقال أكثر من 100 مسؤول محلي وناشط وأكاديمي في الأيام القليلة الأولى التي أعقبت قرار الحكومة الغاء الحكم الذاتي. وأكدت السلطات القيام ب»اعتقالات وقائية قليلة» لتجنب «انتهاك السلم» في المنطقة التي تشهد تمردا مسلحا ضد الحكم الهندي منذ ثلاثة عقود. وتسبب إعلان نيودلهي المفاجئ إلغاء الوضع الدستوري الخاص بالقسم الذي تسيطر عليه من اقليم كشمير في إثارة تظاهرات من السكان المحليين وغضب باكستان واستياء الصين.