قال تعالى في سورة الاحزاب متحدثا عن المنافقين والمرجفين» لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً (*) ...» ..الإرجاف: هو الزلزلة والاضطراب الشديد؛ وإشاعة الكذب والباطل... وعرف القرطبي الارجاف بما عرفه به ابن عباس بقوله : «الإرجاف التماس الفتنة، وقيل: إشاعة الكذب والباطل للاغتمام به، والرجفان الاضطراب الشديد ويراد القول الذي تتحرق به القلوب وتضطرب»... سنتحدث في هذه المقالة عن المرجفين اعتبارا الى أن بلدنا أصبح مرتعا وفضاء يعج بهؤلاء الذين أشارت اليهم الآية الكريمة التي افتتحنا بها المقال ... ...فالمرجفون يتطاولون ويتدخلون سلبا في أمور الدين والسياسة والاقتصاد والمجتمع والأسر والأفراد ... وهم أشخاص متخصصون في الافتراء والكذب على لله وعلى الرسول وعلى الناس كافة الأحياء والأموات .. وعلى تاريخ وحاضر الشعوب والأفراد ولا يسلم حتى المقبل من الأيام والسنون من ألسنتهم واقوالهم .. فهم لا يألون جهدا ليتحكموا في كل المجالات ولم لا التلاعب بالوعي العام ومصالح الناس كما يحلو لهم ..هدفهم نقيض ما يقصدون حيث تتلاقى سياستهم مع سعي الشياطين الذين يزينون للناس السئ من الأقوال والأفعال والمواقف حتى يقحموا الجميع في مهالك تطال دنياهم وأخراهم ... إن المرجفين هم من يقوم بنقل الأشياء والوقائع والأحداث بصور يشوبها التزييف والتزوير، سواء في كلياتها وتفاصيلها أو جزئياتها ..وعملهم ذاك ليس لجهل أو عدم فهم بل عن تعمد ينم عن خلل في النفس ورغبة جامحة في الإساءة للآخرين بكل الطرق والوسائل ...فيسعون للتشكيك في الأخلاق والقيم والفضائل وكل الأعمال التي تبتغي الإصلاح والصلاح والتغيير للرفع من مستوى الوعي بجعل الشعب وقواه الحية يمتلكون زمام المبادرة في كل أمور المجتمع ... وفي هذا السياق سنجدهم متخصصين في صنع الإشاعات وترويج الأكاذيب من تلقاء أنفسهم أو بإيحاء من جهة أو جهات لها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة من «الفعل / الإشاعة» التي قد تروج للأخبار الزائفة كانت سيئة أو حسنة فيسيئون الى أعدائهم ولو كانوا صالحين مصلحين، ويحسنون بالتجميل والإثراء الى أصدقائهم أو حلفائهم أو من هم على شاكلتهم بما ليس فيهم ... ...وإذا ما بحثنا في تاريخ الأمم والحضارات بين القبائل أو المجتمعات أو الدول وحتى بالأسر سنجد أن أغلب الفتن والحروب والصراعات وحتى جرائم الإبادة و... سببها « هؤلاء / المرجفة « الذين تحدثوا بالإساءات المفبركة عن مريم العذراء وعن عائشة أم المؤمنين، كما أساؤوا إلى يوسف وموسى وعيسى وخاتم النبيئين عليهم الصلاة والسلام وتطاولوا على الخلفاء الراشدين وكبار الأئمة والعلماء ..وتخصص العديد من المرجفين في طبخ الملفات والإيقاع بخيرة الناس تزويرا وبهتانا وكذبا حتى يبنوا عليها أحكاما وقرارات استشهد بسببها العشرات إن لم نقل المئات من خيرة الوطنيين التقدميين ببلدنا ومنهم المهدي بنبركة وعمر بنجلون ...وزج بالمئات منهم في السجون، فمنهم من قضى نحبه بها ومنهم من غادرها وتصالح وتصالحت معه الدولة ومنهم من ... ويبلغ الإرجاف أخطر مستوياته عندما تنعكس نتائجه على الأرض/ الوطن.. أو على الارض / العالم ..فبالوطن تتزعزع القيم والمفاهيم وينتشر اليأس والإحباط بين العامة ويدفع الناس نحو العزوف عن كل الاعمال العمومية الرسمية والمدنية ...ويجر المجتمع نحو متاهات لا يعلم بخطورة انعكاساتها ونتائجها المدمرة إلا لله والراسخون في علوم السياسة ...كما أن ممارسات المرجفين بالعالم تشعل الفتن الداخلية بالدول وتمزقهم إربا إربا يتعقد ويصعب معها أمر الجمع والإصلاح، بل قد تصل إلى تمزيق وحدتها وخلق دويلات لاتسمن ولا تغني من جوع ..أو قد تشتعل بسببهم حروب دموية أو أزمات اقتصادية وسياسية ... ولقد تطورت أساليبهم لتأخذ طابعا مؤسساتيا بتوظيف القنوات الفضائية من إذاعات وتلفزات وكذا صحف ورقية وإلكترونية يكون وقودها بطبيعة الحال ومصدرها هو العقول الفاسدة والألسنة اللئيمة والقلوب الممتلئة غلا وحقدا والأنفس «المؤمنة» بسياسة إبليس الذي خاطب رب العزة قائلا : « قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ « الحجر. وإغواء الشيطان لا يتحقق إلا بتضليل الناس والتأثير على أهوائهم ليصبح كل ما يصدر عنهم لا يرضي الله ورسوله وكذا الضمائر الحية الواعية ... إنهم إن كانوا من بين الجنود في حرب ما، فإنهم قد يتسببون في تكسير شوكتهم وزرع الترويع والرعب في صفوفهم فيسدون خدمة كبرى للأعداء .. وإن كانوا بين المؤمنين في دور العبادة، لمزقوا وحدتهم الروحية ولصنعوا أئمة متعددين يضرب بعضهم بعضا تشكيكا وتكذيبا وتحقيرا وتكفيرا . وإن كانوا مندسين في الدولة، فإنهم يزرعون بذور عدم الثقة ويروجون لنظريات التآمر والمؤامرة، ويبنون جدرانا من الوهم تكرس الفرقة وتشجع على الاضطرابات بزرع الفتن في كل موقع وفضاء يجعل الجميع في حالة استنفار وترقب وخوف وشك .. وأحيانا في حالات هجوم متبادل يضيع المكتسبات ويعطل آلية ومسارات التنمية بجميع تجلياتها ... إنه ومن مصلحة الأمة بكل مكوناتها إن كانت مدركة لمصالحها حق الإدراك أن تبتعد عنهم وتبعدهم عن التأثير في مصائر الناس أفرادا وجماعات ..قال تعالى مخبرا الرسول الكريم والامة الاسلامية في سياقات معنى الاية : «لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ» التوبة. فبين للمؤمنين أن المصلحة في تخلي المنافقين عن الخروج معهم أفضل من مرافقتهم لهم لأنهم سيعيثون فسادا ونميمة وإيقاعا بين الناس، وسيجدون حتما من يتأثر ويتبنى ترهاتهم ومكائدهم ويتواصل معهم، وسيكونون والحالة هاته الى جانب الأعداء أوهم اشد خطرا منهم ... إن من أسباب تخلفنا وانكساراتنا هو أن المرجفة بارعون في التمظهر النفاقي وتقمص الأدوار، ومعرفة كيفيات التسلق الى بعض مراكز التأثير على القرارات بالبيوت والأسر والقبائل والمجتمعات والمؤسسات والدول ..لا يكتشفون ولا يعرف البعض منهم إلا بعد أن يطال تخريبهم المعنوي والمادي جوهر الاشياء ...فكم من دولة انهارت بسببهم ؟ وكم من نبي طالته مؤامراتهم ودسائسهم ؟ وكم من قيم وأفكار نبيلة أقبرت بسببهم ؟ فنسأل لله لنا ولكم أن ينير بصائرنا ووعينا حتى نجتنبهم وأن يكشفهم للناس حتى يتقوا شرهم وكيدهم ...آمين.