الدار البيضاء .. حفل بالقاعدة الأولى للبحرية الملكية بمناسبة الذكرى ال68 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    المنامة .. ناصر بوريطة يبحث مع رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين بدولة فلسطين تعزيز العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع على الساحة الفلسطينية    منذ بدء العمل به في 2018.. الخط الأخضر للتبليغ عن الفساد يسقط 299 شخصا    طبعة ثانية من « أوراق من دفاتر حقوقي «مهنة الحرية « للنقيب محمد الصديقي    عجز الميزانية في المغرب يفوق 1,18 مليار درهم        سجن تطوان يكشف حقيقة تعنيف نزيل على يد موظف    اجتماع عمل لوضع خارطة سياحية لمسارات المدينة العتيقة لتطوان    يعود تاريخها إلى 400 مليون سنة.. المغرب يتسلّم 117 قطعة نادرة من الشيلي    "أطلنطا سند" تطلق التأمين المتعدد المخاطر منتوج "برو + المكتب"    غلاف مالي مهم لتوسعة شبكة المراقبة بالكاميرات بطنجة    الأخضر يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    ميارة يرأس أشغال الجمعية العامة ال18 لبرلمان البحر الأبيض المتوسط    الباحث البحريني نوح خليفة: جهود المغرب تأتي موازية لتطلعات العالم الإنساني وعالم الطبيعة    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    ظهور "منخفض جوي" يتسبب في تراجع درجات الحرارة بشمال المغرب    هاشم تقدم مؤلف "مدن وقرى المغرب"    السعودية والكويت بأدنى خصوبة شرق أوسطية في 2050    حقوقيون يراسلون أخنوش لإنهاء ملف الأساتذة الموقوفين وينبهون إلى أن معاقبتهم ستؤدي لعودة الاحتقان    بيع لوحة رسمها الفنان فرنسيس بايكن مقابل 27.7 مليون دولار    دعوات متزايدة عبر الإنترنت لمقاطعة مشاهير يلتزمون الصمت حيال الحرب على غزة    اختتام البطولة الوطنية المدرسية لكرة اليد كرة الطائرة والسلة 5*5 والجولف والرماية بالنبال    "الكوديم" يحسم "ديربي سايس" ويقترب من دوري الأضواء والاتفاق يعقد مهمة جمعية سلا في النجاة من جحيم الهواة    الفيفا تنصف الرجاء البيضاوي في قضية المليار ومائة مليون    توظيف مالي لمبلغ 3,8 مليار درهم من فائض الخزينة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أسعار النفط تواصل الارتفاع وسط توقعات شح الإمدادات    هل تكون إسبانيا القاطرة الجديدة للاقتصاد الأوروبي ؟    المغرب يفكك خلية إرهابية موالية ل"داعش" ينشط أعضاؤها بتزنيت وسيدي سليمان    تفاصيل مثول لطيفة رأفت أمام قاضي التحقيق بالدار البيضاء    الصين تدعو لعلاقات سليمة ومستقرة مع كوريا    المخرج الإيراني محمد رسولوف يفر من بلاده "سرا" بعد الحكم عليه بالجلد والسجن    سلطات سبتة تدعو وزارة الخارجية الإسبانية لمساعدة قطاع غزة    10 لاعبين يحرجون ريال مدريد قبل انطلاق الميركاتو    هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: جلسة فكرية مع الناقدة والباحثة الأدبية الدكتورة حورية الخمليشي    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    الجمعية الرياضية السلاوية للدراجات تتوج بسباقي القصر الكبير وأصيلا    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    موعد لقاء الرجاء الرياضي والنهضة البركانية    الدورة الثالثة للمشاورات السياسية المغربية البرازيلية: تطابق تام في وجهات النظر بين البلدين    الشيلي والمغرب يوقعان اتفاقية للتعاون في مجال التراث الوثائقي    بطولة فرنسا: مبابي يتوج بجائزة أفضل لاعب للمرة الخامسة على التوالي    غزة تنتصر.. طلبة كولومبيا يرتدون الكوفية الفلسطينية في حفل تخرجهم    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين    إسطنبول.. اعتقال أمين متحف أمريكي بتهمة تهريب عينات مهمة من العقارب والعناكب    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    بنموسى يعلن قرب إطلاق منصة رقمية لتعلم الأمازيغية عن بعد    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    مخرج مصري يتسبب في فوضى بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أئمة الفتنة والتطرف

يعتبر المسجد ركنا من أركان الحياة الإسلامية، ولذلك نجده حاضرا في حياة المسلمين منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، يؤدون فيه صلواتهم، ويعرضون فيه أمور حياتهم في أحوال السلم والحرب ويتعارفون فيه، فيجمع شملهم، ويقوي صفوفهم، وفيه يجد المسلم الأمان والمساواة والموعظة الحسنة والطمأنينة النفسية والطهارة الروحية... وغير ذلك من القيم الجميلة التي شرعها الإسلام. ولصلاة الجماعة في يوم الجمعة منزلة كبرى في مجال العبادة، ولذلك يحرص المسلمون -صغيرهم وكبيرهم- على الذهاب إلى المسجد لنيل أجر صلاة الجماعة في أبهى الحلل امتثالا لقوله تعالى: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد» (صورة الأعراف: الآية 29)، ولقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا لذكر الله، وذروا البيع، لكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله» (سورة الجمعة: الآية 9 و10) غير أن هذا الجو الإسلامي، النقي والطاهر، الصافي والمقدس، الذي ينبغي أن يهيمن على المسجد، أفسده ويفسده بعض الأئمة، أقول بعض الأئمة، دعاة الحقد والكراهية وأنصار العنف والإرهاب، أئمة تسلطوا على منابر الجمعة بغرض قلب الحق باطلا والباطل حقا، بغرض مهاجمة الحداثة والتنوير والثقافة الإنسانية، متأولين نصوص الدين تأويلا سيئا وتوظيفها توظيفا مشبوها، متحذلقين في العبارات بغرض إثارة النقمة والكراهية في صفوف المصلين، ليس فقط ضد الحضارة الإنسانية وضد الثقافات الأخرى، بل ضد إخوانهم من المغاربة الذين يخالفونهم في الرأي والموقف، وهم في كل ذلك لا يصدرون إلا عن نزواتهم السياسية الضيقة، وانتمائهم إلى حزب يعتقد أصحابه أنهم «يكتسحون الساحة»، ويزحفون إلى السلطة (وقد وصلوا؟)، وهم من أجل ذلك يسوغون لأنفسهم كل السبل والوسائل، بما في ذلك أكثر انحطاطا وهي الكذب، بل إن بعضهم بلغ به الغلو، والانحراف عن تعاليم الإسلام وأد حرمة المسجد، إذ قام بالدعاية الانتخابية داخل المسجد... إن هذه هي الطريق المؤدية رأسا إلى الفتنة. إن منبر الجمعة هو مكان للوعظ والإرشاد الديني، وإقامة الصلاة، وليس حلقة للتأطير السياسي، لأن المصلين إن كان يجمعهم الإيمان الديني وتوحد بينهم القبلة، فإن السياسة تباعد بينهم.
هؤلاء الأئمة يستغلون منبر الجمعة لتصريف خطابات ما أنزل الله بها من سلطان، خطابات غاية في الجهل والبعد عن الله تعالى، خطابات تؤسس للإرهاب وتضفي الشرعية على قتل الأبرياء بدعوى أنه «جهاد»، ينشرون خطاب العنف وعنف الخطاب.
لقد ظلت المساجد أوكارا لهذه الطينة الغريبة من الخطباء الذين لا فرق عندهم بين المغرب والسعودية وأفغانستان، يعتدون بالقذف والتحريض والاتهام بالصهيونية والعمالة للأجنبي على أحزاب سياسية وجمعيات مدنية تخالفهم الرأي، يكفرون الجميع، يتهمون كل من يناضل من أجل احترام الاختلاف الفكري والعقائدي، واحترام التعدد الثقافي واللغوي للبلاد، يتهمونه بالزندقة والإلحاد، يهدرون دم كل من انخرط في المشروع الحداثي، ويستبيحون دم كل من يحمل القيم الكونية ذات البعد الحقوقي والإنساني.
يستغلون منبر المسجد ليرشحوا بالسم والحقد والقصور العقلي، وقد ابتلي الإسلام في كل زمان ومكان بهذا الصنف من الأئمة الذين أثبتوا بسبب فهمهم المنحرف للإسلام أنهم لا يصلحون إلا لقيادة قوافل التخلف، ولذلك الآن نصفق على هؤلاء حين نسمع كلامهم عن الإسلام والغرب، وما يتعرض له المسلمون من تحديات العصر والعولمة. أبأمثال هؤلاء ومريديهم ومستخريهم، يمكن للإسلام أن ينتشر، وللمسلمين أن يتحدوا التخلف والعولمة والنظام الجديد؟ إذا كان هؤلاء يشتمون المسلمين في بيت الله، فماذا نقول عنهم حين يتعلق الأمر بموقف هؤلاء من الغرب، وغير المسلمين؟
نحن أمام ظاهرة استفحل خطرها، وتعاظم حجمها، وعلى الجهات المعنية الغيورة على الإمامة أن تفكر في الموضوع بجدية ومسؤولية حتى لا يصل إلى المنبر الدراويش، والطرقيون والمتحزبون والمتشبعون بالفكر الظلامي العنصري، وكل من هب ودب. فليس كافيا في هذا العصر، أن يعرف الشخص نواقض الوضوء لتسند إليه مهمة الإمامة، فيعتلي المنبر، بل أقول إن على الإمام، بجانب الشرط العلمي الديني، أن يكون مسلحا بثقافة العصر، متشبعا بفكر إسلامي تجديدي واجتهادي حقيقي، فكر إسلامي تنويري حديث لا يعلن الحرب على أحد، ولا يزرع الكراهية والحقد، لا يرهب المسلمين وغير المسلمين، يحترم الاختلاف الفكري والتعدد اللغوي...
والغريب أن بعض الأئمة -كما يتبين من خطبهم- يجهلون ألف باء الإسلام، لأن الإسلام دين الانفتاح والتسامح، دين الحب والرحمة، وهؤلاء عرقيون عنصريون، منغلقون متزمتون، يعادون الآخر المختلف، ويهاجمون الغرب ولغاته، ولكنهم ويا للمفارقة، يرسلون أبناءهم إلى كلية الطب وشعب الفرنسية والإنجليزية، ويعلمون أبناءهم في البعثات وفي فرنسا والولايات المتحدة، ويمكن أن أذكر عشرات الأمثلة، والأكثر غرابة أن هؤلاء لا يتورعون عن مخالفة النصوص القرآنية الصريحة، والسنة النبوية الشريفة، فهم ضد الاختلاف والتنوع ولا يلتفتون إلى الآيات العديدة التي تنص على أن الحكمة الإلهية اقتضت الاختلاف في الحياة البشرية، وأكتفي تجنبا للإطالة بقوله عز وجل في الموضوع، «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله بجعلكم امة واحدة» (سورة المائدة: الآية 50) ومن هذا الاختلاف اختلاف ألسنة الناس، فيغيب عن ذهنهم ?أو يغيبون ذلك، قوله تعالى: «ومن آياته خلق السماوات والأرض، واختلاف ألسنتكم وألوانكم» (سورة الروم: الآية 21).
هؤلاء الأئمة لا يجدون حرجا في أن يظهروا بوجهين: وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها، وجه يظهرهم مؤمنين بالديموقراطية والاختلاف والتسامح، ومنهم من يحاضر في الموضوع،ووجه يظهرهم متعصبين يعادون الاختلاف والتنوع، والمسلمين وغير المسلمين. إن هؤلاء الأئمة كشفوا عن الوجه الحقيقي وأسقطوا أقنعتهم عندما أباحوا لأنفسهم تعطيل سنة الله في خلقه، وركب الجهل والوقاحة، فيشتمون من منبر المسجد من جاء عابدا، طالبا للثواب والغفران والكلمة الطيبة، وفي أحايين كثيرة والمؤمنون يستمعون إلى هؤلاء الأئمة يتساءلون: هل لهؤلاء قرآن يستمدون منه غير القرآن الكريم الذي يعرفونه؟! وهل لهؤلاء سنة غير السنة النبوية الشريفة يعودون إليها؟ فالذي يقره القرآن الكريم هو الاختلاف، والتسامح، والجدال بالحسنى، والكلمة الطيبة، والتعاون بين البشر، ألم يأت في كلامه عز وجل: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم» (سورة الحجرات: الآية 13)، وقوله: «أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن» (سورة النحل: الآية 125)، وقوله: «وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون» (سورة الحجر: الآية 66) وقوله «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن» (سورة العنكبوت: الآية 46) وقوله: «إدفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (سورة فصلت: الآية 33)، وقوله: «ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار» (سورة إبراهيم: الآيات 26، 28).
ونخاف، أيها الأئمة، أن تكونوا بعملكم التحريضي على الحقد والعنف واللاتسامح تحيون ما فعله أبو عامر الخزرجي وجماعته الذين نزل فيهم قوله تعالى: «الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل، وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى، والله يشهد إنهم لكاذبون، لا تقم فيه أبدا، لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المتطهرين» (سورة التوبة: الآيات 108، 109).
فهل تريدون من المسجد/المساجد الذي تحلون به أئمة أن يكون مفرقا للمسلمين كمسجد جماعة أبي عمار؟ أو تريدونه -وهذا ما نرجوه- أن يكون كمسجد «قباء» الذي أسس على الورع والتقوى؟
والذي يظهر أن هؤلاء الأئمة يجيزون لأنفسهم حق تعطيل هذه الآيات، فينفرون المسلمين من الذهاب إلى المساجد، وغير المسلمين من الإقبال على الإسلام، وكيف يقبل على الإسلام من يسمع بعض الأئمة يزعمون أن الإرهاب منصوص عليه في الإسلام وحجتهم قوله تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» (سورة الأنفال: الآية 61)، فهل هناك إساءة إلى الإسلام أكبر من هذه؟ وهي آتية على لسان من يزعمون أنهم دعاة، وينسى هؤلاء أو يتناسون القولة العظيمة «بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا».
والسنة النبوية الشريفة مجال آخر غاب عن هؤلاء الأئمة، فلو قرأوها وفهموها لاستحضروا على المنبر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم المليئة بالقيم الإسلامية الرائعة، فهو المؤمن بالاختلاف بمعناه الواسع، فقد كان يتعامل مع غير المسلمين كاليهود وغيرهم من الأجناس، أو لم يقل فيه القرآن الكريم: «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا» (سورة سبإ» الآية 28)، «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (سورة الأنبياء: الآية 106).
لما قررت المرأة المغربية المطالبة باسترجاع إنسانيتها وكرامتها، لما قررت المطالبة بحقوقها وبالمساواة بينها وبين الرجل، ولما عبرت عن إرادتها في المشاركة من أجل تنمية بلدها، وصفها هؤلاء الأئمة بالفسق المستورد من الغرب، وصفوها بالكفر والفجور، وألصقوا بها أقبح النعوت وأبشع الأوصاف، حاربوا القوى الديموقراطية التي تؤمن بحق المرأة في الحياة كإنسانة واعية عاقلة، تتمتع بحرية الإرادة والاختيار، هاجموا بشراسة الفكر الحداثي التنويري الذي يروم تحرير المرأة، الأم، الزوجة، الأخت، البنت، من الجبروت والجهلوت، تحرير المرأة من أوهام وأصنام الفكر القروسطوي، تحريرها من أغلال وقيود الفكر الذي ورثناه من عصور الانحطاط والجمود.
في خطبهم يسلبون المرأة إنسانيتها يشيئونها، يحرمون عليها حق التفكير والتعبير، حق الحرية والاختيار، حق التسيير والتدبير حق الصمود وحق العمل والإنتاج، حق الرفض والاحتجاج، حق السعادة والحياة... المرأة في نظرهم لا شيء، منفعلة لا فاعلة، عليها أن تطيع وتخدم «السي السيد» بضاعة تباع بالبخس الأثمان، موضوع لا ذات موضوع للجنس الذي يمارسه «أمراء الظلام» بكل عنف وحيوانية، المرأة عديمة الفكر والعقل، عديمة الحقوق الطبيعية فالأحرى المدنية، صرخوا وهاجوا، ولولوا وهاجموا، أرعبوا الناس وارهبوهم وحرضوهم على محاربة المرأة ومن يناصر المرأة. المرأة عورة، ومن يدافع عن كرامة المرأة فهو كافر يحارب الإسلام والمسلمين.
في خطبهم يحرمون كل ما هو جميل، يزرعون القبح، ينشرون الحقد والتعصب، يكرسون الجمود والظلام يعانقون الانغلاق والتخلف... أعداء القيم الإنسانية النبيلة، أعداء التسامح والانفتاح، أعداء النور التنوير، أعداء المجتمع والتاريخ، أعداء الله وأعداء الوطن.
ويحرمون الفن بمختلف تجلياته الإبداعية الجميلة، يحرمون الجمال بدعوى انه فتنة، كفر وزندقة والحاد، يحاربون الاختلاف في الرأي، الكلمة جاهزة: هذا يخالف الدين، الإسلام يحرم الاشتغال بالفن، بالموسيقى، بالعلم. يكفرون الديمقراطيين، يستبيحون اغتيال التقدميين يهدرون دم اليساريين...
يجهلون أن للطفولة عالما خاصا، للطفل حقوق، للطفل مؤهلات وقدرات تنمو في فضاء الحرية والجمال... قيدوه بأغاليل الجهل، بالكتب، التي تحكي عن البول والغائط، عن عذاب القبور وهول جهنم... حرام هذا، ممنوع ذاك، عذاب هنا، جهنم هناك، حساب وعقاب ويل وسعير، نار ولهيب... هكذا يغتصبون الطفل ويبعدونه عن عمق الإسلام، إسلام السماحة والانفتاح، إسلام السلام.
ومن الأخطار التي تتهدد مجتمعنا أن هذه الأفكار التي لا سند لها في القرآن والسنة، قد اقتحمت المؤسسات التعليمية، فوجدت لنفسها موطنا ومستقرا، وهذا أمر يجرنا إلى نوعية المدرسين الذين يتولون مهمة التكوين في مراحل التعليم المختلفة، ويبدو أن الأمور هنا أيضا ليست على ما يرام، فما زال هناك من يقول للتلاميذ: اليهود أبناء القردة والخنازير، وأن كراهيتهم واجب شرعي، دون أن يكون لكل هذه الأمور وجود في المقرر الدراسي أو في الكتاب المدرسي الرسمي.
إن من يعرف ما يحدث داخل أقسام الدرس في مؤسسات التعليم لن يصاب بالدهشة أو يتملكه العجب إذا رأى آثار الإرهاب المدمرة في الشارع، فهذه الثمرات الخبيثة من تلك البذور الفاسدة... هناك من المدرسين «الدعاة» من يضرب بالمقرر عرض الحائط، يبتعد عن الدرس، بل وينسحب من المادة فيحدث التلاميذ وينصحهم، يرشدهم، يعظهم، بل يخرب عقولهم ويدمر وجدانهم فأن تتحول حصص مواد علمية إلى وعظ وإرشاد أو حديث عن السياسة والسياسيين... فتلك خيانة في حق المتعلمين، لا نقصد من قولنا هذا استبعاد الأهداف الوجدانية وتنمية الشعور الوطني والقومي والإنساني، لكن نؤكد أن للأحزاب مقراتها، وللسياسة حقولها، ونؤكد على أن لمادة التربية الإسلامية رجالاتها ونساؤها كما أن للتاريخ وللرياضيات والفيزياء رجال ونساء أكثر تأهيلا من غيرهم لتدريس هذه التخصصات. فلكل مادة خصوصياتها التي يجب احترامها، وتكامل المواد أو تداخلها أو تعاطفها لا يعطي لأحد الصفة الأخلاقية ولا القانونية ولا التربوية للتدخل في مواد أخرى بهذا الشكل السافر، وبقدر ما نحن في حاجة إلى تربية النشء تربية إسلامية حقيقية، تحتاج البلاد والأمة، وبنفس الأهمية، إلى تلميذ قوي بمعارفه ومهاراته وكفاياته العلمية القانونية والفلسفية واللغوية، تلميذ قوي ومتكامل البنيان.
في الأخير أتساءل إلى أي حد يمكن أن نستخلص العبر، ليس فقد من التجربة المغربية، بل كذلك مما يحدث في مجتمعات أخرى كالسودان وإيران ومصر وأفغانستان... لأن ما يحدث في هذه المجتمعات على العموم هو إفلاس المشروع الأصولي، الذي لا يظهر أنه تبلور كمشروع مجتمعي متكامل، له مكوانته العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية مع هزالة العطاء الفكري والذي يتحول في كثير من الأحيان إلى صراع بين «الأمراء» وإلى الاعتماد على العنف في الوصول إلى طموحات كرزماتية التي يطمح إليها القادة في ما يمكن أن يسمى «توسعات طلبانية» تؤدي إلى سهولة الاتهام بالإلحاد والردة والخيانة.
إن المرحلة التاريخية التي نمر منها اليوم هي مرحلة البناء الديموقراطي وبالتالي لا يمكن تخيل أية مقاربة للعملية السياسية تقفز إلى المعطى الديموقراطي.
بتعبير آخر السؤال المطروح هو التالي: هل التنظيمات الإسلامية ناضجة بالقدر الكافي لتقبل بعض المقدمات السياسية في العمل السياسي، وهي ليست شروطا، بل فقط مقدمات تعمل على أساسها كل القوى السياسية، هذه المقدمات هي كالتالي:
1- الإسلام ملك مشاع لكل المغاربة، ولا يحق لأي تنظيم جمعوي أو سياسي أن يحتكره ويدعي لنفسه صلاحية الحسم فيما هو متفق مع الإسلام وما هو خارج عنه. هذا هو المدخل الأول، لأننا في مجال الإسلام بقيمه السنية وبمذهبه المالكي وفي نطاق ديني يترأسه أمير المؤمنين.
2- الخيار الديمقراطي خيار أساسي لا رجعة فيه، يجب وضعه ضمن المقدسات، فإذا كان من المتداول في الحقل السياسي في المغرب أن هناك ثلاثة مقدسات، وهي الدين الإسلامي والمؤسسة الملكية والوحدة الترابية، فإنه يجب الإقرار، وفق الدستور الجديد، بأن هناك مقدسا رابعا وهو الخيار الديمقراطي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.