تفاصيل مباحثات بوريطة مع نظيره الصيني ببكين    رئيس جماعة مرتيل يستقبل المقيم الدائم الجديد لمؤسسة كونراد أديناور المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    العالم الافتراضي يخلق توجسا وسط المغاربة بسبب أثمان أضاحي العيد    رغم الجفاف.. المغرب أول مصدر للطماطم إلى أوروبا    أمريكا: هجوم رفح لن يؤثر في سياستنا ودعمنا العسكري لإسرائيل    مباراة كرة قدم في الدوري الجزائري تتحول إلى "مأساة"    اعتراف إسبانيا وإيرلندا والنرويج بدولة فلسطين يدخل حيز التنفيذ    استقالة مسؤولة كبيرة بوزارة الخارجية الأمريكية بسبب الحرب في غزة    غوتيريش يطالب بوقف الحرب على غزة    جود بيلينغهام يحرز جائزة أفضل لاعب في الدوري الإسباني    أول تعليق لمدرب الوداد الرياضي بعد الهزيمة أمام آسفي    ضربة جزاء الرجاء أمام اتحاد طنجة تثير الجدل    المنتخب المغربي ل"الفوتسال" يبدأ مواجهات كأس العالم مع طاجكستان في 16 شتنبر    استئنافية البيضاء تقرر تأجيل محاكمة "مومو" لتجهيز الملف (فيديو)    مغربي ضمن المتوجين بجوائز "ديوان العرب" الثقافية في دورتها العاشرة    شكيب بنموسى يستقبل الرياضيين المنعم عليهم بشرف أداء مناسك الحج    النفط يرتفع مع التوقعات بإبقاء كبار المنتجين على تخفيضات الإنتاج    قراءة في تطورات ما بعد حادث وفاة رئيسي و مرافقيه..    أولمبياكوس يُعول على الكعبي للتتويج بالمؤتمر الأوروبي    نادي إندهوفن يجدد الثقة في الصيباري    طواف المغرب الدولي للدراجات يشهد مشاركة 18 منتخبا وفريقا    المكسيك تطلب الانضمام إلى قضية "الإبادة" ضد إسرائيل أمام محكمة "العدل الدولية"    بصدد موقف وزير العدل من "عقود الزواج" في الفنادق    وزارة الداخلية تستنفر مصالحها الترابية لتيسير العطلة الصيفية بالمغرب    كيوسك الأربعاء | اكتشاف جديد للغاز بمنطقة اللوكوس    المغرب يخلد يوم إفريقيا في نيويورك    ماذا نعرف عن الولاية الهندية التي تحمل مفتاح إعادة انتخاب ناريندرا مودي؟    صندوق النقد يرفع توقعات النمو في الصين إلى 5 بالمئة    توقعات أحوال الطقس ليوم الأربعاء    سلطات سبتة تُعلن قرب استخدام تقنية التعرف على الوجوه بمعبر "تراخال"    29 قتيلا و2760 جريحا حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    قراءة في ندوة الركراكي : أنا من يتحمل مسؤولية اختياراتي    البِطنة تُذهب الفطنة    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد بمناسبة انعقاد الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي    وزيرة الانتقال الطاقي تقول إن تصاميم مشروع خط الغاز المغربي- النيجيري "قد انتهت"    ضجة "القبلة الحميمية"..مسؤول يبرئ بنعلي ويدافع عن "ريادة" الشركة الأسترالية    القضاء يدين مختلسي أموال مخالفات السير بالحبس النافذ والغرامة    العربية للطيران تدشن قاعدة جوية جديدة بمطار الرباط-سلا    بايتاس يشيد بالسيادة المالية للمملكة    تزايد عدد حجاج الأمن الوطني وحمُّوشي يخصص دعما استثنائيا    حكم قضائي غير مسبوق لصالح مغربية أصيبت بمضاعفات بسبب لقاح أسترازينيكا    الأمثال العامية بتطوان... (610)    وسط أجواء روحانية.. حجاج الناظور يغادرون إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج    الرباط.. استقبال الأبطال الرياضيين المنعم عليهم من طرف صاحب الجلالة بأداء مناسك الحج    عمالة تاونات تودع حجاجها المتوجهين إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج هذا العام    باريس.. حضور قوي للفن المعاصر المغربي ضمن المعرض الطلائعي    خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا يبدأ بربط موريتانيا بالسنغال    مجموعة «رياح كريستالية» تلهب الجمهور بمهرجان فاس للموسيقى العريقة    وزيرة الخارجية المالاوية: المغرب نموذج يقتدى به لما حققه من تقدم في مختلف المجالات    ٱيت الطالب: المغرب يضطلع بدور محوري في تعزيز السيادة اللقاحية بإفريقيا    ملابس النجمات تتضامن مع غزة ضد الرقابة    ايت طالب يناشد من الأمم المتحدة إنقاذ المنظومة الصحية في فلسطين    بعد فوضى سوء التنظيم.. سامي يوسف يوجه رسالة خاصة لجمهوره بمهرجان فاس    "مستر كريزي" يعلن اعتزال الراب    خبراء ينصحون بفترات راحة لممارسي رياضة الركض    كيف اكتشف المتحف البريطاني بعد عامين سرقة مجوهرات وبيعها على موقع التسوق "إيباي"؟    الغضب يؤذي القلب وقد يقتلك .. كيف؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات فكرية محمد شوقي الزين: السطح هو أعمق الأشياء في الوجود


بطاقة:
محمد شوقي الزين، مفكر جزائري وباحث متخصص في مجال التأويليات وتحليل الخطاب. يعمل حاليا في جامعة تلمسان، ويعتبر من الأسماء التي بدأت تظهر في تسعينيات القرن الماضي، ظهورا حاملا لإرهاصات تطور الدراسات الفلسفية في الجزائر، ويعتبر شوقي الأغزر إنتاجا، والأكثر تعمقا وإحاطة بحكم دراسته العليا في فرنسا ودراسته للتراث الفلسفي والصوفي، واحتكاكه بأعلام الفلسفة كجاك ديريدا وإتقانه لعدة لغات.من كتبه : «نقد العقل الثقافي فلسفة التكوين وفكرة الثقافة أساسيات نظرية البيلدونغ». صدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ودار الوسام العربي ومنشورات مدارج. نقد العقل عنوان لمشاريع فكرية وفلسفية متعددة (كانط، الجابري، أركون، طرابيشي).

ثمة أسئلة كبرى تطرح على النخب الثقافية العربية التي كانت تقف، في بعض نماذجها القوية، على محك التنافر القطري، غير قادرة على رسم طريق التكامل الثقافي الغربي. غير أن أطروحات كثيرة أنجزها مثقفون ومفكرون عرب ما زالت حتى الآن تطفو على السطح، لراهنيتها وقوة مضامينها، ذلك أن البلاد العربية ما زالت مستهدفة أكثر من أي وقت آخر، زمانيا ومكانيا، مع العلم بأن تلك النخبة تعلم يقينا أن الأحداث التاريخية العربية زاخرة بالصراعات، التى ما زالت تتكرر بصورة طبق الأصل فى تاريخنا الحديث- بغض النظر عن تلك المرحلة التي كان العرب يتبؤون فيها عالميا الهرم السياسي والحضاري.
في ما يلي حوارات فكرية مع بعض أعلام الثقافة والفكر في الوطن العربي.

p تنعت تجربة ابن عربي بالتجربة التحريرية كما يراها عثمان يحيى ببعدها الحواري والتواصلي: فهو حاور الشيوخ المرئيين واللامرئيين وحاور الملوك ورجال السلطة والفلاسفة، دون الاتباع أو الرفض، بل بقي في عمق تجربة «نعم، ولا»، وهذا سلوك نستشف منه زعزعة لسلطة الفقيه (الظاهرية): ألا يمكن اعتبار انخراط الفكر العرفاني في الحياة اليومية سياسياً واجتماعياً محكوماً عليه بأن يكون غير مباشر، دون الانغماس في السائد والمباشر أو العادي والاعتيادي؟
n صحيح، لا تقترب التجربة العرفانية من اليومي والاعتيادي ولا تبتعد عنهما. لكن الأمر الأساسي هو أنها ترى في اليومي أو العادي نتاج تجليات الحقّ؛ فكلّ حقير، في منظورها، هو جليل لأنه مجلى الحق، وكلّ ظاهرة عادية من حجر وشجر ومدر هي علامات تدل على الحق الكامن فيها. تجربة ابن عربي هي تجربة «نعم و لا» كما أوردتم في السؤال ولها واقعة تاريخية، وهي حواره المقتضب والرمزي مع ابن رشد. أتكلم من جهتي عن تجربة «هو لا هو»، لأنها أوسع من حيث البنية والمضمون.
عندما نتحدث عن «هو لا هو»، فإننا نتكلم عن الجمع بين نقيضين، من حيث أن الحق هو الأشياء وما الأشياء هي الحق. نضع أنفسنا في مجال سمّاه الكاردينال الكاثوليكي نيكولا الكوسي Nicolas de Cues «تواطؤ الأضداد»، وقبله سمّاه ابن عربي «علم تآلف الضرّتين». كذلك التجربة العرفانية هي رؤية فينومينولوجية للأشياء، قائمة على «الرصد» بافتراس (من «الفراسة») حقيقتها؛ وعلى «الصدر» (إذا استعملتُ القلب اللغوي) بتحيُّن صدورها الأصلي ومآلها البعدي. والمجال الجميل والجليل، الذي تتبدّى فيه التجربة العرفانية برؤيتها الفينومينولوجية والتأويلية، هو مجال اليومي والعادي، ذلك المجال الذي يُبهر ببساطته ولكنه من التعقيد والكثافة ما يتطلب أدوات ونظرات، فقط لأنّ «السطح هو أعمق الأشياء في الوجود»، كما قال فتغنشتاين في ما معناه.
فينبغي الولوج في الظواهر من وراء المظاهر، أو يتوجّب التكهّن بوجود ظواهر غائرة من وراء المظاهر السطحية. ولا يكون ذلك بضرب من الخيال والتوهّم، ولكن بطريقة منهجية في تقصّي الحقائق والولوج في «غور الأمور» كما سماه الحكيم الترمذي؛ وهذه الطريقة هي مزدوجة، عقلية ووجدانية، بين ما يدركه العقل بالمبادئ الموضوعة فيه، وما يدركه القلب بأدواته الذوقية والباطنية. يكتسي اليومي إذن صفة فينومينولوجية تذهب إلى ما وراء شيئيته البسيطة، لأنها تدرس موقعه في عالم الأشياء المحيطة به؛ والوعي الذي يدركه ويحدس جوانبه المعقولة أو المشهودة.
بهذا المعنى توفّر التجربة العرفانية بعض الجوانب الفينومينولوجية والتأويلية في الاضطلاع بشيئية الوجود والكيفية التي يطلع فيها أمام الوعي كطلوع الشمس وبروزها للعين. وفي ذلك أطنب الخطاب الصوفي حول شيئية الوجود بالتركيز على طابع الفيض والعطاء، تبعاً لمقولة ابن عربي الشهيرة: «عن الجود صدر الوجود»؛ وتبدو الأشياء في الحياة اليومية حُبلى بهذا الجود الوجودي لمن تفقّه المسألة بعين غائرة؛ سيلان دائم وعطاء لا ينضب.
فكما نرى، هناك أوجه في الشبه بين الثقافة الكاثوليكية والثقافة الصوفية في الإسلام. لهذا السبب، وبعد أفول السلطة الدنيوية للكنيسة الكاثوليكية، فإن الغرب احتفظ بالسلطة الروحية والتراتبية في شكل آباء الكنيسة (يتوّجها البابا)، ووجد في الصوفية الإسلامية «مرآة» يرى فيها ذاته وتاريخه، لأن الصوفية الإسلامية لها الميزات نفسها التي تتمتع بها الكاثوليكية، رغم الاختلاف في العقيدة طبعاً، ناتج عن الاختلاف الجوهري بين المسيحية والإسلام. لكن، كما كتبتُ من قبل، هناك مذاهب تتجاذب كالمغناطيس، حتى وإن كانت تنتمي إلى عوالم ثقافية ودينية مختلفة راديكالياً.
لهذا يميل الغرب بتاريخه المسيحي، والكاثوليكي المهيمن (خصوصاً في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وإنجلترا، والبروتستانتي الموازي والمتنافس في أجزاء عديدة من ألمانيا وسويسرا وإرلندا: تاريخياً على الأقل)، على الاقتراب من المذاهب التي تشابهه نظرياً ووجد ذلك في التصوف الإسلامي. لهذا الغرض يهتم بما أنتجه هذا التصوف مع أسماء لامعة في الفلسفة (الغزالي، ابن عربي، ابن سبعين) والأدب والشعر (الحافظ، جلال الرومي)، إلخ؛ ويرى فيه خير «شريك» في الحوار والتبادل.
p ما هو سر اهتمام الغرب بمنجز ابن عربي؟
n الاهتمام المتنامي للغرب بمتن ابن عربي لم يكن لغاية اتقائية كما يتوهم البعض، وسمعت ذلك من حولي؛ أي أنّ البعض يعتقد بأن الغرب يهتم بابن عربي لأنه الممثل الشهير للتصوف، والتصوف هو مذهب التسامح والحب والعالمية. وبالتالي لمكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة، فإنّ الغرب لجأ إلى تشجيع الطرائق الصوفية. هذه قراءة مبتذلة في حقيقة المسألة، الاهتمام بابن عربي هو نتاج الاهتمام بعمق النظرة وبعالمية الكتابة التي تحلى بها متن ابن عربي. ينبغي الاعتراف أيضاً بأنّ الغرب وجد شريك الحوار في الإسلام مع التصوف وليس مع الإسلام السياسي؛ أي مع الرؤية الكونية للحياة، لا مع الرؤية الضيّقة والمهووسة بالهوية والخصوصية. لماذا هذا الاهتمام بالتصوف عموماً وبابن عربي خصوصاً؟ لسبب بسيط، وهو أنّ الحركة الكاثوليكية في المسيحية كانت حركة صوفية (وهذا يجهله الكثير من الناس). فهي حركة عرفانية كانت لها السلطة الدنيوية، أفلحت في بعض الجوانب وأخفقت في العديد من الجوانب الأخرى، خصوصاً فيما يتعلق بسياسة الضمائر عندما تحولت سلطة الكنيسة إلى محاكم في التفتيش بقهر المذاهب الأخرى، الموازية أو المعادية، وباتخاذ عقيدة الصليب في محاولة الافتكاك بالأقاليم المسيحية في الشام من يدي الإسلام (نعرف جيداً تلك المناظرة عن بُعد، وبالسيوف بين صلاح الدين الأيوبي وريتشارد الأول). لكن العقيدة التي بُنيت عليها الكاثوليكية وهي الثقافة الدينية البارزة والمهيمنة في تاريخ الغرب هي عقيدة صوفية، وإليكم بعض الشواهد:
آلام المسيح (وليس غريباً أن يجد لوي ماسينيون مقابلاً عند الحلاج) والتعاليم التي جاء بها كانت ذات ميول روحية قوية؛
– فكرة التجسيد والحلول هي فكرة صوفية عابرة للأزمنة: من الرواقية إلى الصوفية الإسلامية مروراً بالكاثوليكية. لا نجد مثلاً التجسيد عند البروتستانتية التي تخلو كنائسها من تماثيل اليسوع والعذراء وأضرحة الأولياء عكس الكاثوليكية؛
شيوع فكرة الأولياء والقديسين والتردّد على أضرحتهم عند الكاثوليكيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.