أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    هل ينهي مجلس المنافسة تلاعب "لوبيات" الصيد البحري ويضع حدا لارتفاع أسعار الأسماك بالناظور؟    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    تركيا تعلق المعاملات التجارية مع إسرائيل    أنور الخليل: "الناظور تستحق مركبا ثقافيا كبيرا.. وهذه مشاريعي المستقبلية    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    مطالب بعقد اجتماع عاجل بالبرلمان لمناقشة توقيف الدعم الاجتماعي عن العديد من الأسر    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    النقابة الوطنية للصحافة المغربية تصدر تقريرها السنوي حول الحريات والحقوق الصحافية بالمغرب للفترة 2023-2024    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    الأمطار تغلق مدارس وشركات مجددا في الإمارات وتتسبب باضطراب حركة مطار دبي    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    بواق الكابرانات اعتارفو: اتحاد العاصمة خسرو وتقصاو من كأس الكاف والقضية مازال فيها عقوبات اخرى    الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم تؤكد تأهل نهضة بركان إلى نهائي كأس "الكاف"    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير مروعة بطنجة    عاجل.. قاضي التحقيق ففاس هبط مدير ثانوية "الوحدة" لحبس بوركايز بعد ملتمس من الوكيل العام وها التهم اللي توجهات ليه    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    ندوة بطنجة تناقش مكافحة غسل الأموال    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    المكتب الوطني للمطارات كيوجد لتصميم بناء مقر اجتماعي.. وها شنو لونصات لقلالش    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة    جامعة في نيويورك تهدد بفصل طلاب تظاهروا تأييداً للفلسطينيين        النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    حادثة سير خطيرة بمركز جماعة الرواضي باقليم الحسيمة    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    رغم الهزيمة.. حكيمي ضمن التشكيلة المثالية لنصف نهائي أبطال أوروبا    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    الداخلية تكشف موعد إجراء انتخابات جزئية ببنسليمان وسيدي سليمان    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    قمة "نارية" بين حامل اللقب نهضة بركان ومتزعم البطولة الجيش الملكي في دور السدس عشر    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    رونالدو يقود النصر إلى نهائي كأس السعودية لمواجهة غريمه التقليدي الهلال    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    اتحاد جدة صيفطو كريم بنزيما لريال مدريد وها علاش    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفكار أولية عن تجديد التنظيم الحزبي

الحزب بالمعنى المؤسساتي صرح من بنى تنظيمية تشتغل وتتعالق وفق قوانين معلنة وتقاليد سائرة، وفق منظور سياسي ومرجع إديولوجي ورؤية فلسفية. وبقدر اختلاف الأحزاب من حيث المرجع والخطاب، تختلف أطرها التنظيمية وتتفاعل قيادتها بالقواعد. ومن ثمة تتمايز التجارب التنظيمية هيكلة وممارسة.
البناء المعماري للصرح التنظيمي وتقسيم العمل الحزبي، يختلفان من حزب إلى آخر، ويعكسان إلى حد كبير الفلسفة التنظيمية للحزب، التي تستلهم بدورها الرؤية الفكرية التي توجه عمله السياسي والأنموذج المجتمعي المنشود. وعليه يمكن التمييز بين ثلاثة تصورات لعلاقة القيادة الحزبية بالقواعد التنظيمية:
– أنموذج المركزية الديمقراطية الذي يقوم على ديمقراطية التعبير عن الرأي وحتمية الخضوع لقرار الأغلبية، وهو نموذج انضباطي يكون فيه للقيادة المركزية زمام المبادرة وسلطة التوجيه والتقرير. من نقط قوة هذا التصور حفظ الوحدة الاديولوجية والانسجام السياسي وسرعة اتخاذ القرار، مقابل سلبيات أهمها إضعاف الديمقراطية الداخلية وزرع بذور البيروقراطية الحزبية وخنق النخب المحلية. يستلهم هذا النموذج التجربة البولشفية بزعامة لينين قائد الحزب الشيوعي الروسي وصاحب كتاب «ما العمل؟» ورسالة إلى رفيق. وقد صارت على هديه أغلب الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والأحزاب الاشتراكية والقومية العربية.
– نموذج اللامركزية المطلقة الذي يمنح للقيادات المحلية والجهوية هامشا واسعا للمبادرة والتقرير في استقلال شبه تام عن القيادة المركزية. وهو نموذج شبه فيدرالي يترك للجهات حرية الاجتهاد بناء على تقديرها لأوضاع الجهة أو الإقليم. من سلبيات هذا النموذج تهديد الوحدة الفكرية للحزب خاصة في غياب نخب محلية وجهوية ناضجة ومستوعبة لأطروحات الحزب وتصريفها وفق المشترك الوطني والاستراتيجيات السياسية الوطنية مقابل إيجابيات التشجيع على بروز نخب جهوية وإنتاج خطاب سياسي يراعي خصوصيات الجهة وانتظارات الساكنة المحلية ويسهم في إغناء فكر الحزب وبرنامجه السياسي الوطني. هو نموذج أكثر تلاؤما مع الأنظمة السياسية الفيدرالية.
– نموذج تشاركي تكاملي يحاول التأليف النسقي بين النموذجين السابقين دون انتقائية أو تلفيق. نموذج يتأسس على تقسيم متوازن للمهام والاختصاصات والسلط بين المؤسسات المركزية والوسيطية والمحلية، ويسعى إلى خلق نوع من التفاعل الدينامي والجدلي بين مكونات المنظومة الحزبية أفقيا وعموديا دون استبداد ولا انفلات. يستمد مرتكزاته من الديمقراطية التشاركية وهو ما زال في طور التبلور ولم تكتمل صورته بعد..
استلهمت الأحزاب الاشتراكية ومن ضمنها الأحزاب اليسارية المغربية (الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، منظمة العمل، اليسار الاشتراكي الموحد) النموذج اللينيني القائم على مبدأ المركزية الديمقراطية. تحكم في تبني النموذج المركزي لاعتبارين، أولهما اديولوجي/نظري وثانيهما موضوعي/سياسي.
فضلا عن التشبع بالنظرية الاشتراكية فكرا وممارسة كان للشرط السياسي الوطني المطبوع بقمع أسود للقوى اليسارية المغربية تأثير حاسم في اللجوء احيانا للعمل السري او شبه السري، وبالتالي إلى مركزية التنظيم وفق تصور عمودي تراتبي، إلا أن التطور الديمقراطي العام الذي عرفته البلاد من جهة وصدمة تفكك الاتحاد السوفياتي وتداعياته على الأحزاب اليسارية في العالم من جهة ثانية أديا تدريجيا إلى مراجعات نظرية وعملية حول الصيغ التنظيمية، فحصل تحول في أساليب العمل السياسي تنظيما ودعاية وتأطيرا موازاة مع مراجعات فكرية واديولوجية فرضتها تحولات سوسيو ثقافية وتوازنات سياسية موضوعية.
كان للانتقال الديمقراطي على الصعيد الدولة صدى داخل الأحزاب وبدا أنه ليس من المنطق في شيء أن تناضل الأحزاب من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع دون دمقرطة الحزب باعتباره الجسر الوسيط بينهما.
في هذا السياق، كان الاتحاد الاشتراكي الذي قاد النضال الديمقراطي وحكومة التناوب سباقا إلى تطوير ديمقراطيته الداخلية. فمنذ المؤتمر السادس تخلى عن لجنة الترشيحات التي كانت آلية لضبط المرور إلى الأجهزة القيادية واستبدلها بالترشيح الفردي والتصويت السري. ومنذ نفس الفترة بدأت تضعف فعالية التنظيم الخلوي وثقافة الانضباط للمركز. وفي المؤتمر السابع أقر الحزب هيكلة تنظيمية جديدة من دعاماتها الأساسية إحداث الكتابات الجهوية كآلية للتدبير التنظيمي والسياسي على المستوى الجهوي في إطار استقلالية نسبية للجهات التنظيمية عن المركز. وكان من بين رهانات هذا التوجه الجهوي تشجيع بروز نخب وقيادات سياسية اتحادية بالجهات، وتثمين الراسمال البشري الحزبي بها، وتخفيف الأعباء عن القيادة المركزية، وتجريب تصور تنظيمي جديد باعتباره محاولة للتكيف مع اتجاه التنظيم الترابي الوطني نحو جهوية موسعة.
أحدث التنظيم الجهوي رجة إيجابية داخل الحزب وتمكنت بعض الجهات من خوض تجربة تنظيمية وسياسية واعدة من حيث الدينامية التنظيمية أو من حيث الانفتاح على طاقات محلية وجهوية. غير أن التجربة لم تذهب إلى مداها ولم تنجح في تحقيق الرهانات الأساسية لأسباب ثلاثة:
1- محدودية القدرة التأطيرية سياسيا وفكريا لبعض الكتابات الجهوية، مما حال دون تملكها لتصور متكامل وبرنامج جهوي مستمد من تحليل الواقع الجهوي. ولذلك ظلت المبادرة الجهوية ضعيفة. وعلى سبيل المثال عجزت كثير من الكتابات الجهوية عن أن تحسم الترشيحات للانتخابات التشريعية، مما استدعى تدخل المكتب السياسي؛
2- الوضع الحزبي العام الذي غرق في صراعات داخلية بين قياداته، صراعات امتدت إلى الجهات والأقاليم والى مختلف الأجهزة التنظيمية عموديا وأفقيا، وهي ظروف لم تكن مواتية لتطوير التجربة الجهوية؛
3- ضعف البنيات المادية ومصادر التمويل في غياب مخطط مالي وطني وندرة الموارد المالية جهويا.
هذه العوامل لم تساعد على تطوير التجربة الجهوية التي انتهت في أغلب الجهات إلى هيكل صوري ومحدود الفعالية التنظيمية والسياسية. ومما يؤسف له أن كثيرا من الكتابات الجهوية تجاوزت المدة القانونية لانتدابها واختزلت في كتابها أو في من ناب عنهم.
3-ضعف بنيات الاستقبال وتواضع الإمكانات المالية، وهما مسألتان مترابطتان موضوعيا. ويعود هذا الضعف، من جهة إلى عدم التزام أغلب المناضلين والمناضلات بأداء واجب الاشتراك الذي يعد شرطا من شروط العضوية، ومن جهة ثانية إلى عدم استفادة الجهات والأقاليم من الميزانية العامة للحزب. وفي ظل الخصاص المالي غالبا ما يتم الاعتماد على أريحية أغنياء الحزب التي تكون في حالات كثيرة مشروطة بتعويض رمزي ما من قبيل تصدر اللوائح الانتخابية أو التحكم الناعم في التنظيم.
إن نقد تجربة التنظيم الجهوي لا يعني التخلي عنه وإنما يعني ضرورة تطوير التجربة من خلال اعتماد صيغة أكثر قوة ومناعة تقوم على إعادة النظر في الفلسفة التنظيمية جملة وتفصيلا، قوامها القطع مع التنظيم المركزي العمودي الموروث عن التجربة اللينينية والأحزاب الشيوعية والاشتراكية التقليدية، والعمل على بناء حزب ديمقراطي من طراز جديد. من أهم ملامح هذا التصور الذي هو بحاجة إلى الاختمار والتبلور في أفق المؤتمر الحادي عشر:
– قيادة وطنية محدودة من حيث العدد، تتحدد مسؤولياتها في أجراة الخط السياسي المرحلي للحزب وطنيا، من خلال تدبير الشأن الحكومي من موقع المشاركة في الحكومة أو من موقع المعارضة والإشراف على العمل البرلماني وتدبير العلاقات الدولية للحزب؛
– قيادات جهوية قوية تتمتع بحرية مطلقة في تدبير الشأن الحزبي جهويا، وتعتبر مسؤولة كل المسؤولية عن كل مناحي العمل الحزبي بالجهة، تنظيميا وسياسيا وانتخابيا، على أساس تجديدها دوريا بعد كل انتخابات تشريعية. ومن أهم مقومات عملها الاستقلالية المالية والشرعية الديمقراطية؛
– إعلام جهوي قوي يركز على ما هو جهوي ويشتغل وفق توجيهات القيادة الجهوية واستراتيجيتها النضالية.
في هذه الحالة سنكون أقرب إلى حزب فيدرالي يتيح للنخب الحزبية الجهوية مساحة أرحب للتعبير عن ذاتها وتطوير أدائها واختبار قدرتها على المبادرة والإبداع، وسنحرر القيادة الوطنية من وزر المشاكل التنظيمية بالأقاليم والجهات، وفي منأى من المشاكل التنظيمية والانتخابية بها، مما سيمكنها من التفرغ للقضايا الكبرى للوطن. في ذات الوقت لن تجد القيادات المحلية والجهوية مشجبا تعلق عليه فشلها تنظيميا وانتخابيا، كما سيكون من حقها أن تثمن إنجازاتها في حالة النجاح والفلاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.