هذه تفاصيل الزيادات والانخفضايات في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات    انطلاق مراسيم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه    البرلمان يدخل على خط زواج القاصرات    الحبس 10 أشهر لمستشار وزير العدل السابق في قضية "التوظيف مقابل المال"    مساء اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: أكنسوس المؤرخ والعالم الموسوعي    صدور كتاب "ندوات أسرى يكتبون"    اجتماع تنسيقي بالرباط لتأمين تزويد المواطنين بقنينات غاز البوتان مع احترام الأسعار المحددة لبيعها    غير مسبوقة منذ 40 سنة.. 49 هزة أرضية تثير الذعر في إيطاليا    الاتحاد الأوروبي يعلن عن تقنين استخدامات الذكاء الاصطناعي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    بلاغ صحافي: احتفاء الإيسيسكو برواية "طيف سبيبة" للأديبة المغربية لطيفة لبصير    هاشم بسطاوي: مرضت نفسيا بسبب غيابي عن البوز!!    رئاسة النظام السوري تعلن إصابة زوجة بشار الأسد بمرض خطير    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف من تأثير الفائدة الأمريكية على الطلب    "الفاو"‬ ‬تفوز ‬بجائزة ‬الحسن ‬الثاني ‬العالمية ‬الكبرى ‬للماء ..‬    مباحثات بين المغرب وغينيا لتعزيز التعاون في مجال النقل    مسؤولة إسبانية: عملية العبور نموذج جلي للتنسيق والتعاون المتين بين المغرب وإسبانيا    حوار.. وادي ل"الأيام 24″: التفكير في شراء أضحية العيد يفاقم الضغوط النفسية للمغاربة    المغرب يسرع الخطى لإطلاق خدمة الجيل الخامس من الأنترنت استعدادا للمونديال    لجنة تفتيش تحل بجماعة ورزازات للتحقيق في ملفات وصفقات عمومية    نقابتا الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل تراسلان المديرة العامة للمكتب الوطني للمطارات    نقاد وباحثون وإعلاميون يناقشون حصيلة النشر والكتاب بالمغرب    فلسطين تحرر العالم!    اجتماع تنسيقي لتأمين تزويد المواطنين بقنينات الغاز بأسعارها المحددة    الصين : تسجيل مقاييس أمطار غير مسبوقة جنوب البلد    فيديو "تبوحيط محمد زيان".. أو عندما يَنجح محيط النقيب السابق في إذلاله والحط من كرامته    49 هزة أرضية تضرب جنوب إيطاليا    صلاح يلمّح إلى بقائه مع ليفربول "سنقاتل بكل قوّتنا"    نجم المنتخب الوطني يُتوج بجائزة أحسن لاعب في الدوري البلجيكي    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    بعد 3 سنوات من إغلاقه.. افتتاح الموقع الأثري لشالة أمام الزوار    نقابة التوجه الديمقراطي تدعم الإضراب الوحدوي للأطر المشتركة بين الوزارات    أزمة دبلوماسية بين إسبانيا والأرجنتين بسبب زوجة سانشيز    أمل كلوني تخرج عن صمتها بخصوص حرب الإبادة بغزة    رغم خسارة لقب الكونفدرالية.. نهضة بركان يحصل على مكافأة مالية    "الكاف" يُدين أحداث نهائي كأس الكونفدرالية بين الزمالك وبركان    الصومال تسلم المغرب مواطنين محكومين بالإعدام    تفاصيل التصريحات السرية بين عبدالمجيد تبون وعمدة مرسيليا    لقجع: إخضاع صناديق التقاعد لإصلاحات جذرية يقتضي تفعيل مقاربة تشاركية    مرافعة الوكيل العام تثير جدلا قانونيا بين دفاع الأطراف في قضية بودريقة ومن معه    الزمالك يرد بقوة على الكاف بعد أزمة النهائي أمام بركان    أكاديميون يخضعون دعاوى الطاعنين في السنة النبوية لميزان النقد العلمي    بعد خسارة لقب الكونفدرالية.. هل يتخلى نهضة بركان عن مدربه التونسي؟    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم لمبتوري الأطراف (مصر 2024).. المغرب يفتتح مشواره بفوز عريض على أوغندا (9-0)    الأمثال العامية بتطوان... (603)    المغرب يعبر عن تعازيه الصادقة للشعب الإيراني عقب حادث سقوط مروحية أودى بحياة الرئيس الإيراني    اختتام فعاليات الدورة الثانية عشر من المهرجان الدولي لفروسية "ماطا"    تحقيق يتهم سلطات بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوث أودت بنحو 3000 شخص    مبادرة لإعادة تأهيل دور السينما التاريخية المقفلة في بيروت    اختتام فعاليات الدورة ال29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    الدوري الماسي-لقاء مراكش: البقالي يحسم سباق 3 آلاف موانع    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    معرفة النفس الإنسانية بين الاستبطان ووسوسة الشيطان    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    لماذا النسيان مفيد؟    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    الأمثال العامية بتطوان... (602)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقالات : حفل تنصيب أوباما: هل هي العودة القوية للخطاب السياسي؟

في البلدان الانجلوساكسونية وفي المجال السياسي تحديدا، يبدو أن مفهوم الخطاب Speech يحمل أبعادا دلالية ومعان أكبر وأعمق من تلك التي يحملها في أي تقليد سياسي آخر.
وهكذا، فسواء في المؤتمرات الحزبية، أو في اللقاءات الرسمية الأساسية، أو خلال مراسيم وحفلات التنصيب، تكون مرحلة إلقاء الخطاب من قبل القائد أو الزعيم مرحلة جد متميزة، مرحلة يتم إحاطتها بعناية واعتبار استثنائيين، سواء من طرف المشاركين أو من قبل المتتبعين للحدث موضوع الخطاب أو من طرف وسائل الإعلام المواكبة للحدث. هي مرحلة تكثيف المشاعر وتركيز الانتباه: الكل مشدود عن الآخر بالسمع لما ينطق به ملقي الخطاب، الكل مستنفر لكل ما يملك من طاقات الفهم والاستيعاب، والكل مسكون بنفس الرغبة، تقرأها على قسمات الوجوه في استكناه المعاني الثاوية وراء منطوق الجمل والعبارات وكأنها الصورة المنطوقة للأفعال والتصرفات.
وجدتني أقف على هذه الحقيقة، حقيقة الأهمية الاستثنائية (وأكاد أقول الطابع المؤسس) للخطاب في الثقافة السياسية الإنجلوساكسونية ثلاث مرات متتالية: كانت المرة الأولى مباشرة وعلى الطبيعة حينما حضرت كزائر أشغال مؤتمر حزب العمال البريطاني بين 20 و24 من شهر شتنبر 2008 بمدينة مانشستر حيث رأيت ولاحظت كيف كان الترقب، وكيف كان الاستعداد، وكيف كانت التعبئة من طرف المؤتمرين ورجال الصحافة بالقاعة الكبرى في السنترال هال عند حلول موعد خطاب كوردن براون زعيم الحزب، و بدا لي كما لو أن الساعة والنصف التي استغرقها خطاب براون، وما تخللها من تصفيقات وهتافات ومظاهر التعبير عن الانتماء للعائلة السياسية العمالية، بدالي كما لو أن تلك الساعة والنصف اختزلت في كثافتها وعنفوانها خمسة أيام كاملة من الأشغال والندوات الموازية للمؤتمر.
المرة الثانية كانت حينما تابعت على قناة CNN خطاب قبول الترشيح الذي ألقاه باراك أوباما في المؤتمر الديمقراطي بدنفر عند انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية، ثم بعده خطاب قبول الترشيح عن الحزب الجمهوري، أما المرة الثالثة فقد كانت هي الأخرى عبر المتابعة التلفزية على نفس القناة (CNN) أثناء النقل الحي والمباشر لمراسيم تنصيب أوباما في الكابيتول بولدينغ صبيحة يوم الثلاثاء 20 من الشهر الجاري.
لاشك أن كل الذين يعيشون على هدي ثقافة سياسية ترى في كل خطاب سياسي كلاما إيديولوجيا بوظيفة استهلاكية، أو حتى استلابية، أو ترى فيه بالضرورة النقيض الموضوعي للغة البرامج والاستراتيجيات الملموسة، لاشك أن هؤلاء سيجدون صعوبة كبرى في إدراك أو فهم الأسباب التي تجعل الخطاب يمثل كل هذا الموقع المركزي ضمن الممارسة السياسية في البلدان الانجلوساكسونية، خاصة وأن المزاج العام عندنا نحن اليوم، وربما أكثر من أية مرحلة سابقة ميال إلى التبرم من كل ما يمت إلى الخطاب بصلة، تستوي في ذلك النخبة العالمة المتكلمة والأغلبية الجماهيرية الصامتة.
ومع الاقرار بالصعوبة التي تكتنف تفسير هذا الوضع الاعتباري الخاص الذي يحظى به الخطاب في الثقافة السياسية الانجلوساكسونية. قياسا الي الوضع الذي يميزه عندنا، بل وقياسا حتى إلى تقاليد سياسية أخرى أكثر تطورا في سلم النضج الديموقراطي - مع الإقرار بتلك الصعوبة وبأن الحكمة والحس السليم يقتضيان ترك الخوض في ملابسات هذا الموضوع إلى المتخصصين في العلوم السياسية أو سوسيولوجيا التواصل، فإنني مع ذلك أجازف بتقديم فرضية مؤقتة علاقة بالموضوع يقول مضمونها: بقدر ما تنعتقد السياسة وتتخصص، في المجتمعات الديمقراطية المتطورة، وبقدر ما تنفذ المعرفة التكنوقراطية والضبط البيروقراطي الى ثنايا الجسم الاجتماعي بكامله، بقدر ما تتولد الحاجة إلى الخطاب السياسي، خطاب يوضح معالم الطريق، يوسع مجال الرؤية، يغني فهم الناس ومنظورهم للعمل السياسي، يفسر سياقات العمل، يبرز الإطارات المرجعية الموجهة للتحرك ويتولي، أمام الملأ، بسط نوعية المبادئ الموجهة للممارسة السياسية وللخيارات المطروحة.
وهكذا فإن التخصص التكنوقراطي والضبط البروقراطي صارا يقتضيات اليوم لزوما وكردة فعل شبه تلقائية (وخلافا لما توقع ماكس فيبر على هذا الصعيد) ذاك الدفئ الذي وحدها المرجعيات المبدئية تستطيع توفيره، والمرجعيات المبدئية هي بالطبع مجال الخطاب السياسي بامتياز، مع التسليم بأن هذه المرجعيات تختلف بحسب نوعية التمثلات السياسية والانتماءات الايديولوجية ونوعية النخب التي تسكن أجهزة اتخاذ القرار.
لقد كانت إحدى اللحظات القوية في خطاب أوباما أثناء مراسيم حفل التنصيب الذي تابعه مباشرة حشد يزيد عن مليوني مواطن أمريكي قدموا الي واشنطن من كل الولايات الأمريكية يغالبون البرد القارس، هي تلك اللحظات التي أعلن فيها رفض منطق حتمية التعارض بين الاختيارات والمثل الذي يحتاج اليه هذا البلد يتطلب الرجوع الي المبادئ الأولية المؤسسة.
ولم يقدم أوباما خلال حفل التنصيب برنامج عمل اقتصادي وإن طرح بمعارضته للدوغمائيات القديمة وللثنائيات المألوفة في تصور حجم دور الدولة (من نوع حكومة كبيرة أم حكومة صغيرة، وان لم يقدم تفاصيل برنامج تحرك دولي وإن تحدث عن الرهانات والتحديات الدولية الجديدة،ولكنه صرح أثناء خطاب التنصيب الرسمي ملامح تفكير سياسي واستراتيجي جديد يتوخى حمل الأمريكيين على تغيير التصور الذي يحملونه عن العالم وأوضاعه وطبيعة صراعاته، (لقد تغير العالم، وعلينا أن نتغير معه) - هكذا قال في إحدى فقرات الخطاب، كما طرح المقدمات الضرورية التي قد تفيد في تغيير الصورة التي يحملها غير الأمريكيين عن أمريكا، عن سياسات أمريكا على وجه التحديد، وعن سياساتها الخارجية علي وجه أكثر تحديدا، وكان ذلك هو المعنى المفهوم من تلك العبارة الموحية التي أشار فيها إلى ضرورة اعتماد مقاربة أخرى لا يكون التعارض بمقتضاها حتميا بين الاختيارات والقيم.
لم يقدم أوباما إذن خلال حفل التنصيب برنامج عمل اقتصادي أو أرضية تحرك دولي، ومع ذلك فإن التعليقات الللاحقة التي انصبت على تحليل أبعاد ومضامين الخطاب في مختلف وسائل الإعلام الأمريكية المرئية والمسموعة والمكتوبة لم تعتبر أن في الأمر تقصيرا يستوجب النقد الصارم. وإذا كانت المسألة كذلك فلأن الجميع مدرك بأن الخطاب السياسي الذي يطرح الأساسيات والمرجعيات، الموجه والمفسر والموضح لسياقات العمل، هي أكثر إلحاحية في مجتمعات متخمة بالوصفات التقنية التكنوقراطية. وكانت نانسي ييلوسي رئيسة الكونغرس وأحد الوجوه البارزة في الحزب الديمقراطي، كانت في إجاباتها عن أسئلة مقدم أحد أشهر البرامج الحوارية في قناة CNN لاري كينغ، و اضحة في إبراز الحاجة الى نقاش سيتم بتداول الأفكار والأطروحات، ولم تخف ابتهاجها وانشراحها للفرص المتاحة الآن مع ساكن البيت الأبيض الجديد في ربط عالم الممارسات بعالم الأفكار والمرجعيات. وكان كل ما قالته في التعليق على خطاب أوباما مؤشرا على العودة القوية للخطاب السياسي (وليس مجرد الريتوريك السياسي) في صميم الممارسة السياسية والمؤسساتية اليوم.
وبهذا الخصوص، فليس مقنعا مثلا ما تداولته بعض القراءات من ربط العودة القوية للخطاب السياسي في الولايات المتحدة بالمواهب الخطابية الاستثنائية لباراك أوباما. قد يكون لتلك المواهب الخطابية المشهود له بها دور في عملية تسريع العودة إلى الخطاب السياسي، ولكن لهذه العودة جذور وأسباب بنيوية أكثر عمقا لارتباطها، كما أشرت، إلى بداية تبرم الناس من المجتمعات الديمقراطية المتطورة من تلك اليقينيات التكنوقراطية المعلبة والتي لم تستطع لاتوقع أو تفسر الأزمة المالية الاقتصادية وانهيار أعمدة كيرى كليمان برادرز ولا توقع تبرم الناس من كذب اللغة التقنية عند تفسيرها أو تبريرها لسياسات القوة وأهوال الحروب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.