عجز الميزانية المغربية يفوق 1,18 مليار درهم عند متم أبريل    الإعلان عن موعد مقابلتين للمنتخب المغربي برسم التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين    إسطنبول.. اعتقال أمين متحف أمريكي بتهمة تهريب عينات مهمة من العقارب والعناكب    كيف بدأت حملة "مقاطعة المشاهير" التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي؟    بنموسى يكشف العقوبات ضد الأساتذة الموقوفين    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    اتفاقية مع "عملاق أمريكي" لتشغيل 1000 مهندس وباحث دكتوراه مغربي    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    بنموسى يعلن قرب إطلاق منصة رقمية لتعلم الأمازيغية عن بعد    أمل تيزنيت يكتفي بالتعادل خارج ميدانه أمام إتحاد سيدي قاسم    طقس الثلاثاء..عودة الأمطار بعدد مناطق المملكة    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    مخرج مصري يتسبب في فوضى بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    الصحافة الإسبانية تتغنى بموهبة إبراهيم دياز    ميراوي محذرا طلبة الطب: سيناريو 2019 لن يتكرر.. وإذا استمرت المقاطعة سنعتمد حلولا بخسائر فادحة    القوات المسلحة الملكية.. 68 عاماً من الالتزام الوطني والقومي والأممي    انقلاب سيارة يخلف إصابات على طريق بني بوعياش في الحسيمة    "إسكوبار الصحراء".. هذه تفاصيل مثول لطيفة رأفت أمام محكمة الاستئناف بالبيضاء    وزير التربية متمسك بالمضي في "تطبيق القانون" بحق الأساتذة الموقوفين    المكتب المديري لأولمبيك آسفي يرفض استقالة الحيداوي    الأمثال العامية بتطوان... (597)    جماهري يكتب: هذه الحكومة لا بد لها من درس في الليبرالية...!    جائزة أحسن لاعب إفريقي في "الليغ 1" تعاكس المغاربة    تنظيم الدورة ال23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية التقليدية "التبوريدة"    اليابان عازمة على مواصلة العمل من أجل تعاون "أوثق" مع المغرب    الجمعية المهنية تكشف عدد مبيعات الإسمنت خلال أبريل    أمن ميناء طنجة يحبط تهريب الآلاف من الأقراص الطبية    الاتحاد الأوروبي يرضخ لمطالب المزارعين ويقر تعديلات على السياسة الفلاحية المشتركة    المركز الثقافي بتطوان يستضيف عرض مسرحية "أنا مرا"    أضواء قطبية ساحرة تلون السماء لليوم الثالث بعد عاصفة شمسية تضرب الأرض    النيابة العامة التونسية تمدد التحفظ على إعلاميَين بارزَين والمحامون يضربون    أوكرانيا تقر بالنجاح التكتيكي لروسيا    المندوبية العامة لإدارة السجون تنفي وجود تجاوزات بالسجن المحلي "تولال 2" بمكناس    طقس الثلاثاء.. عودة التساقطات المطرية بعدد من الأقاليم    رشيد الطالبي العلمي في زيارة عمل برلمانية لجمهورية الصين الشعبية    شح الوقود يهدد خدمات الصحة بغزة    الطلب والدولار يخفضان أسعار النفط    الزمالك يشهر ورقة المعاملة بالمثل في وجه بركان    سي مهدي يثور في وجه بنسعيد    إضراب وطني يفرغ المستشفيات من الأطباء والممرضين.. والنقابات تدعو لإنزال وطني    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    الدرس الكبير    السينما في الهوامش والقرى تشغل النقاد والأكاديميين بالمعرض الدولي للكتاب    هل انفصلت فاطمة الزهراء لحرش عن زوجها؟    مصر تُهدد بإنهاء "كامب ديفيد" إذا لم تنسحب إسرائيل من رفح    الأساطير التي نحيا بها    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الأشعري في الحي المحمدي بالدار البيضاء : هناك خطر يتهدد السياسة في غياب خطة وطنية لمحاربة الفساد

كنا نعتقد ولانزال بأن اوضاع بلدنا لا تسمح لنا بالدخول في مرحلة اضطراب واستقراء. واننا ضيعا اكثر من 30 سنة للاستقلال في صراع عن الشرعية وعن السلطة (من له احقية تمثيل الشعب المغربي، من له احقية قيادة الشعب المغربي)... عشنا 30 سنا في جو مقاومة الاستبداد والحملات العشوائية والقاسية للاستبداد عن الحركة التقدمية بكل فصائلها، ضيعنا اكثر من 30 سنة في هذا الوضع. و قلنا انه ليس من حقنا ان نضيع على الاجيال الجديدة سنوات أخرى في صراعات نعرف سلفا انها لا تؤدي الى نتائج مباشرة. الا ان ندخل البلد في اضطراب قوي لا نعرف ماهي عواقبه.
لكن ماهو العنصر الاساسي في هذه المقاومة؟ العنصر الاساسي هو أن جميع الفاعلين السياسيين كانوا على وعي بأنه بعد مرور فترة سنعود لنرى اين وصلنا، لكي نذهب نحو اصلاحات اعمق. لان التوافق هو السير في مرحلة معينة لانجاز بعض الاصلاحات، ولكن بعد استيفاء شروط هذه المرحلة نمر إلى المرحلة التالية. لهذا ظهر في القاموس السياسي لبلدنا ما يسمى ب «المرحلة الانتقالية» التي يقول عنها بعض الناس انها مطالبة بالاصلاح بواسطة رعونة سياسية وبواسطة مزايدة. اقول لهم ماهي المرحلة الانتقالية؟ نحن كنا متفقين في الماضي على اننا نمر بمرحلة انتقالية، ولكن ننتقل من اين إلى اين؟ هل ننتقل من مغرب يتقدم الى مغرب يرجع الى الوراء؟ هل البلد الذي يقف في مكانه يمكنه ان يتقدم؟
اذن، من اجل اكمال المرحلة الانتقالية ومن أجل ان لا نقف في المكان نفسه، ندور في حلقة مفرغة، يجب علينا ان نمر لجيل جديد من الاصلاحات السياسية والدستورية التي وضعها المؤتمر الثامن ووضع لها العناوين الرئيسية. ونحن اليوم نحاول مع حلفائنا ومع الحقل السياسي بصفة عامة. ان نتقدم في بلورتها بشكل يجعل الجميع ينخرط في الدفاع عنها.
ماهو هذا الاطار السياسي؟ نحن كلنا نعترف اليوم، بأن بلدنا يعيش حملة فساد في مستويات مختلفة. قلنا دائما انه حتى الافات الاجتماعية المعروفة والاقتصادية المعروفة مثل آفة الرشوة واستغلال النفوذ. كل ذلك لا يمكن القضاء عليه الا بالانخراط في اقتصاد حديث (ليس فيه الريع وليست فيه امتيازات وليس في اقتصاد غير منظم).
اذا استمررنا في هذا الجو الذي يستفيد منه بعض الاشخاص الذين يملكون مداخيل استثنائية يحصلون عليها عن طريق الرخص وعن طريق الامتيازات واستغلال النفوذ. مداخيل يحصلون عليها بمنحهم طريقة او وسيلة تملأ جيوبهم سنويا بمئات الملايين كريع صافي لا يستحقونها. اذا كنا سنستمر في اقتصاد من هذا النوع، مغلف بالقشور الحديثة، يحوي مفهوم الريع ومفهوم استغلال النفوذ. لا يمكننا اذن ان نقضي عن هذه الآفات الخطيرة والفساد الخطير الذي يعيشه بلدنا.
لا نفهم لماذا جميع الناس، جميع الملاحظين الاعلاميين، جميع الملاحظين السياسيين، جميع الاحزاب السياسية حتى الدولة في ارقى مراتبها احست بأن هناك خطرا كبيرا من انتشار آفات الرشوة ببلدنا، وعملت لها الهيئة التي يجب عليها متابعة ومحاربة تلك الافة بشكل يومي.
لا اعرف لماذا هذا الفساد الذي نتحدث عنه كلنا باستمرار، يخلق لنا مشكلا عندما نريد الذهاب الى القرارات السياسية التي تحاربه. لاننا نقول لا يمكننا ان ندخل حتى للانتخابات المقبلة بطريقة تشجع الناس علي المشاركة وتشجيعهم على التصويت اذا لم يروا اشارات تجعلهم يتقون بانه ستكون هناك ارادة حقيقية لمحاربة الفساد.
كلنا نعرف اليوم بأن اصحاب النفوذ وأصحاب المصالح في مجال العقار وفي مجال صناعة الخدمات اصبحوا يعتبرون ان العتبة الاولى التي تمكنهم من ترسيخ مصالحهم هو الوصول الى مراكز القرار في البلديات. لان هذه المراكز هي التي تمكنهم من ترخيص التجزيئات التي يريدونها والطوابق التي يريدونها وتمكنهم من فتح مناطق جديدة للتعمير.
وفي هذه الاشياء تظهر ارادة افساد الحياة الاجتماعية والاقتصادية لبلدنا. فعندما تلتقي المصلحة الاقتصادية والمصلحة الانتخابية ويصبح كما تعرفون جميعا - وهذا ليست سرا - الاباطرة الجدد في عدد من المدن يستحوذون عن المصالح الاقتصادية ويستحوذون عن البلديات في الوقت نفسه، هذا يخدم ذاك.
ونحن اليوم بصدد انتاج صنف جديد في السياسة المغربية هو صنف اباطرة المدن. في كل مدينة نصنع شخصا غير تابع لا للمجال السياسي ولا الى المجال الثقافي ولا الى المجال الرياضي.. صاحب حقيبة وصاحب مصالح ولا يقف في أي خط احمر كي يشتري او يوسع نفوذه او ليأخذ مركز القرار.
نحن نقول لا يمكننا الاستمرار في الاعمال السياسية اذا لم نعلن عن خطة وطنية لمحاربة الفساد، اذا لم تكن هناك خطة وطنية او خطط وطنية لعدد من القطاعات، يجب علينا العمل بخطة وطنية لمحاربة الفساد. ولكن لا يجب ان لا يكون فيها فقط الوعظ والارشاد او العمل الجمعوي او التخليق بالتوعية، بل يجب ان يكون كذلك اعمال القانون وقطع العلاقة بين المصالح السياسية والمصالح الاقتصادية. لاشك انكم تتابعون وتعرفون ان في جميع انحاء العالم «الديمقراطيات الحديثة» اذا قام احدهم في مجال من المجالات السياسية قام بارتكاب مخالفة ذات طبيعة مالية او اقتصادية، كأن يحصل، مثلا، على دعم من تحت الطاولة من حزب او من آخر، فإنه يتم استدعاؤه من قبل القاضي الذي يقوم بمحاكمته في هذه القضية. ولهذا انتم تعرفون ان هناك عددا كبيرا من السياسيين المرموقين. تكسرت حياتهم السياسية بسبب هذا الوضع.
نحن نقول انه لا يمكننا ان نتقدم اذا لم نعط خطة وطنية لمحاربة الفساد، والفساد مرة أخرى ليس اشباحا وليس اشخاصا وليس كما تقول بعض الاجهزة انه يلزمها حجج مادية لتتبين ان فلانا او فلانا يشتري او يبيع.. هذا غير مقبول في دولة الحق والقانون، لان دولة الحق والقانون هي التي يجب عليها تطبيق القانون، كما يجب عليها ايضا جلب الادلة القاطعة والحجج الدامغة على وجود جرائم ضد هذا القانون. هذه هي قراءتنا للوضع السياسي.
نحن لا ننكر التقدم الذي حصل ببلدنا والذي جاء بمساهمة من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ولكن في الوقت نفسه نقول انه قد حان الوقت اليوم كي ننتقل الى وضع اخر. لان تكرار هذه التجارب المريرة في المجال السياسي سيوصل بلدنا الى درجة من اليأس والإحباط يعيقان بناء مغرب قوي ومغرب مستقر.
في الوقت نفسه أخواتي إخواني، إن الاتحاد الاشتراكي في مؤتمره الثامن، والذي سيأتي مستقبلا كذلك، عمل اجتهادا من أجل تقييم تجربته في حكومة التناوب وفي المجال السياسي بصفة عامة. لكن مرة أخرى نقول ليس لتبرير التاريخ ولكن لنكون على بينة من الامور، ان الاختيارات التي قمنا بها كانت اختيارات تتوجه للمستقبل، تتطلب فيها النظرة السياسية العامة على النظرة الحزبية الضيقة.
كثير من الناس، عابوا علينا عند بداية حكومة التناوب اننا جلسنا في الحكومة نفسها مع أحزاب كنا نقول عنها انها احزاب إدارية تمنعها الادارة، وأننا جلسنا في الحكومة نفسها مع اشخاص منعوا جزءا أسوأ من تاريخ السياسة في المغرب.
جواب الاخ عبد الرحمن اليوسفي في هذا الموضوع، هو أنه نحن نقدر بأن وضع بلدنا اليوم يتطلب هذا التعامل الواسع. كنا على وعي بأن الاتحاد الاشتراكي لوحده لا من الناحية البرلمانية ولا من الناحية السياسية ولا من الناحية الاجتماعية لايمكنه ان يكون قوة اولى في البلد . ولا يمكنه ان يحكم لوحده. واعين كذلك بأن اتحاداتنا مع أحزاب الحركة الوطنية داخل الكثلة غير كاف، لا من الناحية البرلمانية ولا من الناحية السياسية ولا أيضا من الناحية الاجتماعية، وقلنا إن بدء طي صفحة الماضي يبدأ من هنا، ان لانبقى سجناء للصراع السياسي القديم - الاحزاب الوطنية ضد الاحزاب الادارية. كما يجب ان ننظر الى الاحزاب كواقع وليس كتركة من الماضي، بل كواقع موجود في الحاضر يجب التعامل معه.
وكان تحليلنا هو أن بلدنا في حاجة الى قوى سياسية ، ربما ليس بالضرورة أن تكون قريبة من القطب الاشتراكي لكن لديها، عن الاقل، حرص على الدفاع عن الديمقراطية وعن التعددية في بلدنا. وكنا نعتبر بأن الاحزاب حتى التي نشأت في رحم الادارة طورت علاقات في المغرب بعد 77، وطورت قاعدة إما في العالم القروي او في عالم المدن او في وسط اعيان العالم القروي وعالم المدن. وقلنا بأن هذه حساسية يجب ان لانستصغرها ويجب ان لانلغيها من الحقل السياسي لأنه لم يحدث في بلدنا أي تحول طبيعي وتلقائى الذي يمكن ان يفرز هذا الوضع السياسي. نحن قررنا جميعا ذات يوم، ان نعمل ذلك الفرز السياسي. جلسنا حول الطاولة وقلنا يجب ان ننسى الماضي ويجب ان نبدأ صفحة جديدة، نحن من قام به وليس المجتمع وتطوره هو الذي قرر ان يصبح التعبير السياسي في المجال القروي بهذا الشكل، وان يصبح التعبير عن الاعيان الجدد في المدن بهذا الشكل الخ.. ولهذا قلنا لكي نوفر كل الشروط لانجاح تجربة الانتقال يجب ان نشتغل مع جميع الحساسيات السياسية التي قبلت الدخول تحت مظلة الاتحاد الاشتراكي ووزيره الاول الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي لقيادة هذه السفينة. على الرغم من الانتقادات الشديدة التي وجهت إلينا، دافعنا عن هذا الرأي، وقلنا إنه يجب ان نتقدم وان نخرج من صراعات الماضي ومن حساسيات الماضي لنسير قدما. والمهم هو أن تصبح الديمقراطية في بلدنا مسألة غير قابلة للتراجع، المهم ان نقوم بتدشين مرحلة للدفاع عن الحريات العامة والحريات الفردية وتدشين مرحلة نرسخ فيها حرية التعبير وتدشين مرحلة نرسخ فيها حقوق الانسان وأن نقوم بمراجعة اوضاع المرأة....في بداية حكومة التناوب، كلها كانت مرتبطة بهذا الحقل، حقل توسيع الحريات وترسيخ الديمقراطية، فلم يعد بإمكان أي شخص ان يقول بعدم جدوى الديمقراطية.
وقد حدث ذلك الشيء الذي تعرفونه جميعا مراجعة قوانين الحريات العامة في الحياة الاعلامية والصحافة التي أصبحت على قدر كبير من الحرية. والاحترام الواسع لحقوق الانسان وتغيير اوضاع المرأة بالمدونة الخ.. على الرغم من وجود - ونحن لاننكر ذلك - بعض الثغرات لاتزال حتى اليوم في هذه الحريات كلها. لكن لايستطيع أحد أن ينكر بأن المغرب تغير رأسا على عقب «مغرب قبل 10 سنوات ليس هو مغرب اليوم». ربما أن هناك اجيالا جديدة خصوصا في الصحافة والاعلام تعتبر بأن المغرب كان باستمرار هكذا.
المغرب لم يكن هكذا، المغرب كان في أوضاع وكان يعرف 4 او 5 أشخاص يخرجون الميزانية من تحت جلبابهم. فكانت هناك 5 اعداد من الجريدة هي التي تقرأ في حي المحمدي بكامله، لأن السلطة لم تكن تسمح إطلاقا لا بحرية الصحافة ولا بحرية التنقل ولا بحرية التعبير.
لهذا اخترنا هذا الطريق، فقلنا انه لابد في مرحلة الانتقال ان ننتقل كذلك فيما يخص المشهد السياسي للبلد. وقلنا كذلك لابد من ان نصل في يوم من الايام - وهنا أعود إلى الكلمة التي قلتها في البداية - العودة الى الجدور والعودة الى الينابيع. لابد أن يأتي اليوم الذي نقول فيه للمغاربة (اتفقنا، وعملنا يدا في يد للرقي ببلدنا الا الوضع الذي عليه اليوم) والآن المغاربة يريدون تمييزا سياسيا في البلد. لايمكن ان نقول دائما «الكل مثل الكل» و«الكل يشتغل مع الكل»، لايمكن. ولهذا الكثير من الناس في المؤتمر قالوا انه يتحدث بنوع من الحنين الى الماضي. الاشتراكية ليست ماضي الاشتراكية حاضر ومستقبل، والذي لم يقتنع بعد بهذا الحديث فلينظر الى ما يقع في العالم الغربي بعد الازمة المالية وكيف ان اليوم حتى في الاجتماع الاخير «مجموعة قمة ال 20» كانت افكارالديمقراطية اساسا لبلورة الحلول المالية والاقتصادية في المستقبل. لذلك عندما نقول بضرورة بناء قطب اشتراكي كبير في بلدنا، هذه ليست مسألة حزبية وليست مسألة سياسوية وانما هو تعبير على ضرورة قصوى.
نحن اشتغلنا في وقت كنا نبني فيه عملنا على التوافق، ولكن اليوم يجب على الشخص الليبرالي ان يظهر بوجهه الحقيقي الليبرالي ويجب على الرجعي والمحافظ ان يظهر بوجهه الرجعي المحافظ. لايجب على أي شخص ان يختبئ في صورة شخص آخر. لايمكن لأحد اليوم ان يظهر بوجه يدافع فيه عن الديمقراطية والحداثة . وفي الغد يدافع عن الارتداد للماضي. لايمكن ان يكون في حزب واحد شخص يدافع عن شيء محافظ وعن شيء آخر متقدم. هذا الخلط ليس وليد الصدف، انه خلط مدروس ضحيته في نهاية الامر هو التيار التقدمي الاشتراكي. لأنه لايمكن حاليا ان نقول ان المغرب بحاجة، فقط، الى مشروع اشتراكي بدليل من الناحية الاقتصادية ومن الناحية الاجتماعية، لقد تكلمنا عن الاوضاع الاجتماعية قبل قليل. أيها الاخوة والاخوات ان السياسة الاجتماعية الشجاعة في المجال الصناعي وفي المجال الفلاحي، في مجال الخدمات، لايمكن ان يطبقها اليمين ببلدنا.
ان الاشخاص الذين ينتظرون اوضاعا اجتماعية جيدة يجب ان يعرفوا أن اليمين لايوفرها لهم قط، ولذلك نحن نقول ان بناء القطب الاشتراكي لديه هذا الهدف. هدف يتمثل في الدفاع عن السياسة الاقتصادية والسياسة الاجتماعية والدفاع عن قيم مرتبطة بهذين المجالين، ولكن وهذا هو الاساس القطب الاشتراكي عليه مسؤولية تاريخية في جميع بلدان التنمية هي القيام بمهمة التنوير في المجتمع والدفاع عن قيم التسامح والدفاع عن قيم التقدم و الدفاع عن العلم والدفاع عن الفن والإبداع والدفاع عن مشاركة المرأة والدفاع عن أوضاع جيدة بالنسبة لأطفالنا ولأحيائنا، والدفاع عن المدن الإنمائية والدفاع عن مدن ليست فيها فوارق فاحشة بين الأحياء والمناطق والدفاع عن مدن فيها حياة تضامن واقتسام الفضاء العمومي واقتسام خيرات المدن. والقطب الاشتراكي مهمته ليست سياسية فقط، مهمتنا ثقافية واجتماعية، لا يمكننا أن نصلح المجتمع، فكما تلاحظون أن فيه نوعا من الحضور القوي شكلا ومضمونا لقيم المحافظة والتقليد في عدد كبير من المجالات فكرية واقتصادية واجتماعية، وحَوْلَكُم وفي عائلاتكم يوجد زحف التقليدية والمحافظة، إنه زحف مستمر سببه الأساسي هو الأفكار التي لا تنشغل بالمستقبل ولا بالقيم الحديثة، مهمة القطب الاشتراكي هي أيضا هذه المهمة. يجب أن نتذكر أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يستطع أن يبني حول اسمه وحول مشروعه هذه (الاندفاعة) الكبيرة التي بناها بعد المؤتمر الاستثنائي، إلا لأنه استطاع أن يرسخ لدى أجيال من الشباب والشابات أفكارا متقدمة في المجال الثقافي والمجال الفني وفي المجال الاجتماعي، تذكروا أن الجمعيات الثقافية والمجالات الثقافية والفرق الغنائية والموسيقية والفرق الرياضية وعددا من التعبيرات اليومية كان فيها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حاضراً بقوة.
نقول ذلك اليوم ونحن في أجواء الاحتفاء بالذكرى الخمسينية لتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وثقوا بي بأننا نحضر معرضاً كبيراً عن تاريخ الاتحاد.
عندما ستدخلون الى هذا المعرض وتخرجون منه ستكونون قد تعرفتم على المغرب المستقل في أدق تفاصيله، لأن الاتحاد كان يمون هذا المغرب. اليوم نحن نقول بكل بساطة، إن الاتحاد يحتاج للرجوع الى التفكير في هذه المجالات التي رددتها دائما عن الجماهير الشعبية. هذه ليست دعوة للاتحاد كي يخرج من شيء وإنما هي دعوة ليدخل في شيء أساسي، وأن يعود لربط عجلة عمله: وجوده ليس فقط بالبعد السياسي (سوف ندخل الانتخابات وسنقدم مرشحين وسنحاول أن ندافع عنهم لكسب ثقة الناس، وأتمنى أن نفوز بثقة الناس في هذه المدينة المناضلة العظيمة، ولكن اسمحوا لي أن أقول لكم بالنسبة لي شخصيا، الأهم من كل فوز انتخابي هو المساحات التي يمكن أن نكتسبها كفكر اشتراكي لصالح قيم التقدم والحداثة في بلدنا. وأقول ذلك لأني أعرف، كما يعرف عدد كبير منكم، بأن اليوم لا يمكننا أن لا نقول بأن هناك مخاطر، نحن لسنا من أنصار اللوحة السوداء، ولكن لسنا كذلك من أنصار من يُشيحون بوجوههم عن الوضع الذي نعيش فيه. هناك مخاطر مرتبطة بوضعنا نحن ومخاطر مرتبطة بوضعنا الإقليمي والجهوي ومرتبطة كذلك بالأوضاع الدولية.
لمجابهة هذه المخاطر، لا يكفي أن نعمل في المجال الاقتصادي وحده، بل يجب علينا أن نبني الإنسان المغربي لمواجهة تلك المخاطر، وبناء الإنسان المغربي يعني العمل اليومي معه في كل المجالات وفي كل الميادين.
نص العرض الذي ألقاه محمد الأشعري
بالحي المحمدي بالدار البيضاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.