عجز الميزانية المغربية يفوق 1,18 مليار درهم عند متم أبريل    الإعلان عن موعد مقابلتين للمنتخب المغربي برسم التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين    إسطنبول.. اعتقال أمين متحف أمريكي بتهمة تهريب عينات مهمة من العقارب والعناكب    كيف بدأت حملة "مقاطعة المشاهير" التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي؟    بنموسى يكشف العقوبات ضد الأساتذة الموقوفين    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    اتفاقية مع "عملاق أمريكي" لتشغيل 1000 مهندس وباحث دكتوراه مغربي    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    بنموسى يعلن قرب إطلاق منصة رقمية لتعلم الأمازيغية عن بعد    أمل تيزنيت يكتفي بالتعادل خارج ميدانه أمام إتحاد سيدي قاسم    طقس الثلاثاء..عودة الأمطار بعدد مناطق المملكة    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    مخرج مصري يتسبب في فوضى بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    الصحافة الإسبانية تتغنى بموهبة إبراهيم دياز    ميراوي محذرا طلبة الطب: سيناريو 2019 لن يتكرر.. وإذا استمرت المقاطعة سنعتمد حلولا بخسائر فادحة    القوات المسلحة الملكية.. 68 عاماً من الالتزام الوطني والقومي والأممي    انقلاب سيارة يخلف إصابات على طريق بني بوعياش في الحسيمة    "إسكوبار الصحراء".. هذه تفاصيل مثول لطيفة رأفت أمام محكمة الاستئناف بالبيضاء    وزير التربية متمسك بالمضي في "تطبيق القانون" بحق الأساتذة الموقوفين    المكتب المديري لأولمبيك آسفي يرفض استقالة الحيداوي    الأمثال العامية بتطوان... (597)    جماهري يكتب: هذه الحكومة لا بد لها من درس في الليبرالية...!    جائزة أحسن لاعب إفريقي في "الليغ 1" تعاكس المغاربة    تنظيم الدورة ال23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية التقليدية "التبوريدة"    اليابان عازمة على مواصلة العمل من أجل تعاون "أوثق" مع المغرب    الجمعية المهنية تكشف عدد مبيعات الإسمنت خلال أبريل    أمن ميناء طنجة يحبط تهريب الآلاف من الأقراص الطبية    الاتحاد الأوروبي يرضخ لمطالب المزارعين ويقر تعديلات على السياسة الفلاحية المشتركة    المركز الثقافي بتطوان يستضيف عرض مسرحية "أنا مرا"    أضواء قطبية ساحرة تلون السماء لليوم الثالث بعد عاصفة شمسية تضرب الأرض    النيابة العامة التونسية تمدد التحفظ على إعلاميَين بارزَين والمحامون يضربون    أوكرانيا تقر بالنجاح التكتيكي لروسيا    المندوبية العامة لإدارة السجون تنفي وجود تجاوزات بالسجن المحلي "تولال 2" بمكناس    طقس الثلاثاء.. عودة التساقطات المطرية بعدد من الأقاليم    رشيد الطالبي العلمي في زيارة عمل برلمانية لجمهورية الصين الشعبية    شح الوقود يهدد خدمات الصحة بغزة    الطلب والدولار يخفضان أسعار النفط    الزمالك يشهر ورقة المعاملة بالمثل في وجه بركان    سي مهدي يثور في وجه بنسعيد    إضراب وطني يفرغ المستشفيات من الأطباء والممرضين.. والنقابات تدعو لإنزال وطني    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    الدرس الكبير    السينما في الهوامش والقرى تشغل النقاد والأكاديميين بالمعرض الدولي للكتاب    هل انفصلت فاطمة الزهراء لحرش عن زوجها؟    مصر تُهدد بإنهاء "كامب ديفيد" إذا لم تنسحب إسرائيل من رفح    الأساطير التي نحيا بها    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرارات الملكية حررت المرأة المغربية من القيود التي كبلتها و خلخلت بقوة و جرأة النظرة الدونية التي كانت المرأة موضوعا لها
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 10 - 08 - 2009

ننشر سلسلة حوارات مع سياسيين، ومناضلين ومفكرين واقتصاديين وباحثين منشغلين باسئلة المغرب الراهن، علي ضوء عشر سنوات من العهد الجديد. ونحن نريد بذلك حوارا مع الفاعلين ومع تحولات هذا الواقع المغربي نفسه ، الذي بدأت ابدالاته الكثيرة تطرح نفسها على الحاضر والمستقبل. في السياسة كما في الاقتصاد أو في التمثل الثقافي، جاء العهد الجديد بالكثير من المتغيرات كما أنه يحافظ على الكثير من الثوابت..وكما يحدث في كل فعل تاريخي ، يكون الجوار الزمني بين الحاضر والمستقبل موطن افرازات وانتاجات، مادية وتاريخية تستحق المساءلة والاستنطاق.
اليوم مع التهامي الخياري الكاتب الوطني لجبهة القوى الديمقراطية
{ لسؤال الأول بعد عشر سنوات على حكم الملك محمد السادس... ماهو تقييمكم لهذه الفترة؟
< من الصعوبة بمكان تقديم تقييم متكامل مكتمل لعشرية حكم جلالة الملك محمد السادس، في بضعة سطور. وتقديم رؤوس أقلام حول حصيلة هذه العشرية، لا يمكن أن نحيط بهذه الفترة الزمنية التي تعتبر في أي تقييم فترة قصيرة، لكنها مكتنزة ومكثفة كما ونوعا بالأوراش التي أطلقها جلالته وباشرها. لكن ربما أن رؤوس الأقلام هذه قد توحي بالمرحلة النوعية التي يعيشها المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس.
إن العهد الجديد، جديد فعلا، ليس فقط بانتقال الحكم إلى جلالة الملك محمد السادس، بل جديد بمضامين توجهاته وإنجازاته.
فبجانب تثبيت الهوية الوطنية، وإغنائها بشكل جلي بانفتاح أكبر على الحداثة وروح العصر، وترسيخ المكتسبات الوطنية والديمقراطية التاريخية، وجعلها منطلقا للإبداع في تحقيق مكاسب تاريخية ونوعية جديدة، تستجيب لتطلعات الأجيال والكفاءات الجديدة، تميزت هذه العشرية بفتح آفاق عصر مغربي جديد، متحفز لارتياد مجالات مستقبلية جديدة.
فقد تميزت هذه العشرية، بفتح جلالة الملك لأوراش إصلاح كبرى مهيكلة، ومؤسسة لمغرب الحداثة والديمقراطية، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي، أو المجتمعي.
فعلى مستوى ممارسة السلطة، أرسى جلالته مفهوما جديدا للسلطة، بجعلها أداة في خدمة المواطن والتنمية.
وعلى مستوى حقوق الإنسان، وضع جلالته المغرب في مواجهة ذاته، للمصالحة مع ذاته، وأرسى آليات طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وآليات ترسيخ ثقافة احترام حقوق الإنسان في المجتمع، ما اعتبره الرأي العام العالمي، عن حق تجربة متفردة ونموذجا يحتذى من طرف البلدان التي عانت أو مازالت تعاني من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وفتح الباب واسعا لوضع آليات احترام الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
وبهذا الصدد، سيظل خطاب اجدير، معلمة تاريخية في قرارات جلالته، بوضع حد قاطع للحيف الذي طال لعقود، بل لقرون، اللغة والثقافة الأمازيغيتين، باعتبارهما مكونا رئيسيا من مكونات الهوية الوطنية، وباعتبار التعدد اللغوي والثقافي ببلادنا مصدر ثروة وغنى، ومصدر قوة بالتالي في كيان الأمة المغربية. وأرسى جلالته بذلك أطر انتشالها من وضعية الاهمال والتهميش، وتمكينها من التعبير عن نفسها وتطوير انتاجاتها، بما يغني الثقافة والهوية الوطنيتين.
كما حررت القرارات الملكية المرأة المغربية من العديد من القيود التي كبلتها، وخلخل بقوة وجرأة النظرة الدونية التي كانت المرأة المغربية موضوعا لها. فكانت مدونة الأسرة، وتعديل قانون الجنسية، وتمكين المرأة من حصة التمثيلية بالبرلمان والمجالس الجماعية، ورفع تمثيلية المرأة في المؤسسة الحكومية، وعلى رأس العديد من المؤسسات العمومية، بمثابة إشعال فتيل ثورة اجتماعية حضارية حقيقية، يفتح آفاقا رحبة أمام امتلاك المرأة المغربية لمفاتيح ضمان كرامتها كإنسان، ولولوجها من أبواب واسعة لطريق فرض ذاتها بذاتها في خضم الحياة العامة، وتبوؤ مواقع المسؤولية في مختلف مستويات اتخاذ القرار.
كما أن توجه جلالته لتبويئ الشباب المكانة المستحقة في المجتمع، وتمكينه من اقتحام مختلف مجالات الفعل المجتمعي، وتفجير مؤهلاته وطاقاته الخلاقة للإسهام في التنمية الشمولية، واستشراف آفاق المستقبل، وليس قرار جلالته بتخفيض سن التصويت إلى 18 سنة و سن الترشيح إلى 21 سنة، والذي ظل مطلبا للقوى التقدمية والديمقراطية طيلة العقود الماضية، فضلا عما يوفره ذلك من إمكانات جديدة للمساهمة في تدبير الشأن العام، فهو رسالة واضحة للمجتمع ككل بشأن الموقع الذي يجب أن يتبوأه الشباب.
وقد أعطى جلالته للحداثة والديمقراطية، بعدها الإنساني العميق، بما يباشره جلالته يوميا وبشكل منهجي من جهد لشن الحرب على كل أشكال التهميش الاجتماعي والمجالي، بالقرب من المواطنين، متدخلا باستمرار لإرساء وتفعيل آليات اجتثاث هذا التهميش من جذوره.
واستعادت الجالية المغربية مع جلالته اعتبارها كشريحة مواطنين مغاربة يجب تمكينها من كافة حقوقها، عبر الاهتمام بأوضاع عيشها في أرض الغربة، وتحسين ظروف عودتها إلى أرض الوطن، وتوفير إمكانيات مساهمتها في التنمية الوطنية والاستفادة من ثمارها، وإنضاج شروط مساهمتها الكاملة في الحياة السياسية الوطنية ومؤسساتها التمثيلية.
وكبنية تحتية، وشرط أولي لازم لإنجاح مشروع التنمية الوطنية الشاملة، وضع جلالته استراتيجية واسعة متكاملة لإنجاز أوراش كبرى تكون قاعدة انطلاق تنمية اقتصادية بوتيرة أسرع، ومستجيبة لمتطلبات المنافسة الدولية في ظل العولمة، وضمان اندماج المغرب الإيجابي في الاقتصاد العالمي.
وقبل هذا كله، حقق المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس انتصارات تاريخية في قضية وحدته الترابية، القضية الوطنية الأولى. فمقترح الحكم الذاتي بأقاليمنا الصحراوية الجنوبية، الذي قدمه جلالته، بإشراك مختلف القوى السياسية الوطنية في بلورته، أحدث تحولا نوعيا عميقا في التعاطي الدولي مع القضية العادلة لوحدتنا الترابية، حيث سجل المقترح المغربي إجماع الرأي العام العالمي على التنويه به ودعمه لاخراج منطقة شمال غرب افريقيا من النزاع المفتعل حول الصحراء. واعتبرته الأمم المتحدة مقترحا جديا وذا مصداقية، واعتبرته المبادرة الوحيدة الجديدة والجدية الكفيلة بإنهاء النزاع عبر التفاوض حولها وعلى أساسها.
والأعمق من ذلك، كان تقديم جلالة الملك محمد السادس لمقترح الحكم الذاتي بأقاليمنا الصحراوية الجنوبية، مندرجا في قرار وتصور عام لإرساء جهوية متقدمة على امتداد كل التراب الوطني.
وبفضل اختيارات جلالة الملك محمد السادس، والتوجهات الكبرى السياسية والاقتصادية والمجتمعية، على الصعيد الوطني، والعلاقات التي نسجها جلالته مع القوى العظمى في العالم، ومع البلدان الشقيقة العربية والإسلامية والافريقية ومجموع البلدان العالمثالثية، أصبح للمغرب اعتبار خاص على المستوى الدولي، ما فتئ يتقوى ويتوسع، مما ينعكس، بشكل مباشر أو غير مباشر، على دعم قضايانا الوطنية المصيرية، ودعم مجهودات المغرب التنموية.
إنها مجرد رؤوس أقلام، لكننا نعتقد أنها تعكس الفلسلفة الخاصة لجلالة الملك محمد السادس في سياسته لتبويئ المغرب الموقع والمكانة المستحقة، والتي يطمح إليها مجموع أبناء الشعب المغربي.
{ ما الذي تحقق، وما لم يتحقق منذ 1999 إلى الآن؟
< هناك حسب خطب الملك، إرادة للتغيير على عدة مستويات. هل ترجمت هذه الخطب إلى أرض الواقع؟ وماهي الأسباب أو الجهات في نظركم التي شكلت عناصر التعثر؟
{ لقد تحقق الكثير، وما أشرت إليه ليس سوى رؤوس أقلام.
< لكن ينتظرنا أيضا تحقيق الكثير، وتصحيح الكثير من الاختلالات، وتفادي الكثير من التعثرات، وتحصين الحقل السياسي ضد الكثير من المنزلقات. وهي مسؤولية كل مكونات المجتمع، من فاعلين سياسيين و اقتصاديين، من مؤسسات منتخبة ومؤسسات عمومية، من ناشطين في مختلف هيئات المجتمع المدني، ومن انخراط واسع للمواطنين في الشأن العام، وهذا الأخير مرتبط بما سبق.
فهناك ضرورة لعقلنة وترشيد المشهد الحزبي والسياسي، استنادا إلى القيم الديمقراطية ومواد الدستور والقوانين الجاري بها العمل.
هناك ضرورة امتثال الجميع لقواعد الديمقراطية الحقة، والكف عن ابتداع قواعد لعبة سياسية تنسف قواعد الديمقراطية المتوافق والمتعارف عليها، لمنح المؤسسات الحزبية، والمؤسسات المنتخبة والمؤسسات المنبثقة عنها، والعمليات الانتخابية، ما يلزم من مصداقية كفيلة باستعادة ثقة المواطنين في العمل السياسي النبيل وانخراطهم في قضايا الشأن العام.
هناك ضرورة توفر حكومة سياسية قوية، قوية بانسجامها السياسي، وقوية بالكفاءة السياسية لكل أعضائها. وفي مقابلها معارضة متجانسة سياسيا ناجعة في أداء دورها الديمقراطي.
حكومة سياسية ذات تصور وبرنامج سياسي متكامل واضح محددة لأولوياتها، وفاعلة وجريئة في ممارستها لصلاحياتها الدستورية، ولمهامها السياسية وبرنامج عملها.
حكومة من هذا القبيل قادرة على المبادرة والاستباق في معالجة المشاكل والمعضلات الاجتماعية، وليس انتظارها وانتظار استفحالها.
هناك ضرورة لتشرب المؤسسات العمومية والفاعلين الاقتصاديين، روح المواطنة والشفافية، وفلسفة المبادرة، والسعي الحثيث لخلق الثروة، وليس للسطو على الريع.
إنها أيضا بعض رؤوس أقلام، لكنها في نهاية المطاف، هي التي تتحكم في وتيرة النمو الاقتصادي وتحسين الأوضاع الاجتماعية.
{ ماهو تقييمكم للوضع السياسي الراهن؟
< ليس من باب التهويل القول بأن الوضع السياسي الراهن تطبعه الكثير من الاختلالات ويكتنفه الكثير من الغموض وتضبيب للرؤى السياسية أمام المواطنين، يترجمه بوضوح ابتعاد نسبة كبيرة من المواطنين عن الانخراط في العمل الحزبي والسياسي الديمقراطيين، وإحجامها عن المشاركة في العمليات الانتخابية باعتبارها الآليات الديمقراطية الأوحد لمساهمة المواطنين في التأثير وتوجيه تدبير الشأن العام، باعتبار أن الانخراط الواسع للمواطنين في الشأن العام هو قطب الرحى في أي دينامية لإنجاز أي مشروع تنموي وتحديثي.
وهي المفارقة حقا، ففي الوقت الذي اتسعت فيه الحريات العامة والسياسية بشكل كبير، وتراكمت فيه مكاسب ديمقراطية لعقود من كفاح القوى التقدمية والديمقراطية، وفي الوقت الذي أصبح فيه الاختيار الديمقراطي التحديثي، اختيار أمة. وفي الوقت الذي فتحت فيه أوراش كبرى للإصلاحات الهيكلية في المجتمع. مقابل هذا، نلاحظ اتساع دائرة ابتعاد المواطنين عن العمل الحزبي والسياسي الديمقراطيين. والحال أنه لا ديمقراطية بدون أحزاب، وبدون فعل حزبي وسياسي بمشاركة واسعة للمواطنين.
ولاشك أن العوامل الكامنة وراء هذا الوضع، ليست بسيطة، بل هي كثيرة، معقدة، ومتشابكة. تاريخية، سياسية، اجتماعية، وسوسيوثقافية.
فهذا الوضع السياسي، بلاشك، يحكمه الطابع الانتقالي للمرحلة، ليس «الانتقال الديمقراطي» فحسب، بل الانتقال أيضا من عهد إلى عهد يفتح أوراش إصلاح كبرى جديدة، فتح يخلق حالة مخاضات جديدة في المجتمع.
فإذا كان انتقال العرش من جلالة المغفور له الحسن الثاني، إلى جلالة الملك محمد السادس، قد تم بكل سلاسة وفي جو من الالتفاف المطلق للشعب المغربي حول المؤسسة الملكية، مما يؤكد لمن كان يحتاج إلى تأكيد، رسوخ وتجذر المؤسسة الملكية في وجدان الشعب المغربي، ونظام حكمه، كمعطى تاريخي عميق، فإن المراحل الانتقالية بطبيعتها، تجعل المجتمع يعيش حالة مخاض مفتوحة. فكل الفاعلين السياسيين ومكونات المجتمع، تحاول استثمار، أو استغلال الوضعية الانتقالية، لتعزيز مواقعها السياسية والمجتمعية، سواء في اتجاه تدعيم الاختيارات الديمقراطية الحداثية للأمة، أو في الاتجاه المعاكس، أي اتجاه العمل للقضم من المكاسب الديمقراطية، والعودة بالبلاد إلى عقود ماضية، بل إلى قرون سالفة.
لذلك فإن الصراعات التي تشهدها الساحة السياسية، لا تخرج عن إطار الصراع بين هذين الاتجاهين في المجتمع. والذي يضبب التعبيرات السياسية لهذين الاتجاهين، أنهما يخوضان هذا الصراع تحت نفس الشعارات واليافطات، خاصة شعار الديمقراطية.
لكن مع ذلك، فشعارات وسلوكات سياسية معينة، تكشف المستور، عندما ما تشكك في تلاؤم المشروع الديمقراطي الحداثي مع خصوصيات المجتمع المغربي... وعندما تريد قوى أخرى بعث سلوكات سياسية أضرت بالبلاد في العقود الماضية.
وفي مقابل ذلك، فقدت القوى الحداثية التقدمية والديمقراطية لأسباب مختلفة موضوعية وذاتية الكثير من قدرتها على تأطير وتعبئة المواطنين، وبالتالي الكثير من فعاليتها في التأثير على مجريات الحياة السياسية، والحال أنها هي التي لعبت الدور الأساس في الكفاح من أجل الديمقراطية وتحديث الدولة والمجتمع.
وهذا في نظرنا، بشكل عام، ما يفسر إلى حد كبير الاختلالات التي تعتري المشهد السياسي، والغموض والالتباس الذي يكتنف قواعد اللعبة السياسية.
فمثلا، هناك اصطفاف غير طبيعي للأحزاب السياسية، ولنأخذ بهذا الصدد، الاصطفاف في الأغلبية والمعارضة.
فقوى اليسار الديمقراطي موزعة بين الأغلبية والمعارضة، وقوى الوسط واليمين موزعة أيضا بين الأغلبية والمعارضة. بل إن المعارضة تضم أطرافا متناقضة في بعض القضايا بين قوى اليسار الديمقراطي وبعض أطياف قوى اليمين، خطابا وممارسة، فلا انسجام على مستوى الأغلبية، ولا انسجام على مستوى المعارضة.
ونلاحظ بوضوح ما يعتري أداء الأغلبية والمعارضة معا من ارتباك وفتور، وهو أمر منطقي مادام أن اصطفاف القوى السياسية بين أغلبية ومعارضة لم يكن على أساس انسجام حول توجهات وبرامج سياسية، وهو أمر يجعل الرؤية السياسية أمام المواطنين غائمة، ولا تحفز على الانخراط في العمل الحزبي والسياسي.
ثم إن تركيبة الحكومة نفسها، إذا استثنينا احترام المنهجية الديمقراطية في تعيين الوزير الأول، لاتعكس نتيجة صناديق الاقتراع، مما يضعف ثقة المواطنين في الآلية الانتخابية، كسبيل للتأثير على مراكز القرار في تدبير الشأن العام.
وتبقى الملاحظة المهمة والمركزية، في المحصلة، هي ظاهرة اتساع دائرة ابتعاد المواطنين عن المساهمة في العمل الحزبي والسياسي الديمقراطيين، وعن المشاركة في العمليات الانتخابية.
كما أن الحكومة تتعاطى مع المطالب الاجتماعية الملحة والمشروعة لأوسع شرائح المجتمع، بفتور وارتباك واضحين، وفي غياب وعي بالتأثير السلبي لعدم معالجة الأوضاع الاجتماعية على مشاريع التنمية بشكلها الشمولي.
وما يدعو إلى الكثير من القلق في هذا الوضع السياسي، المقترن بأوضاع اجتماعية متوترة، وفي محيط سياسي إقليمي ودولي ينذر بالكثير من المخاطر، هو أن ضيق دائرة التأطير الحزبي والسياسي الديمقراطيين، يترك فراغات واسعة على الساحة الجماهيرية معرضة لتأثير مختلف الانزلاقات التي قد تهدد السلم الاجتماعي، بل والأمن والاستقرار السياسي.
وهذا ما يفرض بإلحاح، تدارك هذه الأوضاع، وفي أسرع الآجال، بتصحيح الاختلالات السياسية، والانكباب على معالجة المعضلات الاجتماعية الكبرى.
{ امتدت فترة الانتقال الديمقراطي لمدة سنوات، حيث عاش هذا الانتقال في ظل حكمين، حكم الملك الراحل الحسن الثاني، وحكم محمد السادس. كيف تقيمون الانتقال في ظل المرحتلين؟ وما هو مآل الانتقال اليوم؟
< تشخيصنا للوضع السياسي الراهن، والإشارة إلى بعض مكامن اختلالاته، وأثر ذلك على مسار البناء الديمقراطي، أمر تقتضيه الجدية والمسؤولية، ووضع الأصبع على مواطن الخلل، قصد الاجتهاد لتجاوزها، وبقدر ما نعتبر هذا الوضع ظرفيا، بقدر ما نلح على ضرورة استعجال معالجته وتجاوزه، ربحا للوقت، وتحصينا لمسار البناء الديمقراطي ضد مختلف الانزلاقات التي يمكن أن تعرقل هذا المسار وتجعله متعثرا.
أما مآل الانتقال الديمقراطي، فهو بأيدينا جميعا نحن المغاربة، ومؤهلات بلادنا وشعبنا، وتراكمات مسار بنائنا الديمقراطي أقوى من أن تنال منه عوارض ما.
فما بلغه الاختيار الديمقراطي من رسوخ في وعي شعبنا، وما يضمنه جلالة الملك محمد السادس من توجه ثابت حثيث نحو بناء المغرب الديمقراطي الحداثي، يبوئ المغرب مكانته اللائقة تحت الشمس بين الأمم الراقية في عصر القرن الواحد والعشرين. هي معطيات تاريخية راسخة، مفتوحة على مستقبل واعد.
ونحن نعلم أن عملية البناء الديمقراطي، عملية تاريخية، ومعقدة، وبصفتها تلك، فهي تتطور عبر سيرورة مد وجزر، والقول بهذا لايعني الاستسلام أمام فترات الجزر، بل بالعكس، العمل على تقصير عمرها وإنهائها.
فقد ضاع المغرب، خلال العقود الماضية، في وقت ثمين تم إهداره على حساب تسريع وتيرة الدمقرطة والتحديث والتنمية. وبالرغم من ذلك، فإن مكاسب ديمقراطية كبرى تحققت في عهد جلالة المغفور له الحسن الثاني. وأول هذه المكاسب الكبرى رفض نظام الحزب الواحد، وإقرار التعددية الحزبية والسياسية. تلاها إقرار نظام الملكية الدستورية، وأصبحت الحياة الدستورية اختيارا ثابتا رغم ما اعتراها من تعثرات. واتسع مجال ممارسة الحريات السياسية والعامة، لتعرف قفزة نوعية مع منتصف التسعينات بإطلاق المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين، والشروع في طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ووفر كل هذا شروط حصول توافق وطني حول قواعد اللعبة السياسية في منتصف التسعينات، كان أكثر تقدما من التوافق الوطني الضمني لمنتصف السبعينات والذي كان أساسا مرتبطا بالتعبئة الوطنية لاسترجاع أقاليمنا الصحراوية الجنوبية المحتلة آنذاك من طرف الاستعمار الإسباني.
تحولات بداية التسعينات التي توجت بالتوافق حول الإصلاح الدستوري لسنة 1996، أفضت إلى دخول المغرب تجربة سياسية ديمقراطية جديدة بتشكيل حكومة التناوب التي ترأسها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، وكان لجبهة القوى الديمقراطية شرف المشاركة فيها. وانتقلت بذلك المعارضة التقدمية من موقع المعارضة لعقود إلى موقع تدبير الشأن العام. واعتبرت حينذاك، عن حق، تجربة متفردة في العالم العربي والإسلامي، وتجربة طوت مرحلة صراعات سياسية طويلة وحادة، أضاعت على المغرب الكثير من الوقت، وضيعت على المغرب فرصا كثيرة لتسريع وتيرة التنمية.
ومع تولي جلالة الملك محمد السادس، انبثق عهد جديد فتحت توجهاته الجديدة، آفاقا رحبة بتبني المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، وبالمبادرات والقرارات التي اتخذها جلالته لفتح الطريق أمام مختلف مكونات المجتمع للمشاركة في بناء مغرب جديد، مغرب يستجيب لانتظارات كافة أبنائه، وفي كل جهاته، للعيش في بناء مغرب عصري ديمقراطي يواكب متطلبات القرن الواحد والعشرين.
وهذا ما يفرض تحمل القوى السياسية، وخاصة القوى التقدمية والوطنية الديمقراطية، لمسؤولياتها التاريخية، بتغليب منطق الدفاع عن المكاسب الديمقراطية أمام القوى التي تريد تحجيمها والركوب عليها لتحقيق أغراض فئوية ضيقة، وتوفير الشروط الذاتية للفعل والتأثير لتسريع وتيرة البناء الديمقراطي وتطويره، بدل الدفاع عن المواقع الذاتية الضيقة والظرفية.
< يتبع
٭ 10 سنوات من حكم الملك محمد السادس، لم يسجل فيها لحد الساعة أي تغيير على مستوى الإصلاحات الدستورية. ماهي قراءتكم لذلك؟
- بادئ ذي بدء، لابد من التأكيد على أن هذه العشرية هي فترة انتقال من عهد إلى عهد. من عهد المغفور له الحسن الثاني الذي دام ما يقارب الأربعة عقود. عهد شهد صراعات سياسية حادة في بعض لحظاته، قبل أن يتجه تدريجيا، عبر سيرورة مد وجزر لتثبيت الاختيار الديمقراطي مع منتصف التسعينيات.
وكان التوافق الوطني حول الإصلاحات الدستورية لسنة 1996 والذي سبقه انفراج سياسي واضح، مدخلا لمرحلة سياسية جديدة، كان تشكيل حكومة التناوب سنة 1998 برئاسة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي أبرز عناوينها. وكان ذلك بالفعل نهاية لشد الحبل بين القوى الوطنية التقدمية والديمقراطية والمؤسسة الملكية. وأصبحت الملكية الدستورية موضوع إجماع متماسك.
وشاءت الأقدار أن تختطف يد المنون جلالة المغفور له الحسن الثاني في هذه الظرفية بالضبط. وتولي جلالة الملك محمد السادس عرش البلاد سنة 1999.
ومباشرة بعد توليه الحكم، أطلق جلالة الملك محمد السادس أوراش إصلاح كبرى جديدة، اقتصادية وسياسية ومؤسساتية ومجتمعية. وأصبح اختيار بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، اختيارا وطنيا، واختيار أمة مع ما تتطلبه هذه الأوراش الكبرى من جهد واجتهاد، وخلخلة لعدد من البنيات التي أصبحت متجاوزة، وكل ذلك ليعيش المغرب عصره ويواكب متطلباته حاضرا ومستقبلا.
ومن جهة أخرى فإن الدستور الحالي، إذا لم يكن يحترم كله، فإنه أيضا لم تستثمر كل ما تتيحه مقتضياته في تدبير الشأن العام والحياة السياسية والاجتماعية.
لذلك عبرنا خلال المؤتمر الوطني الثاني لجبهة القوى الديمقراطية، المنعقد بمراكش سنة 2005، عن رأينا في مسألة الإصلاحات الدستورية. وقلنا بأن مسألة الإصلاحات الدستورية، ليست بالمسألة المستعجلة وذات الأولوية.
فضلا عن رفضنا استعمال مطلب الإصلاحات الدستورية كورقة ضغط من أي طرف ضد أي طرف، لاعتبارات ظرفية.
وفي الوقت ذاته أكدنا أن المغرب في حاجة إلى دستور جديد. في حاجة الى دستور جديد وليس إلى تعديلات دستورية. ودستور بمواصفات تحضيرية جديدة.
٭ ارتباطا بموضوع الإصلاحات الدستورية. ماهي الأولويات في هذا الباب؟
- كما سبق وأن أشرت، الأولوية بالنسبة لنا هي إعداد دستور جديد، بمواصفات تحضيرية جديدة.
وهنا لابد من التوضيح بأن القول بدستور جديد، لانعني به القطيعة مع الدستور الحالي. فدخول المغرب للحياة الدستورية في عهد مبكر من عهد الاستقلال، بالرغم من ملابسات تبنيها ومرورها من فترات مد وجزر، تعد مكسبا وطنيا مركزيا للبلاد. وفي إطارها، تم تطوير نظام الحكم بالمغرب تدريجيا ووضعه على سكة البناء الديمقراطي. وفي إطارها تحققت المكاسب الوطنية والديمقراطية الكبرى. بالطبع عبر مسلسل كفاح طويل للقوى التقدمية والديمقراطية، والذي أفضى إلى الانفراج السياسي الذي عرفته الحياة الوطنية منتصف التسعينات. وفي إطار هذه الحياة الدستورية فتحت أوراش الإصلاحات المجتمعية الكبرى خلال هذه العشرية.
نقول بدستور جديد، وليس تعديلات دستورية، لأن حياتنا الدستورية خلال العقود الماضية، طبعها اللجوء إلى إجراء تعديلات دستورية عدة مرات كانت كلها خاضعة لاعتبارات سياسية ظرفية بحكم طبيعة الصراعات السياسية التي شهدها المغرب في النصف الثاني من القرن العشرين، والتي طبعها شد الحبل بين المعارضة والمؤسسة الملكية.
ونعتبر أن هذه الصراعات قد انتفت مع العهد الجديد وطويت منذ حصول التوافق الوطني حول التعديلات الدستورية لسنة 1996. لذا نعتبر أن الوقت قد حان لطي تجربة التعديلات الدستورية التي يتم إجراؤها لاعتبارات سياسية ظرفية، ووضع دستور يؤطر الحياة الوطنية المستقبلية.
فالعهد الجديد بمشروعه المجتمعي الديمقراطي الحداثي، يستدعي وضع دستور جديد، يرسخ بالطبع ثوابت الأمة، ويمأسس المكتسبات الوطنية والديمقراطية التاريخية، ويدمج الإصلاحات المجتمعية الكبرى للعهد الجديد، ويؤسس لمجتمع الغد، المجتمع الديمقراطي الحداثي، المنفتح على عالم العصر ومستقبله.
بديهي أن وضع دستور من هذا القبيل، لن يكون إلا بتوافق مع المؤسسة الملكية. لكن في الوقت ذاته، وليكون دستورا بالمواصفات السالفة الذكر، يثبت ويحصن الاستقرار السياسي، ويضع المغرب على السكة الآمنة لبناء المجتمع الديمقراطي الحداثي، يتطلب الأمر فتح نقاش وطني واسع أمام مختلف الفاعلين السياسيين، ومختلف الفعاليات المدنية، نقاش يتغيا بلورة تصور توافقي وطني حول مشروع الإصلاح الدستوري. فالمعروف في التجربة التاريخية العالمية أن الدساتير الناجحة، كانت دوما هي الدساتير المتوافق عليها وطنيا.
هذه هي الأولوية الأولى بالنسبة لنا في جبهة القوى الديمقراطية. وفي هذا الإطار، وبالضبط منذ تحضيراتنا للمؤتمر الوطني الثاني للجبهة سنة 2005، ومؤتمرنا الوطني الثالث لسنة 2008، والنقاش دائر في صفوف الجبهة، لبلورة تصورنا ومقترحاتنا في الإصلاح الدستوري. والأفكار المتداولة في هذا النقاش مازالت بالطبع مجرد أفكار أولية، ستحسم فيها الهيئات القانونية للجبهة عندما يفتح النقاش الوطني بالصيغة التي سبقت الإشارة إليها. وبالطبع هناك قضايا تحظى بنوع من التركيز في نقاشاتنا، ويتعلق الأمر، على سبيل المثال لا الحصر، بقضايا تتعلق بتوضيح وتدقيق فصل السلط وصلاحياتها، قضايا تتعلق بتوسيع صلاحيات المؤسسات المنتخبة والمؤسسات المنبثقة عنها، قضايا تتعلق بالجهوية، ودسترة الأمازيغية، وقضايا المرأة، وقضايا الجالية المغربية بالخارج. بجانب العديد من القضايا ذات الطابع الاقتصادي أو الإجتماعي.
٭ كيف تنظرون إلى المطالبة بالإصلاحات الدستورية؟ هل بشكل منفرد أم عن طريق تكتل القوى التي ترون أنها تتقاسم معكم نفس الرؤية؟
- أشرت إلى أن الإصلاح الدستوري كما نتصوره يجب أن يكون حصيلة توافق وطني، وثمرة نقاش وطني واسع.
وهذا لا يعني أن النقاش سينطلق من فراغ أو من ورقة بيضاء. طبيعي أن ينطلق النقاش حول أفكار ومقترحات ملموسة. وأول أفكارنا ومقترحاتنا، هو ما طرحناه من تصور لمواصفات الإصلاح الدستوري، ومن طرح لفتح نقاش وطني واسع حول مضامين هذا الإصلاح.
وبشأن مضامين الإصلاح، لا شك أن لكل الفاعلين السياسيين ولكل مكونات المجتمع تصوراتهم، مكتملة كانت أو غير مكتملة. وبلا شك أن اختلافات قائمة في وجهات النظر بين هذه الأطراف في بعض القضايا. فإن تقريب وجهات النظر بين القوى التقدمية والقوى الديمقراطية الحداثية في المجتمع، وتقديم تصور ومقترحات مشتركة، سيكون له الأثر القوي في الإقناع. بحكم انبناء هويتها على أفكار الحداثة والديمقراطية، وتعبيرها الفكري والسياسي عن تطلعات أوسع الشرائح الإجتماعية التواقة إلى الإصلاح والتغيير.
وهذا يحيلنا عمليا على مسألة التحالفات، والتي يمكن أن تكون مضامين الإصلاح الدستوري إحدى أهم أسس بنائها في هذه الفترة. وكنا ومازلنا ننادي بضرورة توحيد قوى اليسار والقوى الوطنية الديمقراطية، والذي يفسح المجال أمام بناء تجمع واسع للقوى الديمقراطية الحداثية.
٭ ما تقييمكم للأجواء التي جرت فيها الإنتخابات الجماعية الأخيرة؟
- لقد عبرنا في حينه عن تقييمنا لمحطة اقتراع 12 يونيو. وقد سجلنا أسفنا عن أن نسبة المشاركة، بالرغم من التقدم النسبي لأرقامها بحكم طبيعة الإنتخابات الجماعية مقارنة مع الإنتخابات التشريعية لسنة 2007 فإنها لم تكن في المستوى المطلوب، إذا اعتبرنا نسبة المحجمين عن التصويت من المسجلين في اللوائح الإنتخابية، وأضفنا إليها العدد الكبير من المواطنين الذين لم يتسجلوا أصلا في اللوائح الإنتخابية المحينة.
وبذلك تأكدت من جديد ظاهرة إحجام نسبة كبيرة من المواطنين عن المشاركة في العمليات الإنتخابية. ونعتقد أن المرجع الأساس في ذلك، هو فقدان نسبة واسعة من المواطنين للثقة في العمليات الإنتخابية، وفي مصداقية المؤسسات المنتخبة، والمؤسسات المنبثقة عنها. كما أن ما عاشه المشهد السياسي بعد انتخابات 2007، بدلا من أن يصبح أكثر وضوحا وسلامة، ازداد تعفنا، باستفحال سلوكات سياسية شائنة كما تجلى في اتساع دائرة ترحال البرلمانيين، وبانبعاث أساليب حزبية لا تختلف في شكلها ومضمونها في العمق عن أساليب أضرت بالحياة السياسية وبمسار البناء الديمقراطي في الستينات والسبعينات والثمانينات. حتى انقلبت الخريطة السياسية ليلة الإنتخابات الجماعية، رأسا على عقب عما أفرزته صناديق الاقتراع في انتخابات سابع شتنبر 2007!.. فاختلطت الأوراق الحزبية إلى أقصى الحدود، وانعقدت تحالفات حزبية كبرى لتنفض بعد بضعة شهور. وتغيرت فجأة خريطة الأغلبية والمعارضة ليلة اقتراع 12 يونيو!.. واندلعت مع دنو موعد الإنتخابات الجماعية معارك « سياسية » مفتعلة وهامشية، احتلت الصدارة في وسائل الإعلام العمومية والصحافة الوطنية. بدل فتح نقاشات سياسية حول الإنتخابات الجماعية، وتعبئة المواطنين للمشاركة في الإنتخابات، بمقارعة البرامج بالبرامج، والكفاءات بالكفاءات. هكذا كانت الأجواء التي هيمنت على الساحة قبيل انتخابات 12 يونيو، وهذا كان له أثره الواضح في نسبة المشاركة في التصويت. والمحجمون عن التصويت، في غالبيتهم، عبروا عن موقف من حال المشهد السياسي وأجواء الإنتخابات.
وهذا ما فسح المجال واسعا أمام استعمال المال بشكل فاحش وواسع، لم يسبق له مثيل، لشراء الذمم والتأثير على العملية الإنتخابية. ينضاف إلى ذلك موقف الحياد السلبي للعديد من رجال السلطة المحلية وأعوانهم في العديد من مناطق المغرب، تجاه استعمال المال والخروقات الإنتخابية، هذا ما لم يتدخلوا مباشرة للتأثير على المرشحين، أو التلاعب بنتائج الاقتراع.
وهكذا فنتائج الإقتراع وتوزيع المقاعد بين التشكيلات السياسية المشاركة في الإنتخابات، لا تعكس في شيء حقيقة نفوذها الحزبي. وأفرزت هذه الإنتخابات نتائج مشابهة لما شهدناه في انتخابات السبعينات والثمانينات على الخصوص. وهو أمر، يجب تقييم آثاره السلبية على مصداقية العمليات الإنتخابية، تقييما صحيحا وموضوعيا، وتعميق التفكير في ما يمكن أن يكون لها من تداعيات على الحياة السياسية الوطنية وبالتالي على مسار البناء الديمقراطي. قصد العمل من أجل التدارك.
٭ في ظل النتائج التي أفرزتها هذه المحطة الإنتخابية، تبين أن منطق التحالفات لم ينبن على تقاطعات في البرامج والتصورات. ما هي الخطوات العملية التي ترونها كفيلة لتلافي مثل هذا الارتباك؟
- في البداية، أريد التذكير بموقف الجبهة من التحالفات. لأن لذلك علاقة، ليس فحسب بالتحالفات التي انعقدت بعد اقتراع 12 يونيو في تشكيل مكاتب المجالس الجماعية، ولكن لأن لذلك علاقة بالأجواء التي تمت فيها هذه الإنتخابات، وبالنتائج المعلن عنها.
لقد اعتبرت جبهة القوى الديمقراطية أن إحجام نسبة كبيرة من المواطنين عن التصويت في اقتراع سابع شتنبر2007، والنتائج المعلن عنها في هذه الانتخابات، كانت رسالة واضحة موجهة للنخب وكافة الفاعلين السياسيين.
والواقع أن كل هؤلاء اعتبروها كذلك في حينه. بل واعتبروا جملة وتفصيلا آنذاك، أنه يجب الانكباب على استخلاص كل الدروس الضرورية من معاني ومغازي اقتراع سابع شتنبر، واتخاذ ما يلزم من خطوات لتصحيح الاختلالات واسترجاع ثقة المواطنين في العمل السياسي وفي العمليات الإنتخابية.. لكن مع الأسف لم تتم متابعة هذا التقييم وهذه الخلاصات من طرف الجميع..
أما بالنسبة لجبهة القوى الديمقراطية، فقد أعقبت تقييمها ذاك، باتخاذ المبادرات التي رأت أنها هي المطلوبة لتصحيح الوضع.
ولا نفشي سرا إن قلنا إن الجبهة كانت وراء سلسلة مبادرات لمد جسور الحوار والتشاور مع مختلف أحزاب اليسار. وقد تمت بالفعل كما يعلم الجميع عدة لقاءات ثنائية وثلاثية وجماعية بين أحزاب اليسار، كانت حصيلتها التعبير الجماعي عن وعي بضرورة توحيد قوى اليسار، والبحث عن مختلف صيغ التنسيق والعمل المشترك، الذي يفضي تدريجيا إلى خلق قطب يساري، يشتغل في الأفق البعيد - لم لا - لبناء حزب يساري أو اشتراكي كبير واحد.
ويعلم الرأي العام أنه تم الإتفاق بين خمسة أحزاب يسارية على وثيقة مشتركة بمثابة أرضية، وبرنامج حد أدنى.
إلا أن الأمور لم تأخذ المجرى الذي كان منتظرا منها، أي الإعلان عن هذا التوحيد وهذه الوثيقة قبل الانتخابات الجماعية. حيث اعتبرت بعض هذه الأطراف، أنه يجب تأجيل هذا الإعلان إلى ما بعد الإنتخابات الجماعية، حتى يتفرغ كل حزب لتحضيراته لهذه الإنتخابات. وهذا ما كان.
أذكر هذه الوقائع، لأقول أنه كان في قناعة الجبهة، أنه حتى إن لم تتوفر شروط دخول اليسار للإنتخابات بمرشحين مشتركين، وهو بالفعل أمر كان جد صعب في تحضيره خلال المدة الزمنية القصيرة لبدء المشاورات وموعد الإنتخابات الجماعية.
فإن الإعلان الرسمي عن الأرضية المشتركة لأحزاب اليسار، وتنظيم أعمال مشتركة بينها في بعض الواجهات وفي مقدمتها الواجهة البرلمانية، والشروع في التنسيق على مستوى المنظمات الجماهيرية، قبل الإنتخابات الجماعية، كان كفيلا بخلق دينامية سياسية جديدة في الساحة الوطنية، كان سيغير بلا شك الكثير من المعطيات، ويفشل الكثير من محاولات تمييع الحياة السياسية والحزبية، ويطلق دينامية جديدة لاستعادة ثقة المواطنين في العمل السياسي، بحكم الإرث التاريخي النضالي لأحزاب اليسار، وتجاوب فكرها التقدمي والديمقراطي مع تطلعات وطموحات أوسع شرائح المجتمع.
ونحن الآن بعد اقتراع 12 يونيو ونتائجه، نعلم أن التاريخ لا تعاد صياغته بكلمه« لو». لكن ذكرت بهذا، لأقول بأنه في غياب اتفاقات قبلية على التحالف والتنسيق على أساس توجهات وبرامج سياسية وعلى ضوء ما اسفرت عنه انتخابات 12 يونيو من نتائج معلنة، فإنه طبيعي أن نرى ما رأينا من تحالفات لا منطق يحكمها غير ميزان القوى المحلي على مستوى المقاعد، والحسابات المحلية، بعيدا عن أي انطلاق للتحالف من تصورات أو برامج سياسية، فالكل تحالف مع الكل، حسب منتوج العملية الحسابية لعدد المقاعد على مستوى المجلس المحلي، وحتى القيادات الحزبية التي أعلنت بأنها أعطت تعليمات صارمة لمنتخبيها بصدد أطراف التحالف، فإن هذه التعليمات لم تحترم.
لتلافي مثل هذا الارتباك في مسألة التحالفات، فإنه إذا كان تفادي مثل هذا الارتباك، لا يتوقف فقط على إرادة الأحزاب السياسية، فبالرغم من ذلك، مازلنا نعتقد جازمين أن سبيل استئناف المشاورات والحوار لتوحيد قوى اليسار، هو المسلك الأساس لرد الكثير من الأمور إلى نصابها، وتخويل العمل السياسي والحزبي المصداقية والفعالية الضرورية له، وفي هذا الباب كنا، ومازلنا منفتحين على مختلف المبادرات التي تصب في هذا الاتجاه.
٭ هل اليسار ضمن المنظومة الحالية، يجب أن يكون بجانب الملكية بخصوص مشروع التحديث، أم يتطور في استقلال عنها؟
اننا نجد تصوراتنا وتوجهاتنا السياسية التي أرسيت مع المؤتمر التأسيسي للجبهة سنة 1997 منسجمة ومتناغمة مع مشروع وتوجهات جلالة الملك لتحديث الدولة والمجتمع، وهذا ما تؤكده وثائق الجبهة عبر مختلف مؤتمراتها الوطنية، لذا فمن هذه الجهة نحن مرتاحون سياسيا، لأننا نشتغل كحزب على أساس خط سياسي يصب في المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي الذي يتبناه جلالة الملك ويقود سياسة إنجازه.
وفي إطار العمل لإنجاز هذا المشروع المجتمعي، نعمل في إطار التعددية السياسية التي يقرها ويضمنها الدستور، ونعمل في موقعنا باستقلالية طبقا لمايخوله لنا الدستور من دور ومهام.
٭ خلال تجربتكم الحكومية، متى شعرتم بأن هناك خطوطا حمراء، وأن هناك كوابح للإصلاح؟
سواء في وزارة الصيد البحري، أو في وزارة الصحة، اللتين تقلدت مسؤوليتهما في إطار حكومة التناوب، لم يحدث قط أن شعرت بأن هناك خطوطا حمراء، وأن هناك كوابح للإصلاح، لقد مارست صلاحياتي بكل حرية في إطار توجيهات جلالة الملك للحكومة، وفي إطار البرنامج الحكومي.
وتكفي الإشارة إلى أن قرار عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري مع الإتحاد الأوربي تم خلال تقلدنا مسؤولية هذه الوزارة، كما أن التغطية الصحية تم تقديمها للبرلمان وصودق عليها خلال تقلدنا لمسؤولية وزارة الصحة، والمجال لا يسع لاستعراض حزمة الإصلاحات التي انجزت في إطار هاتين الوزارتين.
وبهذا الصدد، أذكر بما عبرت عنه جبهة القوى الديمقراطية مرارا، بأن العديد من الصلاحيات الدستورية للمؤسسات الحكومية، لا تستثمر من طرف المؤسسات الوزارية بما فيها مؤسسة الوزير الأول.
وأقول هذا عن تجربة، فلم أتعرض قط لأي شكل من أشكال الضغوط، سواء من خارج الحكومة أو من داخلها، ومارست مسؤولياتي وصلاحياتي القانونية بكل حرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.