مواصلة تعميق الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الوطني عبر تعبئة منظومة الاستثمار وتحفيز مناخ الأعمال، رهان موجه لعمل الحكومة    خلايا التكفل بالنساء والأطفال بالنيابات العامة استقبلت خلال سنة 2023 ما مجموعه 35 ألف و 355 طفلا    الركراكي يحسم الجدل حول "خلاف" زياش ودياز    تغيير موعد المباراة بين الرجاء ووجدة    رئيس الحكومة: التوجيهات الملكية تشكل عمق العمل الحكومي لدعم بيئة الأعمال الوطنية وتشجيع دينامية الاستثمار    السجن المحلي عين السبع 1 : 129 مترشحة ومترشحا من النزلاء يجتازون امتحانات البكالوريا    تلميذة تنهي حياتها بعد ضبطها متلبسة بالغش    بعثة الكونغو برازافيل تحط الرحال بأكادير استعدادا لمواجهة المنتخب المغربي    رسميا.. ريال مدريد يعلن المشاركة في كأس العالم للأندية    بعد إغلاق باب الترشيحات.. 3 أسماء تتنافس على رئاسة نادي الوداد الرياضي    الركراكي يعلن عن تغييرات مُهمة في مباراة الكونغو برزافيل    عناد نتنياهو.. هل هو ضعف أم استبعاد لنهاية المشوار السياسي؟    بوريطة يستقبل وزيرة خارجية إفريقيا الوسطى ويستلم منها رسالة خطية موجهة للملك محمد السادس    الحكومة تدرس حل العصبة الوطنية لمحاربة أمراض القلب    ولي العهد يعطي انطلاقة أشغال أكبر محطة لتحلية مياه البحر في إفريقيا    إعداد وترويج "ماحيا" يطيحان بعشريني بفاس    الأمثال العامية بتطوان... (621)    الحصيلة العددية لانتخابات البرلمان الأوروبي تضع القارة وسط "زلزال سياسي"    الأحمر يُغلق تداولات بورصة الدار البيضاء    بوانو: أخنوش قام بتخفيض رسوم الاستيراد لشركات أقربائه ورفع من نسبة تضريب المقاولات الصغرى    بوابة رقمية لتعزيز الخدمات الاجتماعية للأمن    ريما حسن "صوت فلسطين" داخل البرلمان الأوروبي.. من مخيمات اللجوء إلى أعلى هيئة سياسية أوروبية    أطباء يستعرضون معطيات مقلقة حول مرضى السكري بطنجة    "البيجيدي": لا ثقة في إسرائيل وندين مجزرة النصيرات    الناظور.. لقاء تشاوري حول مستقبل الأمازيغية بالمغرب    شركة "كازا تيكنيك" تستهل عملها الرسمي بالحسيمة بمشاكل مع العمال    وزير الخارجية اللبناني يشدد على موقف بلاده الدائم الداعم لسيادة المملكة ووحدة ترابها    «شهادة أداء مناسك الحج» ثانية للحجاج المغاربة، وحواجز ومداهمات وعقوبات على المخالفين    تهرب ضريبي واستغلال مفرط وغير قانوني.. تقرير يرسم صورة قاتمة عن "التسيب" في مقالع الرمال    مجلس الحكومة يدرس إعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار بشأن غزة    الحكم على ثلاثة مشجعين لفالنسيا بالسجن ثمانية أشهر بسبب إساءات عنصرية ضد فينيسيوس    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    بلينكن يطالب ب "الضغط على حماس"    لارام تستعد لاقتناء 200 طائرة جديدة    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    الصغيري يكتب: مأزق الديمقراطية الداخلية للأحزاب المغربية    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين قبل عيد الأضحى    طيب حمضي ل"رسالة24″: احتمال إنتشار فيروس انفلونزا الطيور ضعيف جدا    يوسف القيدي مبادرة فردية شديدة التميز في مجال الفن التشكيلي    الدورة ال 12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة.. الفيلم الكونغولي «متى يحل عهد أفريقيا» لدافيد بيير فيلا يتوج بالجائزة الكبرى    العشرات يشاركون في كاستينغ المهرجان الوطني للمسرح والكوميديا ببنسليمان    المحامون يدعون لوقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني    "الحياة حلوة" عن معاناة فلسطيني من غزة في الغربة…فيلم مشاركة في مهرجان "فيدادوك"    ديشامب يكشف عن حالة مبابي قبل اليورو    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    رابع أجزاء "باد بويز" يتصدر الإيرادات السينمائية الأميركية    أسعار النفط ترتفع بدعم من آمال زيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    موريتانيا تكشف اقتناء أسلحة متطورة    جسور التدين في المهجر.. لقاء مع الدكتور عبد النبي صبري أستاذ جامعي في العلاقات الدولية والجيوسياسية    استعمالات فلسفية معاصرة بين الهواية والاحتراف    «نقدية» الخطاب النقدي الأدبي    أعراض داء السكري ترفع خطر الإصابة بالكسور العظمية    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة "طريق مكة" إلى غاية 9 يونيو الجاري    المغرب يتجه لتحقيق اكتفائه الذاتي من البترول بحلول منتصف 2025    بنحمزة يوضح موقف الشرع من الاشتراك في أضحية واحدة    المغرب يسجل حالة وفاة جديدة بفيروس كورونا    تشوهات الأسنان لدى الأطفال .. أكثر من مجرد مشكلة جمالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الأستاذ حبيب المالكي: لا بد من إصلاحات لقانون الأحزاب و مدونة الانتخابات

في هذا الحوار، الذي نستضيف من خلاله الأستاذ حبيب المالكي، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، نقف مع ضيفنا على جملة من القضايا التي باتت تشغل اهتمام شريحة واسعة من الرأي العام ومن النخبة السياسية والمثقفة الوطنية، ونقصد بذلك المسألة الاجتماعية وواقع الحوار الاجتماعي ببلادنا، والخريطة السياسية بعد الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، إضافة إلى موضوع الكتلة الديمقراطية ومشروع قطب اليسار، وكذا الوضع الداخلي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد مضي سنة على مؤتمره الوطني الثامن، ومواضيع أخرى ذات صلة. وفي ما يلي نص الحوار:
الأستاذ حبيب المالكي، اسمحوا لي، أولا أن أبدأ معكم هذا الحوار انطلاقا من مسألة لطالما اعتبرت ركيزة من الركائز الأساسية التي اعتمدها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في بناء وتطوير خطابه السياسي، ونقصد بذلك المسألة الاجتماعية، كيف تقيمون الوضع الاجتماعي في بلادنا؟
لا شك في أن المسألة الاجتماعية تعتبر محورية في تطور المجتمع وبناء مواطنة جديدة، كما أنها تطرح الآن، أقصد على المستوى الوطني، بحدة، وذلك نتيجة لتعميق الفوارق الاجتماعية التي أدت، من بين ما أدت إليه، إلى تضخم هوامش المدن وارتفاع مستوى الهشاشة الاجتماعية. ويعتبر هذا الوضع، في اعتقادنا، من أهم معوقات التطور السياسي في بلادنا. وأعطيكم مؤشرا مهما على ذلك. فالانتخابات الأخيرة التي شهدتها بلادنا خلال هذه السنة أبرزت، من جديد هذه الظاهرة، والمتمثلة في استفحال ظاهرة السوق الانتخابية التي لا تعتمد على المنافسة الشريفة، بقدر ما ترتكز على بيع وشراء عدد كبير من أصوات الناخبين. كما أن المسألة الاجتماعية تطرح، بالإضافة إلى ذلك، بحدة على ضوء الخصاصات المختلفة المسجلة في قطاعات اجتماعية أساسية مثل ميدان الشغل والسكن والصحة والتعليم والنقل، لا فقط كنتيجة للتحول الديمغرافي، ولكن كذلك لتحولات المجتمع التي أفرزت بدورها حاجيات جديدة، خاصة لدى فئات الشباب والنساء. كما أن طبيعة السياسة الاقتصادية العامة المتبعة منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي ساهمت هي الأخرى في تعميق الفوارق الاجتماعية، من خلال تفقير الفئات الوسطى، حيث إن التنمية البشرية لم تشكل أسبقية الأسبقيات، إلا مع انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في منتصف العشرية الحالية.
فالمغرب اليوم في حاجة إلى استراتيجية اجتماعية متكاملة لتساعد على الرفع من مردودية البرامج الجاري بها العمل في إطار المبادرة الوطنية. وهنا، ينبغي التذكير بأن حزبنا قد تخلى عن مواصلة التفكير في كل ما له علاقة بالبعد الاجتماعي للتنمية الاقتصادية في السنوات الأخيرة، خاصة أن المسألة الاجتماعية تشكل، كما أشرتم إلى ذلك في سؤالكم، هويتنا. ويكفي التذكير هنا بأن أغلب المعارك التي خضناها منذ نصف قرن كانت تهدف، بالأساس، إلى جعل الإنسان المغربي يحيا حياة كريمة داخل مجتمع يصون له كرامته، ويضمن له شرط تحقق مواطنته ومن ثم إنسانيته.
وأعتقد أن هذا الوضع، المرتبط بالمسألة الاجتماعية، هو ما أثر سلبا على مفهوم السياسة وعلى الممارسة السياسية أيضا، حيث أصبحت السياسة (إذا صح التعبير) سجينة السياسة، وبالتالي بدون أي امتداد اجتماعي أو ثقافي. ومن ثم، أصبحت السياسة جسدا برؤوس متعددة، لكن، وهذه هي المفارقة، بدون أرجل في الميدان.
وما هو دور الحوار الاجتماعي في كل ذلك؟
ينبغي أن نسجل هنا مأسسة الحوار الاجتماعي في إطار جولات منتظمة خلال السنة، وهو ما نعتبره يجسد إرادة سياسية معلنة. لكن، رغم ذلك، فإن هذه المنهجية مازالت في طور التأسيس ولم تساعد، لحد الآن، على خلق جو يتسم بالثقة المتبادلة، من أجل الوصول إلى نتائج مقنعة لجميع أطراف هذا الحوار. فتطوير هذه المنهجية مع إنضاجها يتطلب، بالضرورة، تنزيل الحوار إلى المستوى القطاعي، أي إشراك القواعد والأطر المعنية في سياق متكامل يلزم الجميع. إن الحركة الاجتماعية المغربية، بمدها وجزرها، تسعى لأن تكون فاعلة ومساهمة في خلق علاقات جديدة تساعد على دعم الاستقرار الضروري للرفع من وتيرة النمو. وهنا، ينبغي لنا أن نسجل أن الحركة الاجتماعية تعيش تحولا نوعيا من خلال انفتاحها واهتماماتها بكل ما له علاقة بتحديث المجتمع وتحديث العلاقات داخله. وتكفي الإشارة هنا إلى الاهتمام ببعض القوانين ومشاريع القوانين التي تدعم مسألة الحوار الاجتماعي ونقصد بذلك: قانون النقابات وقانون الخادمات في البيوت وقانون التعاضد ومشروع إحداث صندوق التعويض عن فقدان الشغل، ثم أخيرا القانون المحدث للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
سننتقل، الآن، إلى موضوع الانتخابات التي جرت خلال سنة 2009، كيف يمكنكم تقييم هذه الاستحقاقات بالنظر إلى النتائج التي أسفرت عنها؟
بالفعل، لقد عاش المغرب مسلسلا انتخابيا معقدا وطويلا خلال السنة الحالية، وهو المسلسل الانتخابي الذي انطلق بالانتخابات الجماعية وانتهى بتجديد ثلث مجلس المستشارين، مرورا بالانتخابات المهنية وانتخاب مجالس الأقاليم والعمالات ثم المجالس الجهوية، والنتيجة، كما لاحظ ذلك جميع المتتبعين، كانت عبارة عن مشهد سياسي جديد وغير قار، وحامل لتطورات سريعة ومفاجئة.
وهنا ينبغي التذكير بأنه جرت العادة، في البلدان ذات التقاليد الديمقراطية، أن تمثل الانتخابات عنصر استقرار ووضوح، ومفتاحا للقضايا المرتبطة بحياة المواطنين، لأن الانتخابات في تلك البلدان تؤدي إلى تكوين مجالس غير مطعون فيها، نظرا لأنها تمثيلية وشرعية، كما أنها تخضع لمنطق الأغلبية والأقلية، بمعنى أن الأغلبية تحكم والأقلية تشكل المعارضة الضرورية.
فالانتخابات الأخيرة التي عشناها لم تخضع لنفس المنطق، كما أنها لم تشكل خطوة إلى الأمام في البناء الديمقراطي السليم، حيث إن شبكات مفسدة قوية التأثير مكونة من تجار الانتخابات، إضافة إلى تدخلات عديدة على مستويات مختلفة... كل ذلك أدى إلى تأزيم الأوضاع وإلى تشويه النتائج النهائية للمسلسل الانتخابي. ولعل الخاسر الأكبر، في نهاية الأمر، من جراء ذلك هي الديمقراطية وهو عنصر الاستقرار ببلادنا. لذلك، لا بد من إدخال إصلاحات على مستوى قانون الأحزاب وعلى مدونة الانتخابات، في إطار حوار وطني واسع، لجعل المحطات الانتخابية المقبلة مصدر تقدم لا مصدر تراجع.
ماذا عن طبيعة التحالفات التي شهدتها هذه الانتخابات، ونقصد بذلك التحالفات التي أجراها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟
أود التوضيح، بخصوص هذه النقطة، بأن تاريخ حزبنا وهويته وثقافته والقيم المؤطرة لسلوك قادته ومناضليه ونظرتهم لمغرب الغد، كلها عوامل تمنعنا من ممارسة الازدواجية والغموض في هذا المجال. وبطبيعة الحال، فإن المشهد السياسي المغربي لا يخضع لمنطق واحد، نظرا لطبيعة التناقضات التي تتحكم فيه، وكذا لطبيعة الأحزاب المشكلة له والفاعلة فيه وعلاقاتها بعضها ببعض، المعلنة منها وغير المعلنة، كل ذلك يتطلب، من جهة، وضع خطوط حمراء، ومن جهة أخرى العمل بالمرونة اللازمة للدفاع عن واقعنا، أي ممارسة نوع من البراغماتية التي لم تكن من تقاليدنا الأساسية بالأمس، في تعاملنا مع الآخرين. فحتى البراغماتية لها قواعدها، فهي لا تعني الفوضى من خلال التعامل مع أي كان.
لكن المثير حاليا هو أن المشهد السياسي المغربي، رغم طبيعته وتناقضاته، أصبح مشهدا أملس، كل وديانه تصب في اتجاه واحد، وهذا ما يحد من حركية الحياة السياسية ببلادنا ومن النقاش والجدل في غياب تباين معلن على مستوى المواقف واختلاف صريح في الآراء. لكننا ننسى دائما، مع ذلك، أن بريق العمل السياسي لا يوجد فقط في المؤسسات الوطنية المنتخبة، بل يوجد أصلا في ما هو محلي، ذلك أن قوة هذا « المحلي « من خلال شرعيته ومصداقيته هي التي تجعل مما هو وطني « وطنيا « فعلا ومن المحلي « محليا « أيضا، والأكيد أن القواعد الديمقراطية تثبت ذلك.
لكن ما عشناه، منذ شهر يونيو الأخير، لا يطمئن، حيث إن عملية خلط الأوراق لا تساعد على توضيح الرؤية. ومن ثم، فإننا مطالبون بممارسة النقد، بل والنقد الذاتي إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك، لأننا نؤمن بأن رسالتنا التاريخية هي رسالة التغيير والإصلاح، على أساس الديمقراطية والحداثة.
لنعد إلى الكتلة الديمقراطية، أي دور كان لها في كل ذلك؟ وما هو رأيكم في وضعها الحالي؟ وكيف تنظرون إلى مستقبلها؟
ينبغي أن نمتلك بعض الجرأة لقول إن الكتلة الديمقراطية أصبحت إطارا مرجعيا راكدا، وهو الوضع الذي جعلها لا تستطيع أن تتطور إلى قوة سياسية ميدانية تكون قادرة على اتخاذ مبادرات تهم حاضر ومستقبل البلاد، خاصة في المحطات الانتخابية. لذلك، فالمسؤولية السياسية باتت تقتضي وقفة تقييمية لتوضيح الرؤية واتخاذ المواقف المناسبة، علما بأن الكتلة لم تساعد على تأسيس ثقافة متينة في مجال التحالف على مستوى التنظيمات المحلية للأحزاب المكونة لها. فالعقليات والسلوكات اليومية والموروث التاريخي والثقافي وغيره، كل ذلك ساهم في تأجيج التناقضات عوض تدبيرها، مما أفرغ الكتلة من محتواها، لتصبح إطارا يفتقد الجاذبية والفعالية اللازمتين. لكن الاستمرار في التغيير وفي الإصلاح يحتاج منا إلى عمل وحدي متجدد.
وماذا عن الأصوات التي أصبحت تنادي بضرورة خلق قطب يجمع أسرة اليسار؟
الجميع يعلم أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب يساري وينتمي إلى أسرة اليسار، وأن أفقه الطبيعي يتجلى في تكوين قطب يساري قوي. لكن يبقى السؤال هنا هو: كيف يمكن تحقيق هذا الاختيار الاستراتيجي؟
وهنا ينبغي التأكيد على أن التذكير بالمبادئ والتشبث بالرمزيات التقليدية لليسار أمر غير كاف لخلق هذا القطب المطلوب. فاليسار مطالب، أساسا، بخلق علاقات جديدة بين مكوناته، في أفق البحث عن الأسباب العميقة التي أدت إلى بلقنته وتشتيته وإضعافه، أي إلى الوضع الذي يوجد عليه اليوم.
فالأكيد أن العوامل الذاتية والأنانيات المختلفة والقفز على الواقع... كلها عوامل ساهمت في جعل اليسار يفتقد إلى المبادرة. وبالتالي، فإن معالجة هذا الوضع تتطلب نوعا من التدرج ومن التحلي بالواقعية لتوفير الحد الأدنى من التوافقات، حتى لا نكرر أخطاء الماضي.
ورغم ذلك، يمكننا أن نتساءل: لماذا لا نفكر جميعا في وضع ميثاق مشترك يحدد المبادئ والأهداف والوسائل الممكنة؟
إن مثل هذه الأرضية أصبحت ضرورية لتحديد أفق مشترك عبر مراحل تساعد على استرجاع الثقة، وإعادة الاعتبار للعمل الوحدوي ولثقافة اليسار.
بعد أيام قليلة، سيلتئم جمع المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية : أين وصل تطبيق مقررات المؤتمر الوطني الثامن الذي مرت عليه سنة حتى الآن؟
بالفعل، سيعقد مجلسنا الوطني خلال يومي 5 و 6 دجنبر دورته العادية، وهو الذي يشكل المجال الطبيعي لمناقشة كل القضايا التي تقلق المناضلين واليسار المغربي والرأي العام الوطني. فكل القضايا التي تحتاج إلى توضيح ستجد طريقها إلى النقاش الصريح الهادئ والشفاف، بما يساعد على تقوية حزبنا وضمان تماسك صفوف مناضليه. فالثقافة الاتحادية لا تتحمل المسكوت عنه، كما أنها لا تتبنى مقولة « كم حاجة قضيناها بتركها «، لأن الثقافة الاتحادية هي ثقافة شمولية ومنفتحة بطبيعتها ولا تختزل وضعا ما في عامل وحيد يتيم ومعزول لتخلص إلى موقف ضعيف لا يستجيب لمتطلبات المرحلة.
بالفعل، لقد مرت سنة على انعقاد المؤتمر الوطني الثامن، ومن الضروري مناقشة أين وصلنا في احترام الأولويات التي حددها المؤتمر، وعلى رأسها مواصلة الإصلاحات السياسية والدستورية من جهة، والمسألة التنظيمية من جهة أخرى. فعلى المستوى الأول، فإن الإشكال المطروح لا يتعلق بالمشاركة من عدمها، بقدر ما يهم أسلوب تدبير هذه المشاركة والصيغ الإجرائية الكفيلة بتعزيز موقع الاتحاد ليقوم بدور المحرك والفاعل مع حلفائه، في أفق التغيير و الإصلاح.
أما على المستوى الثاني، فالاهتمام بالأداة الحزبية أصبح حيويا بالنسبة لمستقبل الاتحاد. لذلك، ينبغي أن نشير إلى أن الوقت قد حان لتحديد رؤية واضحة تهدف إلى تعميق الديمقراطية الداخلية، وتعزيز الوحدة الحزبية، مع احترام الاختلاف المسؤول والفعالية داخل المجتمع، وذلك من خلال انفتاحنا على الجيل الجديد من القوات الشعبية.
ومن أجل كل ذلك، سيعقد حزبنا، في ربيع السنة المقبلة، ندوة وطنية خاصة بإشكالية التنظيم، وسيكون من المناسب أن نعلن سنة 2010 سنة إعادة بناء الحزب، تركيزا لثقافة تنظيمية جديدة تساعد على مواجهة تحديات القرن .
قبل أن نختتم هذا الحوار، أود منكم الأستاذ المالكي أجوبة عن ثلاثة أسئلة سريعة:
ما هي طبيعة علاقتكم بالدائرة الانتخابية التي تمثلونها؟
إنها علاقة حميمية ومستمرة ويطبعها كثير من الصدق والوضوح والتلقائية. ولقد دأبت دائما على القول إن دائرة وادي زم أبي الجعد هي وطني الصغير. فالمحلي، كما أشرت إلى ذلك قبل قليل، هو الذي يعطي معنى لما هو وطني، وبالتالي، فإن تجديد النخب يمر، بالأساس، عبر ما هو محلي. كما أن بناء مدرسة سياسية مغربية تنتج النخب، يبقى رهينا بمدى تجذرنا في التربة المحلية.
ما ذا تقرأ هذه الأيام؟
في الحقيقة أنا لا أقرأ كتابا واحدا بل ثلاثة كتب دفعة واحدة، وهي عادة دأبت عليها منذ سنوات طويلة لخلق استراحات فكرية دون الابتعاد عن فعل القراءة. ويتعلق الأمر ب كتاب « ديوان السياسة « للأستاذ عبد الله العروي، الذي اعتبره بالإضافة إلى كونه مؤرخا لامعا مفكرا مستقلا في آرائه، كما أن ملاحظاته تدخل في نسق عام يهم إشكال تطور وتحديث المجتمع. فهو بالنسبة لي بمثابة وقود فكري.
والكتاب الثاني هو الجزء الأول من السيرة الذاتية للرئيس السابق للجمهورية الفرنسية جاك شيراك، وهو كتاب يظهر مدى تجذر صاحبه في التربة الفرنسية. ولعل من أهم ما يثيره هذا الكتاب هو أن ممارسة السياسة تحتاج إلى مشروع فكري لا يخضع للتقلبات المناخية، بقدر ما تجعله يستفيد منها، وهذا يتطلب بدوره أن يكون الإنسان عملة صعبة لا عملة قابلة للاستهلاك.
أما الكتاب الثالث والأخير، فهو للمفكر الفرنسي جاك أتالي وهو بعنوان Survivre à la crise ، أي العيش أمام الأزمة، حيث يطلعنا على بعض الوصفات على المستوى الشخصي وعلى مستوى الأفراد كيفما كان موقعهم في هرم المسؤولية، ليجعلوا من الأزمة أداة لتقوية وجودهم، معتبرا أن الأزمة ليست عابرة وإنما هي مستديمة.
وأستطيع القول إن ممارسة السياسة بدون فكر تتحول إلى صحراء قاحلة بدون واحات، ولعل هذا الوضع هو ما أعتبره الخطر الحقيقي الذي يتهدد العالم العربي أكثر من غيره. فالسياسة بدون فكر تصبح عنصر تفكك وانقسام، لأنها تفتقد إلى مشروع مستقبلي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.