دعا الفنان التشكيلي المغربي، حسن بوهيا، إلى الاهتمام بالساحات والميادين ومداخل المدن والفضاءات الخالية من كل جمالية، من خلال تشجيع الفنانين التشكيليين على إنجاز النصب والأشكال الهندسية الفنية المعبرةوالتي من شأنها أن تتحول إلى رموز كما هو الشأن لبرج إيفل رمز باريس وفرنسا، وتمثال الحرية رمز نيويورك وأميركا، واعتبر، بوهيا في حديث إلى "المغربية"، بمناسبة افتتاح معرضه الجديد برواق فندق "رويال منصور" بالدارالبيضاء، أن الفن التشكيلي يجب أن يتجاوزالسند واللوحة، ليعبرعن نفسه من خلال التنصيبات والمنحوتات، وكذلك الاستفادة من عالم التكنولوجيا وتسخيرها في عمليات الإبداع الإنساني، خصوصا أن المغرب يتميز بغناه التراثي والفني، فضلا عن فنانين ونحاتين ذائعي الصيت، لهم من الخبرات الفنية ما يساهم في إنجاح مثل هذه التنصيبات، حتى تتوسط الساحات العمومية، التي يتردد عليها المواطنون، وتزيد هذه الأماكن جمالا وتألقا. وقال المهندس والفنان التشكيلي بوهيا، الذي يعرض جديد أعماله إلى غاية 31 ماي الجاري، تحت شعار "مزاوجة تعابير الخط واللون"، إن زمن الفنانين الأجانب، الذين رسخوا هذا التقليد الفني الجميل، يجب أن يستمر لكن بأيادي فنانين مغاربة وبأفكارهم الخلاقة، وتصاميم المهندسين، الذين يوفقون بين الهندسة والفن التشكيلي، مضيفا أنه أنجز العديد من التصاميم الخاصة بأشكال هندسية فنية وتنصيبات بأبعاد مختلفة. وبخصوص معرضه الجديد، أبرز بوهيا أنه يدخل حاليا تجربة فنية جديدة، بأعمال تجمع بين الأشكال الهندسية والخطوط والضوء واللون، فأعمال حسن بوهيا ، كما يقول الناقد الجمالي عبد الرحمن بنحمزة، فضاء لمسرحة الحساسية الانفعالية، التي يعبر من خلالها عن دلالة الأشياء الجوهرية الثابتة، مستعملا أشكالا تحتفي بالفراغ والممتلئ، والمرئي واللامرئي، وفق هندسة ذهنية بليغة وهيكلة بنائية، دون تحطيم الشكل المألوف والواقع. يحلل الفنان موضوعاته ويحاول المتلقي الجمالي تركيبها حسب زاوية مواقفه وقراءاته وتصوراته. يجعل بوهيا من اللون أساسا للشكل والمضمون، وكأنه يعيد دراسة كيمياء النور وإشراقات الألوان في ضوء حركة داخلية، تعطي الانطباع بأن الفنان بوهيا لا يستعجل لوحاته، وإنما يخرجها من طور الكمون إلى طور الفعل، ألم تكن اليد التي تماهت مع الخربشات الأولى في عالم الهندسة، هي ذاتها التي وثقت بالخطوط الهندسية واللون والضوء، في فضاء بوهيا الفريد، الذي يبحث لنفسه عن شجرة أنساب لونية، تؤهله ليكون فنانا هندسيا ينشد الفرادة والاستثناء. إذا كان بعض الفنانين المغاربة انتصروا في بياناتهم وأعمالهم لجمال السرعة والتقنية، فإن حسن بوهيا، الذي أسس عالمه التصويري على الأشكال الهندسية في صورة تجمع اللون والخطوط والضوء، ينشد جمال الأصيل في الأشياء والكائنات، منطلقا من الوحدات البصرية لواقعه المحيط به، إذ على المتلقي المتذوق أن يبحث عن المعاني الضمنية بالعقل والحدس معا. آلف بوهيا في تجربته التصويرية بين الدوائر، ومثيلاتها من البناءات الهندسية، والاختزال التشكيلي، والجمال الصافي الموضوعي، وفعل اللون على الحواس و الاستيحاء البلاغي، إذ يتخذ العمل الفني في هذا السياق العام أسلوبا صباغيا يحتفي بفضاء المثل، لتحويل المشاهد والرائي من عالم القلق والضجر إلى عالم الانتشاء والابتهاج. بوهيا فنان تشكيلي، يحول كل هندسة أو فكرة إلى وصلة إيقاعية تجعل من فضاء اللوحة سيمفونية متعددة الأصوات والتشكيلات البصرية. مساحات مشهدية لا نهائية تمارس على المتلقي سلطة رمزية وتسافر بإدراكه إلى عوالم إيحائية تستمد من الخيال الإبداعي والهندسي قيمتها المركزية. وبريشة لا تكل يمارس بوهيا غوايته الصباغية على كل تصميم خرج توا من جعبة أفكاره وتأملاته الحسية والصاخبة، رحالة في شطآن الدوائر والخطوط والضوء، يجيد فتنة الخيال، إذ به يبحر في الذوات العليا والسفلى لبنات أفكاره، التي لم ولن تكن إلا إبداعا من يد مهندس وريشة مبدع بصيغة الجمع، مسترشدا بمقولة الشاعرالرومانسي كيتس"عن طريق العقل والمنطق، نموت كل ساعة، لكن من خلال الخيال نحيا"؟ هكذا، ينهض العمل الفني لحسن بوهيا كقوة أسلوبية تركيبية، وكبلاغة سحرية تتجلى في التناغم اللوني والتشاكل الحركي والدائري. إن مقتربه الصباغي يشكل خلفية انزياحه عن كل تقليد مدرسي ومحاكاة مباشرة للواقع المرئي. الأكيد أن الفنان التشكيلي المغربي، حسن بوهيا، وهو يوثق لذاكرة التشكيل من خلال مدرسة جديدة تجمع بين فتنة الخطوط وروعة اللون وصفاء الضوء، يستجيب لصوت داخلي يسكنه كفنان أولا وكمهندس ثانيا، وكمبدع تنصيبات جمالية تنتظر الخروج من عالم السند الفني إلى الفضاء المفتوح، لأن العمل الفني عند بوهيا يمر بأربع مراحل، هي مرحلة الانفعال الداخلي، ومرحلة الرغبة بالقيام بالتشكيل، ومرحلة تنفيذ دراسات ورسوم للفكرة، التي تكونت في ذهنه وتصورتها كشكل أثيري أمامه، وصولا إلى تنفيذها على "ماكيت"، وفيها يتطابق الأثيري مع شكل الكتلة، وهذا ما عبرعنه الفنان والناقد الجمالي والشاعر السوري عبد الرحمن بقوله: يتوهج بداخلك ألق شديد .. لا تعرف من أين أتاك. يملأ كيانك بطاقة كامنة وكمواسم الخصب ... يزداد بداخلك هذا التوهج. يحرك مخيلتك ويملؤك عطرا يثير بداخلك كل الرغبات .... تجتاحك الرغبة لفعل ما .... تقودك قواك المتحفزة .. وتندفع بكليتك بإزميلك الذي ألفته أصابعك .. ومطرقتك التي أكلت من لحم يديك تندفع بكليتك .... تزرع في رحم الرخام البكر ... جزءا منك يتفجر تشكيلا .... ويتوهج. بين الكتلة والفراغ، بين الظل والنور، إيقاعات لا تنتهي ... بين السطح والسطح علاقات المحبين .. تتألق بجمالها تدفعني لأن أتلمسها ... وأشاركها النشوة أسمع همسي، أقترب ..... و أقترب أكثر ...؟! من هالة النور التي تسكن في الفراغ .. يأخذني عبق التسبيح، و نتوحد و نرتقي لنبلغ ... عتبات النور، حيث يتمدد الزمان إلى مداه ... إلى مداه يكفي هذا القدر من البوح .. حين تتلاقى الرغبة بالرغبة، و تسري نشوة التواصل ... ألقي أزاميلي .. ألقي يدي خارج كياني .. وأهدأ . أتمدد في سكون العمل.