بكل أريحية استجاب الفنان التشكيلي المغربي، الحسين طلال، لدعوة "المغربية"، إلى تسليط الضوء على المنجز الفني للراحلة الشعيبية، التي ساهمت بعطائها المتميز في الساحة التشكيلية المغربية والعالمية. في حديثه يكشف طلال بعض المحطات الأساسية في تجربة والدته، وعلى لسانه نعيد سيرة الشعيبية الحالمة. الحلقة السادسة الفنانة التشكيلية الراحلة الشعيبية طلال يستحضر الحسين طلال بعضا من أجواء طفولته، إذ أرسلته والدته الشعيبية إلى الكتاب وهو طفل صغير، وقاست والدته من أجل تربيته، وهي الأرملة، التي تركها زوجها وحيدة وقاصرا، إذ تزوجت في الثالثة عشرة من عمرها، برجل يكبرها بسنوات عديدة، يتحدر من مدينة ورزازات. كان والدي رحمه الله، حسب شهادة والدتي عاملا في إحدى المطاحن، إلا أنه توفي في حادثة، بعد سنتين من زواجه من الشعيبية، وتركني في ربيعي الأول. عانت الوالدة كثيرا عملت خادمة في بيوت الأجانب، من الفرنسيين وغيرهم الذين استقروا في مدينة الدارالبيضاء، ومارست حرفا عدة من أجل تربيتي. يقول طلال إنه ترعرع في حي غوتيي. بعد الدراسة الابتدائية، استطاع أن يحصل على "البروفي"، وفي تلك الفترة كانت تتوفر للحاصل على هذه الشهادة العديد من فرص الشغل، كالالتحاق بأسلاك التعليم، وقطاع الصحة، والأمن. لكن شاءت الأقدار أن يكون طلال واحدا من الفنانين التشكيليين الذين آثروا الصباغة عن كل هذه الوظائف. كانت العلاقة التي جمعت أسرة طلال الصغيرة بالفنان التشكيلي أحمد الشرقاوي، الذي عرف بالشعيبية في الأوساط الباريسية، جسرا نحو أوروبا وتحديدا فرنسا، مدينة الجن والملائكة، التي قرأ عنها طلال في الروايات الفرنسية، إلى جانب الطفرة الفنية التي شهدتها في ذلك العهد، ما حمس الفتى، وهو حد اليفاع، إلى حزم حقائبه صوب فرنسا. وصل إلى الديار الفرنسية، حاملا معه الأماني ودعوات الوالدة الشعيبية طلال، التي عز عليها الفراق. استقبله ابن أبوالجعد بحفاوة لا تعز عن الوصف، وكان طلال ضيفا عزيزا على الشرقاوي، الذي صنع اسما في عالم الفن، وتحت سماء باريس صقل طلال موهبته الفنية وهو ينتقل من مرسم إلى آخر، ومن صديق إلى آخر. إنها حياة الألوان الباردة. باريس قبلة أهل شمال إفريقيا، في مقاهيها يحتدم الجدل حول هذا الاتجاه وذاك، وكان الحي اللاتيني يوضح طلال، مرفأ الذاكرة ومجمع الكتاب والمفكرين والتشكيليين المغاربيين وغيرهم، حول جديد الساحة الفرنسية سواء في الأدب أو الفكر، وحتى في السياسة. الكل يبدي رأيه بكامل حريته. إنها بلاد الحرية والأفكار. في باريس يقول طلال إنه نظم أول معرض له خارج المغرب عام 1967، بجهود الراحل أحمد الشرقاوي، الذي كان يدبج بخطه الجميل، برقيات الدعوات لافتتاح المعرض. نجح المعرض بفضل الشرقاوي، الذي كثيرا ما كان يقدمني للنقاد والزائرين، ويقول لهم إننا "اثنان في باريس".