طالب الخبراء، في ندوة دولية نظمها الاتحاد المغربي للشغل، بمشاركة مع مركز الأبحاث والدراسات عزيز بلال، أول أمس السبت، بالرباط، تحت عنوان "النماذج الاقتصادية: الواقع والآفاق"، بالتفكير بنهج نموذج اقتصادي يتماشى مع عالم في حركية دائمة، معتبرين أن أي نموذج اقتصادي يجب أن يقوم على نظرة شمولية، ويبتعد عن النظرة القطاعية غير المتناسقة، رغم أهمية الهيكلة القطاعية في هذا النموذج. وسجل ميلودي موخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، أن مؤهلات المغرب، المتمثلة في الثورة السمكية، والمعادن، وأول مصدر ومنتج للفوسفاط في المنطقة، وثروة الموارد البشرية، لا تنعكس على النمو الحقيقي. وقال "رغم وجود كل هذه المؤهلات، إلا أننا نعاني ضعف معدل النمو، والنموذج الاجتماعي والاقتصادي الذي ننهجه لا يعطي أهمية للتنمية، وموارد المغرب غير موزعة بشكل جيد، وتستفيد منها قلة مميزة، تجعل بتصرفاتها من اقتصادنا اقتصاد ريع". وبعد أن ذكر بالخطاب الملكي، الذي سجل أن الفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون غنى، طالب موخاريق باقتصاد ومجتمع عادل ومتضامن. من جهته، اعتبر العربي الفردوسي، من جمعية الاقتصاديين المغاربة، أنه لا يمكن بناء نموذج اقتصادي إذا لم تتوفر نظرة عن مؤهلات البلد ومعرفة واقعه، مشيدا بانفتاح الاقتصاد المغربي على العالم مع الحفاظ على جذوره الإفريقية، ومشددا على أن النموذج الاقتصادي يجب أن ينطلق من رؤية شمولية، بدل الاقتصار على رؤية قطاعيىة غير متناسقة في معظمها. في السياق نفسه، يرى حمد أوبلا، من مركز عزيز بلال للدراسات، أن كل المؤشرات تؤكد أن النمو الحقيقي للمغرب كان يجب أن يكون بين 8 و9 في المائة، بالنظر إلى المؤهلات التي يتوفر عليها، مبرزا أنه رغم الإمكانيات الهائلة، إلا أن المغرب ما زال يعاني ضعف معدل النمو، بسبب غياب أو التأخر في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وهيمنة اقتصاد الريع والممارسات غير المحفزة للنمو، ودعا أوبلا إلى ضرورة إصلاح منظومة التعليم، بما يجعلها تتماشى مع متطلبات سوق الشغل. أما محمد برادة، وزير سابق للاقتصاد والمالية، ورئيس سابق لمركز الأبحاث "لانكس"، وسفير سابق للمغرب، ومدير عام سابق للمكتب الشريف للفوسفاط، والخطوط الملكية المغربية، فقدم لمحة عن السياسات التي نهجها المغرب في المجال الاقتصادي منذ الثمانينات، مبرزا أن المغرب فتح، خلال هذه الفترة، العديد من الأوراش، اعتمد خلالها على سياسة الاقتراض. واعتبر برادة أن الاصلاحات الهيكلية يجب أن تقوم على سياسة متواصلة لكل الحكومات المتعاقبة، وأن سياسات الحكومات المتعاقبة كانت قصيرة أو متوسطة المدى. وأضاف أن السياسة الاقتصادية يجب أن تنجز في نظرة شمولية ومحلية، وأن الإصلاحات القطاعية مهمة، لكنها تبقى خطيرة إذا لم تكن في نظرة شمولية، وأن السياسة المنفتحة، التي ينهجها المغرب في التجارة الخارجية، عبر توقيع اتفاقيات التبادل الحر واتفاقيات التبادل الثنائية، لم تراع ما إذا كانت المقاولات المغربية قادرة على المنافسة الدولية. كما شدد على أن الاهتمام بقطاع واحد كقطاع البناء والفندقة لن تكون له انعكاسات على باقي القطاعات الأخرى، وأن كل سياسة يجب أن تستجيب لحاجيات الاقتصاد. وبعد أن تطرق لسياسات القطاعية، التي تقوم على التركيز على القطاع الثالث، وكذا مبادرة بنك المغرب، ووزارة الاقتصاد والمالية المتعلقة بترجيحات سلة العملات، قال برادة إن "المغرب ليس وحده، ويجب تحديد استراتيجية، لأن العالم في حركية دائمة"، مشددا على ضرورة الابتعاد عن معالجة القضايا اليومية والتفكير في كيفية ليتلاءم المغرب مع هذا العالم. وتطرقت الندوة، التي نشطها خبراء مختصون من المغرب وخارج المغرب، إلى مجموعة من النماذج الاقتصادية المبنية على الليبرالية الجديدة، التي فرضت نفسها منذ ثمانينيات العقد الماضي، والتي تدعمها الولاياتالمتحدة والمؤسسات المالية الدولية، داعين إلى أنجاز تقييم موضوعي لأداء هذه النماذج وإبراز مواطن قوتها وضعفها.