كسبت رئيس الجبهة مارين لوبن رهانها على تحويلها الحزب الأول في فرنسا، بنيلها 28.1 في المائة من الأصوات، واحتمال سيطرتها على 6 من المجالس الإقليمية 13 في الدورة الانتخابية الثانية المرتقبة الأحد المقبل، بينها إقليم نور بادوكاليه حيث تصدّرت لوبن المتنافسين. وأظهرت الجبهة عبر هذه النتائج، أنها الأكثر قدرة على الاستفادة من استياء الناخبين الفرنسيين، مقارنة مع حزب الجمهوريين اليميني المعارض الذي حلّ ثانيا (27.5 في المائة)، متقدما الحزب الاشتراكي الحاكم (23.5 في المائة). وأكدت نتائج الدورة الأولى فوز "الجبهة الوطنية" العنصرية والشعبوية، وخسارة اليمين المعارض واليسار الحاكم، ما أتاح لها أن تفرض نفسها طرفا أساسيا في خريطة القوى السياسية، والتي كانت محكومة بمعادلة التناوب على الحكم بين قوتين تقليديتين، هما اليسار واليمين. وواضح أن مجزرة باريس التي أوقعت 130 قتيلا في 13 نونبر الماضي، كانت مؤثرة في أذهان الناخبين، وهذا ما انعكس ارتفاعا في نسبة التصويت، إذ بلغت 49.5 في المئة، بزيادة 4 نقاط عن الانتخابات الإقليمية عام 2010. لكن المجزرة، وأسلوب الحكم الاشتراكي في التعامل معها، ساهما في الحدّ من خسارته المتوقعة، نظرا إلى استياء شعبي من أدائه الاقتصادي، وعدم تحقيقه نجاحا في معالجة البطالة والضائقة الاجتماعية. لكن الاشتراكيين مهددون بخسارة أحد معاقلهم التاريخية، وهو المجلس الإقليميلباريس، إذ تقدّمت مرشحة "الجمهوريين" الوزيرة السابقة فاليري بيكريس على المرشح الاشتراكي كلود بارتولون الذي يرأس البرلمان الفرنسي. كما أن إمكان اعتمادهم على سائر أطراف اليسار يبدو معدوم الفائدة، بعد تقهقر هؤلاء، من أنصار البيئة وشيوعيين الذين اقتصرت نسبة الأصوات التي نالوها على أقل من 5 في المائة. وتبقى الضربة الأقوى هي التي تلقاها «الجمهوريون» الذين حالت انقساماتهم والحملة الانتخابية غير المجدية التي خاضها زعيمهم، الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، دون جذب الناخبين إليهم، لا بسبب الخوف من الإرهاب ولا بسبب المشكلات الاقتصادية. المؤكد أن ما عبّر عنه الناخبون في استحقاقات انتخابية سابقة، شكّل مجرد إنذار موجّه إلى الطبقة السياسية التقليدية التي أظهرت قدرا من الصمم ولا مبالاة لما يريده الناخبون. لكن ما كان مجرد إنذار، يكاد يكون واقعا الآن. الإنذار الأعنف كان الذي عبرت عنه انتخابات الرئاسة عام 2005، حيث اضطر الرئيس السابق جاك شيراك إلى مواجهة الرئيس السابق ل «الجبهة الوطنية» جان ماري لوبن، في دورة ثانية، بعد هزيمة المرشح الاشتراكي آنذاك ليونيل جوسبان. ثم توالت الإنذارات واكتسبت طابعا أكثر جدية، مع انتقال زعامة الجبهة إلى مارين لوبن التي رسمت لها صورة أكثر مرونة، من دون أن تتخلى عن طروحاتها المتطرفة والمعادية لكل ما هو مختلف. وعلى رغم ذلك، فشل اليسار واليمين على حد سواء في استخلاص العبر، وهما مستمران في الحديث عن ضرورة محاربة «الجبهة الوطنية» بعد الاستحقاقات الانتخابية، وفي إهمال معالجة المشكلات التي غذّت شعبية الحزب اليميني المتطرف.