سنوات طويلة والأبحاث والدراسات تحذر من سوء استخدام الأطفال للشبكة العنكبوتية، ومن انتشار إدمان الإنترنت بين الأبناء، الأمر الذي أدى بأبرياء في عمر الزهور إلى العزلة الاجتماعية واضطرابات النوم ومشاكل دراسية ونفسية كثيرة.وتتعالى صرخات الأسر، التي لم تعد تستطيع السيطرة على الأبناء، إذ بحكم الحاجة وضرورة الاستعانة به في إنجاز الكثير من البحوث المدرسية، اضطر الكثير من الآباء إلى الاشتراك في الشبكة العنكبوتية، تسهيلا لمأمورية أبنائهم وفي الوقت نفسه، إتاحة الفرصة لهم للتسلية في أوقات الفراغ تفاديا للخروج إلى اللعب في الشارع. لكن، يبدو أن إدمان الأطفال على الجلوس قبالة الكمبيوتر لساعات طوال حد من الجوانب الإيجابية للانترنيت، وأدخل الآباء في حيرة كبيرة من أمرهم. فلا مجال اليوم لإلغاء هذا الاشتراك، ولا سبيل لهم لوضع حد لاستعماله، وإلا خرج الأطفال إلى المقاهي الكثيرة والمتعددة في الحي الواحد. والمشكلة الحقيقية ليست في تعريف الأطفال بمدى خطورة تعلقهم بالإنترنت، ولكن في مدى معرفة أولياء الأمور أنفسهم بهذا الخطر، فوعي الأب والأم بهذه الخطورة تتحدد على أساسه كيفية تعاملهم مع الأبناء. ويحاول الكثير من الآباء ترشيد استخدام الانترنيت، فمنهم من يساوم أبناءه بأن يتيح له فرصة استعمال الإنترنيت مقابل التفوق في الدراسة، وإلا حرم منه إلى الأبد، غير أنه حتى هذه الوسيلة لا ينجحون فيها في غالب الأحيان، لأن الآباء في العصر الحالي أصبحوا ضعفاء أمام متطلبات أبنائهم، ويتخوفون من ردود أفعالهم التي لم يعد من الممكن التحكم فيها، كالهرب من المنزل مثلا، أو إهمال الدراسة بشكل نهائي، أو التعامل بكل عدوانية مع من في البيت... تقول رشيدة، أم لثلاثة أطفال "تجربتي كانت موفقة إلى حد ما حين كان من الضروري أن يقسم أبنائي الثلاثة الوقت لاستعمال الإنترنيت، لهذا لم يكن ممكنا قضاء اليوم كله أمام الحاسوب، وفي الوقت الذي يجلس أحدهم يضطر الآخران إلى إنهاء واجباتهما المدرسية. الوضع لا يخلو من بعض المشاجرات في ما بينهم، لكن أتمكن من السيطرة على الأمر بتهديدهم بإلغاء الاشتراك بصفة نهائية. وهذا عقاب لا يتحملونه كما لو كنت سأمنعهم من الهواء والتنفس". حال رشيدة يختلف عن سمية التي تعاني الأمرين، دون أن تتمكن من فعل شيء لحل مشكل إدمان الأطفال للإنترنت. تقول سمية:" ابني لم يعد يرغب في الحديث إلى أصدقائه، وأصبح صديقه الوحيد هو تلك الشاشة التي تطرح أمامه كل شيء رغب فيه، أغاني، ألعاب إلكترونية أغنته عن تلك التي نشتري له في كل مناسبة، وحتى أصدقاء وهميين جدد من كل العالم.." وأثبتت نتائج استطلاع أجراه باحثون دوليون من منظمة تهتم بالأطفال أن 70 في المائة ممن يقضون أوقاتا طويلة، بشكل منفرد، مع شبكة الإنترنت، تأثرت سلبا مهاراتهم الاجتماعية، بحيث أصبح من الصعب على الأطفال التفاعل مع بعضهم البعض، ما جعلهم يقومون بسلوكيات سيئة وغير اجتماعية، كما لجأ بعضهم لاستخدام أسلوب الترهيب والعنف والقوة في التعامل، بدلاً من أسلوب السلام والتعايش بأمان. إن مساوئ استخدام الإنترنت أكثر من مميزاته، وهذا ما يؤكده أخصائيو علم الاجتماع ، الذين يشيرون إلى أن انشغال الطفل، واندماجه مع الإنترنت، وإهدار الكثير من الوقت، يأتي على حساب علاقاته الاجتماعية والأسرية، ومع الوقت ينسى الطفل هذه العلاقة بين والديه وإخوانه، ومن ثمة يترتب على الأمر شعور الطفل بالأنانية والفردية والبعد عن المشاركة الاجتماعية، وهذا يخلق جيلا فاقدا لمهارات التواصل الاجتماعي، إلى جانب التشتت وعدم الانتباه وتلفظه ه بألفاظ بذيئة وانخفاض مستواه التحصيلي والدراسي، لتصبح ورقة امتحانه كلها أخطاء بسبب تعوده على كتابة الكلمات بشكل مختصر كما هو مستعمل في لغة الشات التي ابتدعوها، لتسهيل التواصل.