تغير مفاجئ.. هكذا نشرت قناة "فرنسا 3" خريطة المغرب    فلقاء الخطاط مع وزير الدفاع البريطاني السابق.. قدم ليه شروحات على التنمية وفرص الاستثمار بالأقاليم الجنوبية والحكم الذاتي    مجلس المنافسة كيحقق فوجود اتفاق حول تحديد الأسعار بين عدد من الفاعلين الاقتصاديين فسوق توريد السردين    برنامج "فرصة".. عمور: 50 ألف حامل مشروع استفادوا من التكوينات وهاد البرنامج مكن بزاف ديال الشباب من تحويل الفكرة لمشروع    الغالبية الساحقة من المقاولات راضية عن استقرارها بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    أول تعليق من الاتحاد الجزائري على رفض "الطاس" طعن اتحاد العاصمة    جنايات الحسيمة تدين "مشرمل" قاصر بخمس سنوات سجنا نافذا    خلال أسبوع.. 17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة بتطوان    طابع تذكاري يحتفي بستينية السكك الحديدية    مقتل فتى يبلغ 14 عاماً في هجوم بسيف في لندن    الأمثال العامية بتطوان... (586)    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة على بساط التاريخ
القاهرة مدينة الألف مئذنة و20 مليون ونصف مصري
نشر في الصحراء المغربية يوم 20 - 10 - 2009

زيارة مدينة القاهرة، عاصمة جمهورية مصر العربية، كلها سحر وجمال، تسافر بزائرها في رحلة تاريخية على بساط يحط في عدد من الحقب والأزمنة التاريخية، التي شهدتها شوارع وأزقة المدينة.مدينة ساحرة لا يكاد يخلو فيها مكان من قصة تاريخية، تؤكد عظمة الحضارة، التي عاشها سكانها وحكامها في السنوات الخوالي، ببنيانها وعمارتها الإسلامية والبيزنطية والمماليكية والعثمانية والبريطانية، شامخة صامدة تبهر عين زائرها الأول.
هي مدينة يستوطنها أكثر من 20 مليون ونصف المليون مصري، إلى جانب جاليات عربية من جنسيات مختلفة، يستهويهم العيش فيها لطيبة سكانها. القاهرة تسحرك لتعود لزيارتها مرات متكررة، ولذلك يقول المصريون لزائريهم "إذا شربت من ماء النيل لا بد وأن ترجع".
أكثر ما يثير الانتباه عند دخول مدينة القاهرة، فوضى السير والجولان، وزحمة الشوارع والأزقة، واكتظاظها بالسيارات والحافلات، ومحافظتها على سيارات قديمة "طاعنة في السن"، إلى جانب جدرانها "الحزينة" غير المبيضة، لكن غنى تاريخها وعمق ثراثها يجعلان منها المدينة الجميلة التي تستحق الزيارة، على الأقل لرؤية نهر النيل والمواقع التاريخية ومتابعة كيف يعيش المصريون ببساطة يبحثون على أي فرصة للاستمتاع بالحياة والتغني بجمالها ومبادلة بعضهم البعض لعبارات الحب والعشق والتودد.
إليكم مسار الرحلة:
"زحمة يا دنيا زحمة" في القاهرة
الحديث عن زحمة المواصلات في مدينة القاهرة، الذي تنقله الشاشة المصرية إلى شعوب البلدان العربية من خلال أفلامها ومسلسلاتها، يظل قاصرا، في نظري، عن نقل الصورة الكاملة عن الظاهرة، التي تكاد تميز هذه المدينة عن غيرها من مدن الدول العربية الأخرى، موازاة مع عدد سكانها الذي يزيد عن 20 مليون مواطن مصري إلى جانب مقيمين عرب من جنسيات مختلفة. فالصورة الواقعية للظاهرة، هي أكثر بلاغة لتعري عن حقيقة المصاعب التي تواجهها المدينة للتحكم في السير السلسل لأكثر من مليوني سيارة، حسب ما أطلعنا عليه أحد مرافقينا في زيارة القاهرة، حيث تسير السيارات دون توقف على مدار 24 ساعة، وإن كانت حدتها تنخفض ما بين الساعة 2 و6 صباحا من كل يوم.
هي سيارات تسير في محاور وملتقيات متعددة، بدت جميع القناطر المشيدة لهذا الغرض والطرق الدائرية الشاسعة، عاجزة عن التخفيف من حدتها، ومن امتصاص سيلها المتدفق على مدار الساعة، ما يتسبب في اختناق حركة السير ونشر التلوث السمعي والهوائي الذي يصعب تحمله. وفي نظرة بانورامية للمدينة من مبنى عال، ظهر أصحاب هذه السيارات وكأنهم يفرون من خطر مجهول يلحق بهم من الخلف، فيطلقون منبهات سياراتهم، التي تصبح أشبه بصفارات إنذار لتفادي خطر على وشك الوقوع، فيسارع بعضهم البعض للظفر بالنجاة والوصول إلى نقطة الأمان، إلى حد تكاد تلتصق السيارات ببعضها ببعض، ما يحدث صخبا كبيرا يصعب تحمله نفسيا وسمعيا.
وأكثر ما يسترعي الانتباه، أن سيارات الإسعاف لا تعرف لنفسها مخرجا وسط هذه الزحمة، إذ لا يشفع صوت منبهها في لفت انتباه سائقي السيارات لمنحها الأولية في المرور، فيظل صوتها مدويا وسط الزحمة، وهو الموقف الذي يثير الشفقة على المريض ومرافقيه، فالأمر ليس له صلة بعناد أصحاب السيارات، ولكن لأن هؤلاء يجدون أنفسهم، بدورهم، تحت إكراه زحمة الطريق، وبذلك فإنه لا يبقى أمام سائق الإسعاف إلا الصبر إلى حين العثور على مسلك نافذ.
ونظرا لثقل الظاهرة على نفوس "القاهريين"، فإن كثيرا من الفقرات الإذاعية للمحطات القصيرة المصرية التي كنا نستمع إليها في السيارة، كانت لا تكف عن استفسار المتصلين بها في برامج ترفيهية غنائية عن أحوال الطريق ومستوى تدفق سيل السيارات في الجهة التي يتحدث منها المستمع، رغم أن ذلك ليس له صلة بموضوع الفقرة.
وفي جولة عبر شوارع القاهرة، اتضح جليا كيف أن مسؤولي المدينة خصصوا استثمارات مهمة لبناء الطريق الدائري، الذي يربط الجماعات الحضرية للقاهرة، أو المحافظات، كما يطلق عليها محليا، للتخفيف من زحمة سير السيارات داخل المدينة وضواحيها. يظهر تصميمه على شكل أدوار وطبقات، أجزاء مهمة منها تصل إلى مستويات عليا، تصل إلى شرفات شقق الطوابق الرابعة من بعض العمارات المطلة على هذه الطرق الدائرية، ناهيك عن القناطر المبنية، أو ما يسمى ب"الكبري" عند المصريين، التي تظهر وكأنها طرق سيارة، مبنية فوق دعامات أساسية ضخمة ترفعها فوق نهر النيل. ورغم كل هذه البنيات التحتية، التي تظهر قوية، فإنه بدا من الصعب بلوغ الشخص إلى مقصده في ظرف زمني يقل عن ساعة، لمسافة لا تتجاوز 5 إلى 8 كيلومترات.
ومن المواقع التي يهرب منها مستعملو السيارات، الطريق المؤدية إلى منطقة "سيتي ستارز"، حيث يوجد مركب تجاري ضخم، ومجمع التحرير، وكوبري 6 أكتوبر، وشارع الهرم، ومدينة نصر ومصر الجديدة.
ومن الطرائف التي تخللت حديثنا مع بعض المصريين، أن زحمة طرق القاهرة، هي إحدى نقط جذب السياح إلى المدينة للتعرف على مستواها، ولرؤية شوارعها، بالعين المجردة، كيف تتكدس ممراتها بالحافلات المتهالكة والقديمة النوع وبالسيارات التي تتسابق في ما بينها وكأنها في حلبة تنافس شرسة. والأمر لا يخلو من تعب لنفسية السائقين، إذ يظهر على أصحابها أنهم متعبون ومرهقون نفسيا، حواجبهم مقطبة والعرق يتصبب من على جبينهم، إلا أن الملاحظة الجميلة أنهم يحتفظون بهدوئهم ويتبادلون الشتائم أو الكلمات النابية، وإن ضجر أحدهم فإنه ينادي على صاحبه "يا عم طب ما تفك سكة خلينا نروح ربنا يرضى عنك".
وفي الساعات المتأخرة من الليل، يتحول مستعملو السيارات إلى "كواسر"، إذ تخف حركة سير السيارات، فيسعون إلى السياقة بسرعة فائقة، قليل منهم من ينضبط لإشارة الضوء الأحمر، رغم ما يتهددهم من غرامة مالية بعد التقاط صور لهم بكاميرا رقمية مثبتة في الشوارع. ومن عجائب الأمور، أننا لم نلاحظ ارتكاب حوادث سير متكررة، باستثناء واحدة، أصيبت خلالها سيارة أجرة من النوع الأبيض والأسود بأضرار في حاجزها الأمامي دون أضرار بشرية.
الحب فوق "كبريهات" النيل
يمكن أن نطلق على مدينة القاهرة، مدينة "الحب" أو "الأحبة"، بسبب طيبة تعامل الرجال مع النساء، وإغراقهم بالكلمات الجميلة المسهبة في التودد إليهم بتعابير لا تخلو من تبادل الحب والعشق، وهو ما تعرفنا عليه من خلال استراقنا السمع لبعض المكالمات بين أزواج ونسائهم، وهم يتناولون وجبة عشاء أو غذاء في مطاعم خارج البيت، إلى جانب متابعتنا لمشاهد جميلة لرجال يستمتعون بعناق زوجاتهم اللواتي يرافقتهم في رحلة تبضع في محلات تجارية، مصحوبات برضعهن.
عبارات الحب والتودد يتبادلها أيضا العشاق، الذين يتوافدون على القناطر العابرة للنيل أو ما يطلقون عليه محليا "الكوبري"، حيث يتخذون منها فضاء لاقتناص لحظات حب وتبادل مشاعر الغرام وسرقة بعض القبلات والأحضان بعيدا عن أعين المارة. ترى شبابا وفتيات، مصطفون على طول شريط "الكوبري"، بعض الأحبة منهم يحتضنون بعضهم البعض، وآخرون يكتفون بتشابك أيديهم، يقفون في وضعيات رومانسية، لا يعيق الحجاب الفتيات المحجبات، خلالها، عن التعبير عن مشاعر حبهن لمعشوقيهن.
ففي القاهرة يوجد شارع يطلق عليه بعض المصريين شارع "الحبيبة"، فيه يبحثون عن الهدوء والأضواء الخافتة، تراهم وكأنهم يناجون النيل ليشاركهم عواطفهم، لا يجرؤ أحد على مضايقتهم حتى في ساعات متأخرة من الليل، إلا بائعات الورد اللواتي يحرجن الذكور لدفعهم، تحت الضغط باستعمال كلمات جميلة، مثل "ربنا ايراضيكم، ربنا ما يحرمكم من حبكم الجميل، دي حثت باقة ورد هدية مني لحبيبتك"، وهي طبعا ليست هدية مجانية لكنها طريقة الباعة لدفع الأحبة إلى شراء باقة الورد لإرضاء حبيباتهم مقابل حصولهم على جنيهات غير محددة من قبلهم.
ومن أكثر "الكبريهات" اكتظاظا بالأحبة، "كبري قصر النيل"، إذ يقصده الأحبة، من العرائس الجدد، الذين يأتون لأخذ صور تذكارية بعد نهاية حفلة الزواج، مرفوقين بأقربائهم الذين لا يكفون عن الزغردة والتطبيل وفتح المجال للرقص أمام العروس والعريس. ناهيك عن أن هذا "الكبري"، هو ملتقى حقيقي لشباب وشابات يتلمسون خطواتهم الأولى في عالم الحب، حيث يستمتعون بنسمة هوائه العليل الملطفة للحرارة المرتفعة في القاهرة، وللنظر في المياه المتلاطمة لنهر النيل، يتأملون في المراكب العائمة في النهر التي تحمل على مثنها سياحا أجانب، يرقصون على نغمات موسيقية مصرية وهم يداعبون بأيديهم مياه النيل.
ويزيد من جمال " كبريهات قصر النيل"، تصميمه البارع وإحاطته بأربعة أسود ضخمة وسوداء، كتب على تمثال الأسود أنها "كبري" الخديوي إسماعيل، نسبة إلى أنه من قرر بناءها، وهو "كبري" يتوسط العاصمة ويطل على كل من برج الجزيرة والأوبرا وجامعة الدول العربية والفنادق الكبرى.
وزيارة هذا المكان غير مقتصرة على الأحبة، الذين يرسمون مخطط دخول القفص الذهبي، وإنما هو فضاء رحب أيضا للأحبة بين مكونات جميع أفراد الأسرة المصرية، الذين يفدون للجلوس على كراسي بلاستيكية، يأكلون بعض الوجبات الشعبية الأكثر شهرة في مصر مثل الطعمية، وهم يتجاذبون أطراف الحديث، يضحكون ويستمتعون برؤيتهم لنهر النيل العظيم.
خان الخليلي.... سوق بيع
للتسوق واقتناء بعض التذكارات، لا بد من التوجه إلى متاجر حي خان الخليلي، حيث تتنوع محلات بين تماثيل الملوك الفراعنة، من "رمسيس" و"أخناتون" و"توت عنخ" وأسماء أخرى لم نستطع حقيقة فهم معانيها أو حتى نطقها فور سماعها من باعة "الخان"، الذين يتميزون بفن بيع سلعهم بطريقة لا تخلو من الحيلة المغلفة بكلمات الترحيب والتعبير عن الحب، وبقدرتهم الكبيرة على إقناع الزبون لخبرتهم في فن البيع، دون أن تفارقهم الابتسامة ودون أن يتسلل إليهم الملل من المفاوضات العسيرة التي يخوض فيها المشتري، فلا يكل البائع من دفق عبارات المدح في جودة بضاعته التي يقول إنها صنعت خصيصا لأصحاب الذوق الرفيع ومحبي الصنع اليدوي "مثلك يا باشا" أي الزبون الواقف أمامه.
زيارة خان الخليلي، أضحت تحت أعين وحراسة رجال الأمن المصريين، المدنيين وبالزي العسكري، الذين يضعون حواجز أمنية والمرور عبر كاميرات الرصد الإشعاعي للتأكد من خلو الوافدين من حمل أي مواد خطرة، لتجنب أي أعمال إرهابية، وعلمنا أن المنطقة، كانت هي آخر نقط تفجيرات مصر، حين توفيت طفلة فرنسية بينما أصيب والداها بجروح متفاوتة الخطورة.
ولأزقة خان الخليلي طعم خاص خلال الليل، إذ تكتظ ممراته وجوانبه ومداخله بالزوار الأجانب والمحليين، تستقبل محلاته التجارية العتيقة ومطاعمه الشعبية، عددا كبيرا من السياح، إلى جانب سكان القاهرة الذين يفدون للاستمتاع بالهواء العليل الذي تنثره زهور الحديقة المجاورة لمسجد خان الخليلي.
وإلى جانب السياح، ينتشر عدد من أطفال القاهرة، الذين ينتمون، حتما إلى أسر فقيرة، يتوزعون على مقربة من المسجد يحملون لوحات خشبية مستطيلة مملوءة بالخبز المصري "العيش"، ويحاولون إقناع بعض الزوار بشرائه وبيعه للفقراء الجالسين على أبواب المسجد لكسب مزيد من الأجر والثواب، وهو ما حدث فعلا مع أحد مرافقاتنا في زيارة خان الخليلي.
ومن عجائب هذا الحي، أنه يحمل زائره في رحلة سفر إلى التاريخ القديم لمصر، عبر التطلع والتمعن في معمار وبنايات شوارعه وأزقته، التي تبدو شامخة عظيمة وزاهية، كثير من واجهاتها مزركشة بأبهى الألوان الممزوجة بمادة النحاس، ناهيك عن جمال المقاهي العتيقة التي تسمح للزائر باحتساء مشروب مصري فوق كراسي خشبية قديمة، ومجالسة نساء ورجال يمتصون الشيشة أيما امتصاص.
مدينة "الألف مئذنة"
ما إن يحين موعد أداء الصلوات في القاهرة حتى ترفع أصوات المؤذنين بالتكبير والدعوة إلى أداء الصلاة، بأصوات شجية ورخيمة تريح أذن المستمع إليها، فيغطي صوتها، الذي ينطلق دفعة واحدة، على كثير من الضوضاء التي تحدثها منبهات السيارات في القاهرة، فتقلل من صخبها، وتمنح المدينة لحظات قصيرة يتفوق فيها صوت المؤذن على صوت "زعيق" السيارات، كما يطلق على ذلك المصريون أنفسهم.
وأثار انتباهنا تميز القاهرة بتعدد مآذنها، بسبب احتوائها على عدد هائل من المساجد والجوامع التي يرتادها المسلمون في صلاتهم، لدرجة أنه كان من الممكن القول إنه لكل زقاق أو عمارة مأذنته، ولذلك فهمنا لماذا كان يقول لنا بعض المصريين "مرحبا بكم في مدينة الألف مئذنة"، إذ هو اللقب الذي تشتهر به العاصمة، كناية على كثرة مساجدها.
وليس من الصعب على من طاف بشوارع وأزقة القاهرة أن يعرف من أين جاءت هذه التسمية، لأنه يرتبط بإقبال جميع الحكام الذين تعاقبوا على تدبير أمور مصر، والذين اتخذوا من القاهرة عاصمة لهم، أن يشيدوا المساجد ويطلقوا عليها أسماءهم، إما ابتغاء مرضاة الله أو لتخليد أسمائهم، هذا إلى جانب اهتمام الإنسان المصري بعمارة المساجد، لوقوفنا على وجود مساجد تحت عدد من العمارات السكنية، حسب ما فهمناه من شروحات بعض مرافقينا من المصريين.
وتختلف مآذن مصر كثيرا عن المآذن الموجودة في المغرب، لتكونها من عدد من الأجزاء، من مدخل يكون داخل الصحن ثم من درج الصعود، الذي عادة ما يكون حلزونيا داخليا يدور حول محور المئذنة، ويصل إلى الجزء الثالث وهو الشرفات المرتفعة التي تحيط ببدن المئذنة، ثم يأتي الجزء الرابع للمئذنة وهو"الجوسق" تعلوه قبة المئذنة التي تنتهي بهلال تتجه فتحته نحو القبلة.
وتمنح هذه المآذن نورا يزيد بريقها جمالا على المدينة بعد أن يرخي بضلاله على القاهرة كلها، فيمنحها جمالا خاصا، لدرجة أن الجنبات والباحات المحيطة بالمساجد تتحول إلى قبلة سياحية، يأخذ منها المصريون والسياح الأجانب، مكانا للاستجمام فيحدث ذلك رواجا تجاريا يستفيد منه أصحاب محلات الأكل وبيع التذكارات لترويج منتوجاتهم.
ومن المساجد التي استطعنا زيارتها، مسجد السيدة زينب، التي يعتبر الحي الذي يقع فيه قبرها من أشهر الأحياء الشعبية بالقاهرة، وهو حي يكتظ بالمقاهي ومحلات بيع الوجبات الشعبية المحلية، كان يتهافت عدد من الأجانب والعرب لأخذ صور تذكارية لها، وهو من المقابر المشهورة في القاهرة إلى جانب مسجد "سيدنا الحسين".
وأتيحت لنا فرصة زيارة مسجد محمد علي داخل قلعة صلاح الدين الأيوبي المثيرة للإعجاب والاستغراب، لوجودها فوق ربوة عالية، تتسم بنايتها بالضخامة، وتمنح زائرها لحظات من العودة إلى التاريخ وتخيل الحملات العسكرية وركوب الخيل وإطلاق النار لمقاومة العدو، سواء خلال عصر المماليك أو زمن دخول نابوليون بونابارت الفرنسي إلى مصر. وأجمل ما في القلعة مسجد محمد علي، الذي تشد عمارته إعجاب زائريها العرب والأجانب، لتكونه من قبة شاهقة، مزينة بزخارف يختلط فيها العربي بالبيزنطي، وبعض المصريين حدثونا عن أن العديد من جنباتها مكسو بماء الذهب.
وقبل الدخول إلى مسجد قلعة صلاح الدين الأيوبي، كان لزاما على مرتاديه من الذين يرتدون سراويل قصيرة وأقمصة بأنصاف أكمام، أن يلبوا دعوة محافظي المسجد بارتداء رداء أخضر فضفاض، يسمح باحترام حرمة المسجد وقدسيته.
القاهرة.... معرض سيارات الستينات
أكثر ما يلفت انتباه الزائر لمدينة القاهرة، لأول مرة، استعمال كثير من المصريين لسيارات قديمة، يعود تاريخ عدد كبير منها إلى سنوات الستينات والسبعينات، إلى جانب تجول سيارات الأجرة ذات اللون الأبيض والأسود، شبيهة بتلك التي نقلتها مشاهد أفلام عبد الحليم وشادية. ومن هذه السيارات "فياط 128"، وفياط 131"، وسيارة "سيمكة"، و"فولزفاكن كوكسينيل" وسيارة مازدا لسنة80"، جميعها سيارات كلاسيكية تحمل عبق التاريخ معها لكنها صامدة في وجه تحديات الحداثة ومنافسة المنتوجات الجديدة، وتواصل مسيرها في شوارع القاهرة المزدحمة، وهي من السيارات التي من النادر وجودها في دول أخرى. إلا أنه من خلال الملاحظة بالعين المجردة، يتضح أنها لا تنفث أي نوع من الأدخنة، ولما استفسرنا على ذلك، فهمنا أن مرد ذلك إلى حرص مستعملي هذا النوع من السيارات على صيانة محرك سياراتهم وإلى جودة البنزين المستعمل لأجلها.
أما عن مرد استمرار استعمال هذه السيارات، فله مبرر موضوعي ذو صلة بالإمكانات المالية المحدودة لأغلب المواطنين المصريين وإلى كفاءة الميكانيكي المصري، الذي يتفوق في جعل السيارة قادرة على العمل على مدى سنوات طويلة، وغنى السوق الداخلي بقطع الغيار.
إلا أننا علمنا في ما بعد بوجود مشروع حكومي مصري يرمي إلى استبدال سيارات الأجرة بالأبيض والأسود بأخرى حديثة، مقابل تشجيع السائقين على أخذ قروض بنكية تشجيعية تتحمل فيها الدولة جزءا مهما من أداءاتها، وذلك بشراكة ما بين وزارة المالية والبيئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.