أخنوش يمثل الملك في القمة العربية بالمنامة    من ضمنها المغرب.. واشنطن تحث دولا عربية على المشاركة في قوة متعددة الجنسيات في غزة    الإيقاف والغرامة.. جامعة الكرة تصدر عقوبات تأديبية    شاب يقدم على وضع حد لحياته داخل غابة بطنجة    الحسيمة: تعبئة 10 ملايين درهم لإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء    النصيري على رادار مدرب إشبيلية السابق    مبابي يغيب عن مواجهة سان جرمان أمام نيس بداعي الإصابة    بعد إغلاق مكتب "الجزيرة"... قرار بوقف بث القناة في الضفة الغربية    خطير.. رئيس وزراء سلوفاكيا يتعرض لإطلاق نار (فيديو)    اختناق عشرات التلاميذ بالدار البيضاء    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العودة إلى موضوع "شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين"!    الدار البيضاء.. افتتاح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    وسط "تعنت" ميراوي .. شبح "سنة بيضاء" بكليات الطب يستنفر الفرق البرلمانية    إضراب كتاب الضبط يؤخر محاكمة "مومو" استئنافيا    "فيفا" ينظم أول نسخة لمونديال الأندية للسيدات    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    حماية ‬الأمن ‬القومي ‬المغربي ‬هو ‬الهدف ‬الاستراتيجي ‬الأعلى    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية الباراغواي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    فتح بحث قضائي حول تورط شرطي في ترويج الكوكايين    انتخاب المكتب التنفيذي للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    توسيع 6 مطارات مغربية استعدادا للمونديال    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار يتوقع نمو الاقتصاد المغربي ب3% خلال 2024    موريتانيا.. مقتل جنديين في تحطم طائرة تدريب عسكرية    مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    بما في ذلك الناظور والحسيمة.. 2060 رحلة أسبوعية منتظمة تربط المغرب ب135 مطارا دوليا        تأجيل القرار النهائي بشأن الغاز الطبيعي بين نيجيريا والمغرب    التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    تسجيل أزيد من 130 ألف مترشح بمنصة التكوين على السياقة    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    الفيفا يحسم موقفه من قضية اعتداء الشحات على الشيبي    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    قصيدة: تكوين الخباثة    زنيبر: رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمته المملكة    الجيش الملكي ومولودية وجدة يواجهان الدشيرة وأولمبيك خريبكة للحاق بركب المتأهلين إلى المربع الذهبي    معرض هواوي العالمي "XMAGE" ينطلق لأول مرة بعنوان "عالم يبعث على البهجة"    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    رسالتي الأخيرة    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    المنتخب المغربي يستقبل زامبيا في 7 يونيو    هل يتجه المغرب إلى تصميم المدن الذكية ؟    الأمثال العامية بتطوان... (598)    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    الأمثال العامية بتطوان... (597)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبيل بنعبد الله.. أو الفشل الذي يقود إلى النجاح
نشر في المساء يوم 07 - 06 - 2010

مثلما كان سلفه خالد عليوة قريبا إلى الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي في «الطبعة الأولى» لحكومة التناوب، كان بنعبد الله بدوره أقرب إلى الوزير الأول السابق إدريس جطو،
لكنه نسج علاقات متينة مع رجالات آخرين في مربع القرار السياسي والأمني. وما بين تجربة الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري وتخليص المشهد الإعلامي من احتكار الدولة، ستسعفه المحطات الجديدة في اضطلاع وزارة الاتصال بأدوار أكثر أهمية، ولو أن تجارب البلدان الديمقراطية تكاد تخلو من وجود وزارات للإعلام.
للمرة الأولى، يحتفل نبيل بنعبد الله بعيد ميلاده، مزهوا بحدثين مترابطين، استقباله من طرف الملك محمد السادس وانتخابه أمينا عاما لحزب «التقدم والاشتراكية». قد يكون توقيت الاستقبال الذي تم الأربعاء الماضي أتى بمحض الصدفة في الثاني من يونيو 2010، غير أن ميلاده في الثالث من يونيو 1959 يلقي بظلاله على ذلك الترابط، عندما يقارَن بأحداث أخرى مغايرة. فقد غادر البصري وزارة الداخلية للمرة الأولى والأخيرة في ذكرى عيد ميلاده أيضا، فيما آخرون تزيد أفراحهم إذ تقترن بالأعياد الشخصية.
الأكيد أن بنعبد الله لو احتفل بعيد ميلاده الواحد والخمسين في روما، وهو يحظى بمنصب سفير للمغرب هناك، لكان لفرحته طعم آخر. فقد أعلن الزعيم السابق لحزب التقدم والاشتراكية عن رغبته في عدم الترشح إلى ولاية جديدة، في وقت كان السباق سينحصر بين رفاق علي يعته في أسماء ووجوه لم يكن من بينها الكاتب الأول السابق للشبيبة الاشتراكية، نبيل بنعبد الله، لكنها صدف التاريخ تكتب الكثير من صفحاته في غفلة من الجميع. ويبقى أن التقدم والاشتراكية يكاد يكون الحزب الوحيد الذي اعتلى قيادَته جيل آخر من غير الرواد القدامى.
ثمة أحزاب تنحصر زعامتها في شخص واحد من المهد إلى اللحد، وثمة أخرى تغير قيادتها عبر «انقلابات» سياسية أو انشطارات توزعها إلى قبائل وأطياف، فيما يبقى تغيير النخب بطرق ديمقراطية تقليدا جديدا، من شأنه أن يؤثر في مسار العمل السياسي في البلاد، إن لم يكن هنا والآن، سيكون غدا، في ظل تطورات سياسية من نوع آخر.
نبيل وجطو
عندما وجد «الرفيق» الراحل علي يعته من يشاركه الحوار في البرلمان، بعد أن كان الممثل الوحيد لحزبه في انتخابات 1977، فهم كثيرون أن رفيقه في المقعد النيابي، إسماعيل العلوي، سيكون خليفته المنتظر، فيما عمل نبيل بنعبد الله، جاهدا، لكي يكون له المقعد الذي يتوق إليه في مجلس النواب، ولم يقدر على تحقيق ذلك، فقد عرف عنه أنه رجل «رهانات»، منذ أن كان من رواد «الرهان» الأسبوعي، وأدرك كثيرون أن رهاناته كانت أطول نفَسا وأكثر طموحا. فقد سبقه بعض رفاقه إلى الحقائب الوزارية في حكومة التناوب لعام 1998، لكنه كان الأكثر جدلا حين تولى منصب وزير الاتصال، الناطق باسم الحكومة في تجربة الوزير الأول السابق إدريس جطو، الذي تردد أنه كان أقرب إلى معطفه، ولو أن الأيام تغير في مصائر الرجال...
نبيل بنعبد الله ليس من جيل عبد الواحد الراضي أو عباس الفاسي، لكنه ينضم إلى جلسات الكتلة الديمقراطية باسم حزبه، فيما يتوارى إسماعيل العلوي, الذي صنع مع حليفيه ذلك الكيان السياسي, إلى الخلف، لإفساح المجال أمام آخرين. هل تصور بنعبد الله، يوما، أنه سيخلف خليفة علي يعته، أم إن غياب رجال أمثال عبد الله العياشي وعزيز بلال وندير يعته أسهم في تلميع صورة القادم الجديد إلى القلعة الشيوعية التي تدثرت بعباءات أكثر مرونة واعتدالا, منذ أصبح عنوانها «التقدم والاشتراكية»؟!...
ديمقراطيا، يستطيع بنعبد الله القول إنه جاء إلى قيادة حزبه ولم «ينقلب» على سلفه، كما فعل صلاح الدين مزوار... كما لم يتصيد الفرصة السانحة التي «اقتنصها» عبد الواحد الراضي... فحتى منافسوه على القيادة كانت عليهم مؤاخذات، ذلك أن سعيد السعدي، الذي اشتهر بخطته حول المرأة، لم يكن في وسعه أن يتخلص من تبعات تلك المعركة، فيما الوزير الناطق باسم الحكومة، خالد الناصري، ذهب إلى المؤتمر محاصرا بتداعيات قضية نجله التي جلبت عليه ركام متاعب كان في غنى عنها. ومع أن هذا الأخير لم يترشح أصلا، فإن وضعه الاعتباري داخل الحزب كان يؤهله لأن يرجح كفة هذا الطرف أو ذاك، لاسيما وأن مكتبه في وزارة الاتصال كان نبيل بنعبد الله قد حوله إلى «ملحقة» تابعة للحزب, عشية المؤتمر الثامن...
ذات مرة، التقى إدريس البصري مع رجل حزب الاستقلال العنيد محمد الخليفة. حدث ذلك صدفة في الرباط. وكان الخليفة قد أصبح وزيرا للوظيفة العمومية، أسر له البصري بأنه كان ضد تعيينه سفيرا للمغرب في العراق، وألمح له، بطريقة ما، إلى أن الذهاب إلى السفارة لا يكون دائما تشريفا، وإنما قد لا يخلو من أسلوب الإبعاد الذكي. فقد حدث ذلك مع ابن مراكش محمد الوفا، وقبله مع عباس الفاسي، الذي تدرج في سفارتي تونس وباريس.
إلا أن تجربة بنعبد الله في سفارة روما ستكون مختلفة، من حيث عدم المكوث هناك غير بضعة أشهر، ومن حيث أن العودة من روما عبدت الطريق أمام عودة أخرى إلى الواجهة، فقد عاد عباس الفاسي قبله إلى الرباط، ثم أصبح خلفا لمحمد بوستة، ثم وزيرا للتشغيل، ثم وزيرا أول. غير أن «الاستقلال» ليس هو «التقدم والاشتراكية»!...
الذين شاهدوا بنعبد الله يتهجى اللغة الإيطالية، بضعة أسابيع قبل تعيينه، رسميا، في منصب سفير المغرب في روما، لم يجل بخاطرهم أن اللغة تكتسب عبر التمرس وكثافة التلقين، فيما الممارسات الدبلوماسية ليست وقفا على ما يختزنه المرء وهو يشق المعابر الدبلوماسية. فقد كان الملك الراحل الحسن الثاني يسأل عن عقيلات سفرائه، قبل أن يسلمهم ظهائر الاعتماد، عدا أنه كان يهتم بأن يكونوا كرماء ذوي قلوب كبيرة، حتى لو أن بعضهم لم يكنونوا في مستوى الثقة!..
نبيل «يتهجى» الإيطالية
بيد أن بنعبد الله، قبل أن يحط الرحال في روما، لم يكن يتصور أن العوالم الصغيرة جدا تتحكم في مصائر كبيرة، ولعله ذهب إلى روما بنية أن يبدأ مسارا آخر يختلف عن تجربته في الوزارة والحزب وتنظيماته الموازية، كما يختلف عن عمله السابق كترجمان محلف في مكتب في شارع علال بن عبد الله في الرباط. لكن المثل الذي يقول «فتش عن المرأة» لا ينطبق على التجارب الناجحة تحت شعار «كل عظيم وراءه امرأة»، وإنما ينطبق كذلك على الإخفاق، في حالة عدم التفريق بين الارتباطات الأسرية والالتزامات المهنية. فالنجاح أو الإخفاق في مهمة ما، قد يدرج في سجلات الإيجابيات والسلبيات، وقد يتم التغاضي عنه كليا, في التراتبيات الحزبية.
حين اختار بنعبد الله الترشح لانتخابات 2007 في دائرة في تمارة، عرفت الأخيرة بأنها مركز نفوذ إسلاميين في حزب العدالة والتنمية، كان يريد خوض معركة أكبر من حجم تلك الدائرة بين ما يوصف بالتيار الحداثي والآخر الموغل في الانغلاق. وبالرغم من أن رفاقه نصحوه بأن يختار دائرة أخرى أقل صعوبة، فقد أرغم نفسه على «إطلاق كل الرصاص» الذي كان بحوزته، من أجل حيازة موقع يزيد شساعة عن قبة البرلمان، لولا أن الحظ لم يحالفه، فخسر المركز الحكومي ولم يتمكن من أن يصبح نائبا في البرلمان.
كان بنعبد اللله من بين وزراء قلائل غامروا بالدخول في معارك انتخابية، فيما أحجم آخرون عن القيام بذلك، إما خشية الخسارة أو الابتعاد عن «وجع الرأس»، غير أن بنعبد الله لن تثنيه تلك الخسارة عن تلمس الطريق في عالم السياسة الرحب. فهو يكاد يجمع أكبر عدد ممكن من النكبات، لكنه يتعمد منهجية النسيان، ليبدأ من جديد... فقد اعتقد، دائما، أن المعركة في مواجهة الإسلاميين، المتطرفين تحديدا، هي «حصان طروادة» في معاركه السياسية التي خاضها، حزبيا وحكوميا وإعلاميا.
حكاية الدعم الصحفي
حكى الراحل علي يعته، مرة، أنه شاهد رجلا ذا لحية كثيفة يطوف حول مقر جريدتي الحزب في الدار البيضاء، وكان يبحث عن العنوان، مدققا بطريقة لفتت انتباهه وهو يلقي بنظرة من شرفة مكتبه على الشارع. لم يتمالك يعتة نفسه جراء الشكوك التي انتابته. أسرع إلى سماعة الهاتف وركب رقما، وكان مما قاله لمخاطَبه على الطرف الآخر من الخط:
شيء ما يحاك ضد الحزب، إنني أرى متطرفا يحوم حول مكتبي!
حين جاء رجال الشرطة الذين اعتقلوا ذلك الرجل، ثم شرعوا في التحقيق معه، اكتشفوا أنه موظف في مصلحة الضرائب، يريد أن يبلغ «سي علي» إنذارا ما... وانتهت الحكاية، عبر قرار أصدره الملك الراحل الحسن الثاني يقضي بمنح صحافة الأحزاب دعما ماليا من خزينة الدولة. وتلك حكاية أخرى... سيجد بنعبد الله نفسه يخوض فيها، من موقعه كوزير للاتصال، حين أقر اتفاقا تعاقديا لتوزيع الدعم، الذي لم يعد يقتصر على صحافة الأحزاب، بل شمل منابر مستقلة، وفق معايير محددة، تطال الجانب المقاولاتي وحجم الانتشار وقضايا أخرى، واستفادت منه صحف لا يشاركها الوزير السابق بنعبد الله نفس القناعات، فقد كان عليه أن يفرق بين الانتماء الحزبي والضرورات السياسية التي تحتم التعايش مع كل الأفكار والاتجاهات.
لم يمر وزير الاتصال دون أن يترك بصماته على القطاع. فقد «تفنن» محمد العربي المساري في الإطاحة بمسؤولين من القناة الثانية، حين جاء يرافق نور الدين الصايل لدى لتعيينه على رأس القناة، وافتخر محمد الأشعري بنهاية «زوار الفجر»، قبل أن يطرد المدير السابق لوكالة «فرانس بريس» جوفينال من المغرب. فيما كان حظ بنعبد الله التركيز على مواجهة علي المرابط، وكأن المرور من وزارة يظل مقترنا بوضع البصمات على مشهد إعلامي يعاني أصلا من الهشاشة، غير أن الرابط بين هؤلاء المسؤولين جميعا هو أنهم لم يكونوا بعيدين عن عالم الصحافة، فقد مارسها المساري، صحافيا ومديرا، وتمرس عليها الأشعري، مراسلا وكاتبا. فيما قدم إليها بنعبد الله من عالم الترجمة وإدارة «البيان» طيلة ثلاث سنوات، كان الحزب خلالها قد انتقل مع حلفائه في المعارضة إلى الواجهة الحكومية، لذلك فقد خف بريق الإعلام الحزبي وتراجعت «البيان» بالفرنسية والعربية كثيرا، مثل صحافة الأحزاب التي لم تغير جلدها.
هفوات نبيل
هفوة بعد أخرى، سيعلن الوزير بنعبد عبد الله أنه ضد «انحراف» بعض الصحف، وسيدافع عن الأحكام الصادرة ضد الصحافي على المرابط، مدير نشر «دومان»، من منطلق استقلالية القضاء. لكنه قبل أن ينزع الميكروفون من بذلته، سيسر لأحد الصحافيين الأجانب بأنه ضد تلك الأحكام، ليفاجأ، في وقت لاحق، بإذاعة تصريحه الذي كان مسجلا. غير أنه لن يبالي بالأمر، فقد تعود على ألا يقيم وزنا للهفوات، طالما أنه يخرج منها سالما وبأقل قدر من الخسارة.. بالرغم من أنه لم ينس أن الإعلام كان طريقه إلى إبراز تجربته الحزبية والسياسية، فقد ظل يطمح إلى أن يكون أكثر قربا إلى أصحاب القرار منه إلى عالم الإعلام. لذلك فقد تركزت معاركه، في جانب كبير منها، على واقع الصحافة، فقد كان يسعى إلى ترسيخ الاعتقاد بأن مسؤولا حزبيا في إمكانه أن يضع الانتماء جانبا ويصبح رجل دولة، خصوصا في إدارة قطاع يمور بالحساسيات، وبالقدر الذي كانت ترتفع أصوات منادية بأن يشغل منصب الإعلام أشخاص غير حزبيين، بالقدر الذي كان يريد أن يراهن، مرة أخرى، على أن الأحزاب في إمكانها إدارة القطاع، من دون حساسيات حزبية.
ستكون البداية التي شدت الأنظار إليه، من خلال المرور في برنامج تلفزيوني في قناة «دوزيم»، كان محوره أوضاع الصحافة، على خلفية قرار الوزير الأول، عباس الفاسي، إيقاف مجلة «لوجورنال» و»أخواتها»، التي تعرضت إلى الرسالة التي نُسِبت إلى الفقيه محمد البصري حول تورط قياديين في الاتحاد الوطني، إلى جانب الجنرال محمد أوفقير، في محاولته الثانية الفاشلة للإطاحة بنظام الملك الراحل الحسن الثاني.
في ذلك البرنامج، انبرى بنعبد الله إلى ربط الممارسة الصحافية بالمسؤولية، وعاب على رفاق المهنة ما وصفه ب»المزالق» التي لا تفيد المشهد الإعلامي، مستندا إلى تجربته في إدارة صحيفتي التقدم والاشتراكية، «البيان» بالعربية والفرنسية. وقد يكون أدرك أن مرور رفيقه خالد الناصري في برنامج تلفزيوني مماثل قاده إلى تولي مسؤولية معهد عال للإدارة، على عهد الحسن الثاني.
ساعده تمرسه في السجال الطلابي ضمن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب على أن يكون «منظرا» بامتياز، ومكنته دقة الغرف من قاموس الترجمة من اختيار كلماته المناسبة، بل إنه حين كان يضطر إلى انتقاء المفردات التي تكفل التعبير عن موقف معين بمصطلحات محددة، لم يكن يجد أي حرج في أن «يغرس» عينيه في ورقة ليقرأ سطورا محددة في تصريحه، كناطق رسمي باسم الحكومة.
مثلما كان سلفه خالد عليوة قريبا إلى الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي في «الطبعة الأولى» لحكومة التناوب، كان بنعبد الله بدوره أقرب إلى الوزير الأول إدريس جطو، لكنه نسج علاقات متينة مع رجالات آخرين في مربع القرار السياسي والأمني.
وما بين تجربة الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري وتخليص المشهد الإعلامي من احتكار الدولة، ستسعفه المحطات الجديدة في اضطلاع وزارة الاتصال بأدوار أكثر أهمية، ولو أن تجارب البلدان الديمقراطية تكاد تخلو من وجود وزارات للإعلام. لكن رهان التأسيس لمثل هذه الآليات والوسائل سيدفعه إلى الواجهة، فقد صادف أن الفترة تميزت بتحديات في تقنين عالم الاتصال، بكل أطيافه المكتوبة والمسموعة والمرئية، وقد يكون حالفه الحظ في قطف ثمار من سبقوه أو قد يكون تعمد أن يأخذ زمام المبادرة. إلا أن العبرة تبقى بالنتائج، ولم يكن مروره من وزارة الاتصال كافيا للبت في كل الملفات، فالإعلام وحده يكاد يكون استثناء في كونه يعتلي الواجهة باستمرار.
نبيل و«الجزيرة»
هل كان خطأ أم سوء تقدير أن الوزير نبيل بنعبد الله كان أول من رخص لقناة «الجزيرة» القطرية ببث نشرتها المغاربية من الرباط؟ لم يكن الأمر يتعلق باتفاق أو تعاقد، بل بمبادرة رآها بنعبد الله انفتاحا، فيما فهمتها إدارة «الجزيرة» على أنها «ضعف». لذلك فقد وجد الوزير نفسه وحيدا في حفل أقامته القناة في أحد فنادق العاصمة الرباط، ولم يحضره أي مسؤول حكومي...
كان بنعبد الله قد عاد للتو من زيارة إلى قطر، اجتمع خلالها مع مسؤولين، لكنه لم يفلح في تغيير أجندة القناة التي بدت وكأنها تقف في صف معاد للمغرب. ولم يفت وزيرَ الدولة، محمد اليازغي، أن يبلغ مسؤوليها في الرباط، يوما، أنه لا يفهم سر عداء «الجزيرة» للمغرب، مع أن دولة قطر تعتبر، رسميا، من أكبر المدافعين عن شرعية المواقف المغربية في قضية الصحراء.
وحين غادر بن عبد الله وزارة الاتصال، ترك لخلفه ملفا ضخما اسمه «الجزيرة»، التي سيكون على الوزير القادم، بدوره، من التقدم والاشتراكية، أن يحسم فيه، خصوصا بعد أحداث سيدي إيفني، التي دفعت إلى محاكمة مدير مكتبها في الرباط، حسن الراشدي، بتهمة بث أخبار زائفة. لكن نبيل لم يترك ذلك الملف وحده، وإنما حشر مساعديه الأقربين من بين المنتمين إلى الحزب في الواجهة الأمامية، إلى درجة أصبحت تنعت فيها وزارة الاتصال بأنها «الخلية النائمة» لحزب التقدم والاشتراكية في الحكومة...
حين غادر وزارةَ الاتصال، احتفظ بنعبد الله بوضعه كرئيس لمهرجان تطوان السينمائي، فقد سادت «تقليعة» المهرجانات السينمائية، دون أن يكون لها الأثر المطلوب في صناعة سينما مغربية قادرة على فرض وجودها، ودون أن يمتد إشعاعها إلى مجالات ثقافية ومنتوجات سياحية، على قدر الاستثمارات التي أفرغت في القطاع. ومع أن المركز السينمائي يبقى قطاعا تابعا لوصاية وزارة الاتصال، منذ أن كان عبارة عن قوافل سينمائية تنتج شرائط الأنباء الرسمية، فإن مجالات نفوذه تكاد تكون غير مقننة، فيما يكتفي الوزراء الأوصياء بقشور الأشياء. فقد كان أقرب إلى بنعبد الله أن يعيش حياة النجوم، ليس من خلال عدم المبالاة بالأَضواء، ولكن سعيا إلى الاقتراب منها أكثر، فالأضواء تصنع اللحظات المفرحة والمحزنة، لكنها لا تصنع كل الحياة...
لو لم يقع الوزير الأول إدريس جطو تحت تداعيات ملف تحويل مسار الطريق السيار في الدار البيضاء، لربما تغير مسار رجل ثقته بنعبد الله، فقد اهتم الرجلان يوما بأن يجعلا من مدينة أزمور، على ضفة نهر أم الربيع، ملتقى للثقافة والفنون، كما هي حالة أصيلة، الممتدة على الساحل الأطلسي. ستكون البداية باقتناء منزل قديم، لتشجيع أبناء المدينة التي يتحدر منها المفكر المغربي الكبير عبد الله العروي، من أجل إقامة بيوتات والعودة إلى الاستثمار في المدينة. إلا أن ذلك المشروع لم يكتب له أن يستمر، فقد أذيب في استثمارات ضخمة كانت أكبر من تطلعات الوزير بنعبد الله، الذي ضاعف الشكاوى من قلة المال، إلى درجة أنه، ربما، كان الوزير الوحيد الذي تحدث عن الحاجة قبل أن يلجأ إلى التصريح بالممتلكات!...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.