الذين جاؤوا بمدرب يربح 250 مليون سنتيم في الشهر، بالإضافة إلى امتيازات أخرى، عليهم أن يكونوا متأكدين، قبل كل شيء، من أن هذا البلجيكي يجب أن يكون شبيها بالرجل الخارق، أي سوبيرمان، وأن كرة القدم المغربية في عهده يجب أن تتحول من صحراء قاحلة إلى جنة وارفة الظلال. 250 مليون سنتيم في الشهر مسألة محيرة فعلا، والمغاربة يتذكرون اليوم كيف أنهم ظلوا يضربون كفا بكف غضبا حين سمعوا، قبل سنوات، أن المدرب البرتغالي، أومبيرتو كويلهو، كان يربح أزيد من 40 مليون سنتيم في الشهر، واليوم عليهم أن ينطحوا الجدران لأن 40 مليونا تحولت إلى 250 مليونا. المسؤولون عن الرياضة في المغرب يقولون إن غيريتس لا يربح هذا المبلغ كله، وإن المبلغ أقل مما يتم تداوله، لكن غيريتس يقول إن راتبه هو 250 ألف أورو، أي قرابة 300 مليون، وسيدفع المغرب أيضا قرابة مليارين إلى فريق الاتحاد السعودي كتعويض له عن تخليه عن هذا المدرب، وبذلك سيكون غيريتس أغلى من «سوبيرمان» بكثير. ما الذي جرى، إذن، حتى أصبح المسؤولون المغاربة قادرين على منح كل هذا المبلغ من المال لمدرب كرة قدم، وما الذي دفع المسؤولين إلى اعتبار المغرب قوة اقتصادية عظمى يفيض المال من حواليها، لأن بلجيكا، موطن هذا المدرب، عجزت عن منحه هذا الراتب، فقرر المغرب أن يمنحه إياه. من حق المغاربة أن يضعوا أيديهم على خدودهم ويفكروا جيدا في معنى منح مدرب المنتخب الوطني كل هذا المبلغ من المال، ومن الأفضل لهم أن يضربوا رقم 250 في 12 ليكتشفوا أن ما سيأخذه هذا المدرب في سنة واحدة هو 2700 مليون بالتمام والكمال، أي قرابة ثلاثة ملايير مع باقي الامتيازات والمكافآت. منح هذا المبلغ لمدرب كرة قدم، وهو للإشارة جاء من السعودية وليس من مكان آخر، يعني شيئا واحدا هو أن المنتخب المغربي سيغزو الملتقيات العالمية قريبا، بدءا بكأس الأمم الإفريقية وانتهاء بكأس العالم، لأن جلب مدرب بهذا السعر يعني أن الذين جلبوه متأكدون مليونا في المائة من أنه مدرب لا يفشل، وفي حالة نجاحه فعلا فإنه لا يستحق كل هذا المبلغ، أما في حالة فشله فإن المطلب يجب أن يكون واحدا، وهو أن الذين يتحملون مسؤولية مجيئه عليهم أن يعيدوا إلى جيوب الشعب كل هذه المبالغ التي صرفت من أجله، لأن راتب المدرب يؤديه دافعو الضرائب وليس المسؤولون الرياضيون الذين يتبجحون بأن رواتب المدربين ارتفعت كثيرا، لأنه إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يربح مدربون عالميون لمنتخبات عالمية أقل من ربع المبلغ الذي سيتقاضاه غيريتس؟ في كل الأحوال، فإن أزمة المنتخب المغربي لا علاقة لها إطلاقا بالمدربين، وهي لم تبدأ بعد الخلاف بين الزاكي والنيبت كما يقول التصريح الغريب لوزير الرياضة، بل هي نتيجة لأخطاء كثيرة بدأت منذ سنوات طويلة، وستبقى كذلك لوقت أطول، لأنه لا شيء يدل على أن الأحوال ستتغير. الذين يعرفون كرة القدم جيدا يفهمون أن المنتخبات القوية لا تأتي من فراغ، وأن المدرب كيفما كان نوعه لا يمكنه أن يحقق المعجزات. وحتى لو جاء المغاربة بالمدرب البرتغالي جوزي مورينهو، الذي يوصف بكونه يحقق المعجزات مع كل فريق يدربه، فإن معجزاته سيصيبها البوار في المغرب، لأن واقع الرياضة في هذا البلد يشبه الصخرة التي يتحطم عليها كل شيء. الذين يفهمون معنى الكرة، يعرفون أن سر تفوق المنتخبات الكبيرة هو أنها تتوفر على سياسات رياضية متينة ومتواصلة، وهناك آلاف الملاعب في هذه البلدان يمارس عليها ملايين الأطفال والشباب هذه اللعبة الرياضية، وأن هناك احتراما حقيقيا للفضاءات الخضراء، والقانون يضرب بيد من حديد على أيدي كل المتلاعبين. النجاح في الكرة يشبه النجاح في الحياة عموما، أي أنه لا بد من توافر كل الشروط والظروف للنجاح، لذلك لا أحد يفهم كيف تتحول الملاعب والمناطق الخضراء إلى عمارات ومزابل، ثم نطارد مدربا لم نكن نسمع عنه من قبل ونرجوه أن ينقذنا من الغرق مقابل راتب خرافي يخرج من جيب الشعب.