مؤتمر يبرز مساهمة "مخرجات الحوار" في تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية بالمغرب    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة وانتشال 49 جثة من مجمع الشفاء في غزة    الناظور.. توقيف متورطين في صيد والاتجار في أصناف بحرية مهددة بالانقراض    حقيقة انفصال صفاء حبيركو عن زوجها    كأس الكونفدرالية: الزمالك المصري يعترض على تعيين حكام تونسيين في "الفار" خلال مباراته مع بركان    مرصد أوربي ينبه إلى تسجيل درجات حرارة قياسية    المغرب يزيد من طاقة إيواء السجون ب 5212 سريرا في إطار أنسنة ظروف الاعتقال    1.5 مليون شاب مغربي لا يعملون ولا يدرسون.. الشامي: رقم مقلق    العمال المغاربة في سبتة ومليلية يقتربون من الحصول على إعانة البطالة    عمدة البيضاء تعلن موعد الانطلاقة الفعلية لخطوط الترامواي الجديدة    المغرب يحتفي بذكرى ميلاد ولي العهد    أسترازينكا تسحب لقاحاتها من الأسواق    منصة "إفريقيا 50" تشيد بالتزام المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس لفائدة التنمية بإفريقيا    الرؤية الملكية في مجال النهوض بالاستثمارات الخارجية مكنت من تحويل التحديات الى فرص    الاتحاد العام للشغالين بالحسيمة يشرف على تأسيس مكتب نقابي لأصحاب سيارات نقل البضائع    إسرائيل تعيد فتح معبر كرم أبو سالم مع غزة    الحرارة تتجاوز المعدل الموسمي بالمغرب    محاضر جرائم الأموال تؤرق مسؤولين ومنتخبين بتطوان    الرياض توافق على مذكرة تفاهم مع الرباط    تتويج إنتاجات تلفزيونية بمهرجان مكناس    برنامج متنوع للنيابة العامة بمعرض الكتاب    توقيع اتفاق تعاون بين الإيسيسكو وليبيا في المجالات التربوية    "زمن الجراح من الريف الى الحوز" اصدار جديد للكاتب خالد مسعودي    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    أسترازينيكا تسحب لقاح كورونا من الأسواق    طنجة.. ربيع جاكاراندا للمسرح المتوسطي يحتفي بتنوع الثقافات    شهر ماي ساخن: تصعيد واسع للجبهة الاجتماعية ضد الحكومة : إضرابات، وقفات واحتجاجات للعديد من القطاعات دفاعا عن مطالبها المشروع    الحكومة تبرر وقف الدعم الاجتماعي المباشر ب"الغش" في المعطيات    الرباط: يوم تواصلي تحسيسي لفائدة مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    الجيش الملكي يواجه نهضة الزمامرة لتعبيد الطريق نحو ثنائية تاريخية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    مشروع قانون يتعلق بمناطق التسريع الصناعي يحظى بمصادقة مجلس المستشارين    سلا تشهد ولادة عصبة جهوية للألعاب الإلكترونية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    لوحة الجمال والعار    مشاركة البطل الطنجاوي نزار بليل في بطولة العالم للقوة البدنية بهيوستن الأمريكية    ياسمين عبد العزيز تصدم الجميع بحديثها عن طليقها أحمد العوضي (فيديو)    الركراكي مدربا جديدا لسريع واد زم    منتخب الصغار يواجه كرواتيا وإنجلترا وأمريكا    التقنيون يواصلون احتجاجهم ويستنكرون تغييب ملفهم عن جولة أبريل من الحوار الاجتماعي    2026 هو موعد تشغيل محطة تحلية المياه بالدارالبيضاء    تأهيل ملاعب فوق عقار تابع لصوناداك يثير الخلاف داخل مجلس جماعة البيضاء    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    الصين: انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي في أبريل إلى 3,2 تريليون دولار    نور الدين مفتاح يكتب: ثورة الجامعات    بطولة انجلترا: رفض استئناف نوتنغهام بشأن عقوبة خصم 4 نقاط من رصيده    بطولة انجلترا: ثياغو سيلفا ينضم إلى نادي بداياته فلومينينسي في نهاية الموسم    مجلس جماعة فاس يقرر إقالة العمدة السابق حميد شباط من عضوية مجلسه    "من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن"    وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس تدخل مأزقا سياسيا ودستوريا بعد رحيل بنعلي
البلاد تتجه نحو تشكيل حكومة إنقاذ وطنية
نشر في المساء يوم 17 - 01 - 2011

سيسجل التاريخ تلك الصفعة التي تلقاها الشهيد بوعزيزي من طرف شرطية والتي كانت كافية لإشعال فتيل الاحتجاجات التي دفعت بالرئيس السابق زين العابدين بنعلي
إلى التنحي عن سدة الحكم بعد أكثر من 23 سنة. لم يكن الشاب التونسي محمد البوعزيزي، وهو من حاملي الشهادات العاطلين عن العمل، يعلم بأن إقدامه على إضرام النار في نفسه، احتجاجا على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد لعربة يبيع عليها الفاكهة والخضر، سيغير مجرى التاريخ إلى الأبد. واليوم، لا شك في أن أي شرطية ستحسب ألف حساب قبل أن تمد يدها على مواطن وتصفعه كما حدث مع البوعزيزي. فقد أبان الشعب التونسي عن كرامة وعزة نفس لا نظير لهما وعن استماتة في النضال من أجل رفع الحيف الذي عانى منه لسنين طويلة.
ثورة الشعب

كان الكل يعتقد أنه بعد إعلان الرئيس زين العابدين بنعلي، في آخر خطاب يلقيه على الشعب التونسي، عن عدم نيته الترشح مجددا في انتخابات 2014 وبعد اتخاذه العديد من الإجراءات بدأت بإقالة مستشاريه ووزير الداخلية وحل الحكومة والبرلمان، (كان الكل يعتقد) أن الأوضاع ستعود إلى سابق عهدها، غير أن الرياح هبت بما لا تشتهيه السفن، فغداة خطاب الرئيس خرج آلاف التونسيين يطالبون برحيله في تظاهرة أقاموها أمام وزارة الداخلية، حيث احتشد ما بين 6 و7 آلاف شخص خارج مقر الوزارة ورددوا شعارات مطالبة برحيل بنعلي،.كما زادت حدة المواجهات في بعض المدن التونسية، حيث تم إطلاق الرصاص مجددا رغم كل وعود بنعلي. وبعد أن بدأت التظاهرات بعشرات المتظاهرين، ما لبثت أن جمعت مئات ثم آلاف المتظاهرين المحتجين الذين كانوا يهتفون: «انتفاضة مستمرة وبنعلي برة» و«بالروح بالدم نفديك يا شهيد» و«الشعب يريد استقالة بنعلي» و«لا لا للطرابلسية (عائلة زوجة الرئيس ليلى الطرابلسي) الذين نهبوا الميزانية»، ويرددون النشيد الوطني التونسي رافعين يافطات كتب على بعضها «بنعلي إرحل».
فرار بنعلي والسعودية تستقبله بشروط

بعد أن تخبط طويلا في مستنقع انتفاضة الشعب التونسي واستنزف جميع الحلول، وبعد إقالة وزير الداخلية وإقالة الحكومة وحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، خضع زين العابدين للأمر الواقع وفر إلى السعودية بعدما رفضت باريس استقباله. فعند السادسة مساء من يوم الجمعة، أقلعت طائرته دون عودة من مطار قرطاج تاركا لرئيس وزرائه محمد الغنوشي رئاسة مؤقتة، أُطلقت على الفور شكوك في مدى دستوريتها. وعلى عكس فرنسا، رحبت السعودية بقدوم الرئيس التونسي زين العابدين بنعلي وأسرته إلى المملكة، في حين ذكرت مصادر أن عددا من أفراد عائلة بنعلي وصل إلى دبي بينما وصل آخرون إلى فرنسا.
وأكد بيان للديوان الملكي السعودي، نشرته وكالة الأنباء السعودية في ساعة مبكرة من صباح أول أمس السبت، نبأ وصول بنعلي إلى أراضي المملكة.
وقال البيان إن السعودية رحبت ببنعلي «تقديرا للظروف الاستثنائية التي يمر بها الشعب التونسي الشقيق»، معربة عن «تمنياتها بأن يسود الأمن والاستقرار في هذا الوطن العزيز على الأمتين العربية والإسلامية».
وقامت المملكة العربية السعودية بإصدار بيان يتضمن شروط استقبال الرئيس التونسي السابق بنعلي، على ألا يخالف تلك الشروط خلال إقامته بالسعودية، وهي:
1- يمنع تحويل أموال منعا باتا إلى المملكة العربية السعودية من أي حساب خارجي لبنعلي.
2- تمنع إقامة أي لقاءات صحفية أو تلفزيونيه خلال وجوده في المملكة. وتحسبا لأي اضطهادات لأي سعودي مقيم بتونس، قامت السعودية بإنشاء وحدة عمليات خاصة يرأسها السفير السعودي لدى تونس لحماية الجالية السعودية بها نتيجة استقبال المملكة لبن علي.



كرونولوجيا
17 دجنبر الأول 2010: أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي، وهو من حاملي الشهادات العاطلين عن العمل، النار في نفسه احتجاجا على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد لعربة يبيع عليها الفاكهة والخضر، وتنديدا برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد البوعزيزي تقديمها في حق شرطية صفعته.
18/19 من دجنبر 2010: مواجهات بين مئات الشبان في منطقة سيدي بوزيد وقوات الأمن. المظاهرة كانت للتضامن مع محمد البوعزيزي والاحتجاج على ارتفاع نسب البطالة والتهميش والإقصاء في هذه الولاية الداخلية. وانتهت الاحتجاجات باعتقال عشرات الشبان وتحطيم بعض المنشآت العامة.
21 دجنبر: توسع دائرة الاحتجاجات بولاية سيدي بوزيد لتنتقل الحركة الاحتجاجية من مركز الولاية إلى البلدات والمدن المجاورة، كالمكناسي والرقاب وسيدي علي بن عون ومنزل بوزيان، حيث خرج السكان في مسيرات حاشدة للمطالبة بالعمل وحقوق المواطنة والمساواة في الفرص والتنمية.
24 دجنبر 2010: تطور خطير للأحداث بولاية سيدي بوزيد، حيث اتخذت الاحتجاجات السلمية شكل انتفاضة شعبية شملت جميع مدن المحافظة، وقامت قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي على المسيرة السلمية في مدينة منزل بوزيان، مما أسفر عن مقتل الشاب محمد العماري، وهو أيضا من حاملي الشهادات العليا العاطلين عن العمل، وجرح عدد آخر من المتظاهرين، كما عمدت قوات الأمن إلى اعتقال عدد كبير منهم.
25 دجنبر 2010: تجمع المئات من النقابيين والحقوقيين في ساحة محمد علي في تونس العاصمة للتعبير عن تضامنهم مع أهالي سيدي بوزيد وللاحتجاج على قمع المسيرات الشعبية والاعتقالات واستعمال قوات الأمن للرصاص الحي ضد المحتجين والذي تسبب في سقوط قتيل وعشرات الجرحى.
27 دجنبر2010: انتقال الحركات الاحتجاجية إلى مدن ومحافظات تونسية أخرى في تصعيد خطير للأحداث، حيث رفع المتظاهرون في مدن تونس وصفاقس والقيروان والقصرين وتالة ومدنين وقفصة شعارات مساندة لأهالي سيدي بوزيد ومنددة بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع البطالة في عدد من المدن التونسية والمطالبة بتنمية عادلة. في حين واصلت وسائل الإعلام المحلية والرسمية تجاهل هذه التحركات الاجتماعية التي أخذت تتوسع شيئا فشيئا.
28 دجنبر 2010: أول رد رسمي للرئيس التونسي زين العابدين بن علي على الاحتجاجات الشعبية في خطاب متلفز بثته القناة الرسمية تونس 7، أدان فيه «أعمال الشغب» وقال إنها تضر بصورة تونس لدى المستثمرين وتعهد بتطبيق القانون «بكل حزم» ضد «المأجورين والمتطرفين» .
30 دجنبر 2010: بن علي يقوم بتعديل وزاري محدود، حيث عين سمير العبيدي وزيرا جديدا للاتصال ووزيرا جديد للشباب والرياضة ووزيرا جديدا للشؤون الدينية. ليبيا ترفع القيود الإدارية المفروضة على التونسيين الراغبين في السفر والعمل في ليبيا ومعمر القذافي يأمر بمعاملتهم كمواطنين ليبيين.
3 يناير 2011: مواجهات عنيفة في مدينة تالة بين محتجين وقوات الأمن، استخدمت فيها الشرطة القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، مما أسفر عن سقوط عدد كبير من الجرحى.
5 يناير 2011: وفاة محمد البوعزيزي الشاب، الذي أوقد نار الاحتجاجات الشعبية في تونس، متأثرا بجراحه بعد 18 يوما على محاولته الانتحار أمام مقر ولاية سيدي بوزيد. خروج المظاهرات في تالة عن سيطرة قوات الأمن بعد إحراق المتظاهرين لمقر الحزب الحاكم ومبنى للشرطة، وقوات الأمن تستنفر كل إمكانياتها الأمنية لقمع المتظاهرين.
6 يناير 2011: السلطات التونسية تعتقل مدونين ومغني راب تونسي على خلفية تعرضهم للنظام التونسي على صفحات الأنترنيت، والمحامون ينظمون اعتصاما في أروقة المحاكم احتجاجا على الاضطهاد الأمني.
8 يناير 2011: مقتل 6 أشخاص في مدينة تالة وشخصين في القصرين في مظاهرات عنيفة عمت منطقة الوسط الغربي للبلاد.
9 يناير 2011: المظاهرات تصل إلى العاصمة تونس وتتسم بتصاعد العنف خلال الاحتجاجات التي رفعت لأول مرة شعارات ضد الحكومة التونسية، وقوات الأمن تستعمل الرصاص الحي ضد المحتجين، وإضراب 95 بالمائة من المحامين، وسقوط أكثر من 35 قتيلا في مدينتي القصرين وتالة، حسب مصادر نقابية.
10 يناير 2011: خطاب جديد لزين العابدين بن علي في محاولة لتهدئة الأوضاع وتقديم حلول للخروج من الأزمة، ووعود بخلق 300 ألف فرصة عمل جديدة لاحتواء نسب البطالة المرتفعة لدى حاملي الشهادات. وشريحة واسعة من المواطنين لا ترى خطاب بن علي مقنعا وكافيا لإخماد الاضطرابات، وتعليق الدروس في المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى.
11 يناير 2011: المظاهرات تنتشر في العاصمة تونس وتبلغ الأحياء الشعبية التي تعاني الفقر وسوء التجهيزات كحي الانطلاقة والتضامن. وحرق بعض مقرات الحزب الحاكم. والشرطة تفرط في استخدام العنف، مما يسفر عن سقوط 35 قتيلا في مدن الوسط والشمال الغربي خلال يومين. وقمع مظاهرة نظمها الفنانون التونسيون أمام المسرح البلدي في العاصمة.
12 يناير 2011: زين العابدين بن علي يعزل وزير الداخلية ويعين وزيرا جديدا، وقمع قوات الأمن يخلف قتلى في مدن من الجنوب التونسي لأول مرة وفي مدن الوطن القبلي، وانتشار الجيش في العاصمة تونس وأغلب المدن الكبرى. ووزير الداخلية الجديد يفرض حظرا للتجول الليلي في مدن تونس الكبرى ولأجل غير محدد.
13 يناير 2011: خطاب ثالث يعلن فيه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عدم ترشحه في الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2014، ويؤكد فيه أنه «لا رئاسة مدى الحياة»، مشددا على «عدم المساس بشرط السن للترشح لرئاسة الجمهورية المحدد، وفق الدستور، في 75 عاما، بينما سيكون عمره 77 عاما في حال الترشح لانتخابات 2014.
14 يناير 2011: إقالة الحكومة وحل البرلمان وإعلان حالة طوارئ في البلاد وفرار الرئيس زين العابدين بن علي إلى السعودية وإعلان الوزير الأول محمد الغنوشي توليه الرئاسة مؤقتا.
15 يناير 2011: مظاهرات حاشدة ضد الغنوشي وأداء رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع اليمين الدستوري بصفته رئيسا «مؤقتا» للجمهورية بدل الغنوشي.
16 يناير 2011: حالة انفلات أمني لا نظير لها ووقوع قتلى في صفوف المدنيين واعتقال خمسين من حراس بن علي الشخصيين ومقتل عماد الطرابلسي، الشقيق الأصغر لزوجة الرئيس التونسي المخلوع.


تولي المبزع الرئاسة مؤقتا
بعد أن خرج الوزير الأول محمد الغنوشي يعلن نفسه رئيسا مؤقتا، بموجب ما يخوله له الدستور، قامت مظاهرات في جميع أنحاء البلاد ترفض هذا القرار، إذ اعتُبر امتدادا لحكم بنعلي، وما لبث أن تم الرضوخ لصوت الشعب مجددا، حيث أعلن المجلس الدستوري أول أمس السبت «شغور السلطة» وعين رئيس البرلمان التونسي فؤاد المبزع رئيسا للبلاد بالوكالة، وذلك لمدة لا تتعدى الستين يوما. وأدى فؤاد المبزع، رئيس مجلس النواب، يوم السبت الأخير، اليمين الدستورية بوصفه رئيسا مؤقتا لتونس بعد إقصاء زين العابدين بنعلي نهائيا من الرئاسة بناء على المادة رقم 57 من دستور البلاد، وقام بتكليف الوزير الأول محمد الغنوشي بتشكيل حكومة جديدة. وأعلن المبزع، في نفس اليوم (السبت)، في كلمة مقتضبة بعد أدائه اليمين الدستورية، أن المصلحة العليا للبلاد تقتضي تشكيل «حكومة ائتلاف وطني».
أعمال النهب والخراب
استيقظت تونس غداة مغادرة الرئيس زين العابدين بنعلي على وقع أعمال عنف ونهب وتخريب نسبها عدة شهود إلى أنصار الرئيس المخلوع. وعلى عكس ما يعتقده البعض من أن الشارع التونسي تنفس الصعداء بعد سقوط نظام بنعلي، فالوضع الميداني ما زال يبث الرعب في نفوس المواطنين الذين تجندوا أمام مساكنهم للدفاع عن أرواحهم.
وبثت القناة السابعة العمومية، في وقت سابق، صورا لأفراد عصابات يحملون أسلحة نارية وبيضاء ولديهم كمية من الأموال والمسروقات. وقالت إن عناصر الأمن اعتقلوهم وسط العاصمة.
وتتعرض سيارات التأجير التي تحمل لوحات زرقاء إلى عملية تفتيش دقيقة بعدما انتشر خبر مفاده أن عصابات مسلحة تتنقل بمثل هذه السيارات.
كما وقع العشرات من القتلى في حريق بسجن المنستير، شرقا، وأثناء محاولة اقتحام آخر بالمهدية وسط البلاد. وأكد مسؤول تونسي أن مدير أحد السجون سمح بخروج ألف سجين دون مبرر، وتزامن ذلك مع اعتقال صهر الرئيس التونسي المخلوع ومدير الأمن الرئاسي السابق. ويأتي ذلك في وقت تتواصل فيه حالة الانفلات الأمني والسلب ببعض المناطق، مما أثار ذعر السكان. هذا وألقى الجيش التونسي القبض على نحو خمسين من الحراس الشخصيين للرئيس المخلوع زين العابدين بنعلي في محافظة تطاوين جنوبي تونس، فيما استمرت مطاردة الجيش التونسي لعناصر يعتقد أنها تسعى إلى إحداث البلبلة في البلاد. وأعلن صباح أمس الأحد مقتل عماد الطرابلسي الشقيق الأصغر لزوجة الرئيس التونسي المخلوع والذي توفي إثر طعنة بالسلاح الأبيض. وذكرت محطة تلفزيون «نسمة» التونسية الخاصة أن عددا من المحتجين اقتحموا منزل الطرابلسي وأشعلوا النيران في ممتلكاته. وقالت المحطة إن العديد من أقارب الرئيس بن على تم اعتقالهم، ومن بينهم صخر المطيري، صهر بنعلي، وهو من أبرز رجال الأعمال في تونس.

ردود فعل دولية

أجمع المجتمع الدولي والعربي على موقف واحد وهو ضرورة احترام قرار الشعب التونسي.وبدا الموقف العربي من التطورات الأخيرة في تونس خجولا، حيث التزمت معظم الحكومات العربية، أول أمس السبت، الحذر وأحيانا كثيرة الصمت بعد سقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بنعلي تحت ضغط الجماهير، في الوقت الذي جاء فيه بيان صادر عن الجامعة العربية يقول «في هذه المرحلة التاريخية التي يعيشها أبناء الشعب التونسي الشقيق، تتوجه جامعة الدول العربية بنداء إلى كافة القوى السياسية وممثلي المجتمع التونسي والمسؤولين للتكاتف والتوحد».
ومن جهته، أشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما ب«شجاعة» الشعب التونسي، ودعا «كل الأطراف إلى المحافظة على الهدوء وتجنب العنف».
وقال أوباما: «أدين وأستنكر استخدام العنف ضد المدنيين في تونس الذين يعبرون سلميا عن رأيهم، وأشيد بشجاعة وكرامة الشعب التونسي».
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون جميع الأطراف في تونس إلى «ضبط النفس» و«حل المشاكل بشكل سلمي تجنبا لفقدان مزيد من الأرواح وتصاعد العنف».
وكتب وزير الخارجية السويدي كارل بيلد، على مدونته، أن التطورات الأخيرة في تونس «تضع، فجأة، في صلب الاهتمامات» العلاقاتِ السياسية بين أوربا والدول المجاورة في الجنوب.
وأعلنت باريس أول أمس السبت، في بيان، دعمها الكبير للشعب التونسي، ودعت إلى إجراء انتخابات حرة بأسرع ما يمكن في تونس. كما قالت إنها اتخذت خطوات لمنع أي تحركات مالية مشبوهة للأصول التونسية في فرنسا. ودعت فرنسا الدولة المستعمرة السابقة وحليفة النظام التونسي «إلى الهدوء وإنهاء العنف» في تونس وإلى «انتخابات حرة في أقرب وقت». وقد جاء هذا في وقت رفضت فيه فرنسا استقبال بنعلي على أراضيها.
ودعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى إرساء «ديمقراطية حقيقية»، داعية القادة الجدد إلى «إقامة نظام ديمقراطي حقيقي»، معتبرة أن «احترام حقوق الإنسان وضمان حرية الصحافة والتجمع ضروريان».
من جهته، دعا الاتحاد الأوربي إلى «حلول ديمقراطية دائمة» في تونس، كما دعا إلى الهدوء بعد الإطاحة ببنعلي. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوربي كاثرين آشتون والمفوض الأوربي لتوسيع الاتحاد ستيفان فولي: «نود أن نعرب عن دعمنا للشعب التونسي، واعترافنا بتطلعاته الديمقراطية التي يجب تحقيقها بالطرق السلمية».
وفي لندن، دعا وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، السلطات التونسية إلى أن تبذل ما في وسعها لإيجاد حل «سلمي» للأزمة، وإلى إجراء انتخابات حرة ومزيد من الحريات السياسية في هذا البلد.
وفي عمان، اعتصم نحو مائة نقابي أردني أمام السفارة التونسية احتفاء بمغادرة الرئيس التونسي بعد أسابيع من الاحتجاجات الدامية ضد نظامه، حسب مراسلة «فرانس برس».
من جهتها، أشادت منظمة التحرير الفلسطينية ب«شجاعة» الشعب التونسي و«تضحياته البطولية» لتحقيق مطالبه. وقالت المنظمة، في بيان وصلت نسخة منه إلى وكالة «فرانس برس»، إن «الانتفاضة الشعبية العفوية للشعب التونسي ضد مظاهر الفساد وكبت الحريات والقمع تؤكد، من جديد، الطاقة الخلاقة للشعوب في تقرير مصيرها واختيار وجهتها الديمقراطية والتنموية».
وفي طرابلس، أفاد مصدر رسمي بأن الرئيس التونسي السابق اتصل بالعقيد معمر القذافي، موضحا أن الزعيم الليبي سيوجه «كلمة إلى الشعب التونسي».
وفي إيطاليا جاء في بيان رسمي أن روما، «التي تربطها صداقة عميقة» بتونس، دعت المؤسسات والمجتمع في هذا البلد إلى «الهدوء والاعتدال والحوار» لإيجاد حل للأزمة التي تعصف بالبلاد.
وأعربت موسكو، في بيان صادر عن الخارجية الروسية، عن الأمل في إنهاء أعمال العنف وإطلاق حوار ديمقراطي «في إطار الدستور» في تونس. وجاء في البيان: «تتابع موسكو بقلق كبير تطور الوضع في تونس الصديقة».
وقال خبراء إن سقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بنعلي تحت ضغوط الشارع يشكل تحذيرا للأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي أمام شعوب تواجه مشاكل غالبا ما تكون قريبة من تلك التي عرفها التونسيون.
وتتردد في القاهرة نكته تعكس أجواء «الشارع العربي» تقول «طائرة بنعلي هبطت في شرم الشيخ (مقر الرئيس المصري على البحر الأحمر) لتقل مزيدا من الركاب»!


مظاهرات حاشدة تطالب بتسليم بنعلي و القذافي «يتألم»
اعتبر الزعيم الليبي معمر القذافي أن الشعب التونسي تعجل الإطاحة بالرئيس زين العابدين بنعلي، واصفا إياه بكونه «أفضل» شخص يحكم تونس.
وقال القذافي، في كلمة بثها التلفزيون الليبي أول أمس السبت، إنه كان يتعين على التونسيين الانتظار إلى حين انتهاء ولاية الرئيس بنعلي، وإنه ينبغي أن «يتم التحول بالتي هي أحسن»، مشيرا إلى أن تونس «تعيش في رعب وتحولت إلى دولة عصابات ونهب وسلب».
وأضاف: «خسرتم خسارة كبيرة، لا يمكن إرجاعها، فالذي ابنه مات لا يمكن أن يعود في الدنيا، الذين ماتوا لا يمكن أن يعودوا».
وتابع قائلا: «وحتى الرئيس، لو عملتم رئيسا جديدا، فهو سينساكم، ولو عوضكم، ماذا سيعوضكم؟ ملء الأرض لن يعيد إليك ابنك... وأنا لا أعرف أحدا هناك، أنا أعرف من بورقيبة إلى عند الزين. الزين إلى عند الآن، أفضل واحد لتونس، وعمله جعل تونس في هذه المرتبة».
وقال إنه «لا يوجد أحسن من الزين أبدا في هذه الفترة، بل أتمناه ليس إلى عام 2014، بل أن يبقى إلى مدى الحياة».
وأضاف القذافي أن تونس تعيش الآن في خوف: «العائلات يمكن أن تداهم وتذبح في غرف النوم، والمواطن في الشارع يُقتل، وكأنها الثورة البلشفية أو الثورة الأمريكية».
ومضى قائلا: «لماذا هذا؟ هل من أجل أن تحولوا زين العابدين، ألم يقل لكم زين العابدين إنه بعد ثلاث سنوات لا يحب أن يبقى رئيسا. إذن، إصبر لمدة ثلاث سنوات ويبقى ابنك حيا. ألا تستطيع أن تصبر».
وتابع: «إن ابنك يموت اليوم، لأنك لست قادرا أن تصبر على زين العابدين، ثلاث سنوات مثلا». وقال القذافي الذي يتولى مقاليد الحكم في ليبيا منذ عام 1969: «أنا يهمني الشعب التونسي، لأنه يضحي بأولاده، في كل يوم يسقطون».
وحذر الزعيم الليبي الشعب التونسي من أن «الفوضى العارمة التي تجتاح المدن التونسية ووجود العصابات الملثمة يمكن أن تفقد تونس المكانة التي وصلت إليها والنجاحات التي حققتها مثلما تبين ذلك مختلف التقارير الدولية... السياحة هي القطاع الأساسي في تونس يمكن أن تتأثر بشكل كبير بما يجري».
وقال إن «تونس يحسبها الناس دولة سياحة ودولة متحضرة، وأن السواح يكونون مطمئنين، وإذا بها دولة ملثمين، وعصابات الليل، وهراوات وسكاكين، وقتل وحرائق».
واعتبر أن «هذه الاضطرابات كانت ستصبح مبررة فقط لو انتهجت تونس
أسلوبه في الحكم والمعروف بالنظرية العالمية الثالثة والذي يستبدل الديمقراطية النيابية بما يسمى بحكم الشعب المباشر من خلال مؤسسات يطلق عليها اللجان الشعبية».
وقال: «إذا كان الذي يحدث في تونس هو التحول من النظام الجمهوري إلى النظام الجماهيري فيجب أن يكون هذا واضحا، وهذا يعني أن الشعب هو الذي يتولى السلطة، ولا يتولاها غيره، ولا يهم بعد ذلك أن يكون هناك رئيس أو أي رمز إذا كان التحول الذي يجري الآن هو نحو هذا، إذن يجب أن يكون واضحا أن الشعب لا يُسلِّم السلطة لأحد».
يُذكر أن وكالة الأنباء الليبية الرسمية أفادت قبل خطاب القذافي بأن «الرئيس زين العابدين بنعلي اتصل السبت هاتفيا بقائد الثورة الليبية»، بدون مزيد من التفاصيل حول فحوى هذا الاتصال.
وجاء هذا في وقت تشهد فيه العديد من الدول العربية مظاهرات تشيد بالإنجاز الذي حققه التونسيون في مواجهة النظام السياسي القائم، ونظم مئات التونسيين مساء السبت مظاهرة أمام السفارة السعودية في باريس للمطالبة بتسليم الرئيس المخلوع زين العابدين بنعلي لمحاكمته.
وبجانب ما سبق، كشف مصدر أمني فرنسي أن عددا من أقارب بنعلي لجؤوا إلى فندق في منطقة فخمة قرب باريس. وأضاف نفس المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن هؤلاء الأشخاص ترافقهم طواقمهم الأمنية. وقد وصلوا بضعة أيام قبل لجوء بنعلي إلى السعودية.
أما في مصر فقد تظاهر عشرات النشطاء السياسيين أمام نقابة الصحفيين المصرية للتعبير عن دعمهم للثورة الشعبية في تونس والمناداة بإصلاح سياسي واقتصادي في مصر، بينما أصدر كتاب مصريون بيانا عبروا فيه عن تضامنهم مع الشعب التونسي في انتفاضته ضد الاستبداد والظلم.
وحمل المتظاهرون، الذين طوقتهم قوات أمن غفيرة، الأعلام المصرية والتونسية وصورا للرئيسين التونسي المخلوع زين العابدين بنعلي والمصري حسني مبارك في مقارنة رمزية تنم عن الرغبة في تغيير النظام المصري، ورددوا هتافات منها «ثورة.. ثورة حتى النصر.. اليوم في تونس وبكره في مصر».
وسجل يوم البارحة بدء القادة السياسيين المؤقتين، برئاسة فؤاد المبزع ومحمد الغنوشي، مشاوراتهم من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية وتنظيم انتخابات خلال الستين يوما المقبلة بإشراف دولي، في وقت انتشر فيه ميدانيا الجنود والدبابات حول العاصمة بعد تدهور الوضع الأمني في البلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.