أمين المجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية يشيد بالالتزام الثابت لمديرية الأمن في حماية الوطن والمواطنين    المغرب يشارك في المنتدى العالمي للماء    اتحاد جزر القمر يجدد تأكيد دعمه لمخطط الحكم الذاتي    أوكرانيا تنفذ عملية إجلاء من خاركيف    "القسام" تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا.. وتدمير 100 آلية عسكرية إسرائيلية خلال عشرة أيام واستعدادها لمعركة استنزاف طويلة    تصفيات كأس العالم.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 عاما يفوز برباعية نظيفة على الجزائر ويتأهل للدور الرابع    جو حار وقطرات مطرية بالمنطقة الشرقية اليوم السبت    مصرع دركي في حادثة سير ضواحي طنجة    بونعمان :الثانوية التأهيلية ابن خلدون تحتضن ورشات الاستعداد النفسي والمنهجي للإمتحانات الإشهادية ( صور )    المغربي مهندس مطار غزة يبرز "لقاءات مع التاريخ" في دعم القضية الفلسطينية    البحث عن الهوية في رواية "قناع بلون السماء"    بيان صحفي: ندوة لتسليط الضوء على مختارات من الإنجازات البحثية ضمن برنامج الماجستير في إدارة حفظ التراث الثقافي    بسبب سلوكه.. يوفنتوس يقيل مدربه أليغري بعد يومين من تتويجه بكأس إيطاليا    أمن البيضاء يجهض عملية تهريب وترويج شحنة مهمة من المؤثرات العقلية    بعد تعليق دعم تدريس الأطفال المعاقين..أباكريم تجرُّ الوزيرة " عواطف" إلى المساءلة    مدرب مانشستر يونايتد: "سعيد بتألق سفيان أمرابط قبل نهاية الموسم"    مشروع بأزيد من 24 مليون درهم .. هذه تفاصيل الربط السككي بين طنجة وتطوان    السلطات تمنع مؤتمرا يحتفى بزيارة الحسن الثاني لآسا ويرفض تفويت "أراضي الصحراويين"    الدورة الأكاديمية "الشعري والسردي" فاس، 23-24 ماي 2024    كيف تهدد الجزائر و"البوليساريو" أمن الساحل والصحراء؟    البحث العلمي وبعض الشروط الأساسية من أجل الإقلاع!    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة بركان والزمالك في نهائي الكاف    من قمة المنامة..رسائل ملكية قوية إلى من يهمهم الأمر    طنجة.. توقيف شخصين وحجز الآلاف من قنينات الكحول غير مصرح بها    الصين: مصرع 3 أشخاص اثر انهيار مصنع للشاي جنوب غرب البلد    بدء وصول المساعدات عبر الرصيف العائم وحماس تشكك في نوايا واشنطن وتؤكد الاستعداد لمعركة استنزاف طويلة    وزير الخارجية الإسباني: رفضنا السماح لسفينة أسلحة متجهة لإسرائيل بالرسو بموانئنا    قرار جديد من الفيفا يهم كأس العالم 2030 بالمغرب    شفشاون.. الطبخ المغربي فسيفساء أطباق تعكس ثقافة غنية وهوية متعددة    الساكنة تستنكر لامبالاة المسؤولين تجاه حادث انفجار أنبوب للماء الصالح للشرب وسط الناظور    فرق كبيرة تطارد نجم المنتخب المغربي    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش        افتتاح مهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية على أرض التسامح والانفتاح        المغرب يفرض رسوم مكافحة إغراق السوق على سلعة تركية    مقاولات جهة طنجة-تطوان-الحسيمة توفر أكثر من 450 ألف منصب شغل سنة 2022    الفيفا تقر تعديلا يمنع انتقال أي لاعب من أي بلد ليس عضوا في الأمم المتحدة    افتتاح بيت الحمية المتوسطية بشفشاون..تكريم ثقافة عريقة وتعزيز التنمية المستدامة    هدى صدقي تكشف عن جديد حالتها الصحية    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    كيف يتم تحميص القهوة؟    إسرائيل: حرب غزة "ليست إبادة جماعية"    الخزينة تكتتب ما يعادل 3,4 مليار درهم في سوق السندات ما بين 8 و 15 ماي    الطالبي العلمي يجري مباحثات برلمانية بالصين    سانشيز يعلن الأربعاء موعد الاعتراف بفلسطين    القمة العربية في مواجهة التحديات    السيد العمراني يلتقي أجاي بانغا.. إرادة قوية لتعزيز التعاون بين البنك الدولي والمغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تراجع جديد يخفض أسعار بيع "الغازوال" والبنزين بمحطات الوقود بالمغرب    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب‮ الذي‮ نريد
نشر في المساء يوم 24 - 03 - 2011

أحد‮ أهم‮ الفصول‮ في‮ كتاب‮ عالم‮ السياسة‮ الإيطالي‮ الكبير‮ «‬ميكيافيلي‮»‬،‮ يدور‮ حول‮ حاشية‮ الأمير‮.
ونصيحة‮ «‬ميكيافيلي‮» للأمير،‮ لكي‮ يظل‮ في‮ مأمن‮ من‮ كمائن‮ حاشيته‮ ومكرها‮ وشرورها،‮ هي‮ أن‮ يفعل‮ ما‮ بوسعه‮ لكي‮ يظل‮ أفراد‮ هذه‮ الحاشية‮ متخاصمين،‮ لأن‮ اتحادهم‮ وصفاء‮ الأجواء‮ بينهم‮ قد‮ يجعلهم‮ يتحدون‮ ضده‮ ويتواطؤون‮ على‮ الإطاحة‮ به‮.
لذلك،‮ ففي‮ كل‮ البلاطات‮ التي‮ يسود‮ ملوكها‮ ويحكمون‮ هناك‮ خنادق‮ يحفرها‮ أفراد‮ هذه‮ الحاشية‮ يختبئون‮ داخلها‮ ويشنون‮ انطلاقا‮ منها‮ غاراتهم‮ ضد‮ زملائهم‮ في‮ الحاشية،‮ لإضعافهم‮ أمام‮ الملك‮ وجلب‮ غضبه‮ عليهم‮.
المشكل‮ هو‮ عندما‮ تتحول‮ هذه‮ الحروب‮ إلى‮ رياضة‮ وطنية‮ لدى‮ أفراد‮ الحاشية،‮ وتصبح‮ مؤسسات‮ الدولة‮ ووزاراتها‮ وقودا‮ لهذه‮ الحرب‮. هذا‮ بالضبط‮ ما‮ يحدث‮ في‮ المغرب‮.‬
منذ‮ تولي‮ الملك‮ محمد‮ السادس‮ مقاليد‮ الحكم،‮ أحاط‮ نفسه‮ بزملائه‮ في‮ الدراسة‮. وبحكم‮ وظيفة‮ كل‮ واحد‮ منهم‮ داخل‮ المربع‮ الذهبي،‮ كان‮ بعضهم‮ أقرب‮ إلى‮ الملك‮ من‮ البعض‮ الآخر‮.
لكن‮ أحدهم،‮ وبحكم‮ قربه‮ من‮ الملك،‮ استطاع‮ أن‮ يستغل‮ هذا‮ القرب‮ لإعادة‮ صناعة‮ صدر‮ أعظم‮ جديد‮ للمملكة،‮ يتجاوز‮ نفوذه‮ وسلطته‮ وجبروته‮ وتسلطه‮ حدود‮ ما‮ كانت‮ عليه‮ سلطات‮ ونفوذ‮ وتسلط‮ إدريس‮ البصري،‮ وزير‮ الداخلية‮ القوي‮ في‮ عهد‮ الحسن‮ الثاني‮.
ومثلما‮ استعمل‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة‮ قربه‮ من‮ الملك‮ لإشاعة‮ جو‮ من‮ الرعب‮ في‮ عالم‮ السياسة‮ والمال‮ والأعمال،‮ استطاع‮ أيضا‮ أن‮ يشيع‮ الرعب‮ داخل‮ رجالات‮ البلاط‮. وحربه‮ المفتوحة‮ مع‮ الكاتب‮ الخاص‮ للملك،‮ محمد‮ منير‮ الماجدي،‮ وحرب‮ هذا‮ الأخير‮ معه،‮ والتي‮ وصلت‮ أصداؤها‮ إلى‮ صفحات‮ الجرائد‮ والمجلات‮ في‮ أكثر‮ من‮ مناسبة،‮ تعتبر‮ التجسيد‮ الحي‮ للحرب‮ الشرسة‮ داخل‮ المحيط‮ الملكي‮ بين‮ رجال‮ الحاشية‮ الأقوياء‮.
فعندما‮ تجرأ‮ الباكوري،‮ الرئيس‮ العام‮ السابق‮ لصندوق‮ الإيداع‮ والتدبير،‮ وحضر‮ إلى‮ مقر‮ حزب‮ الهمة‮ عشية‮ اكتساح‮ الحزب‮ للانتخابات،‮ رأى‮ الماجدي‮ في‮ هذا‮ التقارب‮ بين‮ الباكروي‮ والهمة‮ تفسيرا‮ منطقيا‮ لما‮ كان‮ يروج‮ من‮ كون‮ الهمة‮ يريد‮ تحويل‮ صندوق‮ الإيداع‮ والتدبير‮ إلى‮ جراب‮ يمول‮ منه‮ مشروعه‮ السياسي‮. فتوصل‮ الباكوري‮ برسالة‮ نصية‮ قصيرة‮ عبر‮ هاتفه‮ النقال‮ تخبره‮ بإقالته‮ من‮ منصبه‮.
وبعد‮ استيعابه‮ جيدا‮ الدرس،‮ تمت‮ المناداة‮ عليه‮ لترؤس‮ وكالة‮ الطاقة‮ الشمسية‮ التي‮ ستعبد‮ الطريق‮ أمام‮ شركة‮ «‬ناريفا‮» التابعة‮ لمجموعة‮ «‬أونا‮» للحصول‮ على‮ مشاريع‮ الطاقة‮ الشمسية‮ والريحية‮.
هكذا،‮ أصبحت‮ مؤسسات‮ المغرب‮ الاقتصادية‮ والمالية‮ والسياسية‮ والإعلامية‮ مقسمة‮ بين‮ نفوذ‮ الرجلين‮ القويين،‮ وكل‮ من‮ يغامر‮ بالاقتراب‮ من‮ المياه‮ الإقليمية‮ للآخر‮ يرى‮ كيف‮ يتعرض‮ «‬رجاله‮» للتنحية‮ السريعة،‮ إلى‮ درجة‮ أن‮ البلاد‮ أصبحت‮ مقسمة‮ إلى‮ قسمين،‮ تتعارك‮ داخلهما‮ المصالح‮ والامتيازات‮ وتتحول‮ فيهما‮ المؤسسات‮ العمومية‮ إلى‮ رقعة‮ شطرنج‮ والمدراء‮ إلى‮ لاعبين‮ يتم‮ تحريكهم‮ وإسقاطهم‮ حسب‮ ما‮ تقتضيه‮ أمزجة‮ اللاعبين‮ الكبار‮.
وإذا‮ كان‮ الماجدي،‮ بحكم‮ مسؤوليته‮ عن‮ ثروة‮ الملك‮ وشؤونه‮ الخاصة،‮ استطاع‮ أن‮ يمد‮ أذرعه‮ باتجاه‮ قطاع‮ المال‮ والأعمال،‮ فإن‮ الهمة‮ استطاع‮ أن‮ يمد‮ أذرعه‮ باتجاه‮ المال‮ والأعمال‮ والسياسة‮ والقضاء‮.‬
هكذا،‮ وطيلة‮ العشر‮ سنوات‮ الأخيرة،‮ لم‮ يعد‮ نفوذ‮ الرجلين‮ مقتصرا‮ على‮ إدارة‮ شؤون‮ الملك‮ المالية‮ والسياسية،‮ وإنما‮ أصبحت‮ للرجلين‮ مصالح‮ خاصة‮ خارج‮ أسوار‮ البلاط‮ يدافعان‮ عنها‮ ويبحثان‮ لتنميتها‮ وتطويرها‮.
وهذا‮ ليس‮ جديدا،‮ فعندما‮ نتابع‮ قضية‮ ورثة‮ رضى‮ كديرة،‮ مستشار‮ الحسن‮ الثاني،‮ التي‮ تروج‮ اليوم‮ أمام‮ القضاء‮ ضد‮ شريكه‮ اليهودي‮ مارسيانو،‮ نكتشف‮ أن‮ ورثة‮ كديرة‮ يطالبون‮ بأراض‮ وعقارات‮ وأموال‮ كانت‮ باسم‮ والدهم‮ ويتهمون‮ مارسيانو‮ بالسطو‮ عليها‮.
السؤال‮ هو‮: من‮ أين‮ جاء‮ كديرة‮ بكل‮ هذه‮ العقارات‮ والأراضي‮ والأموال،‮ إذا‮ كان‮ منصبه‮ كمستشار‮ لا‮ يمنحه‮ أكثر‮ من‮ راتبه‮ الشهري‮ الذي‮ لن‮ يتجاوز‮ عشرة‮ ملايين‮ سنتيم‮ في‮ أحسن‮ الأحوال؟‮
الجواب‮ بسيط‮ للغاية،‮ فالمستشارون‮ والمكلفون‮ بمهمة‮ داخل‮ الديوان‮ الملكي‮ يستفيد‮ أغلبهم‮ من‮ هذه‮ الوظيفة‮ لكي‮ يحصلوا‮ على‮ امتيازات‮ لشركاتهم‮ وشركات‮ عائلاتهم‮. وأكبر‮ مثال‮ على‮ هؤلاء‮ فاضل‮ بنيعيش،‮ المكلف‮ بمهمة،‮ والذي‮ استطاع‮ أن‮ يحصل،‮ هو‮ وأخته‮ السفيرة‮ في‮ البرتغال،‮ على‮ حق‮ استغلال‮ اسم‮ شركة‮ مطاعم‮ «‬لونوطر‮»‬،‮ وعلى‮ صفقات‮ مع‮ مؤسسات‮ عمومية‮ لتزويدها‮ بالمأكولات‮ وحلويات‮ ومشروبات‮ الحفلات‮.
هذا‮ دون‮ أن‮ نتحدث‮ عن‮ ابن‮ المستشار‮ الراحل‮ مزيان‮ بلفقيه‮ الذي‮ ظل‮ يستعمل‮ اسم‮ والده‮ لاحتكار‮ صفقات‮ شركة‮ الطرق‮ السيارة‮ التي‮ يسيرها‮ عثمان‮ الفاسي‮ الفهري،‮ الذي‮ يدين‮ ببقائه‮ طيلة‮ كل‮ هذه‮ السنوات‮ في‮ منصبه‮ لتوصيات‮ بلفقيه،‮ أو‮ عن‮ ابنته‮ الموثقة‮ التي‮ منحها‮ حصار،‮ عندما‮ كان‮ مشرفا‮ على‮ مشروع‮ سلا‮ الجديدة،‮ صفقة‮ تحفيظ‮ جميع‮ شقق‮ المدينة،‮ أو‮ حتى‮ عن‮ «‬ورثته‮» في‮ المجلس‮ الأعلى‮ للتعليم‮ كالسيد‮ عبد‮ اللطيف‮ المودني،‮ السكرتير‮ العام‮ للمجلس،‮ الذي‮ يعتبر‮ نفسه‮ وريث‮ بلفقيه‮ كمكلف‮ بمهمة‮ في‮ الديوان‮ الملكي،‮ والذي‮ يستغل‮ وضعية‮ المجلس‮ الحالية‮ للاستفادة‮ من‮ أربع‮ سيارات‮ ومساعدين،‮ يوجدون‮ تحت‮ إشارته‮ على‮ مدار‮ اليوم‮ والليلة،‮ ومعاملة‮ موظفي‮ المجلس‮ بطريقة‮ دكتاتورية‮ حتى‮ إنه‮ تجرأ‮ على‮ إغلاق‮ الأبواب‮ الثلاثة‮ للمجلس‮ والإبقاء‮ على‮ باب‮ واحد‮ فقط،‮ ضدا‮ على‮ قوانين‮ السلامة‮.
عندما‮ يجمع‮ المستشارون‮ والمكلفون‮ بمهمة‮ والمسؤولون‮ عن‮ الكتابة‮ الخاصة‮ للملك‮ وأصدقاؤه‮ المقربون‮ بين‮ وجودهم‮ في‮ خدمة‮ الملك‮ وبين‮ إشرافهم‮ على‮ مشاريعهم‮ الاقتصادية‮ الخاصة،‮ فإن‮ هذا‮ الخلط‮ لا‮ يسلم‮ من‮ استغلال‮ النفوذ‮.
ولذلك،‮ فالوضع‮ الذي‮ يعيشه‮ المغرب‮ اليوم‮ والذي‮ يفرض‮ علينا‮ جميعا‮ أن‮ نقول‮ الحقيقة‮ للملك،‮ يدفعنا‮ إلى‮ القول‮ إن‮ الجمع‮ بين‮ الوجود‮ داخل‮ المحيط‮ الملكي‮ وبين‮ الوجود‮ داخل‮ محيط‮ المال‮ والأعمال‮ ليس‮ في‮ صالح‮ الملك،‮ لأن‮ تجاوزات‮ هؤلاء‮ المحيطين‮ بالملك‮ تنعكس‮ مباشرة‮ على‮ هذا‮ الأخير،‮ ولأنه‮ من‮ الصعب‮ أن‮ يلجم‮ الإنسان‮ شططه‮ وهو‮ يرى‮ أن‮ الجميع‮ يخاف‮ منه‮ بحكم‮ قربه‮ من‮ الملك،‮ فإن‮ احتمالات‮ الوقوع‮ في‮ التجاوز‮ تبقى‮ كبيرة،‮ وبالتالي‮ فالأنسب‮ لكل‮ من‮ يختار‮ الاشتغال‮ إلى‮ جانب‮ الملك‮ أن‮ يغادر‮ عالم‮ المال‮ والأعمال‮ ويتفرغ‮ لخدمة‮ الملك،‮ لا‮ أن‮ يستغل‮ خدمته‮ للملك‮ من‮ أجل‮ خدمة‮ مصالحه‮ الخاصة‮ وتنمية‮ شركاته‮ ورؤوس‮ أمواله‮.
عندما‮ نشرنا‮ الوثائق‮ التي‮ تثبت‮ أن‮ شركة‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة‮ استفادت،‮ بطريقة‮ غير‮ قانونية،‮ من‮ صفقة‮ منحها‮ إياها‮ علي‮ الفاسي‮ الفهري‮ من‮ أجل‮ تمرير‮ مشروع‮ إدماج‮ مكتبي‮ الماء‮ والكهرباء‮ في‮ مكتب‮ واحد،‮ وقلنا‮ إن‮ هذه‮ الشركة‮ تستفيد‮ من‮ مليار‮ ومائتي‮ مليون‮ سنويا‮ لمصاحبة‮ مفاوضات‮ المغرب‮ والبوليساريو،‮ بدون‮ المرور‮ عبر‮ طلبات‮ عروض‮ كما‮ تنص‮ على‮ ذلك‮ مذكرة‮ الوزير‮ الأول،‮ فإننا‮ كنا‮ نقدم‮ الدليل‮ الواضح‮ على‮ استغلال‮ القرب‮ من‮ الملك‮ وصداقته‮ من‮ أجل‮ تحقيق‮ مكاسب‮ مادية‮ شخصية‮.
عوض‮ أن‮ يجيب‮ الهمة‮ الرأي‮ العام‮ ودافعي‮ الضرائب‮ عن‮ هذه‮ الاتهامات‮ الخطيرة،‮ فضل‮ أن‮ يجند‮ «‬مخابراته‮» بحثا‮ عن‮ طريقة‮ يرد‮ بها‮ الصاع‮ صاعين‮ لمن‮ يعتبرهم‮ محركي‮ الحرب‮ الإعلامية‮ ضده‮.
وبالنسبة‮ إلى‮ الهمة‮ الذي‮ تعود‮ أن‮ يغازله‮ الجميع‮ ويفرشوا‮ له‮ الورود‮ أينما‮ حل‮ خوفا‮ أو‮ تزلفا،‮ فإن‮ من‮ يتجرأ‮ على‮ انتقاده‮ لا‮ بد‮ وأن‮ يكون‮ مدفوعا‮ من‮ طرف‮ خصومه‮ داخل‮ البلاط‮ الملكي‮.
وهو‮ رد‮ الفعل‮ نفسه‮ الذي‮ أبداه‮ مؤرخ‮ المملكة‮ السابق،‮ حسن‮ أوريد،‮ الذي‮ ربط‮ مباشرة‮ ما‮ كتبناه‮ حول‮ تجاوزاته‮ عندما‮ كان‮ واليا‮ على‮ مكناس‮ بمؤامرة‮ نسج‮ خيوطها‮ الهمة‮ وأجهزة‮ مخابراته‮ لمعاقبته‮ على‮ بصقه‮ في‮ طنجرة‮ المخزن‮ التي‮ أكل‮ منها‮.
صحيح‮ أن‮ الهمة‮ كان‮ وراء‮ طرد‮ أوريد‮ من‮ المربع‮ الذهبي،‮ لكن‮ الهمة‮ ليس‮ هو‮ من‮ علم‮ أوريد‮ كيف‮ يتحول،‮ في‮ ظرف‮ خمس‮ سنوات،‮ من‮ موظف‮ بسيط‮ إلى‮ ملياردير‮ هو‮ وأخوه‮ الذي‮ افتتح‮ قبل‮ يومين،‮ وأمام‮ خمارته،‮ فندقا‮ فخما‮ في‮ عمارة‮ كانت‮ تابعة‮ لمقر‮ «‬الديستي‮» في‮ شارع‮ النصر‮ بالرباط‮.‬
وإذا‮ كان‮ المحيط‮ الملكي‮ قد‮ تخلص‮ من‮ أوريد‮ الذي‮ أبلى،‮ باسم‮ القصر،‮ البلاء‮ الحسن‮ في‮ ممتلكات‮ الدولة‮ وأراضيها،‮ فإن‮ المطلوب‮ اليوم‮ هو‮ تخليص‮ هذا‮ المحيط‮ من‮ مصاصي‮ دماء‮ آخرين‮ يختفون‮ وراء‮ الملك‮ لكي‮ ينهبوا‮ أراضي‮ الناس‮ ويجردوهم‮ من‮ ممتلكاتهم‮ باستعمال‮ القضاة‮ الفاسدين‮ الذين‮ ترتعد‮ فرائصهم‮ بمجرد‮ سماعهم‮ صوت‮ أحذية‮ رجال‮ القصر‮ وهم‮ يقتربون‮ من‮ مكاتبهم‮.
إن‮ السؤال‮ اليوم‮ ليس‮ هو‮ من‮ يحرك‮ الحملة‮ ضد‮ الهمة‮ أو‮ الماجدي‮ أو‮ غيرهما‮ في‮ الشوارع‮ خلال‮ المسيرات‮ الاحتجاجية،‮ وإنما‮ السؤال‮ هو‮ متى‮ سيغادران‮ عالم‮ المال‮ والأعمال‮ والسياسة‮ ويتفرغان‮ لخدمة‮ الملك؟‮
إن‮ مغادرة‮ أقرب‮ المقربين‮ إلى‮ الملك‮ للساحة‮ السياسية‮ والمالية‮ سيفتح‮ باب‮ المغادرة‮ أمام‮ العشرات‮ من‮ المحيطين‮ بالملك‮ والذين‮ ظلوا‮ يستغلون‮ هذا‮ القرب‮ لترويع‮ أوساط‮ المال‮ والأعمال‮ والحصول‮ على‮ صفقات‮ بشروط‮ تفضيلية‮ وبدون‮ أدنى‮ منافسة‮..
هؤلاء‮ المحظوظون‮ الذين‮ ما‮ إن‮ يشهروا‮ بطاقات‮ زياراتهم‮ التي‮ يظهر‮ عليها‮ التاج‮ حتى‮ تنفتح‮ أمامهم‮ الأبواب‮ ويهجرهم‮ مفتشو‮ الضرائب‮ إلى‮ الأبد‮.
إن‮ كثيرا‮ من‮ ملفات‮ الفساد‮ الإداري‮ والمالي‮ تذهب‮ مباشرة‮ إلى‮ الحفظ‮ بسبب‮ وجود‮ أسماء‮ بعض‮ هؤلاء‮ السادة‮ ضمن‮ لائحة‮ المتورطين‮.
بعد‮ الخطاب‮ الملكي‮ الأخير‮ الذي‮ تحدث‮ عن‮ المراقبة‮ والمحاسبة،‮ يجب‮ أن‮ يفهم‮ القضاء‮ أن‮ حصانة‮ هؤلاء‮ الناس‮ قد‮ سقطت،‮ وأن‮ من‮ يخرق‮ القانون‮ يجب‮ أن‮ ينتهي‮ أمام‮ المحكمة،‮ «‬يكون‮ شكون‮ ما‮ بغا‮ يكون‮».
هذا‮ هو‮ المغرب‮ الذي‮ نريد‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.