انطلقت مساء أول أمس، وضمن منتدى أصيلة الثقافي في دورته الثلاثين، ندوة «الإعلام في القرن الواحد والعشرين»، والتي تنظمها جريدة «الشرق الأوسط» بمناسبة مرور 30 سنة على صدورها، بالكلمة التي وجهها الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، والذي اعتبر في كلمته أن «الشرق الأوسط» استطاعت أن تحمل المشروع الإعلامي العربي وتتواصل مع القارئ العربي في جميع أنحاء العالم. واعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمنتدى أصيلة، أثناء افتتاحه لندوة «الإعلام في القرن الواحد والعشرين» والتي تنظمها جريدة «الشرق الأوسط» بمناسبة مرور ثلاثين سنة على صدروها، أنه من الصدفة تماما أن تتلازم هذه الندوة مع مرور 30 سنة على تأسيس منتدى أصيلة. وقال إن جريدة الشرق الأوسط قدمت خدمة إعلامية تميزت بالراهنية والتجدد، واستطاعت أن تكون جريدة متطلعة إلى المستقبل، من خلال استيعابها للتحولات التي تجري في حقل الممارسة الإعلامية. وأشار إلى أنه ليس من السهل تماما أن تكون صوتا مسموعا ومتفردا في ظل ساحة إعلامية مترامية الأطراف، وأن تقدم خدمة إعلامية للقضايا العربية، في ظل التوظيف الشديد لأجهزة الإعلام من قبل صانعي القرار، وفي سياق مسلسل التضليل الذي يطال الممارسة الإعلامية، والانحراف بالقارئ عن الخدمة الإعلامية الحقيقية والشفافة. وذهب إلى أننا نشهد في الوقت الراهن انتهاكا إعلاميا للحياة الشخصية وتأجيجا للنزوعات العرقية، وإضفاء مزيد من الإثارة والتوتر على النزاعات البشرية، وهجوما على الحياة الحميمية للبشر، مما يطرح أسئلة كثيرة على دور الإعلام كصناعة وعلى مضامينه. وأكد أن هذه الندوة تجتمع فيها كل أسباب النجاح، لأنها تجمع في كنفها ناشرين ومحللين ومسيرين وكتاب أعمدة ورأي ذائعة الصيت. وخلص إلى أن جريدة «الشرق الأوسط» قد عززت عرى الصداقة بين العرب والمملكة العربية السعودية، وكسبت ثقة القارئ من خلال الموضوعية التي تحلت بها وبحثها عن الحقيقة وابتعادها عن أساليب التحريض، سواء تعلق الأمر بالأشخاص أو بالأنظمة، وتلك هي أحد أسباب نجاحها كجريدة عربية، ولكل العرب كما يقول شعارها. من جهته، قال الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أن الاحتفال بمرور ثلاثين سنة على تأسيس جريدة «الشرق الأوسط» هو دليل على المسار الطويل الذي قطعته هذه المؤسسة الإعلامية العربية، والتي استطاعت أن تتحول في ظرف وجيز إلى جريدة لكل العرب تساوقا مع الشعار الذي رفعته، واعتبر أن الجريدة وضعت نفسها في خدمة القارئ العربي في كل زمان ومكان من خلال اتباع المنهجية الصحفية المتزنة، ومن خلال انتهاج أسلوب الطباعة عن بعد في العديد من مدن العالم، وقال إن «الشرق الأوسط» هي صاحبة ريادة وسبق في الصحافة المكتوبة في العالم العربي لكونها أول مجموعة إعلامية تدرج أسهمها في السوق المالية، وأنه في سياق التطوير الذي تنتهجه ستعلن قريبا عن مجلس أمناء المؤسسة في أفق منح استقلالية أكبر للعمل الصحفي ولرؤساء التحرير، وأيضا من أجل خلق توازن بين السوق والمهنة. وقال خالد الناصري، وزير الاتصال المغربي، إن المغرب قطع أشواطا كبيرة في اتجاه منح مساحة أوسع للعمل الصحافي، في إطار ما سماه بجو من الحرية والمسؤولية والمساهمة الفعالة في تثبيت قيم الديمقراطية والمواطنة. واعتبر الندوة فرصة لمساءلة آفاق وواقع الإعلام ومدارسة قضايا من قبيل الفجوة الرقمية وتزايد سلطة الإعلام وعلاقة سلطة المهنة بسلطة التمويل ومسؤولية الإعلام في دعم حوار الحضارات، مما يتيح الفرصة للتأمل أكثر في ضوابط المهنة الأخلاقية والقضائية للحيلولة دون الفتنة والعدمية. وقال الناصري إنه متفائل بمستقبل الإعلام في المنطقة العربية، ونوه بجريدة «الشرق الأوسط» واعتبرها خيمة لكل الأقلام العربية. وتحدث في الجلسة الافتتاحية أيضا وزير الاتصال السابق محمد العربي المساري، وقال إن انتهاج «الشرق الأوسط» للطباعة عن بعد أتاح لها فرصا قوية للوصول إلى القارئ العربي في مختلف بقاع العالم، في سياق مواكبتها للتحولات التي طبعت مسار الصناعة الإعلامية في العالم، ومن ثمة، كما يقول المساري، فإن اللاتقنين قد أنهى العمل بقواعد ثابتة، وأصبحنا نعيش كونيا مرحلة جديدة إعلاميا. وتطرق إلى الحديث عن عمله في الشرق الأوسط ككاتب رأي وعن مرحلة الطباعة في المغرب، والتي أثارت في ذلك الوقت تخوفات الصحافة المغربية. واعتبر بيرناردينو ليون غروس، الأمين العام لرئاسة مجلس الحكومة الإسبانية، أن وسائل الإعلام الحالية تواجهها تحديات كبيرة على المستوى المهني، واعتبر أن انخراط إسبانيا في تحالف الحضارات، والذي يركز على الرباعي: التربية والهجرة والشباب والإعلام، هو دليل على المكانة التي يكتسيها الإعلام في عالم اليوم، مستشهدا بقولة لإدوار سعيد أنه لا ينبغي أن نتحدث عن صدام الحضارات بل عن حوار الحضارات. وقال إننا نعيش اليوم في مناخ يتسم بالأحكام المسبقة والأفكار الجاهزة، وأن دور الإعلام هو المساهمة في دفع القلق عن الناس وتوخي الحقيقة والابتعاد عن التهييج وتقوية الأبعاد العقلانية، والتصدي للأفكار المقولبة التي تشوه الحقائق. وتوقف الصحافي اللبناني جميل مروة عند الأهمية التي أصبح يكتسيها الإعلام في حياة الناس، وقال إن الصحافة أصبحت اليوم مثل الخبز ضرورة يومية وحياتية، ولم تعد ترفا أبدا، وإن المجتمع المحجوب عن الإعلام معرض للفتنة، وللسقوط في دوائر القلق. وعاد إلى ابن المقفع كي يقرأ اللحظة الراهنة. واختتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة نقيب الصحفيين المغاربة يونس مجاهد، الذي شدد على ضرورة مراجعة منظورنا وفلسفتنا في التعامل مع الصحافة ومع وسائل الإعلام كافة، والتفكير في إطارات قانونية ملائمة تستجيب للحاضر وللمستقبل، والانتماء إلى أخلاقيات المهنة، ومراجعة كل أشكال الرقابة السابقة التي لم تعد ممكنة اليوم، فالحرية هي الأصل في كل عمل إعلامي حقيقي وجاد.