كرة اليد.. اتحاد طنجة يتأهل لربع نهائي كأس العرش    جهاز الإحصاء الفلسطيني: مقتل أكثر من 134 ألف فلسطيني وأكثر من مليون حالة اعتقال منذ نكبة 1948    دفاتر النقيب المحامي محمد الصديقي تكشف خبايا مغربية عقب تحقيق الاستقلال    مدرب بركان يشيد بالفوز على الزمالك    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    لقاء لشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار بفاس حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي    الانفصاليون في كاتالونيا يخسرون غالبيتهم أمام الاشتراكيين بقيادة سانشيز    طقس الإثنين.. أمطار رعدية مع هبوب رياح قوية بهذه المناطق    خلاف مروري بساحل أكادير يتحول إلى جريمة دهس مروعة (فيديو)    بلينكن يحذر إسرائيل من "الوقوع في فخ القتال مع حماس والانزلاق إلى الفوضى إذا لم يكن هناك خطة لحكم غزة في مرحلة ما بعد الحرب"    إقليم العرائش يستعد لاحتضان الدورة الثانية عشرة للمهرجان الدولي ماطا للفروسية    المنتخب المغربي للتنس يتوج بطلا لإفريقيا    رصيف الصحافة: سمك فاسد في "جامع الفنا" يودع 3 أشخاص الحراسة النظرية    مطلب ربط الحسيمة بشبكة السكة الحديدية على طاولة وزير النقل    الجيش المغربي ونظيره الأمريكي ينظمان الدورة ال20 من مناورات "الأسد الإفريقي"    النصيري في ورطة بإسبانيا وعقوبة ثقيلة تنتظره    تفاصيل محاولة فرار "هوليودية" لمغاربة بمطار روما الإيطالي        "إيقاعات تامزغا" يرفع التحدي ويعرض بالقاعات السينمائية الأسبوع المقبل    جيتكس إفريقيا المغرب 2024.. وكالة التنمية الرقمية في خدمة النهوض بالابتكار والتكنولوجيا الجديدة    باريس سان جيرمان يودع مبابي أمام تولوز بالدوري الفرنسي الليلة    وفاة 5 تلاميذ غرقا بأحد شواطئ الجزائر    بونو: هدفنا إنهاء الموسم بدون خسارة وتحقيق كأس الملك    عاصفة شمسية قوية تنير السماء بأضواء قطبية في عدة دول    أردوغان: نتنياهو بلغ مستوى يثير غيرة هتلر    حل مجلس الأمة الكويتي: إنقاذ للبلاد أم ارتداد عن التجربة الديمقراطية؟    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    أسعار الطماطم تقفز بأسواق المغرب .. ومهنيون: تراجع الإنتاج وراء الغلاء    معرض الكتاب.. لقاء يحتفي بمسار الأديب أحمد المديني    افتتاح فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان بأكادير    "أسبوع القفطان".. فسيفساء من الألوان والتصاميم تحتفي بعبق الزي المغربي    "كوكب الشرق" أم كلثوم تغني في مهرجان "موازين" بالرباط    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب سواحل المكسيك    اليوتوبر إلياس المالكي يمثل أمام النيابة العامة    الصويرة : دورة تكوينية لفائدة أعوان التنمية بمؤسسة إنماء    المغرب الفاسي يبلغ نصف النهائي بفوزه على المغرب التطواني    الحسيمة تحتضن مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي    الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لها للمشاركة في إدارة غزة    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل59 مرشحا للهجرة غير النظامية    عرض "قفطان 2024" في نسخته الرابعة و العشرين بمراكش    ورشة حول التربية على حقوق الانسان والمواطنة    مذكرة توقيف تلاحق مقدم برامج في تونس    بعد إلغاء حفل توقيع رواياته.. المسلم يعد جمهوره بجولة في المدن المغربية    الصين تطور أول نظام للهيدروجين السائل المركب بالسيارات من فئة 100 كيلوغرام    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف مارس حزب الاصالة والمعاصرة الارهاب السياسي على خصومه
اختزل مشروعه السياسي في محاربة الإسلاميين وتحرك باسم القرب من الجهات العليا
نشر في المساء يوم 04 - 04 - 2011

كان الكل ينتظر من حزب الأصالة والمعاصرة، الذي بُني على أنقاض أحزاب إدارية محتضرة، أن يقدم للبلاد بديلا سياسيا واعدا، إلا أنه بعد عامين ونصف
من ولادة هذا الكيان السياسي، تبيَّن أنه، وبعيدا عن «فزّاعة» قربه من دوائر صنع القرار العليا، لا يترجم الآمال التي عقدها عليه المغاربة في فتح أفق جديد في سماء السياسة المغربية، كما أن هدا الحزب أخلف وعده بتطبيق مشروع اجتماعي «أسهب» في شرحه في مختلف المنابر الإعلامية، ليبقى مجرد حبر على ورق. لنلق نظرة على حزب يعتمد مشروعه «السياسي»، إلى حد الآن، على الكلام الغوغائي لا غير ومحاربة أسلمة المجتمع..
أظهرت الأحداث الدامية التي عرفتها العيون، أثناء تفكيك مخيم «أكديم إيزيك»، محدودية حزب فؤاد عالي الهمة، خصوصا في تسيير الملفات والأزمات الكبرى. وفي الوقت الذي تفاقمت الأوضاع في هذه المدينة الجنوبية وكانت مرجَّحة لأن تأخذ منعطفا خطيرا، لوحظ أن «البام»، الذي يزعم الدفاع عن مشروع اجتماعي دون أن يفسر حيثياته، لم يكن فقط غائبا عن هذه الأزمة، بل تسبب تدخله السلبي، إذا لم نقل المسيء، في تعطيل عملية البحث عن مخرج سريع لها. ولا يخفى على أحد أن هذا راجع إلى الحسابات السياسية الضيقة والمعادلات الفارغة التي يعتمدها هذا الحزب، والتي لا ترقى إلى مستوى ممارسات مكون سياسي يحترم نفسه ومنتخبيه. كيف ذلك؟ بكل بساطة، ففي الوقت الذي كانت كل الوسائل الإعلامية الدولية تسلط الضوء على ما يجري في العيون وكانت تشوه صورة المملكة وتنتقد تسييرها لهذه الأزمة، كل ما برع فيه «البام» هو بحثه المستميت عن كبش فداء يبرر به هذه الانزلاقات التي عرفها الجنوب، بفعل فاعل. ومنذ البداية، علّق «البام» أخطاءه على مشجب حزب الاستقلال، في شخص حمدي ولد الرشيد، رئيس المجلس البلدي للعيون. وعوض أن يقوم «البام» بضم مجهوداته إلى مجهودات كل المكونات السياسية المحلية، لإيجاد مخرج لتلك الأزمة، فضّل الابتعاد والاكتفاء بإطلاق لسانه السليط على كل الأطراف. ولا عجب في ذلك، فهذا التعامل الاستعلائي الذي اعتمده «البام» يجد تفسيره في كواليس الانتخابات الجماعية الأخيرة، حيث كان هذا الكيان السياسي يراهن على تسيير العيون، معتمدا على إحدى الشخصيات الصحراوية البارزة. إلا أن رهانه هذا لاقى فشلا ذريعا، لأن المنطقة الجنوبية، بكل بساطة، تبقى تحت سيطرة عائلة ولد الرشيد. غير أن «البام» ليس باللاعب الجيد ولا بالحكم العادل ولم يستسغ هذه الخسارة التي لقيها في الصحراء، رغم النوايا الحسنة لأمينه العام، محمد الشيخ بيد الله. وهكذا، اعتقد «البام» أن ما حدث في الجنوب هو الفرصة المواتية ل«الانتقام»، إلا أن هذا الحساب السياسي كان ك«من حفر حفرة لأخيه ووقع فيها» و«انقلب السحر على الساحر»، لأن عائلة ولد الرشيد كانوا وما زالوا حاضرين وبقوة، ليكون أكبر ضحية في هذه الواقعة هو الوالي محمد جلموس، الذي أدى الثمن غاليا، ليس بسبب تسييره السيئ لهذه الأزمة، بل بسبب قربه من فؤاد عالي الهمة، الذي لم يتردد في إدارة ظهره لجلموس في وقت الشدة. وهكذا، سرعان ما فهم الجميع أن حزب الأصالة والمعاصرة هو سيف ذو حدين، يساند في السراء ويتخلى في الضراء.
مسقط الرأس
تشبه ولادة حزب الأصالة والمعاصرة كثيرا تلك السيناريوهات الهوليودية التي يمتزج فيها الواقع بالخيال. غير أن مخاض «البام» كان «حقيقة» فُرِضت على الساحة السياسية أمام ذهول الجميع. وقد ابتدأ هذا السيناريو المشوق باستقالة فؤاد عالي الهمة من وزارة الداخلية وإنشائه «حركة لكل الديمقراطيين»، التي جاءت كمبادرة ترمي إلى تقديم إطار جديد للمفكرين الذين يؤمنون بالديمقراطية والحداثة ويطمحون إلى الخروج من قوقعة الانتظارية والسبات الفكري والسياسي. كان رجالات هذه الحركة يرون فيها متنفسا يخول لكل المنتمين إليها إمكانية المساهمة في مجريات الواقع السياسي للبلاد. ومع مرور الوقت وتطور هذه الحركة، كان مسيروها يقسمون بأغلظ الأَيْمان إنهم لم ولن يسعَوا من خلال هذه المبادرة إلى إنشاء حزب سياسي جديد، لأن الساحة المغربية -حسب قولهم- لا تحتمل حزبا آخر ينضاف إلى الأحزاب الموجودة، والتي تقارب الأربعين.
إلا أن الواقع سرعان ما فنّد مزاعم مسيري هذه الحركة، الذين كانوا منذ البداية، وفي سرية تامة، يمهدون لإنشاء حزب سياسي جديد، بمبادرة و«مباركة» إداريتين، بغية إحداث قطب سياسي وازن، قادر على مواجهة «المد الإسلامي»، الذي يمثله حزب العدالة والتنمية. وباختصار، يبقى السبب الوحيد وراء إنشاء هذا الحزب هو قطع الطريق أمام حزب العدالة والتنمية، سواء على مستوى الانتخابات التشريعية أو على مستوى الانتخابات الجماعية. وبالفعل، في 2007، سوف ترى طموحات فؤاد عالي الهمة النور، حيث سيتقدم كمرشح مستقل في مسقط رأسه، «الرحامنة»، بمعية قائمة من مقرَّبيه وأصدقائه، ل«يحصدوا» جميع المقاعد، في سابقة لم تعرفها صناديق الاقتراع في المملكة من قبل!...
سيجعل هذا الحصاد الانتخابي الاستثنائي، الذي راكمه «البام»، من فؤاد عالي الهمة ركيزة أساسية من ركائز حكومة عباس الفاسي، وهكذا سيعمل الهمة، بكل تفانٍ، على تسخير نوابه للتصويت لصالح الحكومة «الفهرية».
ولعل للمرء أن يتساءل: كيف يُعقَل أن يساند حزب معارض الأغلبية؟ فهذه الازدواجية تتنافى، بشكل صارخ، مع كل القواعد الديمقراطية المعروفة والنتعارف عليها عالميا، ويبقى التبرير الذي يقدمه «البام» ناقوسا يقلق معظم الأحزاب، عوض أن يطمئنها، وهذا ما يدفعها، بالتالي، إلى التشكيك في هذه المبادرة باعتبارها خطوة مدروسة لاستقطاب أكبر عدد من مناضلي الأحزاب الأخرى. وكان أول من انتقد هذه الخطوة هما حزبا العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فالأول يتهم «البام»، صراحة، بإنشاء «حزب إداري» بامتياز، لخدمة مصالح جد ضيقة. أما الحزب الثاني فلم يعد يعرف كيف يقيّم هذا «الحنين» إلى الممارسات السياسية القديمة، بمعنى آخر، إنشاء أحزاب بغية تحقيق أهداف سياسية صرفة. إلا أن الفرق المسجل في الموقفين هو أن الاتحاد الاشتراكي، العضو في الائتلاف الحكومي، استفاد من دعم «البام» للبرلمان. وهكذا، عوض أن ينسحب من الأغلبية، اكتفى ببيان أصدره مكتبه السياسي، ينتقد فيه، بشدة، ما أسماه «الوافد الجديد». أضف إلى ذلك أن حزب الاستقلال استفاد -بدوره- من أصوات «البام»، التي ضمنت له الحصول على الأغلبية، وبالتالي تسيير الحكومة. وكان بإمكان حزب الاستقلال أن يعبر عن عدم رضاه بانسحابه من الحكومة، إلا أنه، على غرار الاتحاد الاشتراكي، فضل التمسك بالأغلبية، مع انتقاد حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يصفه عباس الفاسي ب«مجرد ناد للتفكير» غيرِ قابلٍ لأن يحمل اسم حزب سياسي.
وتعتبر هذه الممارسات السياسية التي تعرف تزايدا ملحوظا في المشهد السياسي بسبب المواقف المتناقضة للفاعلين السياسيين هي السبب الرئيسي وراء انعدام الثقة بين عامة الناس والهيئات السياسية وبالتالي العزوف عن الشأن السياسي ببلادنا.
تناقضات
لا يمكن لأحد أن يخفي التناقضات التي يجسدها «البام»، فتارة يقدم نفسه على أنه معارض لحكومة عباس الفاسي، من خلال التدخلات «الفرعونية» التي يقوم بها حكيم بن شماس، المتحدث باسم الحزب داخل الغرفة الثانية، والذي يبرع في «إرهاب» الوزراء بانتقاداته اللاذعة. وتارة يميل إلى صفوف الأغلبية، بتأييد مشاريع حكومية. وبناء على هذه الازدواجية، اعتمد «البام»، منذ تأسيسه، على سياسية الترهيب، بغية حصد أكبر عدد من الأصوات، وبالتالي رفع تحدي استقطاب أكبر عدد ممكن من المنتمين. وعلى أي حال، فقادة الحزب لا يخفون، في خرجاتهم الإعلامية، اعتمادهم في إنشاء الحزب على استقطاب رموز الفساد الانتخابي واللوبيات والأعيان المحليين، دون الاكتراث بمصداقية الحزب، الذي كان شغله الشاغل هو الاستحواذ على صناديق الاقتراع.
«النخبة» و«الأعيان»...
يروج «البام» خطابين، الأول مثالي والثاني «واقعي». يرتكز الخطاب الأول على «تشجيع النضال السياسي وإيقاظ الوعي الديمقراطي لدى المواطن المغربي وإقامة ديمقراطية نموذجية تعتمد على جميع القوى الحية في البلاد، وهذا ما دفع الحزب إلى تشكيل إطار جديد لمكافحة العزوف عن صناديق الاقتراع. إلا أن هذه الرغبة في الحوار مع الناخبين لإقناعهم بالحاجة الملحة إلى تحسين وتعزيز مكاسبهم في الديمقراطية والحداثة، من خلال مشاركة «النخب» في الحياة السياسية، تضاهي رغبة الحزب في تجميع هذه النخبة، مهما كلفه الثمن، مغلبا الكم على الكيف.
ويتعلق الأمر هنا باستقطاب كل «الأعيان» المحليين، مهما كانت انتماءاتهم أو دوافعهم، وهكذا انطلقت عملية «الكاستينغ» ليتم ضم كل من هب ودب إلى صفوف الحزب. والهدف؟ تشكيل سد منيع ل«التهديدات الإسلامية»، وهكذا فتح «البام» ذراعيه ل«المعارضين» القدامى، كصلاح الوديع وأحمد اخشيشن وحبيب بلكوش وحسن بن عدي وخديجة الرويسي وحكيم بنشماس وسمير أبو القاسم، الذين يعتبرون أنفسهم «منظري» الحزب و«مفكريه». ولمواكبة «المغرب العميق غير النخبوي»، يجمع «البام» ثلة من بقايا الأحزاب الإدارية التي أنشأها ادريس البصري، وهكذا فطن فؤاد عالي الهمة إلى إدماج ما لا يقل عن 5 أحزاب سياسية «تقليدية» داخل حزبه، تم حلها مسبقا، قبل أن تنضم إلى جناح «البام»، وهذا ما أفرز لنا «كوكتيلا» سياسيا بدون هوية. وإلى جانب صلاح الوديع واخشيشن وحبيب بلكوش وحسن بن عدي وخديجة الرويسي وحكيم بنشماس وسمير أبو القاسم، نجد عبد الله القادري وأحمد العلمي ونجيب الوزاني وعلي بلحاج! والسبب وراء هذا الالتحام هو قرب هذا الحزب من دوائر صنع القرار العليا، الشيء الذي يسيل لعاب الكثيرين. والغريب أن هؤلاء لا يجمعهم أي مشروع حزبي واضح أو رؤية سياسية مستنيرة أو خارطة طريق واضحة، ليبقى التعطش إلى السلطة والوعود الفارغة هي المحرك الأساسي لهذا الكيان «الغريب والمتناقض».
الترحال السياسي
عزّزت، النزوحَ الجماعيَّ الذي لوحظ في اتجاه «البام»، بشكل كبير، طموحات «مرتزقة السياسة»، الذين يحاولون، جاهدين، الحصول على أصوات المنتخَبين. وبالإضافة إلى النزاعات التي يعيشها «البام» مع الأحزاب الأخرى، يعاني كذلك من نزاعات داخلية تتطور في بعض الأوقات إلى مواجهات بين أعضائه في عدة مناطق من المغرب، وتحديدا بسبب «التزاحم» أمام أبواب حزب الأصالة والمعاصرة.
وقد شاهدنا، مؤخرا، في فاس قيام المكتب الوطني ل«البام» باتخاذ عدة إجراءات تأديبية في حق أولئك، الذين ثبت تورطهم في ممارسات مخالفة لتعليمات الحزب، والتي لا تتماشى مع التحالفات القائمة. ولكي يتم فهم حيثيات هذه النزاعات التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، يكفي الرجوع إلى الوراء، لنرى كيف أن هذا الحزب، ومنذ تأسيسه، لم يتوان في اتخاذ إجراءات تأديبية في حق مختلف المنتمين إليه. ومن بين هذه الإجراءات عزل ما لا يقل عن عشرة رؤساء جماعات يعملون باسم هذا الحزب.
وقد برر الحزب هذا العزل بسبب «الممارسات المشينة» لبعض الأعضاء المنتخَبين، والذين خالفوا مبادئ وأهداف الحزب. ورغم اتخاذ هذه الإجراءات الصارمة، استمرت هذه الممارسات، لأن أسس الحزب هشة ومن الطبيعي أن تحدث هذه الاهتزازات داخل صفوفه من وقت إلى آخر. وكان أول من تم إبعاده عقب الحملة التطهيرية التي شنّها «البام» في صفوفه، سعيد شعو، البرلماني الذي لا يتقيد بالتوجهات العامة لفؤاد عالي الهمة، الشيء الذي دفع شخصا يسمى إلياس العماري إلى التكشير عن أنيابه وإطلاق حملة شرسة ضد رفيق دربه، الريفي شعو، وإجباره على الهجرة إلى هولندا.
رغم كل الانتقادات التي توجه ل«البام»، وخاصة تلك التي تركز على الخطر الذي يشكله هذا الحزب على صيرورة الديمقراطية في البلاد، واصل فؤاد عالي الهمة مسيرته دون الاكتراث لهذه الانتقادات، بطريقة تزايدت فيها ظاهرة الترحال السياسي إلى حزبه، خصوصا أن «الوافدين الجدد» لديهم قناعة دفينة بأن «الدعم الملكي» لهذا الحزب سيفتح لهم «أبواب الجنة»، علما أن هذه «الحسبة» السياسية لا تعدو أن تكون وهما يعشش في رؤوسهم. فحزب الأصالة والمعاصرة لا يستطيع، بأي حال من الأحوال، التحدث باسم الملكية، لأن هذه الأخيرة تبقى فوق هذه الحسابات السياسية. كما أنها ليست في حاجة إلى حزب سياسي يتحدث باسمها. ولحسن الحظ، فالدستور المغربي واضح بهذا الصدد ويرفع هذا «اللبس»، الذي يتعمد البعض إحداثه.
انتقادات ونزاعات
ما يؤاخذ على هذا الحزب أن كل شيء يدور حول مؤسسه، ف«البام» هو فؤاد عالي الهمة والعكس صحيح، ومن سابع المستحيلات أن ترى هذا الكيان السياسي يتحرك ويتطور ويدهس أعداءه في الساحة الانتخابية دون «مباركة» مرشده ومفكره فؤاد عالي الهمة. ويعتبر هذا المعطى من أهم الأسباب التي دفعت عبد الله القادري وأحمد العلمي ونجيب الوزاني، الذين كانوا أول من التحقوا بالحزب، إلى مغادرته، بعد أن اكتشفوا «خدعة» الهمّة، التي انطلت عليهم.
وقد عمد الوزير المنتدَب السابق في الداخلية إلى استقطاب هؤلاء لكي يستفيد من «قاعدتهم الانتخابية»، وبالتالي توسيع حجم حزب الأصالة والمعاصرة. وبالفعل، فبمجرد ما نجح في هذا الرهان، وجد القادري والعلمي والوزاني أنفسهم خارج اللعبة السياسية، بدون مهمة أو رؤية واضحة... ولكي «يغطي» الحزب على رحيل هؤلاء، عمد -بأمر من فؤاد عالي الهمة- إلى اعتماد آلية التحالفات حتى داخل الأغلبية البرلمانية، وهذا ما يطلق عليه معارِضو هذا الحزب «تحالفات المحارم».
وهكذا، نشهد الارتباط الإستراتيجي ل«البام» بالتجمع الوطني للأحرار، بعبارة أخرى، أصبحنا نرى حزبا معارضا متحالفا مع حزب في الأغلبية... يبدو هذا «معادلة» غريبة، لكنها ليست كذلك، في حقيقة الأمر، فالحزبان لهما قاسم مشترك وأب روحي واحد وهي «الدولة». وهذا ما يزيد من حدة الخلط لدى المراقبين الذين كانوا يعتقدون أن الساحة السياسية المغربية بدأت تفرق بين الأنماط الحزبية. اعتقاد خاطئ، إذ لا يجب أن ننسى أن «البام» سبق له أن حاول إنشاء تحالف مماثل مع الحركة الشعبية، إلا أنه سرعان ما باءت محاولته بالفشل.



حزب بمشروع سياسي ضد أسلمة المجتمع
يتم تبرير هذه التغيرات السريعة في المواقف بالواقع المتحرك والمتغير للمشهد السياسي، والذي يبقى في حراك وتحول دائمين. يقول المبدأ إن التحالفات تنشأ بناء على قاعدة إيديولوجية واضحة وغير انتهازية كما نشهده الآن. وقد رأينا، بوضوح، كيف أن عمدة فاس، الاستقلالي حميد شباط، قام، في ماي 2010، بمهاجمة «البام»، بكل شراسة، واصفا إنشاء هذا الحزب ب«الخطأ»، قائلا إن كل ما سيترتب عن وجوده في الحاضر وفي المستقبل هو «خطأ»، وكان موقفه هذا واضحا وصريحا ولا لبس فيه.
وعلى أي حال، فحميد شباط ليس الاستقلاليَّ الوحيد الذي يقيّم «البام» بهذا الشكل، بل إن قياديين في الاستقلال صرحوا -في عدة مناسبات- أن هذا الحزب «يزعزع» استقرار المشهد السياسي في المغرب. كما أن ورثة عبد الرحيم بوعبيد يرون، شأنهم في ذلك شأن حزب التقدم والاشتراكية، أن هذا الكائن السياسي الحديث الذي أتى من حيث لا ندري، رجوع واضح ومتعمَّد للممارسات القديمة وإحياء لتجربة «جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية»، المريرة، التي عرفها المغرب في ستينيات القرن الماضي. إلا أن أكثر الانتقادات حدة التي وُجِّهت ل«البام» جاءت من حزب العدالة والتنمية، الذي لا يفوت مسيّروه فرصة لكي يطلقوا أعيرتهم النارية على «البام»، ولا يجد كل من عبد الإله بنكيران ولحسن الداودي حرجا في التصريح، علنا، بأن «البام» يشكل «خطرا على الديمقراطية» وبأن سبب وجوده «استئصالي محض»... والحق يقال إن الإسلاميين لم يخطئوا في تقييمهم هذا، فمنذ إنشاء هذا الحزب لم يقدم أي مشروع مجتمعي حقيقي أو رؤية واضحة يستدعي تفعيلها إنشاء حزب آخر ينضاف إلى ترسانة الأحزاب المتراكمة في الساحة السياسية المغربية...
ويبقى المبرر الواحد والوحيد الذي يدفع به كل مسؤولي «البام» في خطابتهم هو محاربة ما يسمونه «الأفكار الرجعية والظلامية»، التي تدعو إليها التيارات الإسلامية، أي أن ا لحزب يختزل مشروعه السياسي في محاربة مظاهر الأسلمة في المجتمع، وبما أن العدالة والتنمية رأى في هذه المزاعم مسا مباشرا به، واقتناعا منه بأن «البام» أنشئ خصيصا ليقطع عليه الطريق، قرر أن يخوض حربا ضروسا ضد هذا «الغول» السياسي المستعد لالتهام كل من يقف أمامه، بغية الاستحواذ على صناديق الاقتراع. وتسبب الصعود السريع لحزب الأصالة والمعاصرة في نزوله بشكل أسرع، لأن هذا المولود السياسي الحديث يفتقر إلى أساسيات وأدبيات الحزب التي تضمن له استمرارية مشروعه، ولأن العمل السياسي العقلاني يستند في المقام الأول إلى بناء مشروع سياسي منسجم وواضح يسهر عليه مجموعة من الناشطين السياسيين الأكفاء وليس أبناء المدارس السياسية المعروفة بفسادها، وفي المقام الثاني، يرتكز على إنشاء قوانين تنظيمية داخلية واضحة للأحزاب واعتماد إجراءات دقيقة في اختيار المناضلين، وأخيرا اعتماد خطاب سياسي صادق، بعيد عن الكلام الغوغائي الفارغ والنخبوي المحض، الذي يفضل الكم عن الكيف. لكن تبقى الضربة القاضية التي تلقاها هذا الحزب وحولته إلى كيان سياسي يفر منه «مناضلوه» هو «تورط» مؤسسه فؤاد عالي الهمة» في «الاستفادة» من أموال عمومية خارج القانون باسم شركته الخاصة «مينا ميديا».



هند برنوصي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.