«اكتشاف الساحة الأدبية الفرنسية لهذه السنة»، هكذا وصف تقرير بثته القناة الفرنسية الدولية فرانس 24 مؤخرا امرأة مغربية فرنسية تدعى صافية عز الدين. هي شابة في الثلاثينات من عمرها، تنحدر من أسرة فيكيكية، نسبة إلى مدينة فيكيك بالمغرب الشرقي، أصدرت بداية هذه السنة باللغة الفرنسية كتابا يحمل عنوان «اعترافات إلى الله»، وهو رواية من 145 صفحة. تحكي رواية صافية عز الدين، وهي إصدارها الأول، قصة فتاة مغربية تدعى جبارة من جبال الأطلس، تمتهن الدعارة، وتعاني الفقر والبؤس والضياع، حيث تقول صافية في ملخص كتابها الأول: «إلى من يتجه الإنسان عندما يكون فقيرا، ضائعا، ومنبوذا من قبل أسرته؟ جبارة هي راعية غنم صغيرة من الجبال في المغرب، تتجه بحديثها إلى الله عندما وجدت نفسها في عالم لا يريدها. تشكو إلى الله حياة البؤس والازدراء التي تعيشها، والدها الجاهل والعنيف الذي يعاملها كخادمة، والرجال الذين يعاملونها على أنها مجرد شيء، واكتشافها التدريجي لسطوة الجمال، وللدعارة... ورغبتها في أن تعيش حياة شبيهة بالحياة التي تعيشها النساء في أماكن بعيدة اليوم». جاءت رواية «اعترافات إلى الله» في شكل مونولوج ساخن، كان الدافع إليه حنق كبير من بطلة الرواية على واقعها، لكن أحيانا تتخللها مواقف ساخرة، قد تدخل في إطار السخرية السوداء، لأن الرواية تبقى في مجملها تعبيرا عن نظرة الكاتبة إلى القمع الذي تتعرض له النساء، وبالخصوص امرأة ترفض الانصياع. تقول صافية: «انعتاق المرأة يجب أن يأتي من داخلها ومن معركتها التي تخوضها من أجل ذلك، وألا تنتظر أن يمنح لها حقها في أن تتساوى مع الرجال على المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية». حتى قبل صدورها، وبعد نشر مقطع من الرواية على الأنترنيت، أثارت رواية «اعترافات إلى الله» نوعا من الجدل الذي لم يكن من شأنه سوى أن يحقق ارتفاع المبيعات للرواية وشهرة صاحبتها، رغم أنها لاتزال مبتدئة، حيث اتهم الكثيرون صافية بأنها تسيء إلى سمعة نساء المغرب، بلدها الأصلي، من خلال اختيارها لبطلة داعرة، لكن صافية لها رأي آخر في الموضوع، حيث تقول: «كون جبارة مغربية أو مسلمة هو مجرد صدفة، لأن مثيلات جبارة، بطلة روايتي، موجودات في كل مكان في العالم، فمثلما توجد في المغرب قد توجد أيضا في البرازيل». وبينما فضل البعض انتقاد صافية بسبب بطلتها المغربية الداعرة، فضل البعض الآخر الانتقاد انطلاقا من الإحالة على تاريخ الحياة الشخصية لصافية، التي عرف عنها أنها كانت صديقة حميمة لجمال دبوز، الفكاهي والممثل السينمائي الفرنسي المغربي المعروف، والذي يقال إنها تعرفت عليه في سويسرا عندما كانت تعمل صحافية بيئية. ويبدو أن مثل هذه الانتقادات الجانبية بشأن انتماء صافية أو علاقاتها الشخصية لم تنل شيئا من عزيمة الكاتبة الصاعدة، خاصة وأن روايتها أسالت مداد متصفحي عدد من المنتديات الثقافية الفرنكوفونية والمغاربية عبر الأنترنيت، والذين أثنوا على روايتها، ووجدوا فيها «رواية طرية واقعية»، وأحيانا «رواية قاسية»، فقد ظهرت صافية في التقرير الذي أعدته حولها قناة فرانس 24 في شكل الشابة الواثقة من نفسها، حيث قالت: «في البداية كان يبدو لي أن كتابة كتاب أمر بعيد المنال، إلى أن شجعني أبي على اتخاذ هذه الخطوة»، وتضيف: «منذ صدور كتابي، شعرت بأنني واثقة من نفسي وأنني أعرف ما أريد أن أكونه». واصطحبت صافية معد التقرير معها إلى منزل ذي شرفة في حي مرموق في باريس، وقالت له: «أنا واثقة مثلا من أنه بعد سنوات سوف يصبح في إمكاني شراء هذا البيت». وتحدثت ابنة فيكيك في التقرير نفسه عن مصادر إلهامها، حيث قالت: «ما يغذي أفكاري هو كل ما أراه، أحب أن أجلس في المقهى وألاحظ ملامح الناس، وحركاتهم وسكناتهم، هناك من يدخل بخطى ثابتة وهناك من يخطو بخطى مترددة. أحب أن أراقب الناس وأقرأ تعابير وجوههم وأحاول أن أحزر ما وراءها».