عندما كانمنصف اليازغي، صاحب مؤلف «مخزنة الرياضة في المغرب»، بصدد بحثه لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وجد نفسه، دون قصد، يشتغل على التأريخ، باحثا عن المعلومة «الصحيحة» التي تمكنه من إنجاز بحثه، ليصبح الرجل محملا بعبء إضافي هو في غنى عنه. فالرجل لم يعثر على مراجع في تاريخ الرياضة بالمغرب تشفي غليله، أما تلك التي كانت رهن يده فلم يكن ممكنا الاعتماد عليها لوحدها، على قلتها، لإنجاز بحث علمي رصين يصلح للقراءة، ليصبح، في وقت لاحق، مرجعا يعتمده آخرون لإنجاز بحوثهم. ونتيجة ذلك، ضيع الأستاذ الباحث وقتا ثمينا من زمن البحث في الجري وراء معلومات متناثرة هنا وهناك، إذ راح يجالس كثيرين عايشوا مرحلة مهمة من «تاريخ المغرب المعاصر» ليسمع من بعضهم، ويستوثق من البعض الآخر، ليوثق في وقت لاحق ما تجمع لديه من معطيات، ثم يضع كل معلومة في سياقها التاريخي، على أن يعود إليها حسب الضرورة التي يقتضيها منه البحث. هل يعني هذا أن المغرب بدون تاريخ في مجال الرياضة؟ بطبيعة الحال ليس هذا صحيحا، أما الصحيح فهو أن المكتبة الرياضية المغربية «خاوية على عروشها». وبمعنى آخر هناك مادة دسمة تستحق أن تؤرخ، ولكنها حتى الآن لم تحظ بالاهتمام المفترض، وبالتالي فإن تاريخ الرياضة في المغرب هو المفقود وليس ما يستحق التأريخ في هذا المجال. صحيح أن هناك محاولات جزى الله خيرا من تحمل عناءها، ليخرج إلى المغاربة كتبا صارت، على قلتها، ضرورية جدا لكل باحث ومهتم ومتتبع. غير أن تلك الكتب القليلة تشبه إلى حد ما السَّلطات في المائدة الدسمة، تفتح شهيتك، من دون أن تغنيك عن الوجبة الرئيسية، والتي هي في هذه الحالة الأحداث التي شهدتها الميادين الرياضية بالمغرب طيلة تاريخه، سواء قبل الحماية، أو أثناء الاستعمار، وبطبيعة الحال بعد الاستقلال، وحتى يومنا هذا. المفروض، إذن، أن يشكل التأريخ للرياضة المغربية انشغال الكثيرين، ولاسيما وزارة الشباب والرياضة، المسؤول الوصي على هذا القطاع الذي تماهى طيلة مساره باللحظات الأكثر قوة وتوهجا في تاريخ المغرب، وعلى الأخص أثناء فترة الاستعمار، عندما تحولت فرق لكرة القدم، مثلا، إلى «ثكنات» متنقلة لضرب الوجود الاستعماري في العمق. وليس مطلوبا من وزارة الشباب والرياضة أن تشرف على كتابة هذا التاريخ، بقدر ما هو مطلوب منها أن توفر الظروف لمن هم أهل المهمة، ليتيسر ذلك لهم، على اعتبار أن المادة متشعبة ومترامية الأطراف وتوجد سطورها وصفحاتها في أكثر من موقع (هناك أرشيف كبير وعلى أهمية كبيرة في فرنسا وإسبانيا مثلا)، مثلما أنها تحتاج إلى أكثر من كتابة، بأكثر من زاوية معالجة، لتكون أكثر دقة وأكثر تحققا من المعلومة الصحيحة. عملية من هذا القبيل من شأنها أن تميط اللثام عن أحداث كبيرة، وإنجازات عظيمة، وأخرى مؤلمة، كما من شأنها أن تقلص ألسنة طويلة تعتلي المنصات كل يوم لتكذب على الناس، وتقول لهم «إن ما يتحقق اليوم غير مسبوق»، مع أنه لا يساوي شيئا إزاء ما حققه رياضيون «منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر»، في ظروف أصعب، وبإمكانيات أقل، ولكن بضمير لا يعلوه الغبار. «هذي هي اللي كيحشمو ماتوا».