رئيس شباب المحمدية السابق يعلن ترشحه لرئاسة الوداد الرياضي    برنامج التحضير لعيد الأضحى على طاولة الحكومة    مبيعات الفوسفاط ومشتقاته تقفز إلى أزيد من 25 مليار درهم خلال 4 أشهر    "دعم الزلزال" يغطي أزيد من 63 ألف أسرة والحكومة ترخص لبناء 51 ألف منزل    "فاجعة الماحيا".. حصيلة ضحايا الكحول الفاسدة بالقنيطرة ترتفع إلى 8 وفيات و76 مصابا    تظهر قوته من طنجة.. حريق ضخم يأتي على مئات الهكتارات من غابة طريفة بإسبانيا    محكمة إسبانية تستدعي زوجة سانشيز    الجرار يستنكر حملة التشهير ضد ليلى بنعلي    المزراوي يغيب عن معسكر الأسود بسبب الحج    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    المنتدى رفيع المستوى بالرباط.. ذكاء اصطناعي أخلاقي من أجل تكنولوجيا مسؤولة وشاملة    الحكومة صرفت 2.3 مليار درهم لفائدة ضحايا زلزال الحوز على شكل دفعات بهدف إعادة بناء المنازل أو دعم شهري    موعد الإعلان عن نتائج البكالوريا    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    استفادة أزيد من 63 ألف أسرة من "دعم الزلزال" وإصدار 51 ألف ترخيص لإعادة البناء    دياز يعلق على صفقة انتقال مبابي إلى ريال مدريد    مطار العيون الدولي.. سيمتد على مساحة تزيد عن 3.000 هكتار    بنطلحة يبرز ل"الأيام 24″ دور الدبلوماسية المغربية في نصرة القضية الفلسطينية    بوريطة يبرز الرؤية الملكية للتعاون الإفريقي والشراكة متعددة الأطراف في مكافحة الإرهاب    وثائق وشهادات تكشف تفاصيل السيادة المغربية على الصحراء الشرقية    حيار: بطاقة الشخص في وضعية إعاقة تضمن العديد من الخدمات الصحية والاجتماعية    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    مبادرة موكب الحايك الوزاني.. رحلة عبر الزمن في أزقة وزان العتيقة    أمسية الإبداع التلاميذي في إطار فعاليات مهرجان تطوان المدرسي    قرار عاملي بشأن توقيت السباحة بشواطئ الحسيمة يثير جدلا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    سيول تحتضن القمة الكورية الإفريقية الأولى بمشاركة المغرب    الفنان نورالدين بدري يطلق أغنية «haute gamme » بطريقة شعبية    أميمة بن الزوين تطلق «ها الغدر بدا» وتحتفي بالموروث المغربي الأصيل    صفرو تحتفي بالذكرى المئوية لمهرجان حب الملوك    كأس العرش لكرة القدم داخل القاعة.. فريقا شباب علم طنجة وصقر أكادير يتأهلان إلى النهائي    المغرب.. مبيعات السيارات الجديدة تناهز 65 ألف وحدة متم ماي    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    "CDG" يحقق ناتجا صافيا بقيمة 98 مليون درهم    ندوة دولية بالرباط تقارب ذاكرة جزر القمر    "كاف" تعلن موعد ونظام مسابقتي دوري أبطال إفريقيا والكونفدرالية لموسم 2024/ 2025    الأغلبية تبارك ضخ 14 مليارا في الميزانية والمعارضة تنادي بتعديل قانون مالية 2024    تحقيق أمني بعد العثور على ج ثة داخل مستودع لمواد التنظيف بطنجة    التباس مفهوم العدالة وتحولاتها التاريخية    غواية النساء بين البارابول ومطاردة الشوارع    النفط يواصل تراجعه بسبب مخاوف من زيادة المعروض    زوما ‬و ‬رامافوزا ‬يتسببان ‬في ‬نكسة ‬انتخابية ‬قاسية ‬لحزب ‬نيلسون ‬مانديلا‮    دراسة: القطط بوابة خلفية لانتقال أنفلونزا الطيور إلى البشر    تصريحات صادمة لفاوتشي بشأن إجراءات التباعد وقت كورونا تثير جدلا    وليد الركراكي يعقد الخميس ندوة صحفية قبيل مواجهة زامبيا    واشنطن تؤكد أهمية دعم المغرب لمقترح بايدن وتشيد بجهود الملك محمد السادس    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أربع من رهائنه في غزة    شرطة سان فرانسيسكو تحتجز 70 محتجا أمام القنصلية الإسرائيلية    المغرب يعزز دفاعه بإنشاء مناطق للصناعة العسكرية    مودريتش يتمسك بالبقاء مع ريال مدريد ويرفض عروض خليجية بقيمة خيالية    طواف المغرب للدراجات : الفرنسي جيرار داميان يفوز بالمرحلة الرابعة ومواطنه بول كونيي يحافظ على القميص الأصفر    الأمثال العامية بتطوان... (615)    "بوحمرون" يستمر في حصد الأرواح نواحي تنغير.. والحصيلة ترتفع إلى 7 وفيات    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    جهة الرباط تتصدر إصابات "كورونا" الجديدة    توديع فوج حجاج إقليم تاوريرت المتوجهين إلى بيت الله الحرام    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



والدي يجمع رأسين في الحرام
نشر في المساء يوم 27 - 08 - 2008

حكايات واقعية عاشتها، أو عايشتها، قارئات «المساء» ممن اخترن إخراجها من الذاكرة إلى الحاضر، ومن الكتمان إلى العلن علها تفيد أخريات. حلقات ننشرها هذا الصيف، لنساء يرغبن في اقتسام فرحهن كما حزنهن، نجاحهن كما فشلهن مع القراء.
تصلني أحيانا رسائل تتصادم فيها الكلمات وتفوح منها رائحة الانكسار والكآبة، وبعض هذه الرسائل فيها تعبير قوي عن الحزن وعن الشجن وعن الاغتراب، ومنها رسالة وصلتني من «هاجر» 26 سنة تقول فيها إنها شابة في مقتبل العمر أنهت دراستها الجامعية وتستعد للهجرة إلى كندا. ابتدأتها قائلة:
للخبز في كل البيوت رائحة مميزة لكنه في بيتنا له طعم مختلف.
طعم القذارة والذل، فوالدي يجمع رأسين في الحرام، لم أعرف له عملا منذ وعيت على الدنيا، فمهنته قذرة لا يقبلها الإنسان إلا إذا كان عديم الأخلاق، يجمع المال من ضعاف النفوس، أمضى حياته في جني المال الحرام وأطعمنا خبزا يفتقد إلى طعم الحلال والقناعة، ترعرعت في أحضان أسرة تجد في النصب والغش والاحتيال والانتهازية والسرقة والدعارة والوصولية والخداع والزيف واستغلال الناس فرصة لتحقيق ثراء يمنحها رفعة وجاها مزيفين. كان بيتنا مترفا، درست في أحسن المدارس الخاصة، لا أنكر أن والدي لم يبخلا علي ولا على إخوتي بشيء، لكن تمنيت لو لم أحظ بما حظيت به من ترف وعشت حياة بسيطة متواضعة ومحرومة على الأقل سأستطيع رفع رأسي عاليا وسط أقراني على أن أتحمل انتقادات الآخرين واتهاماتهم وهمسهم وغمزهم بأنني لست إلا (بنت القوا....)، كم تمنيت لو مات والداي منذ علمت أنهما لا يعيشان كباقي الآباء، رضا والدتي وصمتها المهذب إزاء وقاحة والدي وجرأته في الكلام الذي يفضح عبره قبح عمله أكد لي تواطؤها معه.
كنت الوحيدة من يطرح الأسئلة، نظراتها التي تهددني بالصمت كانت تخرسني وتجبرني على طرحها سرا، أختلي دوما بنفسي ومشكلاتي وعقدي النفسية التي أحمله مسؤوليتها، ومن يوم كبرت صرت خائفة على نفسي من أن أساق إلى أَسِرَّةٍ بها بقايا قصص حب ممنوعة، كثرة الوجوه التي مرت ببيتنا الهادئ نهارا والصاخب ليلا جعلتني أمقت الآخرين وأنظر إليهم نظرة ازدراء واحتقار. فكم من عاقل ينظر إليه الآخرون نظرة احترام انخرط في مشاهد عهر مجنونة راقبتها من خلف ثقب الباب.
كنت خجولة منطوية على نفسي وسكنني منذ الطفولة الإحساس بالخوف، أعد السنين التي تفصل بيني وبين الخلاص، كم كان صعبا علي في المدرسة الجواب عن سؤال: ماذا يعمل والدك؟ كنت أتمنى لحظتها أن تنشق الأرض وتبتلعني على أن أرد بالصمت الذي يسقطني في الشبهات.
كان والدي يحاول دوما أن يضفي بعض الشرعية على عمله ويدعي أنه صاحب شركة خدمات تشرف على تأجير الشقق المفروشة لزوار قادمين من الخليج والمشرق العربي وتأمين طلباتهم، لكن مبيت الفتيات كان يفضح ادعاءاته، كنت أنا «عدوته»، لم يكن يحبني لأنني لم أكن أجاريه، شكلت الاستثناء في الوقت الذي كان الجميع متواطئين معه والدتي وأختي وأخي. أتذكر أنه كان يأخذ أختي في أحاديث جانبية بعيدا عني ليلقنها فنون ابتزاز الرجال واستغلال ضعفهم للحصول على أكبر قدر من المال. كنت أمنعهم من الدخول إلى غرفتي، خوفا من أن تتلوث أركانها ويصلها قبح أعمال أُسرتي. علمت أيضا أن والدتي وأختي كانتا تشتغلان لحسابهما الخاص خلسة عن والدي، كانتا تخرجان سويا، جسد أختي الغض كان يسمح باصطياد أكبر قدر من الطرائد وتتولى والدتي عملية البيع والشراء وتقبض الثمن، تتقاسمه مع أختي وتعودان إلى البيت وكأن شيئا لم يكن. للأسف لم تكن تربط بيننا كأسرة أية علاقة إنسانية، افتقدت راوبطنا الأسرية للدفء وعشنا حياة مشوهة تصل حد الحيوانية ولا نزال نحيى كذلك، المادة تحكم كل شيء في حياتنا والذكي من استطاع تدبير المال ولا يهم كيف، المهم الحصول عليه وكفى.
في هذه الأجواء ارتسمت معالم حياتي التي عشتها ممزقة خائفة مرعوبة من أن يكتشف أمري، أتذكر يوم ارتبطت بشاب جمعتني به علاقة صداقة في البداية، كنت حينها محتاجة لشخص خارج دائرة أسرتي لم تكن لي صديقات، كنت أتفادى مصاحبتهن ولم أكن راضية على واقع بيتنا لأحضر إحداهن حتى لا أتفرج على والدي وهو يقضي الساعات الطوال في مكالمات هاتفية يصل صداها لكل من في البيت يدير عبرها أشغاله القذرة. فاكتفيت بصديق التقيته بعيدا عن بيتنا، ظلت علاقتي به تتأرجح بين الصداقة والإعجاب إلى أن وصلت للحب الممزوج بالخوف والرهبة من أن يكتشف أمر عمل والدي. كنت أخبره بكل قصصي إلا قصص بيتنا. كنت أظن أنه لا يعرف من أكون لكنني فوجئت يوم أومأ إلى ذلك. ودعته حينها وركضت لأصل بسرعة للبيت قبل أن يغمى علي من الصدمة، فهمت ضعفي وضياعي ومات قلبي قبل موعده وأيقنت أن عمل والدي وصمة عار ستبقى على جبيني مدى الحياة، خصوصا أن هذا الأخير لا ينوي أن ينقطع عن ذلك لأنه يهيئ أخي الأصغر لاستلام نشاطاته بعد أن استبدت به غريزة حب المال الحرام على الشعور بالذنب في ما اقترف ويقترف. لذا انكببت على الدراسة وسأهاجر قريبا هروبا من لعنة عمله. أنتظر تأشيرتي لكندا، اجتزت امتحان الهجرة بتفوق عن طريق مكتب للهجرة بالدار البيضاء وسأذهب دون التفكير في العودة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.