التعاون الأمني المغربي الإسباني.. توقيف عنصر موالي ل "داعش" بالتعاون مع "الديستي"    تنسيق مغربي إسباني يطيح بعنصر "داعشي"    مصر.. هل يهتم الشارع بتغيير الحكومة؟    الحرب في غزة تكمل شهرها الثامن وغوتيريس يحذر من اتساع رقعة النزاع    الركراكي يرفع شعار "لا بديل عن الفوز" أمام زامبيا    القضاء يودع السجن سبعة متهمين في قضية "الكحول الفاسدة" في علال التازي    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    5 زلازل تضرب دولة عربية في أقل من 24 ساعة    عبر انجاز 45 كلم من القنوات .. مشروع هيكلي ضخم بإقليم سيدي بنور للحد من أزمة الماء الشروب    نادي الفنانين يكرم مبدعين في الرباط    توزيع الشهادات على خريجي '' تكوين المعلّم '' لمهنيي الميكانيك من مركز التكوين التأهيلي بالجديدة    مدرب زامبيا: مواجهة المغرب صعبة    المهرجان الرباط-كوميدية بنسخته الخامسة    المغرب يكمل الجاهزية لمباراة زامبيا    اختتام معرض "حلي القصر" بدولة قطر    تنسيق استخباراتي مغربي إسباني يسقط داعشيا    إسبانيا.. توقيف عنصر موالي ل "داعش" بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    طقس الجمعة..جو حار وقطرات مطرية بعدد من مناطق المغرب    الركراكي: مباراة زامبيا مهمة لنا وليس لدينا مشاكل مع الإصابات    إسبانيا.. توقيف عنصر موالي ل "داعش" بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني            المدرب عموتة يجدد التألق مع الأردن    الاقتصاد الروسي ينمو، ولكن هل يستطيع أن يستمر؟    أخنوش يمثل بمجلس النواب لمناقشة الاستثمار ودينامية التشغيل    إسرائيل ترفض مشروع قرار أميركي بمجلس الأمن بوقف الحرب على غزة    السعودية تعلن الجمعة غرة شهر دي الحجة والأحد أول أيام عيد الأضحى    حريق يسقط مصابين في مدينة صفرو    مجلس الحكومة يتتبع عرضا حول برنامج التحضير لعيد الأضحى    عواصف قوية تخلف ضحايا في أمريكا    إطلاق منصة رقمية للإبلاغ عن المحتويات غير المشروعة على الأنترنيت    الأمثال العامية بتطوان... (618)    بسبب "الفسق والفجور".. القضاء يصدم حليمة بولند من جديد    الركراكي يكشف سبب غياب مزراوي وريتشاردسون عن المنتخب    مليون و200 ألف مجموع الحجاج الذين قدموا لأداء مناسك الحج في حصيلة أولية    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    إصدار جديد بعنوان: "أبحاث ودراسات في الرسم والتجويد والقراءات"    تداولات إغلاق البورصة تتشح بالأخضر    إقصائيات كأس العالم 2026.. أسود الأطلس من أجل استعادة الفعالية الهجومية    الحكومة تحدد مسطرة جديدة لإخراج قطع أرضية من الملك العمومي المائي    طنحة تطلق العد التنازلي لموسم الصيف وتنهي تهيئة شواطئها لاستقبال المصطافين    هذه أسباب نفوق 70 من أضاحي العيد    في وداع حقوقي مَغربي    مبيعات الإسمنت تتجاوز 5,52 مليون طن    الإجهاد الفسيولوجي يضعف قدرة الدماغ على أداء الوظائف الطبيعية    أونسا يكشف أسباب نفوق أغنام نواحي برشيد    إسبانيا تنضم رسميًا لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    تكريم مدير المركز السينمائي عبد العزيز البوجدايني في مهرجان الداخلة    مقتل قرابة 100 شخص بولاية الجزيرة في السودان إثر هجوم    أمسية شعرية تسلط الضوء على "فلسطين" في شعر الراحل علال الفاسي    هشام جعيط وقضايا الهوية والحداثة والكونية...    الصناعة التحويلية .. أرباب المقاولات يتوقعون ارتفاع الإنتاج    الصحة العالمية: تسجيل أول وفاة بفيروس إنفلونزا الطيور من نوع A(H5N2) في المكسيك    مقتل 37 شخصا في قصف مدرسة بغزة    الممثلة حليمة البحراوي تستحضر تجربة قيادتها لأول سربة نسوية ل"التبوريدة" بالمغرب    نور الدين مفتاح يكتب: آش غادي نكملوا؟    "التسمين" وراء نفوق عشرات الخرفان المعدة لعيد الأضحى بإقليم برشيد    قوافل الحجاج المغاربة تغادر المدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يحقق مع من يا سيادة الرئيس؟
نشر في المساء يوم 31 - 08 - 2008

جميل أن يأمر الرئيس حسني مبارك بتشكيل لجنة للتحقيق في أسباب فشل البعثة الرياضية المصرية في أولمبياد بكين، وتدني مستوى أداء معظم اللاعبين والفرق في مختلف المسابقات، وتحديد أوجه القصور ومحاسبة المقصرين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو عما إذا كان كل شيء يسير على الوجه الأكمل في البلاد، والاستثناء الوحيد الشاذ في منظومة النجاح المصرية هو في الأولمبياد فقط؟
فهل الصناعة المصرية فرغت لتوها من إنتاج صواريخ يبلغ مداها ثلاثة آلاف كيلومتر، والبرنامج النووي المصري على وشك تحقيق التوازن الاستراتيجي مع القوى الإقليمية العظمى التي تهدد الأمن القومي المصري مثل إسرائيل؟ وهل أصبحت خيرات النمو الاقتصادي المصري تصل إلى كل المصريين، بحيث باتت المستشفيات هي الأفضل كفاءة، والجامعات المصرية تحتل مكانة متقدمة في الترتيب العالمي، أما المياه فباتت في متناول كل بيت وقرية وتجمع، والوظائف تصرخ استغاثة خلف طالبيها البطرانين؟
قبل أن يسأل البعض سؤالاً سمعناه وقرأناه أكثر من مرة، وهو ما شأننا وشأن مصر، نقول إن مصر هي البوصلة والرافعة والمنارة للأمة العربية بأسرها، والقاطرة الأهم التي يمكن أن تقودها إلى القمة أو القاع، فإذا نهضت نهضنا معها وبها، وإذا كبت كبونا، فهذا هو قدرنا الذي لا نستطيع الفكاك منه كرهنا ذلك أو أحببناه.
فالشلل الذي عاشته مصر طوال الثلاثين عاماً الماضية هو الذي أوصلنا إلى الوضع المزري الذي نعيشه حالياً، حيث تحولنا إلى»أمة خدمات» ترهن ثرواتها وثقلها في خدمة مشاريع الآخرين، دون أي مقابل غير ضمان استمرار الفساد والفاسدين في قمة السلطة.
يجب أن يعترف صانع القرار في مصر، والمجموعة التي تحيط به، وتصيغ سياساته وبرامجه ومواقفه، بأن البلاد تعيش حالة من الشلل والجمود ليس في ميدان الرياضة فقط، وإنما في الفن والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم، والإعلام والثقافة والصحة والمواصلات والخدمات الأساسية الأخرى. وهي مجالات كانت رائدة فيها، ومكنتها من أن تحتل مكانة متقدمة تتفوق على قوى إقليمية حالية مثل الهند وإيران وكوريا وماليزيا والبرازيل، والقائمة تطول.
أين الثقافة المصرية التي صاغت الذهن العربي والإسلامي على مدى قرن أو أكثر، وأين الإعلام المصري الذي كان يشكل الوعي السياسي للأمة، وأين الدراما المصرية التي دخلت كل بيت وجعلت من اللهجة المصرية المحببة تتقدم على الفصحى، وتصبح أحد معالم التحضر في المجتمعات العربية؟
لا يحتاج الرئيس مبارك إلى تشكيل لجنة لمعرفة بواطن الخلل في أداء اللاعبين المصريين لعدة أسباب، فجميع اللجان التي تشكلت في الماضي لم تنجز مهامها، وإن أنجزتها فنتائجها جاءت مخجلة تتستر على المقصرين وتبرئهم، وأصغر طفل مصري، في أبعد قرية في صعيد مصر، يعرف جيداً، أن جميع مصائب مصر الحالية عنوانها «الفساد والاستبداد».
مصر تتعرض لعملية «خطف» في وضح النهار من قبل حفنة صغيرة فاسدة لا
تتشرف بالانتماء إليها، وتتأفف من استخدام عملتها، وترفض ركوب طائراتها التي تحمل اسمها، وتعيش في أندية مغلقة حتى لا تحتك مع أبنائها الكادحين، أو ترى وجوههم المسحوقة من آثار الفقر والجوع وطوابير الخبز.
الفساد أصبح المنظومة الوحيدة التي تتقدم وتتسع دائرتها، وتضم أعضاء جدداً، لمسيرتها في نهب مصر وثرواتها وعرق أبنائها، منظومة أصبحت لها طقوسها ودستورها ومنظروها، الشيء الوحيد الذي يميزها عن المحافل الماسونية هو فجورها العلني، واستهتارها بكل قيم هذا البلد العريق واحترام مشاعر أبنائه.
مصر حكمت المنطقة العربية، وتسيدت القارة الإفريقية، وتبوأت زعامة العالم الثالث بإبداعاتها الثقافية والفنية، وكرامتها الوطنية، ومواقفها السياسية الشجاعة في نصرة الحق، والانتصار لقضايا المستضعفين بغض النظر عن دينهم أو جنسهم أو لونهم.
التحقيق يجب أن يتم مع القيادات السياسية التي أوصلت مصر إلى هذا الوضع المهلهل، بحيث أصبح دورها مثل «خيال مآتة». هؤلاء ارتكبوا جريمة في حق مصر والأمة العربية، بأسرها، لأنهم خانوا الأمانة، وفرطوا في الثوابت الوطنية، وأوصلونا إلى هذا الوضع المزري الذي جعلنا أضحوكة في نظر العالم بأسره.
من العيب أن يقدم البعض حفنة من الرياضيين ككبش فداء لفشل عام وفي ميادين أكثر حيوية وأهمية، فهؤلاء هم الحلقة الأضعف في سلسلة طويلة من القصور والفشل يتحمل مسؤوليتها كبار الكبار وحواريوهم.
ثم من سيحقق مع من؟ هل ستحقق الحكومة مع رئيس اللجنة الأولمبية الذي هو شقيق زوجة الرئيس وخال «ولي العهد» أو الحاكم الفعلي للبلاد؟ وهل سيحق ، المجلس الأعلى للرياضة مع الاتحادات الرياضية التي كانت تقدمت ضده بشكاوى للاتحادات الدولية واللجنة الأولمبية الدولية بسبب تدخلات الحكومة في عملها؟
وفي ماذا سيكون التحقيق؟ في سفر أكثر من مائة رياضي على أساس المحسوبية والفساد، وليس على أساس الكفاءة والمقدرة والرغبة في رفع اسم مصر عالياً في المحافل الدولية؟ وهل يعقل أن مصر صاحبة التاريخ الأولمبي العريق تأتي في مرتبة دنيا وخلف دول أصغر منها مكانة وتعداداً وتاريخاً وحضارة، وبالكاد يعرف الناس مكانها على الخريطة ك»طوغو» وبوركينافاسو؟ وهل سيشمل التحقيق أيضاً هزيمة مصر التاريخية بأربعة أهداف نظيفة أمام السودان في نتيجة غير مسبوقة، وهي التي يلعب أكثر من عشرة من أبنائها على الأقل في أضخم الأندية الأوروبية؟
أليس غريباً أن تحقق البعثة الأولمبية المصرية في الثلث الأول من القرن العشرين، وعندما كانت تحت الاحتلال نتائج أفضل تضعها في مرتبة متفوقة جنباً إلى جنب مع دول أوروبية متقدمة، ثلاث ميداليات ذهبية في دورة عام 1928، بينما لا تفوز وبعد نصف قرن من الاستقلال إلا بميدالية برونزية يتيمة؟
الكتابة كانت واضحة على الحائط، منذ أن حصلت مصر على «صفر» من الأصوات في مسابقة تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010 التي فازت فيها جنوب إفريقيا، فهل فتحت الحكومة لجنة تحقيق وعاقبت المسؤولين عن هذه الإهانة؟ لا، ما حدث هو العكس تماما، فقد كافأت الدولة الوزير المسؤول علي الدين هلال بتعيينه قيادياً وأميناً عاماً للإعلام في الحزب الحاكم؟
ماذا فعلت الدولة ولجان تحقيقها في كارثة العبارة، وسرقات مؤسسة «الأهرام» وقضية الدم الفاسد، وحريق قطار الصعيد، وماذا ستفعل في حريق مجلس الشورى، وكل الحرائق المستقبلية الآتية دون ريب إذا استمر الحال على ما هو عليه؟ عندما تكون المهمة الوطنية الأبرز للنظام الحاكم هي حماية الفاسدين، والتستر عليهم، وأعمال نهبهم لعرق الفقراء المعدمين المسحوقين، وإحراق الملفات التي تدينهم، بينما تتفنن في سجن الشرفاء المعارضين، وتكميم أفواه الصحافيين والمفكرين وتلفيق التهم لهم وتشويه سمعتهم، فإن مسيرة السقوط ستستمر في هاوية بلا قاع. مصر مريضة، ومرضها ينخر جسدها والأمة العربية جميعاً، فهي مرآة حالنا، نرى فيها وجهنا البشع، وتخلفنا المزري، بحيث أصبحنا أمة بلا وزن، ولا قيمة ولا فعل، «أمة خدمات» ترهن ثرواتها وأبناءها في خدمة مشاريع الآخرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.