استقرار الذهب وسط ترقب المستثمرين لمؤشرات مسار الفائدة الأمريكية    واتساب تطلق مساعدا للكتابة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي    ناشطون مغاربة يدعمون بسفينتين "أسطول الصمود العالمي" المتجه لغزة    الركراكي يكشف لائحة المنتخب لمباراتي النيجر وزامبيا.. العيناوي والحرار للمرة الأولى وغياب مزراوي    توقيف شخص ببركان للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بالسرقة من داخل وكالة لتحويل الأموال    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    لذاك المسمار في الصدأ الصدارة / 5من5    غروب فرنسا        تصفيات مونديال 2026.. مباراة الأسود ضد النيجر ستجرى بشبابيك مغلقة    ميسي يقود إنتر ميامي إلى نهائي كأس الدوريات        دفاعًا عن التصوف المغربي الأصيل بيان صادر عن جمعية مولاي عبد السلام بن مشيش للتنمية والتضامن    كيوسك الخميس | سحب دواء "لوديوميل" من الصيدليات لمخالفته معايير الجودة    جمعية الإعلام والناشرين: مقالات "لوموند" وصمة عار لن تُمحى في تاريخها        الشاف المغربي أيوب عياش يتوج بلقب أفضل صانع بيتزا في العالم بنابولي    أحمد المصباحي يتألق على مسرح The Voice Suisse    في القيصر – لا مكان لا زمان سلوم حداد يعيد إلى الأذهان وجه أمني يعرفه السوريون جيداً    المغاربة يغيرون وجهتهم نحو السيارات الصينية.. الجودة والسعر كلمة السر    أسئلة حارقة فجرها الإحصاء الوطني للماشية الجديد تفرض أجوبة مقنعة    إلياس الحسني العلوي.. شاعر شاب يقتحم المشهد الأدبي ب "فقيد اللذة"    "من صبرا وشاتيلا إلى غزة" .. عندما كتب الفيلسوف الفرنسي دولوز دفاعا عن الشعب الفلسطيني قبل أربعين عاما    كل أعضاء مجلس الأمن باستثناء أمريكا يؤكدون أن المجاعة في غزة "أزمة من صنع البشر"    أمن طنجة يوقف شخصين متورطين في سرقات بالعنف استهدفت نساء    شراكة استراتيجية بين مؤسسة طنجة الكبرى والمعهد الفرنسي خدمةً للشباب والثقافة    الحسيمة.. افتتاح قاعة رياضية متعددة التخصصات لفائدة موظفي الأمن الوطني    تقرير: المغرب يضم اليوم 35 شخصاً من أصحاب الثروات التي تتجاوز مائة مليون دولار    حركاس ينتقل رسميا لضمك السعودي    كيف تحوّل "نقش أبرهة" إلى أداة للطعن في قصة "عام الفيل"؟    تصفيات كأس العالم 2026: مباراة المنتخب الوطني المغربي ونظيره النيجري ستجرى بشبابيك مغلقة        "ماستر كارد" تبرز مسار التحول الرقمي    الجمعية العامة تواجه رهانات تقرير غوتيريش حول الصحراء بمفاهيم متناقضة    مدرب رينجرز يؤكد اقتراب رحيل حمزة إيغامان    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    من طنجة إلى الكويرة.. بوريطة: المغرب يفتح بوابة الأطلسي لأشقائه في دول الساحل    اضطراب النوم يضاعف خطر الانتكاسات لدى مرضى قصور القلب (دراسة)    قبل انطلاق البطولة.. اتحاد طنجة يراهن على باركولا وماغي لتغيير وجه الموسم    الإعلان عن مشاركة سفينتين مغربيتين في مبادرة جديدة عالمية لكسر الحصار عن غزة    من تندوف إلى سوريا والساحل.. مسار مرتزقة البوليساريو في خدمة إيران والجزائر    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024 (نصف النهائي).. "تأهلنا إلى النهائي جاء عن جدارة أمام منتخب السنغال القوي" (طارق السكتيوي)    القطاع النقابي "للعدل والإحسان" يطالب بسحب مشروع قانون التعليم العالي وإعادته لطاولة الحوار    زخم ثقافي وحملات بيئية يميزان صيف العاصمة الاقتصادية    اختتام فعاليات المهرجان الثقافي والفني والرياضي الأول بالقنيطرة باستقطاب 750 ألف متفرج خلال أربعة أيام    حزب الاستقلال يدين محاولات خصوم المملكة التشويش على النجاحات التي تحققها بلادنا        ماذا تريد بعض الأصوات المبحوحة في فرنسا؟    الصين تنظم النسخة ال25 من معرضها الدولي للاستثمار في شتنبر المقبل    اختتام الدورة الثانية لمهرجان الموروث الثقافي بجماعة الحوزية بايقاعات روحانية و عروض للتبوريدة    هؤلاء يبيعون لك الوهم ..    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دكتاتورية المواطن..
نشر في المساء يوم 17 - 08 - 2011

الساعة تشير إلى حوالي العاشرة من صباح يوم رمضاني، والسيارات التي كانت تعبر شارعا رئيسيا كان عليها أن تنحو نحو اليسار، وأحيانا تتوقف عندما تكون سيارة قادمة في الاتجاه المعاكس. مئات السيارات كانت تفعل ذلك، والسبب ليس وقوع حادثة سير أو امتلاء الجهة اليمنى بسيارات أخرى، بل لأن بائعا متجولا كان يضع سلعته البسيطة في عرض الطريق، وهي عبارة عن أحزمة جلدية تافهة. أما سيارة الأمن التي تمر قربه، فيكتفي ركابها بالنظر إليه ثم ينصرفون وكأن شيئا لم يكن.
لقد ترك هذا الرجل الرصيف كله وقرر النزول إلى الشارع واحتل نصف الطريق، لأن هذا الوقت مختلف وظروفه خاصة.. إنه يتصرف وكأن كل القوانين تم دفنها.
هذه واحدة من مظاهر الدكتاتورية الحمقاء التي يمارسها المواطنون هذه الأيام.. يعني أن المواطن المطحون يحاول استغلال الظروف لكي يعيد إنتاج نفس الدكتاتورية التي يمارسها ضده الحاكمون.. هم ينهبونه ويفقّرونه ويجوعونه لأنهم يعرفون أن لا أحد سيحاسبهم، وهو في رد فعله على ذلك يخرق القوانين ويعتدي على حقوق الآخرين بطريقته الخاصة، لأنه يعرف أن لا أحد سيمنعه بسبب الظروف الخاصة.
هناك اليوم ظاهرة مستفحلة في كل المغرب.. اللصوص يعترضون الناس في واضحة النهار، وباعة متجولون يقطعون الطرقات بطرقهم الخاصة، وسائقون لم يعودوا يأبهون إلى أضواء الإشارة وعلامات المنع، وموظفون يدخلون ويخرجون متى شاؤوا وكأن قانونا جديدا للعمل خرج إلى الوجود، وتجار يبيعون بالأسعار التي يريدونها... وأشياء كثيرة أخرى.
تساهل السلطة مع كل هؤلاء له رسالة واضحة، وهي: «انخرطوا في الفساد ولا تحاربوه»، فإذا كان الفاسدون الكبار يستولون بطرق غير قانونية على الملايير كل يوم، فبإمكان الفاسدين الصغار أن يحصلوا على بضعة دراهم في اليوم بطرق غير قانونية من دون أن يمنعهم أحد.. إنها عملية واضحة للتطبيع مع الفساد. المعنى واضح، إذن.. افسدوا كما نفسد.. والعبوا كما نلعب.. ولا تحترموا بعضكم كما لا نحترمكم.. كونوا مثلنا ولا تحاربونا.. طبّعوا معنا وسنطبّع معكم.
هكذا صار المواطنون البسطاء جزءا من الفساد، وعوض أن ينخرطوا في عملية محاربته والضغط من أجل إسقاط الفاسدين ومحاسبتهم، فإنهم قرروا أن يمارسوا فسادهم الخاص.
الدولة، إذن، لن تحاسب المواطن الصغير على فساده الصغير، لكن بالمقابل يجب على هذا المواطن أن يرد إليها الجميل ويسكت عن الفساد الكبير، يعني يجب أن ننخرط جميعا في الفساد.. الكبار ينهبون الصغار، والصغار ينهبون بعضهم البعض، وتسير البلاد بهذا الشكل إلى ما لا نهاية.
في كل مناطق البلاد ظهرت اليوم حالات اجتماعية مشينة لمواطنين يتصرفون وكأنه لا وجود للقانون، ومسؤولين يتصرفون وكأنهم يضعون مصاصات في أفواه هؤلاء المواطنين حتى يصمتوا. هناك مواطنون يجدون مدمني مخدرات يدخنون الحشيش في أبواب بيوتهم فيشتكون إلى الأمن فلا يتحرك، وسكان عمارات يفاجؤون بتحول شقق قربهم إلى مواخير في عز رمضان فيوصلون ذلك إلى الأمن الذي يعتبر أن ذلك خارج إرادته، وسكان أحياء يشتكون من تحول شوارعهم إلى حلبة لرالي السيارات يمارسها مراهقون تافهون من أبناء الفاسدين، ورغم أن شكاواهم تصل إلى الأمن فإنه لا شيء يحدث، لأن المشكلة اليوم هي ذلك المواطن الشريف الذي يخرج إلى الشارع ويصرخ: الشعب يريد إسقاط الفساد. هذا هو الخطر إذن، مواطنون شرفاء وشجعان يهتفون بسقوط الفساد يتم تتبع حركاتهم وسكناتهم، بينما يجري تدليل مواطنين فاسدين بلا دين ولا ملة.
يقال اليوم إن الدولة لا تريد أن «تطيّرها» للمواطن، ونحن نقول إن الدولة يجب أن تضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء الذين يستغلون هذه الظروف من أجل فرض شريعة الغاب. المواطنون المغاربة الشرفاء والشجعان هم الذين يخرجون في المظاهرات للمطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد، وليسوا أولئك الانتهازيين الذين يستغلون الظروف لكي يفرضوا دكتاتورياتهم المريضة بحجة أنهم مواطنون بسطاء يلتقطون لقمة العيش. إن قمة العيش يجب أن تُلتقط بكرامة وعزة نفس، وليس عبر مقايضة الفساد الكبير بالفساد الصغير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.