فتح بحث قضائي حول تعرض بعض المواطنين المغاربة للاحتجاز من طرف عصابات إجرامية ناشطة بميانمار    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    روسيا تسيطر على 3 بلدات جديدة والمعركة مستمرّة    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الجيش والمولودية يكملان ركب المتأهلين إلى نصف نهائي كأس العرش    أخنوش يلتقي الرئيس العراقي والارتقاء بعلاقات البلدين في صدارة المباحثات    تعزيز التعاون القضائي محور مباحثات السيد الداكي مع نائب وزير العدل الصيني    الحسيمة.. درك النكور ينهي نشاط مروج مخدرات مبحوث عنه وطنيا    يعالج حموضة المعدة ويقي من الاصابة بالسرطان.. تعرف على فوائد زيت الزيتون    النيابة العامة تدخل على خط احتجاز مغاربة بميانمار    خلال أربعة أشهر.. كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء العرائش يصل ل6177 طنا    جامعة كرة القدم تصدر عقوبات تأديبية    الجيش يتأهل لنصف نهائي كأس العرش    قمصان جديدة ل"أديداس" بلمسة مغربية    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و 2033    "بلومبيرغ": المغرب يُثبت أسعار الفائدة بينما يُواجه الفاتورة الباهضة لإعادة إعمار الزلزال    وزير النقل يعلن عن قرب إطلاق طلبات العروض لتوسيع مطارات طنجة ومراكش وأكادير    وزير الفلاحة يفتتح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    شركة تنفي استعمال الغاز والتسبب في اختناق عشرات التلاميذ بالدار البيضاء    تعبئة 10 ملايين درهم لإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء بمدينة الحسيمة    "فايننشال تايمز": واشنطن تشجع المغرب ودول عربية على الانضمام إلى "القبعات الزرق" في غزة    الجيش الملكي يقتنص تأهلا مثيرا لنصف نهائي كأس العرش على حساب أولمبيك الدشيرة    الأمثال العامية بتطوان... (599)    رئيس سلوفاكيا في حالة حرجة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    سفر أخنوش يؤجل اجتماع المجلس الحكومي    انتخاب المحامية كريمة سلامة رئيسة للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    النصيري على رادار مدرب إشبيلية السابق    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    إضراب كتاب الضبط يؤخر محاكمة "مومو" استئنافيا    وسط "تعنت" ميراوي .. شبح "سنة بيضاء" بكليات الطب يستنفر الفرق البرلمانية    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل        التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    قصيدة: تكوين الخباثة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    زنيبر: رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمته المملكة    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رسالتي الأخيرة    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    الأمثال العامية بتطوان... (598)    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    الأمثال العامية بتطوان... (597)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توصلت بطرد ملغوم يوم الوقوف بعرفة والحسن الثاني أخبرنا بأنه زود أحرضان بآلة تسجيل ل«التجسس» على الفقيه البصري
الضابط أمقران تعرض للتعذيب كي يشهد بأن اسمي يوجد ضمن قيادة مجلس الثورة إذا ما نجح انقلاب 71
نشر في المساء يوم 23 - 08 - 2011

تعود حكاية هذه الصفحات إلى سنوات طويلة، ليس التفكير فيها، بل تسجيلها، حيث كنت طرحت على الأستاذ محمد اليازغي في ربيع 1997،
أثناء وجودنا في مدينة ورزازات، مقترح أن يكتب مذكراته لما ستكون لها من قيمة سياسية وتاريخية، دون أن تكون هناك ضرورة لنشرها، ووافقني، لكن انشغالاته في مهامه الحزبية، ثم في مهامه الوزارية بعد مارس 1998، جعل الفكرة تغيب عن أحاديثنا.
في صيف 2003، أعدت طرح الفكرة عليه وأثناء مناقشتها، بدت لنا صعوبة أن يخصص يوميا وقتا لكتابة هذه المذكرات، فجاءت فكرة أن أسجل له، ليس مذكرات، بالمعنى المتعارَف عليه، بل تسجيل مساره كإنسان، على شكل حوار صحافي مطول، وهكذا كان. وسجلنا ما يقارب عشر ساعات، لكن النتيجة كانت فشلا، لأن جوابه عن كل سؤال كان جوابا عن كل شيء إلا عن شخصه ودوره وموقفه. كانت الساعات التي سجلتها، ليس عن محمد اليازغي بل تأريخا للمغرب وللحزب الذي انتمى إليه، إن كان من أجل الاستقلال أو من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنه ولشعبه، وخلصت، مع أن خلاصتي لم تنل رضاه، إلى أن تجربة التسجيل غير موفقة أو على الأقل ليست كما تصورتها، وقبِل معي أن نعيد التسجيل، لكن بعيد ذلك، في نونبر 2003، انتخب كاتبا أول للحزب، فتأجل كل شيء. وفي صيف 2009، قررنا أن نعيد التجربة، فكانت هذه النتيجة، التي أستطيع القول إنني لم أنجح فيها، على الأقل بالنسبة إلي، في أن «أحفزه» على الخروج, بشكل كامل أو كبير نسبيا، من العامّ نحو الخاص الذي كان يتدفق منه خارج التسجيل في لقاءات ثنائية أو عائلية أو مع مجموعة من الأصدقاء، بل أكثر من ذلك كان التدفق أحيانا بعيد إنهائنا التسجيل، حيث كان، عدة مرات، يتحدث همسا أو يطلب إيقاف التسجيل ليشرح أو يُفصّل أو يروي. هذه الصفحات، ليست كل ما سجل، إذ كثيرا ما تذكرنا أحداثا ووقائع أثناء تفريغ الأشرطة أو التصحيح والمراجعة فأضفناها. هذه الصفحات، إذا لم تكن مذكرات، فإنها، وبالتأكيد، ستكون مرجعية لكل باحث أو مهتم بالشأن السياسي المغربي الحديث، لأنها ليست صفحات مراقب أو شاهد، بل هي صفحات فاعل ومؤثر، لعب دورا متميزا في مسيرة وطنه وحزبه.
- الغريب أن الحزب يذهب منقسما نحو الوحدة مع حزب الاستقلال..
نعم، كان موقفا غريبا، إذ إن أعضاء الكتابة العامة لا يجتمعون -كما قلت- إلا أثناء اجتماعات الهيئة العليا للكتلة. الغريب أيضا أننا في حزب قيادته جامدة ومجمدة لكن قواعده ناشطة وتتحرك، فالقيادة الرسمية للحزب تبدو وكأنها غير معنية بما تعيشه البلاد من قمع وملاحقات وبما يتعرض له الحزب من محاولات إنهائه وتصفيته. وحتى في التعاطي مع محاكمة مراكش لم تتخذ قيادة الحزب رسميا أي موقف، فتنظيم الدفاع عنا كان بقرار وقيادة عبد الرحيم بوعبيد، يسانده عمر بن جلون، وبتعبئة عشرات المحامين.
وقبل اعتقالي، ذهبت إلى عبد الله إبراهيم في منزله بالدار البيضاء وقلت له إنه «يجب أن تكون هناك مواقف للكتابة العامة مما يجري في البلاد وما يواجهه الحزب، ولا بد من الاستمرار في الإعداد للمؤتمر الوطني»، فكان جوابه أنه لا يمكنه أن يشتغل في الغموض والضبابية، وقام الأستاذ الفاروقي بنفس المبادرة.
عمليا، كان العمل النقابي مشتتا، إذ كانت للبريد والتعليم نقابتان شبه مستقلتين في كل قطاع، لأنه في سنة 1966 وأمام جمود عمل الكتابة العامة للحزب قام مناضلو قطاعي البريد والتعليم بعقد مؤتمرات واختاروا قياداتهم بشكل ديمقراطي. ولما تم الاتفاق على إعادة الوحدة للاتحاد الوطني سنة 1967، اجتمعت النقابتان على أساس وحدوي وتم الاتفاق على الإعداد لمؤتمر اندماجي. لكن بمجرد ما جرت انتخابات الفروع وتبين أن المناضلين الملتزمين داخل الاتحاد هم الأغلبية، أوقفت قيادة الاتحاد المغربي للشغل العمل في اتجاه المؤتمرات النقابية الوحدوية.
وقد كان الخلاف نتيجة تصارع رؤيتين، الأولى كان يمثلها الجناح النقابي البيروقراطي، وكانت ترفض التنظيم الخلوي وإحياء تنظيمات على أسس قاعدة واسعة ومساهمة الجميع، وكانت ترى بالمقابل أن التنظيم الأسلم هو التنظيم الفوقي بالتعيين إن اقتضى الأمر؛ أما الرؤية الثانية فكانت تنطلق من ضرورة تنظيم عمودي للقطاعات على المستوى السياسي، يصبح هو العمود الفقري للتنظيمات النقابية التي يجب أن تفسح المجال واسعا لعموم الطبقة العاملة والمستخدمين اليدويين والفكريين. كان عملنا الحزبي أنا وعمر بنجلون مستمرا، ونشاطنا لم يتوقف في كل الأقاليم. وكان هدفنا هو الوصول إلى المؤتمر الوطني الثالث للحزب الذي بدأنا الإعداد له بشكل جدي. لكن عندما تأكد الجناح النقابي من أن المؤتمر سيعيد الروح إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وسيصير بالتالي حزبا قائدا للمجتمع بكل مكوناته، وليس أداة سياسية في يد القيادة النقابية، عمل على إجهاض التحضير الجدي للمؤتمر.
ومن أجل هيكلة الحزب، كان لا بد من تفعيل الكتابة العامة، أي القيادة، لكن الجناح النقابي ظل يحول، حتى في فترات التقارب، دون تفعيل هذا الجهاز التفيذي.
بالنسبة إلينا، كنا نشتغل عن طريق الاتصال الفردي بكل المناضلين في الأقاليم والفروع والقطاعات، وكان واضحا أن قيادة الاتحاد الوطني تتجسم في عبد الرحيم بوعبيد. وكنتُ وعمر بن جلون نتولى الاتصال التنظيمي بالمناضلين في مختلف الأقاليم، لذلك بقي التنظيم حيا وفي توسع مستمر. وفي سنة 1972 ولكي نتجاوز وضعية الجمود التي تعيشها قيادة الحزب، فكرنا في الانتقال إلى مرحلة أخرى، فأقنعنا عبد الرحيم بوعبيد بالدعوة إلى تنظيم لقاء وطني للمناضلين. وكذلك كان، ليتقرر عقده في يوليوز وسيحتضنه منزل الحاج إدريس بنبركة في حي المحيط بالرباط. وقد شارك فيه أعضاء اللجنة الإدارية الوطنية المنتخبون في المؤتمر الوطني الثاني سنة 1962، أي الملتزمون والحاملون للشرعية الحزبية، وتم الحرص على ألا يكون المدعوون من المؤيدين للجناح النقابي، لأنهم سيعرقلون أي عمل أو مبادرة يمكن أن تقوم بها تنظيمات القاعدة، فمشكلة قيادة الاتحاد، مثلا، لا يمكن أن تحل إلا مع مسؤولين وطنيين ملتزمين، لكننا دعونا كل المسؤولين الإقليميين الذين كانت المؤتمرات الإقليمية قد انتخبتهم في مراحل سابقة.
وأطلقنا على اللقاء الوطني صفة «انتفاضة يوليوز 1972» التي أصدرت قرارات، من بينها أن اللجنة الإدارية الوطنية المنبثقة عن المؤتمر هي اللجنة الشرعية، وألغينا القرار الوحدوي الذي كان اتخذ سنة 1967 والقاضي بتشكيل مكتب سياسي ثلاثي. وكان النظام الداخلي للحزب ينص على أن اللجنة الوطنية الإدارية ينبغي أن تتشكل من 25 عضوا على الأقل، وكان هذا الشرط مستوفى لأن عدد الأعضاء الذين حضروا في ذلك الاجتماع، المنعقد في 30 يوليوز، كان، على ما أعتقد، أكثر من 35 عضوا. وأضفنا أعضاء آخرين، مثل الحبيب المالكي واحمد لحليمي ومحمد بنسعيد، حضروا بصفتهم مراقبين ممثلين للكتابات الإقليمية والشبيبة والقطاع النسائي. وتقرر تحضير المؤتمر الوطني، ووجهنا نداء إلى المواطنين من أجل تسجيل أنفسهم في اللوائح الانتخابية التي كانت قد فتحتها الحكومة في تلك الفترة. وبدأنا نشتغل، لكن بدون كتابة عامة، وأصر عبد الرحيم بوعبيد على التمسك بصفته عضوا في اللجنة الإدارية إلى حين عقد المؤتمر. وبعد انتفاضة يوليوز 1972، قرر عبد الله إبراهيم «طردنا» من الاتحاد الوطني، كما طلب من علال الفاسي في غشت 1972 تجميد الكتلة الوطنية. لكن المؤتمر تأخر بسبب ما عرفته البلاد من أحداث وطنية، خصوصا محاولة الانقلاب الثانية (الطائرة)، والتي أصبحت معها الوضعية السياسية العامة في البلاد معقدة. وفي النهاية، عقدت اللجنة المركزية في فبراير 1973 اجتماعا في فاس وكان جدول أعمالها يقضي بالإعداد للمؤتمر الثالث، لكنني لم أشارك فيها لأنني كنت في المستشفى قصد العلاج بعد الطرد الملغوم الذي أرسل إلي في 13 يناير.
وفي شتنبر، بعث الملك الحسن الثاني برسالة إلى عبد الرحيم بوعبيد، كما بعث برسائل مماثلة إلى قادة الأحزاب السياسية، يطلب رأيهم في الأوضاع. وقد ناقشنا -نحن جماعة من المناضلين: عبد اللطيف بن جلون، محمد الحبابي، عمر بن جلون ومحمد اليازغي- هذه الرسالة مع بوعبيد وأعددنا الجواب الذي صاغه هذا الأخير في مذكرة، سلمها إلى الملك في 8 أكتوبر 1972 وفد يتكون من عبد الرحيم بوعبيد، محمد الحبابي ومحمد اليازغي. وطرحت المذكرة مسألة إعادة ترسيخ الثقة بين الحكم والشعب، والسبل الكفيلة بخلق أجواء هذه الثقة التي تفتح المجال لاختيارات شعبية على مستوى القضايا الاقتصادية والاجتماعية وعلى مستوى قيام مؤسسات ديمقراطية. وخلال تلك المقابلة، أخبرنا الملك بأن الفقيه محمد البصري التقى بالمحجوبي أحرضان وتحدث إليه عن ضرورة أن يتحرك الأمازيغ. ولما لاحظ الملك أنني ابتسمت، توجه إلي قائلا: لم تثق أسي اليازغي، إن التسجيل لدي لأنني أنا الذي زودت المحجوبي أحرضان بساعة يدوية بها آلة دقيقة للتسجيل.
في الواقع، ابتسمت لأني كنت أعلم بأن الفقيه محمد البصري بعيد عن أي اختيار إيديولوجي إثني وعنصري لأنه كان يؤمن بأن المغربي هو نتاج لتمازج بين الأمازيغي والعربي والإفريقي والأندلسي وبين ثقافة عربية إسلامية.
- ثار فيما بعد كلام كثير حول مشاركة الاتحاد أو اتحاديين في هذه المحاولة الانقلابية لغشت 1972؟
الحقيقة، التي تأكدت فيما بعد، هي أن أوفقير كان متورطا في محاولة انقلاب الصخيرات في يوليوز 1971، ولا شك أن الدور الذي لعبه ظاهريا والمتمثل في حماية الملك أثناء المحاولة ساعده على التحضير لعملية الطائرة في غشت 1972، ويبدو أنه بدأ مباشرة في الإعداد لهذه المحاولة منذ عملية اختطاف المهدي بن بركة وما شكلته من لطخة كبيرة في وجه وتاريخ الحكم جعلت أعين بعض العسكريين، وعلى رأسهم الجنرال أوفقير، تُصوَّب نحو الحكم مباشرة، طمعا في الاستيلاء عليه. فأوفقير نفسه كان أداة طيعة في يد النظام في جريمة اختطاف المهدي بن بركة واغتياله. وشخصيا، لم يفاجئني انقلابه على الملك، وكنت أعتقد أنه ابن مدرسة خلقها النظام ومنهج لم ينته. وقد كنا في تلك الساعة مشغولين بكيفية النهوض بالاتحاد، وبالتالي فما حصل في غشت، أي محاولة إسقاط طائرة الملك، شكل صدمة كبيرة للأوساط السياسية.
وقد صرح الضباط المعتقلون أثناء المحاكمة بأنهم كانوا على اتصال بأيت قدور وأنه هو من ربط لهم الاتصال بالفقيه محمد البصري الذي زار أمقران في المستشفى في باريس، لكنهم لم يذكروا عبد الرحيم بوعبيد.
كنت قد تعرفت على الضابطين أمقران وكويرة في ماي 1972 خلال حفل عقيقة في بيت محمد آيت قدور في القنيطرة التي كان مدير مينائها، ولم يجر أي حديث خاص بيني وبينهما. بطبيعة الحال، لم تغب عني «الدردشة» التي دارت أثناء تناول وجبة فطور الصباح حول قضايا الوطن ومشاكله الكثيرة بدءا من الرشوة والفساد وصولا إلى الاستغلال والظلم والخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان. وباستثناء إشارات قوية من محمد آيت قدور إلى تذمر الضباط الذين كان على اتصال بهم وتبرمهم من التدهور الخطير الذي كان يعرفه المغرب، لم يخبرني (آيت قدور) بالإعداد لأي محاولة انقلاب تدبر في الخفاء. كما أن عبد الرحيم بوعبيد، في أحاديثه معي، لم يتعرض في يوم من الأيام لأي لقاء أو اتفاق مع الجنرال أوفقير للإطاحة بنظام الحسن الثاني لأنني أعرف، نتيجة احتكاكي المستمر به، أنه (بوعبيد) لا يمكن أن يطمئن إلي أي حكم عسكري يفرض على البلاد بالعنف، لأن ذلك سيؤدي حتما إلى دخول المغرب في مرحلة من عدم الاستقرار ومن الصراعات الدموية التي تمنع أي تقدم أو تطور اقتصادي واجتماعي فبالأحرى سياسي ومؤسساتي.
لكن يوم 13 يناير 1973، يوم الوقوف بعرفة الذي توصلت فيه بالطرد الملغوم، سيكون هو يوم تنفيذ حكم الإعدام في الضباط المتورطين في الانقلاب الذين شاركوا في محاولة إسقاط الطائرة الملكية. وقبل الإعدام، وفي لقائهم مع محاميهم، ومن ضمنهم المحاميان محمد الفاروقي وجواد العراقي اللذان قال لهما أمقران إنه في اليومين الماضيين عذب تعذيبا شديدا لكي يشهد بأن محمد اليازغي وعمر بن جلون كانا ضمن أعضاء مجلس قيادة الثورة الذي سيعلن عنه بمجرد نجاح الانقلاب، طلب أمقران من المحاميين أن يتصلا بي بسرعة لدعوتي إلى توخي الحيطة والحذر. وهذا ما أكده الضابط الطيار أحمد الوافي، زميل أمقران والذي حكم عليه معه بعشر سنوات سجنا من طرف المحكمة العسكرية لكنه سيقضي أكثر من هذه المدة بتازمامارت (18 سنة). ففي تصريح صحفي، أكد الوافي أن أمقران باح له ببعض الأسرار بعد أن لاحظ أن الدرك الملكي أتى ثلاث مرات متتالية لأخذه إلى خارج السجن، ومن تلك الأسرار أنه نقل للمثول أمام الملك الحسن الثاني الذي كان يتحرق رغبة في معرفة ما إذا كان قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على صلة بالمحاولة الانقلابية للطيارين، وقد نفى أمقران أمام الملك أي صلة له بقادة الاتحاد الوطني. وفي ذلك الصباح، بعد إعدام الضباط، جاء جواد العراقي إلى الرباط ليبلغني بما سمعه من الضابطين، لكنه حين وصل إلى منزلي كان الطرد قد انفجر ونقلت إلى المستشفى.
- ورود اسم آيت قدور في القضية جعل مهمة إعادة ترتيب أوضاع الحزب أكثر صعوبة..
محمد آيت قدور لم يحاكم إلا غيابيا بعد محاكمة الضباط المعتقلين. ونحن، كحزب وكمنظمة سياسية، لم تكن لنا علاقة بالانقلاب، ولذلك كان من المفروض ألا يحصل أي تغيير في موقف السلطة تجاهنا وألا يتعرض الحزب ومناضلوه لأي مضايقات أو تشدد. وأؤكد هنا أنه لم يعتقل أي مناضل اتحادي على خلفية محاولة الانقلاب، وقد كان المطلوب هو محمد آيت قدور، لكنه لم يعتقل خلال تلك الفترة لأنه كان في مهمة رسمية حملته إلى الخارج.
لكن لا بد من الإشارة إلى أن محمد الحبابي، الذي كان يعطي دروسا في المدرسة العليا العسكرية في القنيطرة التابعة لقيادة الأركان، أصدر في تلك الفترة كتابا تحت عنوان «الشبيبة المغربية في آفاق الثمانينيات»، وسيبلغ الحسن الثاني قيادة الأركان بعد الانقلاب بأن كتابات الحبابي أثرت في الطيارين والضباط الذين شاركوا في الانقلاب، ليصدر بذلك قرار بمصادرة كل كتبه في المدرسة وعدم السماح له بإلقاء دروس على طلبتها.
- كان الطرد محاولة لاغتيالك بعد شهور من زواجك..
بعد وفاة والدي في مارس 1970، تقدمت عائلتي بطلب يد سعدى بلافريج من عائلتها، كنا جيرانا في حي الليمون. ورغم أن الطلب كان قد حظي بالقبول، فإننا لم نقم بأي إجراء قانوني للخطوبة أو للزواج. وبطبيعة الحال، فقد عمد والدها إلى استشارة شقيقه أحمد بلافريج، الذي تولى في فترات سابقة مناصب الوزير الأول ووزير الخارجية والأمين العام لحزب الاستقلال، فبارك الأخير هذا الاختيار وأثنى عليّ قائلا: إن اليازغي من أحسن الرجال في البلاد.
وفي شهر أكتوبر، الذي صادف شهر رمضان، كان اعتقالي بعد أن أوصلت سعدى إلى منزل خالتها، وبقي مصيري مجهولا لأكثر من شهر، وبعد أن نقلت إلى سجن القنيطرة بدأت سعدى تزورني رغم أن الخطوبة كانت مجرد التزام معنوي لم يتوج بعد بأي إجراء أو وثائق أو تسجيل، وبقيت تزورني إلى حين إطلاق سراحي من سجن بو المهارز في مراكش سنة 1971.
وقمنا بالإجراءات القانونية لعقد القران يوم 21 أبريل 1972 وفي اليوم الموالي، 22 أبريل، أقمت، في منزل الصديق رشيد بن عبد الله، حفل الزفاف الذي اقتصر على أفراد العائلتين وأصدقاء حميمين مثل عمر بن جلون وبوبكر الشرقاوي والحبيب الشرقاوي. ولأن أنيس, ابن الحاج أحمد بلافريج, كان قد اعتقل في شهر مارس، أي قبل موعد الزفاف بشهر، فإن الحفل الذي كانت ستقيمه عائلة سعدى ألغي.
وهكذا عشنا أنا وسعدى كزوجين سويا ثمانية أشهر فقط، جرت خلالها محاولة الاغتيال بالطرد الملغوم والاعتقال في مارس 1973 والاختطاف من باب سجن القنيطرة قبل أن نعود إلى الحياة سويا تحت الإقامة الإجبارية بإيفران.
ففي بداية 1973، وبالضبط ليلة عيد الأضحى، كنت مع زوجتي ووالدتي في المنزل نستعد للاحتفال بالعيد، وكنت مرتديا منامة وسلهاما لأن الفصل كان فصل شتاء وكان البرد قارسا. وفي حوالي الحادية عشرة، خرجت لأتفقد صندوق البريد وأرى ما إن كانت به رسائل، فوجدت كتابا، وعادة ما كانت تصلني كتب عبر البريد من إخوان أو أصدقاء أو مكتبات. وفي طريق عودتي إلى الباب الداخلي للمنزل، بعد أن ودّعت يمامة بنت صديقي محمد الناصري، نظرت إلى المغلف الذي كان يحتوي على الكتاب فوجدت عليه طوابع بريدية للمغرب. وحين وصلت إلى الباب وقبل دخولي إلى المنزل، حاولت فتح المغلف فحدث انفجار رهيب، ومن حسن حظي أني كنت لا أزال واقفا لأني لو كنت جلست لذهب الانفجار بكثير من أجزاء جسدي، لأن المواد التي وضعت في الطرد كانت شديدة الانفجار، والدوي كان مرعبا، إلى درجة أن إطارات نوافذ المنزل سقطت في الحديقة، ولم يبق على جسدي شيء.. لا منامة ولا سلهام، كل شيء تبخر وتمزق، وما ظهر لي في تلك اللحظة أن نصف إبهام يدي اليسرى قد ذهب، كما ذهب جزء من وسطى يدي اليمنى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة