ليس من يرى إسطنبول كمن يسمع بها.. هي مدينة بحجم بلد، ومدينة تجمع بين قارتين، آسيا وأوربا، وهي مدينة ظلت، على مدى قرون، حلم النوم واليقظة لزعماء كثيرين فشلوا في السيطرة عليها. وهي المدينة التي تجمعت أوربا كلها من أجل إنقاذها من زحف العثمانيين، فكانت، في النهاية، من نصيب السلطان محمد الفاتح، الذي يبدو اليوم، بعد أزيد من خمسة قرون على فتحها، وكأنه سلطانها الأبدي.. فكل شيء في إسطنبول ينطق باسم «الفاتح».. وكأنه حي يرزق. مطار إسطنبول لا يبدو ضخما مقارنة مع حجم هذه المدينة وتاريخها، لكنه مطار منظم وهادئ وفيه إجراءات أمنية مشددة. يستقبل هذا المطار، كل يوم، عددا قياسيا من الزوار القادمين من كل القارات، يمرون منه بسرعة، ذهابا وإيابا. في هذا المطار لا يمكنك أن تميز بين السياح وبين أبناء البلاد. في زاوية من المطار شاب يقبل شابة بطريقة حميمية، لا يمكنك أن تجزم من أي جنسية هما لكنْ، عموما، يبدو الأتراك، بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية، أكثر محافظة مما يعتقد الناس. أول ما يدهشك في شوارع إسطنبول الرئيسية هي أنها فسيحة، لكن السيارات تمر فيها بسرعة مذهلة، ورغم ذلك فإن حوادث السير نادرة.. وحتى عندما تقع هذه الحوادث، فإن السائقين لا يخرجون لمواجهة بعضهم البعض بالهراوات والسكاكين. في هذه البلاد يندر، أيضا، أن يشتم السائقون بعضهم البعض، رغم أن التصرفات في الطرقات ليست مثالية، لكن هناك قاعدة متعارَفاً عليها، وهي أن تحترم تجاوزاتي القليلة مقابل أن أتفهم تجاوزاتك النادرة. هناك ظاهرة أخرى في شوارع إسطنبول، وهي أن الأغلبية الساحقة من السيارات بسيطة واقتصادية وصغيرة الحجم، رغم أن أغلبها جديد وفي حالة ممتازة. الناس هنا لا تهمهم مظاهر البهرجة والتفاخر ب»الحديد» الفاره، فالشعوب التي تنظر جماعيا إلى مستقبلها على المدى البعيد لا تتفاخر ب»القصدير» الذي يصدأ على المدى القريب. تبدو إسطنبول مبهرة ونظيفة. هناك سيارات يعلوها الغبار، لأن نسبة التلوث تنخفض ببطء في هذه المدينة، التي تشبه بلدا داخل بلد، وحين تسأل تركيّاً عن سبب وجود سيارات غير نظيفة، فإنه يحس ببعض الانزعاج ويرد بسرعة بأن الأتراك شعب نظيف ومؤمن وأن النظافة من الإيمان.. حافلات بماء وكتب في شوارع المدينة، التي يسكنها قرابة 20 مليون نسمة، تسير حافلات عصرية ونظيفة ويركبها شعب يبدو مطمئنا على نفسه ومستقبله. هناك نوعان من الحافلات في المدينة: نوع قديم يسميه الناس «حافلات ما قبل إردوغان»، ونوع جديد من الحافلات يسميها الناس «حافلات إردوغان».. كانت الحافلات القديمة تشتكي دائما من المشاكل المادية وتعاني الإفلاس. وعندما صار إردوغان رئيسا لبلدية إسطنبول، قرر استخدام حافلات جديدة، فحققت أرباحا كثيرة واحترمت كرامة الناس وتبيّنَ، بعد ذلك، أن مسيّري الحافلات القديمة كانوا يمارسون مع حافلاتهم دور حالبي البقرة. يقول أتراك إن الحافلات الجديدة هي أكثر من جيدة، وفيها يتم تقديم الماء المعدني بالمجان، وأحيانا، توزع فيها الصحف والكتب بلا مقابل.. هذا يعني أن قارورة ماء وكتاب تساويان أضعاف ثمن التذكرة، لكن هذا لا يعني شيئا أمام تحدي بناء شعب حقيقي فخور بنفسه وبماضيه وبمستقبله. الفارق هنا واضح بين حافلات تقدم الماء والكتب بالمجان وبين حافلات تشبه صناديق الجحيم، يلتصق فيها النساء والرجال وتحدث فيها كل الموبقات. هذا هو الفرق بين الشعب الذي يبني مستقبله وبين الشعب الذي يحفر قبره!.. إسطنبول، نصفها الأول في آسيا ونصفها الثاني في أوربا، وبين المنطقتين جسور وعبّارات بحرية. ويكلف الركوب في عبّارة القليل جدا، وهو مريح وفيه شاي وسندويتشات، بمقابل طبعا، هذه المرة.. بسطاء كثيرون يركبون هذه العبّارات، لأنها مريحة وسريعة ورخيصة. إنها الوسيلة الأفضل للتنقل بين القارتين حين «تختنق» الجسور بالسيارات. المستقبل يبدأ من هنا إسطنبول مدينة تبهر زوارها في كل شيء، في الطرقات والخدمات والمتاحف والمدارس والمقاهي والمتاجر والمطاعم والساحات والحافلات و»الطراموايات» والقطارات. «تعودت» متاجر إسطنبول على العدد الهائل من السياح، لكن «الغفلة بين البائع والشاري» ليست مطلقة، فرغم أن المفاصلة مستحَبة، فإن كثيرا من البائعين يتعاملون بالثمن القار، تجنبا لكل ثرثرة زائدة، وأيضا لكسب ثقة الزبون. أما المدارس في إسطنبول فتعطي الدليل على أن المستقبل يبدأ من هنا. في مدرسة ابتدائية يبدو الأطفال وكأنهم في عيد: ملابسهم جديدة وأحذيتهم نظيفة، وهم سعداء جدا بالذهاب إلى المدرسة. يبدأ التقدم عبر جعل «المدرسة أما حقيقية» وليس ثعبانا مخيفا.. في أحد الأقسام، يجلس التلاميذ أمام حواسيب عصرية، وهم يتعلمون كيف يكونون جزءا من العالم. في قسم آخر، يلقن الأستاذ تلاميذه درسا جميلا، يحكي قصة أسرة ستحتفل بالعيد وتذهب إلى السوق لشراء كل الحاجيات. لكن عمق الدرس هو «كيف ستحتفل هذه الأسرة بالعيد بينما هناك أسر أخرى فقيرة لا تستطيع الاحتفال».. يا سلام!.. في إسطنبول عدد هائل من المدارس، العمومية والخاصة، وعدد كبير من الجامعات، التي تقاس بأكثر الجامعات الغربية تطورا، لذلك يأتي الكثير من الأجانب للدراسة في تركيا، لكن تعلم اللغة التركية ضروري، ليس للدراسة فقط، بل لأنه لا يمكن أن تجهل التركية في بلد يحترم لغته إلى درجة «التقديس».. متاحف للإبهار في تركيا يعرفون، جيدا، معنى التاريخ ومعنى الماضي والحاضر والمستقبل. هذه أفعال يصرفونها جيدا، ليس في النحو فقط، بل في الواقع. في كل مكان من إسطنبول تحفة، وفي كل جانب مأثرة، وفي كل حي متحف، وفي كل هضبة شاهد على التاريخ، لذلك فإن هذه المدينة تستقبل عددا قياسيا من السياح، وكلهم يأتون متلهفين على شيء واحد، التاريخ، لذلك يقفون في طوابير طويلة من أجل ذلك. أين هم «عباقرة» السياحة الذين يوهموننا بأن السياح اليوم يفضلون الجنس والمواخير والملاهي واغتصاب الأطفال؟!.. كثير من السياح يابانيون وكوريون وآسيويون. هؤلاء هم «مجانين» التاريخ والثقافة والمآثر. البلدان التي تعتمد على استقبال سياح فرنسيين وإسبان وعرب هي البلدان الحمقاء، لأنها تقدم لحمها ثمنا للعملة الصعبة. اسألوا مراكش وأكادير وطنجة وغيرها، وستعرفون.. من يريد أن يزور كل متاحف إسطنبول فعليه الإقامة في هذه المدينة لأزيد من شهر، لذلك يمكن زيارة أكثر المتاحف شهرة، وهي كلها تقريبا شهيرة ومبهرة. يحظى مسجد «آية صوفيا» بشهرة كبيرة، وقد كان كنيسة بيزنطية عملاقة، قبل أن يفتح محمد الفاتح القسطنطينية، التي صارت إسطنبول، ويجعل من كنيستها الكبرى مسجدا، لكنْ مع احترام كامل لحقوق وكرامة المنهزمين. كثير من السياح يذهبون إلى مسجد السلطان أحمد، حيث يرتفع الآذان 5 مرات في اليوم، فيدخل المسجدَ اليابانيون والأمريكيون والأفارقة والألمان والصينيون. مسجد يدخله معتنقو كل الأديان، وحتى الذين لا يؤمنون. ينزع الجميع أحذيتهم ويضعونها في أكياس بلاستيكية بيضاء، تُقدَّم مجانا عند الباب، فيدلف المسلمون إلى الصفوف الأمامية لأداء الصلاة، ويظل سياح آخرون عند حاجز خشبي بسيط. في هذا المكان بالضبط، يحس غير المسلمين ببعض الغيرة وهم يرون المسلمين في الصلاة. الأتراك أذكياء، لأنهم يمارسون «الدّعوة» عبر السياحة، وفي النهاية، يأتي الكثير من المال ويحس الأجانب باحترام عظيم للدين الإسلامي وللحضارة الإسلامية. في قلب المعركة في متحف «بانوراما» شيء مذهل. هنا، يمكن العيش في قلب معركة فتح القسطنطينية ويمكنك أن تسمع صليل السيوف وحفيف الرماح وطلقات المدافع وصرخات الجنود المسلمين والبيزنطيين، وهم يُرْدون بعضهم البعض قتلى أو جرحى. يندر أن يوجد طفل تركي لم يزر هذا المتحف، الذي تمتد الطوابير أمامه طويلة فس أيام العطل، ولا يُعتبَر السياح سياحا لو لم يزوروه. إنه متحف مذهل ويعتمد آخر صرعات التكنولوجيا عبر «الأبعاد الثلاثة» في الصور، حيث يقف الزوار في باحة في الوسط، وحولهم من كل جانب تدور معركة حامية الوطيس، حتى يحس الزائر وكان رمحا أو قنبلة ستصيبه في لحظة ما. في مكان من الساحة، يبدو السلطان الشاب محمد الفاتح، بزيّه الأحمر، ممتطيا فرسا فاقع البياض، وحوله وحاشيته وأعوانه. كان الرجل في الحادية والعشرين من عمره عندما فتح القسطنطينية. يحس المغربي في هذا المكان بشيء يشبه الرغبة في البكاء.. أين معاركنا؟ أبطالنا ومفاخرنا التي لا نهاية لها؟ أين تاريخنا ومتحفنا وماضينا؟ أين كل شيء فينا؟ لا شيء بقي فينا.. هناك متحف آخر يستحيل ألا يزوره تركي أو سائح. كل واحد يسمي هذا المتحف بطريقة ما، لكن الجميع يتفقون على تعريفه بأنه المتحف الذي يضم بُردة النبي (ص) وسيوف الصحابة الأجلاء وأشياء كثيرة.. كثيرة جدا. تدخل المتحفَ فتعتقد أنه بني قبل سنوات فقط، وحين ترى ملابس السلاطين، تعتقد أنها خيطت بالأمس، أما السيوف والمجوهرات فلم يعرف الصدأ لها طريقا. في المتحف كل الماضي.. وأيضا، كل المستقبل، لأن الأمم التي لا تعرف كيف تحافظ على ماضيها لا تعرف بالتأكيد كيف تسير قدما إلى المستقبل. في جانب من المتحف صندوق خالص من الذهب، وتقول ورقة تعريفية إن في داخله سترة النبي محمد (ص). يمنح المرور في المكان إحساسا نفسيا هائلا، حتى لو لم تر ما في داخل الصندوق.. من هذا المكان يمر عدد هائل من السياح كل يوم، وهم يشاهدون مجد حضارة عظيمة، وأكيد أنهم يخرجون من المتحف بنظرة مختلفة تماما عن الأفكار التي رسّخها الإعلام المنحاز في عقولهم عن الإسلام والمسلمين. إنهم يدخلون هذه المتاحف بفكرة معينة، ثم يخرجون منها بفكرة مختلفة تماما. احترم شعبك يحترمك إسطنبول ليست هي عاصمة تركيا، لكنها هي «عاصمة كل شيء»، في الواقع، وفيها عدد كبير من القنوات التلفزيونية وصحف بلا حد. وفي واحدة من أرقى مناطق إسطنبول يوجد مقر أكبر صحيفة في البلاد، جريدة «زمان»، الناطقة بالتركية.. طبعا. عمر هذه الصحيفة ليس طويلا، لكنها تبيع أزيد من مليون نسخة في اليوم الواحد، وفوق ذلك لديها صحيفة يومية بالإنجليزية ومجلة أسبوعية بالإنجليزية ووكالة أنباء تتعامل بكل لغات العالم، تقريبا، ومحطة تلفزيون وأستوديوهات خاصة بالبث المباشر.. وأشياء كثيرة أخرى. مقر هذه الصحيفة من ستة طوابق، مع طوابق تحت أرضية وحديقة واسعة وفضاء مفتوح على كل الجهات. في هذا المكان يشتغل أزيد من 600 شخص، أغلبيتهم الساحقة شباب. وفي الطابق الأرضي للمقر يجلس عشرات الصحافيين في فترة الغداء، والغداء طبعا بالمجان، والعشاء أيضا، وحتى الفطور. كل شيء هنا بالمجان، والصحافي لا يعرف سوى شيء واحد.. أن يشتغل!.. يقول مسؤول في «زمان» إن هذه الصحيفة الفتية تحترم ثقافة تركيا وتقاليدها، وهي مفتوحة في وجه الجميع، لكنها لا تتعدى حدود احترام الشعب التركي، بثقافته ودينه وأخلاقه، لهذا السبب منحها الأتراك صفة «الجريدة الأولى في تركيا». في تركيا أشياء كثيرة أخرى، وفي كل تلك الأشياء يبدو الأتراك كأنهم يشبهوننا كثيرا، يشبهوننا في التاريخ والجغرافيا وبعض السياسة.. يشبهوننا في كثير من أوجه الماضي، لكننا لا نشبههم في شيء..
نساء إسطنبول.. أزهار متجهّمة تقول كتب التاريخ إن النساء لعبن في الإمبراطورية العثمانية، على مر تاريخها الطويل، دورا حيويا وحاسما، وشكلت زوجات وأمهات السلاطين، وحتى بعض جواريهم وحرمهم، دورا حيويا في مسار هذه الإمبراطورية، التي كانت ممتدة الأطراف وتحكم أجزاء واسعة من آسيا وأغلب بلدان البحر المتوسط، شمالا وجنوبا. ويضيف المؤرخون أن عمر محمد الفاتح، الذي فتح القسطنطينية، وهي التي صار اسمها اليوم إسطنبول، لم يكن يتجاوز آنذاك الحادية والعشرين وأن حماس والدته وزوجته كان كبيرا من أجل الفتح وأن نساء كثيرات ساهمن في الفتح، بطرق مختلفة، ليس باستخدام المنجنيق طبعا، ولكنْ بالتحريض الأنثوي، الذي يصنع المعجزات. اليوم، أين هن نساء إسطنبول، اللواتي جعل منهن التاريخ بطلات بلا مجد؟.. إنهن في كل مكان: في المقهى والإدارة والمدرسة والجامعة والمسجد والشارع والأسواق الممتازة وفي كل مكان، لكن المجتمع الإسطنبولي يبدو "رجاليا" بامتياز. نساء إسطنبول هن أكبر مفاجأة يمكن أن يلقاها الزائر، الذي قد يتوقع واقعا مختلفا. إنهن عابسات أو متجهمات في الغالب، وتبدو على ملامحهن علامات حزن غير مفهوم، وفي الشارع يسرن مسرعات ولا يلتفتن وراءهن.. في شوارع إسطنبول، يندر أن تجد فتاة تبرز أنوثتها أكثر من اللازم، لا فرق في ذلك بين فتاة تلبس سروال الجينز وتسدل شعرها وبين أخرى بالحجاب وتلبس معطفا طويلا، وربما يكون الوضع مختلفا قليلا خلال الصيف، لكنْ عموما، هناك ميل غريزي نحو المحافظة بين الجميع. نساء إسطنبول، وربما التركيات كلهن، حذرات جدا، وابتسامتهن أندر من بيضة الديك.. لذلك عندما تسأل بائعة في محل تجاري عن نوع القميص فإنها تقصفك أولا بنظرة تجمع ما بين العبوس والغضب، ثم تجيبك. هذه ليست خصلة سيئة على الإطلاق، لأن الابتسامات المجانية للمرأة غالبا ما تؤدي ثمنها بشكل غير متوقَّع. تركيا دولة علمانية، أي أنْ لا أحد يجرؤ على الاقتراب من امرأة أو فتاة ترتدي لباسا متحررا أكثر من اللازم، وباستثناء شاب كان يقبل فتاة بشكل استعراضي في مطار إسطنبول في الصباح الباكر، فإن هذه الظاهرة غير مستحَبَّة بالمرة، وينظر إليها الناس بامتعاض كبير. الأتراك، عموما، محافظون، حتى مع الحكم العلماني، ولدى أغلبيتهم إيمان عميق لا يبدو بالعين المجردة. ملامح نسوة إسطنبول مثيرة للدهشة، فأغلبهن ذوات ملامح أوربية كاملة، ومن الصعب أن تميز بين سائحة ألمانية وفتاة تركية. هناك، أيضا، ذوات الملامح العربية وأخريات بملامح أندلسية تشبه، إلى حد كبير، ملامح الأندلسيات المغربيات. ما يندر وجوده، فعلا، هنا هو النساء السمراوات. النساء الغجريات قليلات جدا، وكبيرات السن منهن يكتفين ببيع حبّ الحمام للسياح في الساحات العامة. ظل الغجر، دائما، أوفياء لطبيعتهم، أي العيش على هامش المجتمع، أحيانا باختيارهم، وأحيانا أخرى، مرغمين. هناك قلة من النسوة يلبسن ما يشبه البرقع الأسود، وهن ينتمين، في الغالب، إلى طوائف قليلة العدد. أما لباس نسوة إسطنبول فمتفاوت إلى حد كبير لكنه، في الغالب الأعم، لباس أنيق وبسيط، حتى إن الرجال يبْدون أكثر أناقة.. لكن مشكلة الرجال هنا غريبة، وهي أنهم ليسوا طويلي القامة بما يكفي لكي ينظروا إلى المرأة من فوق، فالكل متساو.. في الحقوق والقامات!.. يبدو التحرش بالنساء في شوارع إسطنبول منعدما، أو هكذا على الأقل يتصور من يزور هذه المدينة، كما أنه لا وجود لظاهرة مطاردة السيارات للعابرات، فالشرطة في كل مكان لكي تضرب على أيدي العابثين، ليس بالنساء، بل بقوانين السير. بقي السؤال الأهم، وهو: هل نساء إسطنبول جميلات؟ عموما، يبدو أن الجمال اختار، أيضا، السكن في بلاد الأناضول، لكن جدية النساء وصرامتهن تجعلهن أقل جاذبية، ولهذا إيجابياته طبعا. هناك، أيضا، ظاهرة ملفتة، وهي أن هناك عددا متزايدا من المحجبات، وهن في الغالب جميلات، لكنْ لا وجود لمحجبات من نوع "إقرأ من فوق وروتانا من تحت".. قال بعض المؤرخين إن عددا من سلاطين الدولة العثمانية كانوا يطالبون وُلاتَهم على البلدان التي تقع تحت حكمهم بأنْ يرسلوا إليهم، بين الفينة والأخرى، نسوة لهن حظ وافر من الجمال. لا أحد يعرف سبب ذلك، وهل هو بسبب صرامة نساء الأناضول أم لمجرد رغبة في التنويع. ربما يكون هذا المزيج الغريب من نساء إسطنبول اليوم متصلا، في جزء منه، بزمن حريم السلاطين..