المغرب يرحب بقرار مجلس الأمن الدولي    وهبي: أدوار الوساطة تحتاج التقوية .. ومنصة رسمية تحتضن الإعلانات القضائية    "سيديجي" يصرف المعاشات بشكل مسبق    مقتل نائب رئيس ملاوي وتسعة أشخاص    محامو البيضاء يطالبون بوقف إبادة غزة    انتحار تلميذة في أسفي يحزن فنانات    المغرب يرحب باعتماد مجلس الأمن قرار وقف إطلاق النار في غزة ويعتبره خطوة إيجابية    بعد الإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة.. تأجيل مرتقب لزيارة رئيس وزراء فرنسا إلى المغرب    أخبار الساحة    شركة إسبانية لصناعة الطائرات تستقر بالدار البيضاء    الملك محمد السادس يصل إلى تطوان حيث يقضي عطلة الصيف في المضيق    أبرزهم أيت منا.. 5 أسماء تتنافس على رئاسة نادي الوداد الرياضي (صور)    أخنوش: العيش في غزة جحيم لا يطاق.. وما يحدث مأساة حقيقية منقطعة النظير    سلوفينيا تنضم لأزيد من مائة دولة تدعم مبادرة المغرب للحكم الذاتي بالصحراء    رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    يورو 2024.. الإنجليز يخوضون المنافسة بطموح تحقيق أول لقب    من الصعب على المغاربة تقبل استمرار هذه الحكومة    شركة "آبل" تطلق نظاما جديدا للتشغيل في أجهزتها قائما على الذكاء الاصطناعي التوليدي    مكتب السكك الحديدية يرفع عدد مقاعد "البراق" لمواكبة اسفار عيد الاضحى    من إصدارات دار الشعر بمراكش الديوان الخامس من سلسلة "إشراقات شعرية" للشعراء المتوجين بجائزة "أحسن قصيدة"    القناة الثقافية تحاور الناقدة والروائية المصرية شيرين أبو النجا    الموت يحزن سعد لمجرد    الفنانة التشكيلية كوثر بوسحابي.. : أميرة تحكي قصة الإبداع من خلال لوحاتها    بوطازوت وداداس يجتمعان من جديد في المسلسل المغربي "أنا وياك"    الفنان عادل شهير يطرح كليب «دابزنا» من فرنسا    وزارة العدل تتهيأ لتطبيق برنامج رقمي يساعد القضاة على تحرير الأحكام في سياق وصل الذكاء الاصطناعي بالمحاكم    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس اعتبارا من السبت القادم    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    الحكومة تكشف خطتها لتسريع الإقلاع الاقتصادي وخلق فرص شغل قارة للمغاربة    بمعنويات عالية.. أسود الأطلس يواجهون الكونغو وهدفهم تحقيق النقاط الثلاث    تصفيات المونديال.. المغرب يواجه الكونغو اليوم الثلاثاء وعينه على تعزيز صدارة المجموعة الخامسة    سوق الأغنام بالرباط.. المعادلة المتداخلة لاختيار أضحية العيد    المغرب يلتزم بإدماج التقنيات النووية السليمة في مختلف القطاعات    " فخورون، معلقون وعنيدون بعض الشيء"، عن منطقة كتامة والحشيش وأشياء أخرى..فيلم بالمسابقة الرسمية لفيدادوك    مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش تنظم ورشة لتلقين مبادئ النقد السينمائي وتجويده، لفائدة الصحفيين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    جثة هامدة تستنفر أمن طنجة    أطباء: مليون ونصف مصاب بالسكري لا تصلهم علاجات وزارة الصحة والتغطية الصحية لا تزال ضعيفة    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    "نقاش نووي" يجمع المغرب وأمريكا    ميناء طنجة المتوسط يترقب رقما قياسيا جديدا بمعالجة 9 ملايين حاوية في 2024    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    العصبة تعلن عن برنامج الجولة الأخيرة من بطولة القسم الثاني    كيوسك الثلاثاء | ثلث الشباب المغاربة يفكرون في الهجرة    الداكي: النيابات العامة استقبلت خلال سنة 2023 ما مجموعه 35 ألف و355 طفلا    اجتماع يُنهي أزمة فريق المغرب التطواني    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    أسعار النفط ترتفع بدعم من آمال زيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    الركراكي يتقدم بطلب خاص للصحافة قبل مواجهة الكونغو    الحج ب "التهريب": "اضطررنا إلى التحايل لأداء الفريضة"    مديرية الحموشي توضح بشأن فيديو "ابتزاز شرطي لمبحوث عنه"    ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي للأحداث    سيدة أعمال تعلن ترشحها لانتخابات الرئاسة الجزائرية    «شهادة أداء مناسك الحج» ثانية للحجاج المغاربة، وحواجز ومداهمات وعقوبات على المخالفين    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة "طريق مكة" إلى غاية 9 يونيو الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيارة أولى لسجن الرملة...
نشر في المساء يوم 02 - 07 - 2012

وقفت زينة وطفلتها في محطة للحافلات، الطفلة تراقب بدهشة كل ما حولها، تمر سيارات غاضبة وأخرى أقل غضبا، هناك تشابه بين وجوه السيارات ووجوه الناس، سيارات مقطبة، مندهشة وأخرى مبتسمة،
سمينة ونحيلة، وقفتا بين حشد من الناس، لكل واحد من هؤلاء شكل مختلف، لونه ومقاييسه، ولكن المشترك بين الجميع واضح، وهو ما يميزهم عن الكلاب والقطط والسيارات. أطلّت حافلة بلون العشب على الصخور البحرية، وجهها ضاحك وعيناها كبيرتان، أنفها ضخم وأبيض، تباطأت مقتربة وقد اشتعلت عيناها، جأرت مثل حيوان هائل جريح، انشق جانبها، هبط البعض منها ثم بدأت تبتلع الناس ببطء، بعضهم فتح الطريق لزينة التي تجر بيدها طفلتها وتساعدها للارتقاء على الدرجات العالية، في المقدمة جلس أضخم رجل رأته الطفلة في حياتها حتى تلك اللحظة، حاجباه كثيفان ومشتبكان، عيناه كبيرتان وخداه منفوخان كأنه دسّ كُرتي شوكلاطة بين حنكيه، على رأسه نظارة سوداء بدت مثل قرنين مخيفين، على ساعديه غابة شعر، لا يدخل أحد إلا بإذنه، شدّها رنين النقود في العيون المعدنية ذات الأحجام المختلفة أمامه، بهرتها حركة أصابعه السريعة والشعر النابت على عُقلها والخاتم الضخم الأصفر... بعد إغفاء ويقظة تباطأت الأشجار والبيوت.
هبطتا من الحافلة، جدار وأبراج عُلّقت في السماء، بوابة رمادية ضخمة وحشد من الناس يقف أمامها.
مكثتا هكذا ردحا طويلا في الانتظار، التذمر واضح على وجوه الجميع، فجأة شتم بعضهم البوابة، ثم راح آخرون يركلونها بالأقدام والقبضات «لماذا لا تفتح البوابة»! كانت هناك مجموعة من الرجال والنساء، يهتفون ويرفعون لافتات، أحدهم يحمل مكبر صوت بيده ويصرخ بأغنية «للعشرة آلاف سجين» بصوت مجلجل كان يقطعه أزيز الطائرات العملاقة التي تحط وتقلع في مطار اللد القريب...
صمت وكآبة وشمس حارقة، عرق ولهاث، وبعد تثاؤب طويل وممل وصليات من كلمات الغضب والأذرع الملوحة المتوعدة فتحت البوابة، وبدأ الناس بالدخول على دفعات صغيرة، أذرع وعيون، أجهزة عمياء ومبصرة تمرّ على الأجساد والأكياس والحقائب الصغيرة، وزينة مكشرة، المكان كله يوحي بالكآبة، لا شيء سوى الأسلاك والجدران ورجال ونساء بنفس اللباس والوجوه. تقدمتا إلى غرفة فيها حاجز وممر ضيق للعبور، واحدا واحدا إلى الطرف الآخر، صف لا ينتهي من الرؤوس والأكتاف والمؤخرات.
كل شيء يسير ببطء شديد، كأن الأقدام مزروعة في الأرض لا يمكن زحزحتها، رفعت امرأة رأسها إلى السماء الزرقاء وخاطبت طائرا أسود بعيدا بعيدا جدا، ردد وراءها كثيرون «لا حول ولا قوة إلا بالله» لا حول ولا قوة.. لا..! نظرت الطفلة مثل الجميع إلى الطائر البعيد، سيدة ذات عينين كحيلتين ووجه كبير ومستدير لُف بإتقان بمنديل غامق، فتحت كفين سمينتين ونظرت إلى السماء وتحركت شفتاها «يا رب فك الأسرى وأعدهم إلى أحضان عائلاتهم». ابتعد الطائر الأسود حتى اختفى، وبقي هناك من يتحدث إلى رقعة السماء الزرقاء فوق السياج؛ لا بد أن السماء، وإن كانت بعيدة، تسمع كلام الناس، قالت الطفلة لنفسها، كيف يصل الصوت إلى هناك!
أخيرا وصل دورهما، استقبلتهما امرأة هائلة، صدرها أضخم ما فيها، لفت انتباه الطفلة حب السمسم على وجهها ولون شعرها البرتقالي المعقوص من تحت الطاقية. ولجتا غرفة صغيرة جانبية وحيدتين معها، تناولت الحقيبة، شمشمتها مثل قطة، غرزت فيها أظافرها المطلية بلون غريب أقرب إلى لون الألومنيوم، امتدت اليدان المنمشتان بحب السمسم إلى جسد زينة، تسللتا إلى داخله، ما الذي تبحث عنه هناك! أحسّت الطفلة بعداء شديد لهذه الامرأة وليديها المنمشتين العبلتين اللتين ضايقتا والدتها... نفضت برتقالية الشعر يديها المنمشتين وقالت وهي تشير إلى الطفلة: - «عرّيها».
ردت زينة بصوت مفجوع لم تعرفه مرجانة من قبل: - الطفلة!
فردت المنمشة بحزم: - إنّه النظام !
مددتها زينة على طاولة كما تمد دجاجة لتقطيعها قبل الطبخ، وقالت بغضب وهي تنزل لها سروالها: «انظري! هل تعجبك قطرات البول!».
ردّت برتقالية الشعر المنمشة بالسمسم بهدوء وبرود وكأنها بلا روح: «إنه النظام»! أعادت زينة السروال وما زالت غاضبة، تطاير لعاب من شفتيها، نقطة لعاب بيضاء توقفت هناك على رأس شفتها السفلى، علت وهبطت كالمغيطة كلما فتحت شدقيها، لم تر ماما بمثل هذا الغضب والضيق. اندفعت امرأة أخرى من الباب منضمة إلى ذات الشعر الأحمر، كانت هذه سوداء مثل باذنجانة، لم يكسر قالب السواد سوى أسنانها، التمّ رجال ونساء بنفس اللباس من حولهما، تبادل الجميع الصرخات وكلهم أشاروا إليها، أطلقت الطفلة دموعها ونشيجها مذهولة لأن كل ما يحدث هنا بسببها!» زينة تبعتها ببكاء أكثر مرارة، وكأن الطفلة حصلت بهذا على تصريح بالبكاء فازداد نشيجها.
مرّتا بساحة جدرانها أسلاك ومسامير وسماء، ثم دخلتا ممرا مغلقا ثم غرفة شبه مظلمة، كلما عبرتا بابا أغلق من ورائهما وكأنها طريق بلا عودة، تخيلت أنهما لن تخرجا من هناك أبدا، وكلما دخلتا أكثر ازداد قلقها وطغى عليها شعور بالابتعاد عن الأمان، إلا أنها ضبطت نفسها ما دامت ماما ممسكة بيدها وترفعها عن الأرض بين فينة وأخرى، أخيرا رأت عددا من الناس يقفون قبالتهما من وراء قضبان وزجاج ثخين، لا يمكن إدخال أُصبع منها، توقف الناس خارج الزجاج قبالة من بداخله وراحوا يقبلونه، بينما تقدمت زينة قبالة وجه ذي شاربين وشعر كثيف على الخدين، قبّلت الزجاج وقبّله هو من جهته، كان الوجه أسمر ضاربا إلى الصفار، الشعر قصير حالك.. أحست الطفلة بأنها تعرفه! ابتسم هاشا لها «هل عرفتني أم نسيتني! إنها تعرفني!» وصل صوته مغموما من الثقوب الصغيرة، تذكره من صورة ما..، بل من حقيقة ما، إنه الذي يسكن في الصورة على سرير ماما، وهو نفسه الذي يقف إلى جانبها ويعانقها في صورة كبيرة على الجدار.. بابا.. بابا!
بعد سلام وكلام واطمئنان على الأحوال، قال:
زينة أريد أن أقول لك شيئا مهما..
شو بدك تقول..؟
بإمكانك أن تتطلقي إذا شئت ذلك...!
لا تقل هذا.. وهل حياتي حياة بدونك.. سأنتظرك.. أنت زوجي ووالد طفلتي وحبيبي..
لا أريد أن أظلمك معي..
سأنتظرك.. أنت زوجي وحبيبي لا تقل هذا الكلام..
تنتظرين تسعة وتسعين عاما..!؟
سأنتظر ألف عام.. الله كريم.. ثم من يعرف ما الذي تخبئه الأيام..



سهيل كيوان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.