حصيلة نصف الولاية الحكومية: تناقضات وأسئلة عالقة    توقيف الدعم المالي للأسر يجر لقجع للمساءلة    أكاديميون إسبان يؤكدون على أهمية مخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية    سانشيث فرسالة بمناسبة تأسيس حزب العمال الاشتراكي: حسيت بالدعم وممتن ليكم وخاصنا فالصبليون سياسة حقيقية ماشي الخداع    بذور مقاومة للجفاف تبحث عن الانتشار في حقول المغرب    صندوق النقد الدولي يشيد بقدرة الاقتصاد المغربي في مواجهة مختلف الصدمات    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    السنغال: تفكيك موقع سري للتنقيب عن الذهب شرق البلاد واعتقال 15 أجنبيا    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يصدر قرارا مثيرا للجدل تجاه اللاعبين المسلمين بمنع ارتداء سراويل داخلية تغطي الركبة    الجرايدي بين أفضل اللاعبات بالسعودية    قمة "نارية" بين حامل اللقب نهضة بركان ومتزعم البطولة الجيش الملكي في دور السدس عشر    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    بعد الضجة الأخيرة حول لقاح "أسترازينيكا".. الطيب حمضي يوضح    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    الذهب يستقر بعد تثبيت البنك المركزي الأمريكي لأسعار الفائدة    رونالدو يقود النصر إلى نهائي كأس السعودية لمواجهة غريمه التقليدي الهلال    منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ترفع توقعاتها للنمو العالمي لعامي 2024 و2025    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    حادثة سير تسلب حياة سيدة في مراكش    شرخ في خزانات سفينة يؤدي إلى تسرب الوقود بساحل سبتة    مقترح قانون لتعزيز مشاركة المواطنين في العملية التشريعية    الداخلية تحدد تاريخ إجراء انتخابات جزئية بدائرتي بنسليمان وسيدي سليمان    دوري أبطال أوروبا (نصف النهاية/ذهاب): دورتموند يهزم باريس سان جرمان 1-0    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية: زعماء دول عربية قالوا لي اهلكو "حماس" دمروهم لأننا سندفع الثمن    هل ستعود أسعار الخضر للإشتعال؟    السعودية تدعو طرفي الصراع في السودان إلى ضرورة تغليب مصلحة الشعب السوداني    المغرب ينافس إسبانيا على التفوق الجوي.. "الميراج" في مواجهة "يوروفايتر"    ففرانسا تحكم على شيفور مغربي مهرب الحشيش فموك بغرامة قياسية فتاريخ جرائم تهريب المخدرات    روسيا تكشف تدمير "درونات" أوكرانية    غضب رسمي أردني من "اعتداء" إسرائيليين على قافلتي مساعدات إلى غزة    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    باحث إسرائيلي في الهولوكوست: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.. وهناك أدلة كافية قبل أن صدور إدانة المحكمة الدولية    الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري "تشانغ آه-6" في 3 ماي    الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد    بالفيديو.. تعطل فرامل جرافة يتسبب في اصطدام مروع بسيارة في إقليم الحسيمة    مليلية تودع "أحوري".. الصوت النضالي لحقوق الريفيين بالمدينة المحتلة    اتحاد جدة صيفطو كريم بنزيما لريال مدريد وها علاش    اختفاء رئيس جماعة ينتمي لحزب "الأحرار" بآسفي بعد وضع مذكرة بحث وطنية ضده بسبب "شيكات بدون رصيد"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    البيرو..إطلاق منصة لتعلم أي لغة إشارة في العالم باستخدام الذكاء الاصطناعي    الطبقة العاملة باقليم الحسيمة تخلد ذكرى فاتح ماي    تخلف ورجعية. سلطات إيران استجوبت طاقم وممثلي فيلم "حبة الكرموس المقدس" اللي غادي يشارك ف مهرجان "كان"    مدينة طنجة عاصمة عالمية لموسيقى الجاز    «باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    آثار جانبية مميتة للقاح "أسترازينيكا".. فما هي أعراض الإصابة؟    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    فوزي الصقلي : المغرب بلد منفتح على العالمية    وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    هل تستطيع فئران التجارب التلاعب بنتائج الاختبارات العلمية؟    حارة نجيب محفوظ .. معرض أبوظبي للكتاب يحتفي ب"عميد الرواية العربية"    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلقاس.. مسرحي متميز عشق أعماله ملكان
ترك أعمالا رائعة نهلت من التراث المغربي الأصيل
نشر في المساء يوم 30 - 08 - 2012

رجال صدقوا ما عاهدوا الله والشعب عليه، منهم من لقي ربه ومنهم من ينتظر. أسماء دوى صداها في أرجاء المدينة الحمراء وخارجها وشمخوا شموخ صومعة «الكتبية» أو أكثر، وبصموا بأناملهم
وكتبهم تاريخا ظل عصيا على المحو. لكن فئة قليلة من الجيل الحالي من تعرفهم أو تعرف إنجازاتهم. غير أن الذين عاصروهم أو الذين تتلمذوا على أيديهم يعتبرون أن هذا الرعيل صنع ما لم يصنعه أحد ممن سبقوهم كل في تخصصه. «المساء» نبشت في ذكرياتهم في مراكش وخارجها، وجالست من بقي منهم على قيد الحياة، واستمعت إلى تلامذتهم، الذين لا زالوا يعيشون جمالية تلك اللحظات التي لازالت منقوشة في أذهانهم وقلوبهم.
ترك رحيل محمد بلقاس، المسرحي الساخر مكانة كبيرة لم يملأها أحد إلى حدود الآن. فهو الذي بصم الفكاهة والسخرية «المرصعة» على خشبة المسرح، وأشعل نور البهجة في نفوس رواد هذا الفن الأصيل. بنى محمد بلقاس مجده من البساطة وخفة الدم، والوجه البشوش، الذي ملأ الضوء مساحاته التي لم يأكلها الزمان رغم طوله، واقتحم قلوب الجماهير بالفرجة والمتعة الهادفة، التي تخرج من القلب لتصل إلى القلب.
لم يقو الطفل محمد بلقاس على النطق السليم إلا في ال 11 سنة، بينما اسمه الحقيقي هو محمد بن الطيب، ينحدر من أحواز مراكش، تربى في كنف أسرة أمازيغية جد محافظة على الأصول، تهوى وتحترف فن التجارة. وفي سن مبكرة عُرف محمد بن الطيب (بلقاس) بميوله لفن الفكاهة، وتقليد الأشخاص المعروفين في تلك الحقبة الزمنية على سبيل المثال: نجيب الريحاني، واسماعيل ياسين، ويوسف وهبي، وبوشعيب البيضاوي، وبوجمعة الفروج...لينخرط بمعية زملائه في فرقة الأطلس الشعبية تحت إشراف قيدوم المسرح المحلي عبد الواحد العلوي الحسنين وبالضبط في فترة بزوغ فجر الاستقلال. اقتحم محمد بلقاس عالم المسرح من خلال فرقة «الأطلس»، هذه المدرسة الفنية الكبيرة، والأم الولود، التي خرج من أحشائها عدد كبير من الممثلين والمسرحيين والفنانين، الذين ملؤوا دنيا المسرح والسينما والتمثيل إبداعا وإنتاجا ذاع صيته في المغرب والعالم العربي.
عشق الملكين
تدرج محمد بلقاس، هذا العَلَم الشامخ في ميدان المسرح الساخر شموخ صومعة «الكتبية»، في المسرح الشعبي فأسس فرقة للمسرح الشعبي غايته استعمال التلقائية و البساطة كأداة لخلق الفرجة الهادفة والمتعة المؤثرة فكان أول عمل مسرحي يؤديه بلقاس هو مسرحية «الفاطمي والضاوية»، رفقة صديقه الحميم، وعملاق المسرح المراكشي عبد الجبار لوزير. هذا العمل، الذي لا زال صيته حيا رغم انتقال هذا البطل الكبير إلى دار البقاء.
عرض العشرات من الأعمال في مختلف مناطق المغرب. وقد كانت أهم مناسبة سيقدم فيها «التوأم» محمد بلقاس وعبد الجبار لوزير هذه المسرحية الخالدة أمام الراحل محمد الخامس بفضاء قصر الباهية بمراكش سنة 1957، حيث أمتعوا الملك الراحل وجل الحاضرين، الذين خرجوا ومشاهد المسرحية وعبارات الفكاهة والسخرية الهادفة تتردد على مسامعه، حتى صارت ديدنهم في اليوم والليلة.
كما أن الملك الراحل الحسن الثاني كان من عشاق مشاهدة أعمال محمد بلقاس وعبد الجبار لوزير المسرحية، فقد كان يصر على استدعائهما لتقديم أعمالهما الهزلية أمامه بل كان يزودهم بالاقتراحات والنصح، كلما تأتى له ذلك، يقول عبد الجبار لوزير في كتاب حواري أعده الصحفي عبد الصمد الكباص بعنوان: «ثلاث طلقات و نكتة و حلم كبير».

النهم من الأسواق والحلاقي
ارتبط المشوار الفني والشهرة، التي صاحبت محمد بلقاس بكيانين: الأول هو فرقة الوفاء المراكشية، التي كانت الإطار الفني الذي قدم فيه محمد بلقاس أروع أدواره على خشبة المسرح في أعمال يصعب انتزاع أثرها من الذاكرة كمسرحية «الحراز» و «سيدي قدور العلمي» و«الدار الكبيرة» و غيرها ... ثم عبد الجبار لوزير الذي شكل إلى جانبه ثنائيا أسطوريا في خدمة البهجة والنكتة الساخرة والفرح بالحياة. رفقة رفيقه عبد الجبار الوزير قدم بلقاس مئات السكيتشات التي كانت تبث على أمواج الإذاعة الوطنية، فملأت قلوب المغاربة من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها بالبهجة المشرقة، والفرجة الممتعة في زمن لم تكن فيه الفضائيات ولا التجهيزات الإلكترونية لإدخال المسرح الممتع إلى كل البيوت.
كان بلقاس كما هو شأن جيله من الفنانين العصاميين، يخلق روائع عظيمة
انطلاقا من أشياء بسيطة ونكرة يجعل منها أمورا ذات معنى، بحيث يعطي للجماد حركة، ويحيي الساكن ويزرع فيه روح الفرجة، بلكنة مراكشية أصيلة نابعة من تراب مراكش «المرصّع». سكنت محمد بلقاس بلاغة المراكشيين التي تشربها من عالم الحرفيين المتمكنين من منابع فن الملحون والنكتة المتحركة على الألسن وخفة الروح. لذلك لا يستغرب أحد إذا علم أن كل الحوارات الهزلية التي كانت تدور بين محمد بلقاس وعبد الجبار لوزير التي كانت تبث على أمواج الإذاعة كانت مرتجلة في الحين ومباشرة من دون تكلف أو تصنع. يقول عبد الجبار لوزير: «كنا بالفعل نشكل، أنا وبلقاس، ثنائيا فنيا حتى داخل فرقة الوفاء. العامل الرئيسي في ذلك يعود إلى تواجدنا الدائم مع بعضنا مما رسخ بيننا انسجاما عميقا في الأداء وتناغما أقوى حتى في الارتجال. أما السر الأكبر في ذلك فيكمن في ارتوائنا المشترك من المنابع الصافية لجامع الفنا. نرتاد سوية الحلاقي ونلتقط غريب كلامها ونعيد توظيفه في سياقات فنية ونذهب للسوق العتيق ونجالس الحرفيين، نطلب براد شاي ونستمع لسيل من النكت، ومن الكلام البليغ، الذي يجري في المحادثات العابرة بينهم .. كنا نتشبع بالفن من منابعه التي تسري في الحياة...».
ترك الراحل محمد بلقاس الذي توفي في 11 دجنبر 2002 بعد مرض ألم به، أمرين اثنين: أعمال خالدة أبرزها: «مكتب الوكيل»، و«ديرو معنا التاويل»، و«الميت الفضولي»، «وعالجونا»، و«مزاوك في الله»، و«الحراز» في صيغتها الأولى 1968 والثانية 1982،و «سيدي قدور العملي»، و» الدار الكبيرة»، و»مكسور لجناح»، و»هالالاي»... ومسرحية «محجوبة»، و«نص عقل»، و«اللي ما عرفك خسرك»، و«نسيب المديرة»، والأمر الثاني أسرة تحتاج لمن يعيد مجد ربها، ويلتفت إليها وهو المسرحي الكبير الذي أعطى الشيء الكثير للجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.