مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    مشاركة مجلس النواب في اجتماع مجموعة العمل البرلمانية رفيعة المستوى للتكنولوجيا والابتكار والتحول الرقمي التابعة للبرلمان العربي    حصيلة نصف الولاية الحكومية: تناقضات وأسئلة عالقة    توقيف الدعم المباشر عن بعض الأسر يستدعي لقجع لاجتماع عاجل بالبرلمان    بركة يغلق باب اللجنة التنفيذية بوجه المتابعين ويعتمد "الكاستينغ" لاختيار البروفيلات    جهة طنجة – تطوان – الحسيمة: المخزون المائي بالسدود يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    اعتقالات وإصابات في حق طلاب أمريكيين رافضين للعدوان الإسرائيلي بغزة    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    رغم الهزيمة.. حكيمي ضمن التشكيلة المثالية لنصف نهائي أبطال أوروبا    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    حادثة سير خطيرة بمركز جماعة الرواضي باقليم الحسيمة    عاجل: إحالة مسؤول بالاتحاد الاشتراكي على "جرائم الأموال" بالرباط في فضيحة "الوظيفة مقابل المال" بوزارة العدل    إطلاق طلب عروض لمشروع جديد للمكتب الوطني للمطارات    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    اللجنة العلمية لكورونا تخرج عن صمتها بشأن أضرار أسترزينيكا وترمي الكرة بملعب الحكومة    الداخلية تكشف موعد إجراء انتخابات جزئية ببنسليمان وسيدي سليمان        الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ارتفاع أسعار النفط وسط توقعات بإعادة ملء الاحتياطي الأمريكي    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    جوهرة بناني تحتفظ بلقبها: انتصار ملفت في رالي عائشة للغزالات    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يصدر قرارا مثيرا للجدل تجاه اللاعبين المسلمين بمنع ارتداء سراويل داخلية تغطي الركبة    قمة "نارية" بين حامل اللقب نهضة بركان ومتزعم البطولة الجيش الملكي في دور السدس عشر    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    حادثة سير تسلب حياة سيدة في مراكش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    تراجع التضخم في كوريا إلى أقل من 3 في المائة    رونالدو يقود النصر إلى نهائي كأس السعودية لمواجهة غريمه التقليدي الهلال    نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية: زعماء دول عربية قالوا لي اهلكو "حماس" دمروهم لأننا سندفع الثمن    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    هل ستعود أسعار الخضر للإشتعال؟    غضب رسمي أردني من "اعتداء" إسرائيليين على قافلتي مساعدات إلى غزة    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    باحث إسرائيلي في الهولوكوست: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.. وهناك أدلة كافية قبل أن صدور إدانة المحكمة الدولية    الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري "تشانغ آه-6" في 3 ماي    اختفاء رئيس جماعة ينتمي لحزب "الأحرار" بآسفي بعد وضع مذكرة بحث وطنية ضده بسبب "شيكات بدون رصيد"    اتحاد جدة صيفطو كريم بنزيما لريال مدريد وها علاش    مليلية تودع "أحوري".. الصوت النضالي لحقوق الريفيين بالمدينة المحتلة    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    البيرو..إطلاق منصة لتعلم أي لغة إشارة في العالم باستخدام الذكاء الاصطناعي    مدينة طنجة عاصمة عالمية لموسيقى الجاز    «باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لهذه الأسباب «تخلص» البصري من اليخلوفي
كشف حقيقة ترحيل الأطفال الصحراويين إلى كوبا وتمنى أن يقابل الحسن الثاني ليزف إليه بشرى عودة المراكشي
نشر في المساء يوم 08 - 01 - 2013

«أنا إنسان أزاول التجارة، وهذا ما يربطني ب«فيديل كاسترو».. ولو أنني وجدتُ رجالا في هذا الوطن ممن يرغبون في مساعدتي على خدمة المغرب، لكنت كنست بلحية
كاسترو شوارع بلدي»..
هذا ما قاله عبد العزيز اليخلوفي لضيفته التي سألته عن سر صورة من الحجم الكبير تجمعه بالرئيس الكوبي وسط غابة في كوبا، وكلاهما يحمل سلاحَ صيد، وعن سر اتصال هاتفيّ من أخيه راوول (الرئيس الحالي لكوبا) وكان يحدثه بالإسبانية بكلام فاحش وصدى قهقهاته يصل إليها في الصالون؟..
من يكون هذا الرجل، الذي تأتّى له أن يربط علاقات صداقة مع رئيس أكبر دولة شيوعية في نهاية القرن العشرين، ومع محيطه القريب؟ وما الذي يجمع مواطنا «عاديا» في مدينة صغيرة في شمال المملكة بزعيم شيوعيّ يُعتبَر من أشدّ المناوئين لقضيتها الوطنية، وهو المعروف عنه مساندة لأطروحة الانفصال، التي تنادي بها جبهة البوليزاريو؟
قبل الإجابة عن هذين السؤالين، لنعد قليلا إلى الوراء، لمعرفة سياق الكلمات «النارية» التي رماها اليخلوفي في وجه ضيفته..
نحن الآن في أواخر سنة 1994.. الصدفة وحدها جمعت السالكة بَحْنين، المغربية من أصول صحراوية، باليخلوفي في قضية كان متابَعا فيها بطنجة بتهمة تهريب السجائر، وكانت بَحْنين تزور شابا صحراويا قادته الظروف إلى الاعتقال رفقة آخرين في إطار القضية نفسها.
تقول السالكة في روايتها ل«المساء»: «لم يكن لي سابقُ معرفة باليخلوفي، وقد بدأت علاقتي به من طنجة، حيث حُجِزت باخرة في ملكيته كانت تحمل كميات من السجائر سنة 1992، وخلال العملية اعتقل بالصدفة شابّ صحراويّ من قبيلة أزركيين، يدعى الخليفة ولد مويسى، وَصِلته الوحيدة باليخلوفي أنه كان يقتني السجائر التي يستوردها ويعيد بيعها بالتقسيط في الرباط والدار البيضاء»..
«هناك تعرفت على زوجة اليخلوفي وبناته»، تقول بَحْنين، «كنت أجلس إلى جانبهن طيلة أطوار المحاكمة، التي دامت 3 أيام، نال فيها اليخلوفي حكم البراءة، رفقة مجموعة من معاونيه، وهو الحكم نفسه الذي ناله الشاب الصحراويّ.. بعدها، توطدت علاقتي بالزوجين، وطلب مني عبد العزيز أن أدلّه على محام نزيه ليترافع عنه في قضية حجز تعرّضت له سلعته من المنطقة الحرة في طنجة، فعرّفته على النقيب محمد زيان، وكان حينها وزيرا لحقوق الإنسان، والتقينا ثلاثتنا في فندق في حسان، حيث تسلم زيان ملف اليخلوفي وتكفّل بقضيته».
إلى هنا كان كل شيء طبيعيا، لكنّ مسار الأحداث سيتغير بعد ثلاثة أشهر بالتحديد، إذ تابعت السالكة بَحْنين قائلة: «التقيتُ باليخلوفي وزوجته مجددا في معبر باب سبتة، ورافقتهما إلى منزلهما القريب من فندق سوفيتيل في الفنيدق، لأفاجأ بالصورة التي تتوسط الصالون وتجمع اليخلوفي بالرئيس الكوبيّ.. وحين فرغ من مكالمته مع أخيه راوول كاسترو، ولأنني لم أستطع أن أخنق الفضول الذي سكنني فقد سألته: «هل أنت مغربي؟.. فقال لي مائة في المائة»، فسألته مجددا، «الصورة التي وضعت بهذا الحجم في صالونك لم تعجبني.. لأن كاسترو ليس في صفّ المغرب، وموقفه يعاكس إرادة المملكة في قضية الصحراء».. فكان جوابه: «أحيّيكِ على صراحتكِ ووطنيتكِ.. لكنني إنسانٌ تاجر، وهذا ما يربطني بكاسترو، ولو أنني وجدت رجالا في هذا الوطن ممّن يرغبون في مساعدتي على خدمة بلدي لكنستُ بلحية كاسترو شوارع بلدي».. حينها اقترحتُ عليه أن أقدّمه لشخص اعتقدت أنه سيكون مفيدا في موضوع بهذه الحساسية، فزوّدني بثمانية أرقام هواتف كان يستعملها، منها أرقام وطنية وأخرى في إسبانيا وفرنسا وكوبا، حتى يتسنى لي الاتصال به حين أصل إلى نتيجة»..
«لم أنتظر كثيرا»، تقول بَحْنين، وحاولت على مدى أربعة أيام أن ألتقيّ بوزير الداخلية إدريس البصري، دون طائل، لأنه كان يرفض استقبالي، ربما لكثرة مشاغله، وحينها توجّهت إلى أحمد عصمان، واستقبلني في مقر حزبه، التجمع الوطني للأحرار، وحكيتُ له المعطيات التي في حوزتي عن علاقة اليخلوفي بآل كاسترو، وعن رغبته في أن يستغل هذه العلاقة لصالح قضية الصحراء المغربية.. ثم اتصلتُ باليخلوفي وكان حينها في كوبا، حيث حضر إلى الرباط وأقلّني بسيارته «الليموزين» وتوجّهنا رأسا إلى منزل عصمان في شارع الأميرات.. ولدى لقائنا به أعدْت عليه ما قاله اليخلوفي عن صورة فيديل كاسترو، وعن رغبته في أن يخدم بلده ما أمكن، ثم تركته رفقة عصمان، ولم أشأ أن أحضر النقاش الدائر بينهما، وانتظرت في الصالون العاجيّ رفقة أحلام، زوجة عصمان، لما يقارب الأربع ساعات».
إلى هنا انتهى دور السالكة بَحْنين، لأنها تؤكد أنه بعد هذا اللقاء الأوليّ بأيام، التحق بهما النقيب محمد زيان، وأخذ المستشار الملكي أحمد رضا كديرة علما بالموضوع، عبر زيان، فصار الأربعة ينسّقون في ما بينهم في عدد من الملفات ذات الصلة، خاصة ما يتعلق بملف الأطفال الصحراويين الذين كانت ترسلهم جبهة البوليزاريو إلى كوبا، حيث تدبَّر اليخلوفي، بفضل علاقته الوثيقة بآل كاسترو، أمر زيارة قامت بها لجنة كوبية إلى المغرب، ثم زيارة مماثلة قام بها زيان، رفقة آخرين، إلى كوبا..
يقول النقيب محمد زيان عن هذه العملية: «لم يكن أحد، سواء في المغرب أو حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، على علم بهذه الحقيقة.. وقد تفاجأ الكل لدى علمهم أن كوبا كانت ترحّل الأطفال الصحراويين من المخيمات إلى كوبا، وهناك يتم تكوينهم إلى أن يتخرجوا أطباء أو مهندسين أو ضباطا، ثم يعاد إرسالهم إلى عدد من الدول الإفريقية التي كان فيها وجود كوبيّ، مثل موزمبيق وأنغولا.. وكان لليخلوفي الفضل في كشف هذه المعلومة القيّمة التي غابت عن الأجهزة الاستخباراتية لعدد من الدول.. ولهذا سألته عن إمكانية تدخل فيديل أو راوول كاسترو للمساعدة في قضية إعادة هؤلاء الأطفال.. وبالفعل، تحدث اليخلوفي إلى فيديل كاسترو مباشرة في الموضوع، والذي اشترط لتحقيق هذا الطلب أن يكون المطالبون بهؤلاء الأطفال والشباب هم عائلات الأطفال الذين تم أخذهم إلى كوبا، وقضوا هناك فترات تتراوح بين 25 و30 سنة.. عند ذلك، بدأتُ أبحث بين الصحراويين، الذين عادوا من مخيمات تيندوف والصحراويين المقيمين في منطقة وادي الذهب -الساقية الحمراء عما إن كان لهم أقرباء ما زالوا يعيشون في كوبا.. وبهذه الطريقة عثرنا على عدد من الصحراويين الذين تم أخذ أبنائهم في أعمار لا تتجاوز 5 سنوات إلى كوبا، وتم تدريسهم وتكوينهم هناك».
أكثر من ذلك عمل زيان واليخلوفي على التنسيق مع السفارة الكوبية في مدريد، على استقدام لجنة كوبية لمقابلة هذه العائلات، وهذا ما حدث بالفعل، إذ حلت لجنة يرأسها وزير داخلية كوبيّ سابق، وتضم بعض المسؤولين المستقرين في باريس، وهي الزيارة التي ظهر خلالها اليخلوفي بقميص أبيضَ إلى جانب حفيظ بنهاشم، الذي كان يشغل منصب المدير العام للأمن الوطني، والنقيب زيان وآخرين من مختلف الأجهزة.
بعد ذلك بأسابيع قليلة، قام زيان -رفقة وفد مغربي، ودائما بتنسيق من اليخلوفي- برحلة إلى كوبا، على أساس أنهم ينتمون إلى منظمة الصليب الأحمر، وزاروا المخيمات حيث يقيم الأطفال الذين تُرحّلهم جبهة البوليزاريو إلى كوبا. وعن هذه العملية تقول السالكة بَحْنين إن «الوفد المغربي استطاع، في مدة لم تتجاوز 20 يوما، أن يحقق ما لم تصل إليه الدولة بأجهزتها ودبلوماسييها في 20 سنة»..
جرعة زائدة..
بعد النجاح الذي حققه اليخلوفي في أولى «مهامه» التي نسّق فيها مع زيان وأحمد عصمان والمستشار الملكي أحمد رضا كديرة، وتمكنه من استغلال علاقاته الطيبة مع حكام كوبا لتحريك ملف الأطفال الصحراويين المرحلَّين إلى هناك، بدت له ضرورة المرور إلى ملفّ أكثرَ أهمية، وقد يعود بالنفع الكبير على بلده، ولم يكن هذا الملف سوى التنسيق من أجل عودة زعيم البوليساريو إلى أرض الوطن.. وعن هذا يقول النقيب زيان: «علمت من اليخلوفي وبعض الكوبيين الذين عرّفني إليهم أن عبد العزيز المراكشي منزعج من الجزائر، وأنه كان يتحين الفرصة لدخول المغرب.. كما أنه صار يشكّ في مخططات المخابرات العسكرية الجزائرية وفي الحماية التي كانت توفرها له، بل إنه أصبح يشعر بأنه مُهدَّد في حياته من طرف الأجهزة الأمنية الجزائرية، وتبعا لذلك أصبح يفكر في إمكانية الفرار من قبضة القادة العسكريين الجزائريين، وأنه يفضل الاستقرار في بلد آخر، مثل فرنسا أو إسبانيا، عوض الجزائر».
ويضيف زيان: «تكلف الجنرال الكوبي، صديق اليخلوفي، بمعرفة ما يفكر فيه عبد العزيز المراكشي، وكانت الخطة تقتضي إقناعه بالتحاور معنا مباشرة، وكان واضحا أن هناك إمكانية كبيرة لتهيئة الظروف المناسبة، على الأقل لإخراجه من الجزائر، في انتظار التحاور معه مباشرة».
كان اليخلوفي متأكدا من أن عمله سيعود بالنفع على بلده، وغالبا ما كان يُردّد على مسامع السالكة بحْنين أنهم يسيرون في الطريق الصحيح.. وتتذكر أنه قال لها في إحدى المناسبات: «قريبا ستسمعين أخبارا تسُرّك»، ثم أضاف: «أقسم بالله إنّ قيادة البوليزاريو برمتها، وعلى رأسها محمد عبد العزيز، مثل خاتم زواج فاطمة بين أصبعي.. ولا تظني أنهم رجال، وسيكون يوما ميمونا حين أقف بين يدي جلالة الملك الحسن الثاني، وأزفّ إليه أخبارا تسرّه»..
لكنْ، ما الذي حدث حتى نسف مخطط إخراج المراكشي من المخيمات وترتيبات عودته إلى المملكة، كما خطط له اليخلوفي وزيان بتنسيق مع المسؤولين الكوبيين؟ ولماذا انتهى المطاف باليخلوفي متّهَماً بتهمة «ثقيلة» قادته إلى السجن، بدل أن تقوده ليقف بين يدي الحسن الثاني، كما كان يحلم دائما؟
الجواب نجده على لسان أكثر من مصدر، وهو أن اليخلوفي وجد نفسه في مرمى إدريس البصري، وزير الداخلية القوي آنذاك، والذي شعر بنوع من «الإهانة والإحراج» أمام الحسن الثاني، الذي لم يستسغ فكرة أن يكون في مملكته شخص عادي لا ينتمي إلى أي مؤسسة من مؤسسات البلد الرسمية، واستطاع أن يربط علاقات صداقة مع فيديل كاسترو، وهو رئيس بلد يعتبر بمثابة العمود الفقريّ للبوليساريو.. وكل هذا دون علم الأجهزة. يقول زيان بهذا الصدد «إن الأجهزة الأمنية قررت أن تجعل من عبد العزيز اليخلوفي هدفا لها، وجعلته «يندم» على قيامه بتحركات في هذا الملف.. وهنا بدأت مأساته الحقيقية، لأنّ البصري كان يريد أن يبقى وحده مسيطرا على ملف الصحراء، فقام باعتقال اليخلوفي، بتهمة مُلفَّقة ووضع الحسن الثاني أمام الأمر الواقع»..
الرأي ذاته تشاطره السالكة بَحْنين، التي قالت ل»المساء»: «كان أكيدا منذ البداية أن البصري لم يكن راضيا عن تحركات اليخلوفي، وقد اتضح هذا من خلال رفضه استقبال اللجنة الكوبية التي حلّت لدراسة ملف الأطفال المُرحَّلين، وأوفد إليهم، نيابة عنه، حفيظ بنهاشم، المندوب الحالي لإدارة السجون، وفهمتُ لاحقا أن سبب رفضه هو أنه تم تنسيق الملف بين اكديرة وعصمان وزيان، إلى جانب اليخلوفي، دون أن يكون هو على علم بتفاصيله، وهو أقوى رجل داخلية عرفته المملكة، فضلا على الإحراج الذي سبّبته له القضية مع الحسن الثاني».
السالكة تضيف: «لقد كان اليخلوفي ضحية قضية وطنية، فلم يستسغ البصري أن يكون شخصٌ مثله وراء كل هذه الأحداث، وتحيَّنَ الفرصة لينتقم لنفسه، واعتقله بتهمة الاتجار الدّولي في المخدرات، وحتى لو كان الأمر حقيقيا، فإنّ اليخلوفي لم يعتقل لهذا السبب، بل بسبب دوره الكبير في ملف الصحراء، خاصة أنه كان قاب قوسين أو أدنى من إرجاع المراكشيّ إلى حضن وطنه».

تهمة أولى ثم ثانية..
الجمعة 15 دجنبر 1995.. إرسالية عبر الفاكس تحثّ جميع أقسام الشرطة والدرك في مختلف مدن الشمال على اعتقال عبد العزيز اليخلوفي في أقرب فرصة.. الخبر ينتشر بسرعة البرق، وبالصدفة يصل إلى ابنه الأكبر، عبر عنصر أمن في معبر باب سبتة.. يتصل الابن بأبيه، الذي كان في سبتة، مخبرا إياه بفحوى ما علمه.. يجري عبد العزيز اليخلوفي اتصالات مع أكثر من صديق في عدد من الأجهزة الأمنية، ليتأكد من المعلومة، من ضمنها مكالمة أجراها مع الكوميسير بوعسرية، وكان الأخير يشغل منصب مسؤول عن مركز الشرطة في الفنيدق، والذي نصحه بالهروب.. قبل أن يتلقى اتصالا من أحد المسؤولين خيّره بين تسليم نفسه وبين اعتقال زوجته وأبنائه الخمسة.. ولأن الرجل «نفسه حارة»، كما قال أحد أقربائه، وكان يرفض أن تساق أسرته إلى الاعتقال، وهو أعرف الناس بأساليب الأجهزة الأمنية، ولأنه كان متأكدا من براءته، فقد قرر تسليم نفسه بعد أربعة أيام، أي يوم الثلاثاء، 19 دجنبر، ليواجه تهمته الثقيلة، التي ستكلفه حياته في ما بعد»..
بعد هذا التاريخ، يقول أحد أبناء اليخلوفي، «استغرق بحثنا عن الوالد أزيدَ من أسبوع، كنا خلاله ننتقل بين أقسام الشرطة في تطوان والفنيدق ومارتيل، قبل أن نتلقى اتصالا هاتفيا من مجهول يخبرنا أنه نُقل، منذ اليوم الأول، إلى الرباط، ولا داعيّ للبحث عنه في تطوان.. وحينها انتقلنا إلى العاصمة لمعرفة مصيره، دون طائل، حتى تلقينا اتصالا مماثلا من مجهول يخبرنا أنه مُعتقَل في تمارة»..
ما نحن متأكدون منه، يتابع ابنه، هو «أن اعتقال والدي لم يكن في البداية بسبب تهمة الاتجار في المخدرات، بل بسبب اتهامه بتزوير أوراق سيارة «الليموزين»، التي كان قد اقتناها من أمريكا، خاصة أنه سجلها على عنوان أحد المصنعين اللذين كان شريكا فيهما مع شخص يدعى عبد الرزاق بنجلون في سلا.. وهي السيارة التي كانت سببا في خلاف سابق بين والدي وعامل الحسيمة، وصلت أخباره إلى البصري، لأنه رفض الانصياع لأوامر العامل، الذي لم يستسغ أن يملك مواطن مغربي بأوراق تعريف إسبانية سيارة «ليموزين» أمريكية ويتبجح بصداقته مع وزير حقوق الإنسان، كما لم يهضم أن يدخل شخص مثله تراب العمالة دون أن يكون أول شخص يعلم بالأمر»..
هل هذا هو ما يفسر أن الفرقة الأمنية التي اعتقلت اليخلوفي استُقدِمت من الحسيمة، على متن سيارات «مرسديس 207» ذات ترقيم يشير إلى العمالة نفسها؟.. سؤال يطرحه أحد مُعاوني اليخلوفي، الذي ما زال يتذكر تفاصيل اليوم الذي اعتقل فيه، حيث كان أزيد من 20 عنصرا ينتظرونه أمام فيلا نيغرو، قادما إليها من سبتة، وكيف قضى الجميع زهاء نصف ساعة داخل الفيلا قبل أن يقتادوه إلى جهة مجهولة؟
هذا الأمر تؤكده السالكة بَحْنين، التي تقول: «قالت لي فاطمة، زوجة اليخلوفي، إن أول شيء سُئل عنه هو الورقة الرمادية لسيارته الليموزين، التي اتهم بأنه زوّرها على أساس أنها تحمل عنوانا بسلا في حين أنه مقيم في تطوان.. ثم لاحقا، تحولت التهمة إلى تكوين شبكة دولية للاتجار في المخدرات»، لتضيف: «كانت زوجته تخبرني بما يقوله عن قضيته الملفقة، وكيف أن البصري ورّطه فيها بسبب علاقته بالرئيس الكوبيّ وقيادة البوليزاريو، وأنّ أسئلة المحققين معه انصبّت على هذه الأمور طيلة مدة اعتقاله».
لكنْ لماذا هذا التحول من تهمة تزوير الورقة الرمادية لسيارة الليموزين إلى تهمة تزعم شبكة دولية للاتجار في المخدرات، تتساءل إحدى بنات اليخلوفي؟ وتضيف: «وكأنهم كانوا يبحثون في ماضيه عن شيء يبرّرون به اعتقاله، وإلى اليوم يصعب علينا استيعاب وقائع اعتقال ومحاكمة أبينا.. والغريب أنه خلال أطوار محاكمته، بتهمة تزعم شبكة للاتجار في المخدرات على الصعيد الدولي، اعتقل رفقته أشخاص ظل يؤكد أنه لا تربطه بهم أي صلة، ولم يسبق له أن التقاهم في حياته، ولمكر الصّدَف، صار أبناء عدد من هؤلاء من أعز أصدقائنا اليوم»..
بدأت محاكمة اليخلوفي في المحكمة الابتدائية لسلا بعد أزيدَ من شهرين على اعتقاله، وتحديدا في 13 فبراير 1996. وحسب محاضر الضابطة القضائية، فقد اعترف بتزعمه شبكة متخصصة في تهريب المخدرات تضمّ عناصر من مختلف الجنسيات، ضمنهم مغاربة وألمان وإسبان وإيطاليون وكنديون وكولومبيون وفرنسيون وانجليز وهولنديون.. لكنْ طيلة محاكمته كان اليخلوفي يدفع ببراءته ويؤكد للقضاة والمحققين أنه أُدخل السجن من أجل قضية أكبر من تجارة المخدرات. كما كان يثير ما كان يتعرّض له من مضايقات وتعذيب من أجل إرغامه على الاعتراف بالتهمة المنسوبة إليه. تقول السالكة: «كانت فاطمة تأتيني بعد زيارة زوجها بالسجن، لتخبرني بهواجسه وخوفه من أن تمتدّ إليه أيادي الغدر، التي يُحرّكها البصري.. كما كان يخبرها بحصص التعذيب التي كان يتعرض لها أثناء استنطاقه، وحتى المحاضر التي وقع عليها، فقد أكد لها تقرير خبرة أجرته عليها أنه وقّع عليها تحت الضغط».
بدوره، يؤكد النقيب زيان أن اليخلوفي عانى كثيرا أثناء فترة اعتقاله ومحاكمته، «لقد تم تعذيبه إلى درجة أنه لو كان طُلب منه الاعتراف بأن فرانسوا ميتران هو ابن صدام حسين لفعل ذلك.. لقد عانى أقسى أنواع التعذيب.. ولا أتمنى محنته حتى لحيوان، فبالأحرى لإنسان»!..
رواية أخرى تسوقها إحدى بنات اليخلوفي حول حصص التعذيب التي كان عرضة لها، وتقول هذه الابنة «إننا نحس اليوم بندم شديد لأننا لم نثر قضيته في إسبانيا، لأنّ أبي كان يحمل الجنسية الإسبانية.. وكان في إمكان الخارجية الإسبانية أن تتدخل في قضيته وتضمن له محاكمة عادلة، أو على الأقل تمنع التعذيب الذي تعرض له لأنه كان يحكي لنا كيف يمنعونه من النوم لأزيد من 7 أيام متواصلة.. بهدف انتزاع اعترافات منه، وأتذكر أنه قال لي يوما: «لا أضمن -يا ابنتي- أن يتركني البصري أخرج من هنا حيّا»..
يقول أحد أبناء اليخلوفي: «كان أبي خلال أطوار محاكمته يردّد أنه بريء من تهمة الاتجار في المخدرات. وكان يقول للقاضي إنه يملك معطيات تتعلق بقضية الصحراء وعلاقته بالرئيس الكوبي وأخيه راوول.. كان الكثيرون يعتقدون أنه يلوّح بعلامة النصر حين يرفع أصبعيه السبابة والوسطى خلال الاستماع إليه، لكنه كان يقصد بذلك أنه، وشخصين آخرين، يعرفون جميع الأسرار، وأنه ينتظر الضوء الأخضر منهما ليتمكن من الحديث وكشف ما يملكه من معطيات بخصوص دور الوساطة الذي قام به في ملف الأطفال المُرحَّلين من تندوف ودوره في إقناع المراكشي، زعيم البوليزاريو، بالعودة إلى وطنه، لكنّ حكم العشر سنوات نزل عليه كالصاعقة، زيادة على أن الضغوطات التي كان يتعرض لها وخوفه على مصيرنا منعته من إثارة هذه الملفات»..
الغريب في الأمر، تقول إحدى بناته، «أنني كنت أرى حُمرة غريبة تعلو وجه القاضي الذي كان يتلو أحكامه على «شبكة» والدي، الذي فضّل أن يؤديّ صلاته بدل الاستماع إلى الحكم الذي ينتظره.. وبعد أسابيع تمكنّا، والدتي وأنا، من الوصول إلى القاضي، وأخبرَنا أنه تلقى، قبل دخوله إلى القاعة لإصدار الأحكام، ورقة من أحد الأشخاص مدوّن فيها: «10 سنوات سجنا نافذا والحجز على الممتلكات»!.. والغريب، تضيف الإبنة، أنني لم أسأله أبدا عن الحكم الذي كان سيصدره على والدي قبل تلقيه التعليمات»..
الوفاة اللغز..
قضى اليخلوفي في سجنه سنتين وسبعة أشهر من أصل السنوات العشر النافذة التي حُكم عليه بها، قبل أن يتوقف قلبه عن الخفقان في مستشفى الإدريسي بسبب ما وصفه التقرير الطبي ب»أزمة قلبية- تنفسية»، تعرّضَ لها بعد إجرائه عملية على اللوزتين. وحسب المعطيات التي تضمّنها التقرير فقد دخل اليخلوفي المستشفى يوم 27 ماي 1998، وهناك لقيّ حتفه يوم ثاني يونيو مباشرة بعد خروجه من قاعة العمليات..
لكنّ للأسرة رواية مغايرة، ننقل بعضا من وقائعها.. تقول الابنة، وهي تتذكر ما بقيّ عالقا في ذهنها: «كان أبي قبل وفاته يتردد على المستشفى بسبب آلام يعانيها في المفاصل، بسبب برودة السجن، لكنّ الطبيب، الذي تعاطف معه، كان يخبره أنه يستحيل عليه الاحتفاظ به داخل السجن بدون أسباب موضوعية.. ولهذا قرر أن يجريّ له عملية على اللوزتين، على أساس أن هذا سيسمح له بالمكوث لمدة تقارب الشهر.. وهكذا كان، إذ أجرى أبي العملية وتم إخراجه إلى غرفة مجاورة في انتظار أن يستفيق من التخدير، وكانت أمي وخالتي والسائق حاضرين حينما سمعوا الممرضة التي كانت مكلفة به تصرخ وتسأل: من أزال جهاز التنفس الاصطناعيّ عن وجه المريض؟»..
تقول الابنة، التي «هاجمت» الطبيب المعالج، تبحث لديه عن أجوبة شافية لسبب موت أبيها: «قال لي الطبيب الذي أجرى العملية لأبي إنه يستحيل أن يموت الإنسان بسبب عملية على اللوزتين.. وقد أكد لنا، في ما بعد، أنه تم توقيفه عن العمل 40 يوما، بسبب ما وقع، وفُتح معه تحقيق من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ورجال المخابرات.. وقال لهم إنه يستحيل أن تكون العملية الجراحية التي أجراها اليخلوفي سببا في وفاته، خاصة أنها تكللت بالنجاح».
تثير الوقائع الذي حدثت في يوم العملية أكثرَ من علامة استفهام، ومن بينها، يقول مصدر قريب من الأسرة، «هوية الشخص ذي الشارب الطويل، الذي كان يلازم غرفة اليخلوفي، إلى جانب الشرطي المكلف بحراسته، والممرضة، والذي توارى عن الأنظار بمجرد وفاة اليخلوفي، والذي أنكر الجميع معرفتهم به أو إلى أيّ جهاز ينتمي»..
لم تنته متاعب اليخلوفي التي عاشها في السجن بوفاته، بل تبعته حتى إلى قبره.. في هذا الصدد، تقول إحدى بناته، «بعد أزيدَ من عشرة أيام من العراقيل، وبعد تدخل القنصلية الإسبانية، تسلمنا جثمانه، ولم يُسمح لنا بنقله عبر المعبر الحدوديّ لباب سبتة، بل اضطررنا إلى نقله، مثل بضاعة، من طنجة إلى الجزيرة الخضراء، ثم نقلناه مجددا إلى سبتة، حيث دفناه مُرغَمين، لأننا كنا نسمع أنهم سيسيّجون قبره في المغرب بالسلاسل إلى حين انتهاء مدة محكوميته.. وهذا ما لم نكن لنقبله أبدا، وحتى جنازته شهدت حضور العشرات من الأشخاص المنتمين إلى أكثر من جهاز أمنيّ الذين كانوا يرافقون جثمانه، حتى إنهم منعونا من فتح الصندوق لكننا قمنا بذلك رغما عنهم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.