بايتاس يشيد بالسيادة المالية للمملكة    تزايد عدد حجاج الأمن الوطني وحمُّوشي يخصص دعما استثنائيا    ضجة "القبلة الحميمية"..مسؤول يبرئ بنعلي ويدافع عن "ريادة" الشركة الأسترالية    العربية للطيران تدشن قاعدة جوية جديدة بمطار الرباط-سلا    اعتراف إسبانيا وإيرلندا والنروبج رسمياً بدولة فلسطين    العدوان الإسرائيلي يشتد على مدينة رفح.. والذعر يتملك سكان جنوب غزة    الجيش والرجاء يحققان الفوز ويبقيان الصراع على اللقب متواصلا    طقس الأربعاء..جو حار وقطرات مطرية بعدة مناطق من المملكة    القضاء يدين مختلسي أموال مخالفات السير بالحبس النافذ والغرامة    حكم قضائي غير مسبوق لصالح مغربية أصيبت بمضاعفات بسبب لقاح أسترازينيكا    رغم التنديد.. إسرائيل تواصل ارتكاب المجازر في رفح    نواب في فرنسا وإيطاليا يرفعون علم فلسطين خلال جلسات نقاش في البرلمان (فيديو)    300 مليون درهم لتهيئة فضاءات عمومية وتأهيل أحياء ناقصة التجهيز    لقجع يُبرر إفراط المغرب في المديونية وتباطؤ معدل النمو بالسياقات العالمية و"الحرب الجيوسياسية"    البطولة الوطنية الاحترافية القسم الأول (الدورة 28).. النتائج والترتيب    29 قتيلا حصيلة حوادث السير بمدن المملكة خلال أسبوع    الرباط.. استقبال الأبطال الرياضيين المنعم عليهم من طرف صاحب الجلالة بأداء مناسك الحج    الأمثال العامية بتطوان... (610)    وسط أجواء روحانية.. حجاج الناظور يغادرون إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج    من هو ترغالين مفاجأة الركراكي في لائحة المنتخب؟    درك الحوز يوقف قاتل زوجته وحماته وابنه    مهرجان "عشاق النوستالجيا" يعيد أجواء الثمانينيات والتسعينيات للدار البيضاء    عمالة تاونات تودع حجاجها المتوجهين إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج هذا العام    هل تراجع الرئيس التونسي عن دعم مخطط الجزائر في بناء اتحاد مغاربي جديد؟    قبل أن يعتذر.. وهبي عن بعض موكلي المحامين: "والله دين مو ما يدخل لمكتبي"    ظاهرة "الشركي" ترفع الحرارة بالمغرب بين 37 و42 درجة وسط الأسبوع    قتل الجيش الجزائري ل3 مدنيين.. منظمات صحراوية تدين صمت وتحيز المنتظم الدولي    الركراكي: منتخب المغرب يمتلك "جيلا ذهبيا" من اللاعبين قادر على إحراز الألقاب    عبد الكريم برشيد: في معرض الكتاب الحكواتي الجديد يحكي الاحتفالية الجديدة    عيد الأضحى ينعش القطاع السياحي في جهة الشمال    باريس.. حضور قوي للفن المعاصر المغربي ضمن المعرض الطلائعي    الخطوط الملكية المغربية وصندوق الإيداع والتدبير يتحدان من أجل إحداث منظومة مغربية لتكنولوجيا السفر    تصفيات كأس العالم 2026: الركراكي يكشف لائحة "أسود الأطلس" لمباراتي زامبيا والكونغو برازافيل    خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا يبدأ بربط موريتانيا بالسنغال    التعليم العالي:البنك الإفريقي للتنمية يوافق على تمويل بقيمة 120 مليون أورو لفائدة المغرب    مجموعة «رياح كريستالية» تلهب الجمهور بمهرجان فاس للموسيقى العريقة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    وزيرة الخارجية المالاوية: المغرب نموذج يقتدى به لما حققه من تقدم في مختلف المجالات    زياش يرفع العلم الفلسطيني عاليا في احتفالية غلطة سراي باللقب    ٱيت الطالب: المغرب يضطلع بدور محوري في تعزيز السيادة اللقاحية بإفريقيا    الملك يهنئ رئيس جمهورية أذربيجان    السيد صديقي يطلع على تقدم المخططات الفلاحية ويطلق مشاريع مهيكلة بالرحامنة وقلعة السراغنة    المنتخب المغربي لمبتوري الأطراف ثانيا بأمم إفريقيا لكرة القدم    ملابس النجمات تتضامن مع غزة ضد الرقابة    الاستعدادات لمونديال 2030 تجمع وزير الصحة المغربي بنظيرته الإسبانية في جنيف    أيرلندا تعترف رسميا بدولة فلسطين وتقيم معها علاقات كاملة    حج 1445 هجرية: السعودية تلاحق شركات الحج الوهمية دوليا    ايت طالب يناشد من الأمم المتحدة إنقاذ المنظومة الصحية في فلسطين    ارتفاع أسعار النفط في ظل توقعات انتعاش الطلب في الولايات المتحدة    "مستر كريزي" يعلن اعتزال الراب    طنجة.. توقيف شخص يشتبه تورطه في حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    انفجار يحبط عملية إطلاق قمر صناعي للتجسس في كوريا الشمالية    بعد فوضى سوء التنظيم.. سامي يوسف يوجه رسالة خاصة لجمهوره بمهرجان فاس    خبراء ينصحون بفترات راحة لممارسي رياضة الركض    في ندوة صحفية إسبانيا تعترف رسمياً بدولة فلسطين    كيف اكتشف المتحف البريطاني بعد عامين سرقة مجوهرات وبيعها على موقع التسوق "إيباي"؟    انطلاق أولى رحلات مبادرة "طريق مكة" من البيضاء    الغضب يؤذي القلب وقد يقتلك .. كيف؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرقاوي: «البيجيدي» لا يتوفر على مشروع مجتمعي
قال إن الحكومة ارتكبت أخطاء ليس من السهل تداركها
نشر في المساء يوم 15 - 04 - 2013

في هذا الحوار يتكلم العالم السوسيولوجي محمد الشرقاوي، الذي يشغل منصب مدير البحث في السوسيولوجيا بالمعهد الوطني للبحث العلمي الفرنسي
عن مجموعة من القضايا المتعلقة بعلاقة الباحث بالسياسي وتقييم تجربة حكومة الإسلاميين بالمغرب، وعلاقة السياسة بالاقتصاد وما يترتب عنها من انعدام ثقة المستثمرين الأجانب في مناخ الاقتصاد
المغربي.
- في رأيك، هل مازالت العلوم الاجتماعية، والسوسيولوجيا خاصة، تشكل قلقا لصانع القرار السياسي بالمغرب؟
لا. هذا ما يقال عادة، وأظن أنه أمر غير صحيح. يثار دائما معهد علم الاجتماع بالرباط الذي تم إغلاقه في ما مضى، ولكني سأعطيك مثالا معاكسا، فمراكز الأبحاث، التابعة لمركز الفلاحة والبيطرة، تشتغل جيدا وتصدر أبحاثا مهمة، في حين أن المعهد الذي ذكرت بداية لم ينجز أي دراسات علمية في المستوى. أنا لا أرى أن علم الاجتماع أو علم السياسة يمكن أن يشكلا عائقا أو إزعاجا لأي طرف. لكن المؤسف أن الدولة المغربية لا تستغل جيدا الإمكانات والكفاءات التي توفرها العلوم الاجتماعية، بما فيها علم الاجتماع وعلم السياسة وباقي الفروع الأخرى في نفس الحقل المعرفي، لأن الدولة يمكن أن تطلب رأي عالم اجتماع أو عالم سياسة، وفي الآن نفسه هي غير مكرهة على تبني ذاك الرأي، وإذا كنت صانع قرار أو مسؤول، فإن لديك، على الأقل، وجهة نظر.
- ثمنت في دراستك حول الصحراء حجم المجهودات التنموية التي خصها المغرب للأقاليم الصحراية، ألا يمكن اعتبار تلك المخططات التنموية بمثابة دين أصلي يعزز الموقع التفاوضي للمغرب أمام كل من البوليساريو والجزائر؟
يجب فهم مسألة معينة، هي أن الجزائر لا تقر بالاستثمارات المهمة للمغرب في الصحراء، فهي تطرح المشكل على مستوى جيوسياسي، وما حاولت إبرازه هو أنها تحاول طرح المشكل في إطار القانون الدولي، بين مزدوجتين، لكن في رأيي أن العسكريين، وهم الذين يسيرون البلاد، يطرحون مشكل الصحراء في سياق جيوسياسي، والحالة المثالية بالنسبة إليهم هي وجود دويلة بالصحراء الغربية، وإذا تحقق ذلك فهي حتما ستكون تحت الهيمنة الجزائرية بشكل جلي وواضح، أولا، وسينقطع المغرب عن موريتانيا، وعن أفريقيا الغربية، وعن الساحل، ثانيا. إننا لا نستطيع تخيل قطيعة المغرب مع تلك المناطق التي ذكرت، لأن ذلك سيكون ضدا على تاريخ المنطقة، الذي يشهد على متانة العلاقات بين المغرب والصحراء حتى حدود موريتانيا، ولنأخذ على سبيل المثال ماء العينين في بداية القرن العشرين (1905-1906)، الذي قدم من وادي الذهب، والذي تم تقديمه في جميع الكتابات بأنه مغربي وليس جزائريا، ولا صحراويا. لقد امتد نفوذ ماء العينين الروحي والعلمي داخل منطقة الجنوب برمتها حتى مراكش.
إذن أعود وأقول إن خلق دويلة بالصحراء سيقطع علاقتنا بأصدقائنا الأفارقة بالنيجر ومالي والسنغال وموريتانيا بالطبع، إضافة إلى إمكانية تواجد عسكري جزائري مهم بتلك الدولة المفترضة، وهو الشيء الذي ينذر بأننا سنكون مهددين من الشرق، ومن الجنوب، أي بمعنى أصح محاصرين، أية دولة تقبل أن تكون محاصرة؟ لن يصبح للمغرب غير المنفذ البحري شمالا وغربا.
- انتهت أعمال اللجنة الاستشارية للجهوية، التي كنت أحد أعضائها، دون أن يخرج إلى حيز الوجود قانون يفعّلها أو حتى تقطيع ترابي جديد، فهل مسألة الجهوية المتقدمة بقيت رهينة بحل ملف الصحراء؟
لا، ليس هناك أي علاقة، وهم حاليا يشتغلون على ذلك. المسألة الجهوية تم تعريفها بشكل جلي داخل الدستور الجديد، ونحن ننتظر الوقت المناسب لتنزيل تلك المقتضيات، ولا يمكن أن ننتظر حل مشكل الصحراء لتطبيق الجهوية المتقدمة، وأظن أن ذلك قد يكون في أفق سنتين أو خمس، لا أدري، أو في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. في سياق الانتخابات الجماعية المقبلة يمكن أن نقدم على انتخابات جهوية.
لقد اقترحت اللجنة، تفاديا لتعدد الانتخابات، إجراء استحقاق انتخابي واحد يجمع بين كل من الانتخابات الجماعية والإقليمية والجهوية، تفاديا للتشويش على الناخب الذي يمكن أن يجد نفسه تائها أمام تعدد العمليات الانتخابية.
- في هذا السياق يروج أن أعمال اللجنة، شيئا ما، غير مرغوب فيها.
(مقاطعا) من الذي لا يرغب في أعمال اللجنة؟
- من قبل الدولة.
بالعكس، الملك هو الذي طلب عمل اللجنة.
- وكيف تفسر أن وزارة الداخلية تحاول حاليا إعادة فتح حوار وطني حول الجهوية الموسعة، لكن تحت مسمى آخر؟
أنا لست مطلعا على هذا الأمر، لكن الأكيد أن الجهوية مطلب ملكي، ومشروعها سيرى النور ذات يوم، لكن متى ذلك؟ لا يمكنني الإجابة. أما أن تفتح وزارة الداخلية نقاشا عموميا حول الموضوع، وأن تدلي بدلوها في الموضوع، فهذا شيء جيد، لكن لم أستوعب جيدا كيف يمكن أن تضع نفس الوزارة إطارا محكما للمسألة الجهوية وأن تحاول فرضه.
وشخصيا، لا أوافق على المقترح الرامي إلى وضع ثلاثة مستويات للانتخاب، أي المستوى الجماعي، والمستوى الإقليمي والمستوى الجهوي، لأنه سيتطلب مصاريف وأعباء مالية كثيرة ودون جدوى.
مقابل ذلك، أفضل أن يكون هناك مستويان فقط: المستوى الجماعي والمستوى الجهوي، مع الاستغناء عن الانتخاب في المستوى الإقليمي. لنأخذ مثلا الجهوية بفرنسا، إنها تحتفظ بالمستويات الثلاثة، محليا وإقليميا وجهويا. إنها كارثة. هناك أعباء مالية دون طائل.
والفرنسيون، حاليا، هم بصدد التفكير في حذف المستوى الوسيطي départemental، لأنه لا يفيد في شيء..
- وصل الإسلاميون إلى الحكم بالمغرب، منذ حوالي سنتين، في ظل دستور جديد يتمتع فيه رئيس الحكومة بصلاحيات مهمة. ما هو تقييمك الآن لأداء الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية؟
أولا، أعتقد أنه مازال الوقت جد مبكر لإجراء أي تشخيص. إنهم في السلطة منذ سنة وبضعة شهور. لكن المؤكد أن هناك نوعا من انعدام الثقة، وهذا شيء سيء، لأن جوهر المجتمع يقوم على الثقة، وخصوصا الاقتصاد، فعندما يفقد المنعشون الاقتصاديون الثقة في عالم الاقتصاد ستحل الكارثة. انظر ما يجري بفرنسا. إنه نفسه الذي يقع هنا بالمغرب. وما أتأسف عليه -حقيقة- هو عدم ثقة الفاعلين الاقتصاديين في حكومة بنكيران، لكن هذا لا ينفي أن سي بنكيران أو حزب العدالة والتنمية يتمتع بنوع من الشعبية، فحسب استطلاع حديث للرأي أجرته جريدة «ليكونوميست»، عبر 64 بالمائة من المغاربة عن رضاهم عن سياسة بنكيران. صحيح أنني لا أعرف كيف أجري هذا الاستطلاع، فأنا أعرف فقط النتيجة، لكن الأكيد أن تلك النسبة المذكورة ليست من يصنع اقتصاد البلد. وعلى هذا المستوى هناك أخطاء ارتكبت وليس من السهل تداركها، فكما هو معروف هناك أناس كثيرون سحبوا ودائعهم البنكية، ويُقال إن أموالا كثيرة غادرت البلد، ناهيك عن تراجع استثمارات المغاربة داخل البلد.
- في رأيك، إذن، أن العدالة والتنمية لا يحمل مشروعا سياسيا ومجتمعيا، يمكن تطبيقه في السياق المغربي الآن.
المشروع تم التعرف عليه، قبل الانتخابات بمناسبة فترة الحملة الانتخابية للحزب، وهذا ليس بمشروع.
- المشروع الذي قدم للناخبين يمكن اختزاله في الشعار الكبير، وهو محاربة الفساد، حتى أن حزب العدالة والتنمية ومعه باقي الأحزاب تبنت شعارات ومطالب رفعت من قبل حركة 20 فبراير.
صحيح. فمشروع سياسي لا يمكن ألبته اختزاله في محاربة الفساد. إنه غير كاف. السؤال الذي يجب أن يطرح اليوم هو: ماذا لديك كمشروع اقتصادي؟ لأنه بدون اقتصاد لن تخلق مناصب شغل، وبدون شغل لن ترضي الشباب المغربي، وهنا تكمن الأهمية. في رأيي الشخصي، المهم هو خلق فرص التشغيل، والدولة لا تستطيع فعل ذلك بعد الآن، فإمكاناتها صارت محدودة.
- لكن هذا الوضع لا يتحمل مسؤوليته العدالة والتنمية الآن، فالزمن النيو- ليبيرالي الذي اعتمده المغرب، قبل العدالة والتنمية، لعب دورا في الأزمة الحالية بالمغرب وخاصة التشغيل.
لا، عوامل الأزمة الراهنة بالمغرب، في نظري، متعددة، وأهمها كما أشرت، هو غياب الثقة، أولا، وأتذكر هنا مقولة عالم الاقتصاد كينز، الذي قال مرة إن أهم عامل لبناء اقتصاد قوي هو الثقة، والثقة، ثم الثقة... لأنه بدون ثقة، ليس لديك شيء ولن تستطيع حتى المضي في مشاريع من قبيل الدمقرطة. إنها أول العناصر المطلوبة، لأن الدولة لن تخلق مناصب شغل. العامل الثاني هو الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها على المغرب، بحكم أن لدينا اقتصادا منفتحا وفي تواصل مع العالم الخارجي، ومع أوربا، وخصوصا فرنسا وإسبانيا، وعندما تقع هاته الدولة أو تلك في الأزمة، فإنها بالضرورة تصدر جزءا من أزمتها إلينا. العامل الثالث الذي يحد بشكل مهم من حرية عمل الحكومة، هو المالية العمومية، التي تعد كارثة بالمقاييس المعتمدة. رغم ذلك لا أقبل بالقول إنه لا يوجد حل. بالعكس هناك حلول. وفي نظري لا يوجد أي حزب اشتغل على مسألة استقرار المالية العمومية لتصحيح تلك الوضعية. يلزمنا دون شك عشر سنين من العمل، لأن الأحزاب تقدم مشاريع في الغالب ذات طابع انتخابوي، ولا تضم مقتضيات تهم مالية الدولة. لكن المالية العمومية تهم المواطن أيضا، الذي لديه الفرصة لمعاقبة تلك الأحزاب انتخابيا.
في نظري، الملك وحده هو من يمكن أي يقدم حلا في هذا الموضوع، ويخلق إجماعا يدفع الأحزاب إلى تبني مشروع استقرار المالية العمومية.
- هل يمكن الحديث، اليوم، عن أننا نعيش أزمة نخبة سياسية بالمغرب؟
لا،لا. إنها ليست أزمة نخبة. خذ، مثلا، فرنسا، فهولاند لا يمكنه فعل أي شيء، لأنه مقبل على انتخابات. فهو، إذن، لا يتخذ كل القرارات التي تفرض عليه، رغم واقعيتها، لأنه يدري جيدا أنه في حال اتخاذها، لن يربح الحزب الاشتراكي أكثر من 15 بالمائة من أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة. نفس المنطق يجري على العدالة والتنمية. إذ أنه إذا اتخذ قرارات في هذا الاتجاه، أنا متأكد أنه لن ينال مستقبلا سوى نسبة تقع بين 10 أو 15 بالمائة من الأصوات. الأمر نفسه ينسحب على أحزاب أخرى مثل الاتحاد الاشتراكي أو أي حزب آخر. أما العامل الرابع فيتمثل في الميزان التجاري. إنه في وضع كارثي. انظر إلى أرقام الخمس سنوات الأخيرة وسوف تكتشف الأمر. لا يمكن الاستمرار هكذا.
الكل يتحدث اليوم أن المشكل الأساسي للدولة هو صندوق المقاصة، وأنا أظنه عاملا ثانويا إلى جانب العوامل الأساسية التي طرحتها آنفا. ماذا يشكل الصندوق؟ خمسة مليارات دولار؟ إنها لا شيء. يجب أن يحل المشكل بروية وبتفكير عميق، وليس بتوزيع المال هنا أو هناك، فإذا ألغينا الصندوق وقلنا إننا سوف نمد الفقراء بالمال مباشرة، فكيف السبيل إلى التعرف إليهم وإلى من يستحق مبلغ 500 أو 1000 درهم؟ هل هناك إحصائيات صادقة في هذا الباب؟ لا أحد يتوفر على ذلك.
هناك بالطبع دراسات أنجزت حول الفقر والهشاشة بالمغرب، لكنها تبقى غير كافية، لأن المطلوب هو إحصائيات تجرد بدقة كل العائلات، وعلى سبيل المقارنة أذكر أن بلدا وحيدا سار في نهج الدعم المباشر للمحتاجين هو الهند، التي لديها نفس المشكل، وتصدت له بعمق. لقد قامت بتوزيع المساعدات مباشرة على الفقراء بحكم أنها تتوفر على إحصائيات دقيقة، تم استغلالها في برنامج حاسوبي متطور.
- الهند التي يبلغ تعداد ساكنتها أزيد من مليار نسمة (ألف مليون)، استطاعت وضع تلك الإحصائيات والتعرف على الفئات المستحقة للمساعدة، فيما المغرب، الذي يفوق عدد ساكنته الثلاثين مليونا بقليل، عجز عن توفير تلك القواعد الإحصائية. هل المشكل يوجد في الآليات أم في غياب الإرادة السياسية في المغرب؟
يجب التذكير بأن الهند رصدت مبالغ مالية مهمة لوضع تلك الإحصائيات وتضمينها في البرنامج الحاسوبي. يمكن بسهولة الحصول على الأرقام، وعندما نقوم بذلك، سوف يتوصل المستحقون بالمساعدات مباشرة دونما أي التفاف أو غش. ففي الهند كانت الحكومة تعي تماما بأن أزيد من 80 بالمائة من المساعدات لا تجد طريقها إلى المستحقين الفقراء، وبأن نسبة 20 بالمائة فقط تتوصل بالدعم.
- قبل اعتماد الدستور الجديد، انخرط أغلب الفاعلين في النقاش الدائر حول الديمقراطية، وتبين أن لحظة 20 فبراير يمكن لها أن تدشن قطيعة نحو مسلسل دمقرطة حقيقي، خصوصا مع وجود حقل سياسي متحكم فيه من فوق. هل تظن أن الحالة المغربية وضعت فعلا على سكة الديمقراطية؟
عفوا، لا يمكن بأي حال توصيف مسلسل الدمقرطة بين ليلة وضحاها. إنها صيرورة طويلة، ولن ننتظر حركة 20 فبراير أو اليسار الجذري لتوصيف واقع البلد. بالمقابل، هناك دمقرطة نسبية للبلد منذ مدة ليست بالقصيرة، وهذا شيء لا يجب إنكاره.
من الخطأ اعتبار أن حركة 20 فبراير جاءت لتعريف قطيعة بين ماقبل ومابعد الحراك. ليست هناك أي قطيعة، وحتى في الوقت الذي كان الحراك الشعبي على أشده لم تكن هناك قطيعة.
- في هذا الصدد، ألا يمكننا الحديث عن مفهوم الإحباط النسبي لألكسيس دو توكفيل، عند دراسته للنظام القديم قبل الثورة الفرنسية، حيث قال إنه يوجد ارتفاع لمشاعر الإحباط عند تلبية الطلبات الشعبية؟
دو توكفيل قال في مؤلفه الشهير حول الثورة والنظام القديم بفرنسا إن البلد قبل الثورة ب20 سنة كان يعرف تقدما اقتصاديا مهما، وليبيرالية سياسية جد مهمة، فلم يكن هناك بؤس، عكس الأطروحة الماركسية القائلة إن البؤس والسلطوية عاملان ينتجان الثورة.
- وهل صعود تيار الإسلام السياسي في المغرب وفي العالم العربي كان لاعتبارات سياسية، بحكم أن هذا التيار لم يجرب، أم أنه مرتبط بصراعات هوياتية معينة؟
هناك حاليا ما أسميه الإرهاب الانتخابي، ففي كل انتخابات حرة تجرى داخل العالم العربي نحصل على أغلبية أو شبه أغلبية إسلامية، لماذا؟ هذا مشكل آخر. أنا لا نستطيع الإجابة بشكل مبسط لأن المسألة جد معقدة.لكن. المؤكد، وضدا على الأفكار السائدة في ستينيات وسبعينيات القرن الفارط، حين كان يروج حزب الاتحاد الاشتراكي أن حركة القوات الشعبية يجب أن تنحدر من قوى علمانية، وأنه يجب فصل الدين عن السياسة..
- في نفس السياق، هل يمكن للقوى الإسلامية أن تحمل مشروعا حداثيا؟
لم لا؟ والدليل على ذلك تجربة حزب العدالة والتنمية بتركيا. إنه لم يأت إلى السلطة من فوق، فقد اشتغل طويلا على المستوى المحلي داخل الجماعات. إن أردوغان هو من جعل من إسطمبول قطبا اقتصاديا مهما عندما كان عمدة لها. لقد قدم الدليل على قدرته التدبيرية للشأن العام، لكن لا يمكن مقارنة ذلك بالمغرب، حيث إننا لا نجد بإحدى المدن التي سبق لحزب العدالة والتنمية أن سيرها نتائج اقتصادية واجتماعية مهمة.
يجب، أولا، اكتساب مهارات التدبير داخل السياقات المحلية، قبل الانتقال إلى ماهو أكبر وأعقد.على سبيل المثال، إذا كنت بنكيا وجاءك شخص يطلب مائة مليون درهم لتمويل مشروع ما، ستطلب منه ببداهة ما أنجز سلفا، لأنه يجب تقييم الأشخاص عمليا، والأشخاص يتعلمون، سواء في الجامعات أو عند ميكانيكي، المهم هو اكتساب التجربة والحنكة. إن السياسة مثلها مثل سائر المهن الأخرى تحتاج إلى معارف ومكتسبات سابقة.فلا يمكن القول بسذاجة إني أستطيع تسيير البلد دون التمرس في سياق تجارب جماعية على المستوى المحلي.
- عرفت سائر ما يسمى بلدان الربيع العربي صعود تيارات سلفية. هل تشكل هذه التيارات، في رأيك، عائقا لتحديث هذه البلدان، التي من بينها المغرب؟
بصراحة لا أعرف. يمكنكم أن تعرفوا أكثر مني. لكن السؤال ينصب حول العوامل التي تفسر التطرف. لماذا هاته الحركات متطرفة؟ هل ذلك ناتج عن اقتناع منها، أم ناتج عن لعبة سياسية معينة، أم رغبة في استغلال فرص ما؟
أنا لا أعرف، لكن الأكيد أننا ننظر بعين الشك إلى تواصلهم مع القوى داخل البلد، ومدى قدرتهم على توحيد القوى الفاعلة. بصفتك مسؤولا، يجب عليك توحيد جميع القوى داخل البلد، وفي حال ما عجزت عن ذلك، لن تتقدم كثيرا، سواء على المستوى الاقتصادي أو على المستوى السياسي أو على المستوى الاجتماعي.
يجب أن يكون هناك انفتاح على الآخر، يجب تعلم الإنصات. الفاعلون الاقتصاديون، مثلا، يحتاجون إلى تواصل خاص لإقناعهم. يجب الذهاب إليهم والتواصل معهم لمعرفة ما يريدون. وإذا قلت بلغة صارمة، هذا ما يجب فعله، فتأكد ألا أحد سوف يتبعك، باستثناء إذا كنت نبيا مثل محمد أو موسى.
- بعد فشل مشروع حزب الدولة، وخروج شباب 20 فبراير للمطالبة برحيل مجموعة من الوجوه المحسوبة على حزب «البام»، نلاحظ أن هندسة الخريطة السياسية بالمغرب اليوم تتجه إلى إعادة موقعة هذا الحزب.
(مقاطعا) لا يمكنني إجابتك، لأني لا أعرف لماذا تم خلق حزب الأصالة والمعاصرة، وكيف تم ذلك، وما هي أهدافه؟ أنت تتحدث عن فشل الحزب، وأنا صراحة لا أعرف شيئا.الشيء المهم بالنسبة إلي هو أن الأحزاب يجب أن تكون قوية داخل النظام الديمقراطي، ونفس الشيء ينطبق على المنظمات النقابية، ليس 40 أو 50 نقابة، ليس 40 أو 50 حزبا كما هو الحال عندنا! فأن تتقدم كل تلك الأحزاب للمنافسة لا يعني هذا أنك بصدد التعبير عن طلبات سياسية. أنا أتفق مع مقولة الملك الذي ما فتئ يؤكد على تجاوز هذه الوضعية بقوله: «أوقفوا ذلك»، فهذا لن يسمح بأفكار سياسية واضحة. أن تتوفر على حزبين أو ثلاثة أحزاب قوية، هذه مسألة جيدة، حيث يمكن للناخب أن يتعرف بسهولة على المشاريع التي تعرض عليه، وحسب الدراسات التي أنجزت حول الموضوع بالمغرب تبين أن المغاربة لا يثقون في الأحزاب وحتى في النقابات..
- (مقاطعا) في ظل وجود هذا المناخ من عدم الثقة لدى الشباب وعموم المواطنين، يبدو أن السلطة الآن تلعب الورقة الأخيرة بصعود «البيجيدي».
لست متفقا معك بالمرة. هل تظن أن الملك هو من أراد صعود العدالة والتنمية إلى الحكم؟ الجواب بالنفي. جميع من حاورتهم في الخارج، من فرنسيين وألمانيين وأمريكيين، يعتبرون أن الانتخابات التشريعية ل 25 نوفمبر 201 استحقاقات حرة وشفافة. إنهم المغاربة الذين اختاروا «البيجيدي» كحزب أغلبي، وليست السلطة التي قامت بذلك..
- لكن إذا خسر «البيجيدي» رهان الحكم وفقد ثقة المغاربة، هل يمكن للسلطة، في نظرك، أن تفتح حوارا مع جماعة العدل والإحسان بغرض إدماجها رسميا؟
أنا لدي موقف مفاده أن كل مغربي، كيفما كان، مرحَّب به، ولو كان خصما لي، ففي الوقت الذي كان الكل ينتقد حزب العدالة والتنمية، كنت أطلب منهم التريث لأن هؤلاء مغاربة ويجب لنا أن ننصت إليهم، ونفس الأمر ينسحب على جماعة العدل والإحسان. إنهم أيضا مغاربة، ولا يمكن تنحيتهم...
حاوره - م. سموني / ي. منصف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.