تغير مفاجئ.. هكذا نشرت قناة "فرنسا 3" خريطة المغرب    فلقاء الخطاط مع وزير الدفاع البريطاني السابق.. قدم ليه شروحات على التنمية وفرص الاستثمار بالأقاليم الجنوبية والحكم الذاتي    مجلس المنافسة كيحقق فوجود اتفاق حول تحديد الأسعار بين عدد من الفاعلين الاقتصاديين فسوق توريد السردين    برنامج "فرصة".. عمور: 50 ألف حامل مشروع استفادوا من التكوينات وهاد البرنامج مكن بزاف ديال الشباب من تحويل الفكرة لمشروع    الغالبية الساحقة من المقاولات راضية عن استقرارها بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    أول تعليق من الاتحاد الجزائري على رفض "الطاس" طعن اتحاد العاصمة    جنايات الحسيمة تدين "مشرمل" قاصر بخمس سنوات سجنا نافذا    خلال أسبوع.. 17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة بتطوان    طابع تذكاري يحتفي بستينية السكك الحديدية    مقتل فتى يبلغ 14 عاماً في هجوم بسيف في لندن    الأمثال العامية بتطوان... (586)    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة الفاشلة.. مخطط أمريكا الجهنمي للسيطرة على العالم العربي
أسمته الجيل الرابع من الحروب وجعلت هدفه تدمير الإنسان
نشر في المساء يوم 30 - 04 - 2013

بدأ الحديث مع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي عن ظهور جيل جديد من الحروب غير التقليدية لا تسخر فيها الجيوش والطائرات والمدافع لبسط سيطرة الدول.
هذا الجيل الجديد الذي يدعى حروب الجيل الرابع يسعى بالأساس لتسخير إرادات الغير، أو «العدو» لتنفيذ رغبات الدولة التي تسعى لبسط نفوذها. ومع بداية الألفية الثالثة تحددت بشكل بارز ملامح هذا الجيل داخل البلدان العربية والإسلامية في إطار ما يعرف ب «مشروع الشرق الأوسط الكبير»، وظهرت في الآن نفسه طروحات تتضارب حول ما إن كانت القوى الغربية تتأمر على المنطقة العربية. كما ظهر عدد من المحللين الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة، فيما جابههم عدد آخر ممن رأوا في الإيمان بعقيدة المؤامرة على أنه تقاعس ومحاولة للوم الآخر على كل الويلات والشرور التي يتخبط فيها العالم العربي والإسلامي. ولكن تتبع أفكار المنظرين العسكريين والاستراتيجيين يوضح الوجود الفعلي لجيل رابع من الحروب يسعى لتنفيذ أجندات خفية عبر زعزعة الأوضاع وضرب أنظمة الدول من الداخل ومنع قيام كيانات متحدة…
يصنف عدد من المحللين السياسيين والمتتبعين للوضع أن ما حدث من احتجاجات في العالم العربي على أنه ثورة مزيفة باسم الربيع العربي، ستكون نتيجتها إسقاط الحكام القدامى ليحل مكانهم جيل جديد من الحكام، وستؤدي لزعزعة استقرار المنطقة عبر إشاعة الفوضى، والفوضى الخلاقة. وفي هذا الصدد أضحى ينكشف بعد مرور أكثر من سنتين على ظهور الربيع العربي الدور الذي لعبته دول عربية كقطر والسعودية في إذكاء نيران الاحتجاجات. صحيح أن الربيع العربي أدى إلى وصول الأحزاب الإسلامية إلى سدة الحكم لأول مرة في بلدان كتونس ومصر، لكن الحماس الذي دخلت به هذه الأحزاب غمار الحياة السياسية أصابته الأزمة بفقدان التأييد الشعبي، وبروز حالة من الاحتقان بسبب فقدان الشرعية. فهل يمكن اعتبار ما يحدث بالمنطقة العربية مندرجا في إطار الجيل الرابع من الحروب؟
الحراك العربي والتحولات التي تمر منها المنطقة العربية يمكن تحليلها انطلاقا من مفاهيم كالصراع بين الحضارات، وسعي القوى الغربية لفرض هيمنتها بالاستعانة بالقوة الناعمة بدل التدخل العسكري المباشر. وفي هذا الصدد، تظل الاستعانة بالقوة الناعمة الوسيلة الأمثل لتفادي قيام احتجاجات شعبية معارضة وتنفيذ الأجندات الخفية بطريقة سلسة وبمباركة الأطراف المستهدفة. هذا النوع الجديد من الحرب أطلق عليه الغرب مصطلح «الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة»، ويهدف إلى إضعاف الدولة المستهدَفة وإنهاكها وإرغامها على تنفيذ إرادة أعدائها.
قد يظهر هذا الكلام على أنه موغل في الإيمان بنظرية المؤامرة، لكن نفس الخطاب يؤكده الخبراء العسكريون الغربيون أنفسهم من خلال مجموعة من المؤلفات الأكاديمية، بل يشكل إحدى النظريات التي تدرس داخل أسوار الأكاديميات والكليات العسكرية. كما يؤكده مقطع فيديو على موقع «يوتيوب» يشرح فيه أكاديمي أمريكي الإستراتيجية الحربية الجديدة التي توظفها القوى الغربية للسيطرة على العالم. شريط الفيديو عبارة عن مداخلة للبروفيسور ماكس مانوارينج، أستاذ باحث في الإستراتيجية العسكرية، ألقاها بمعهد الدراسات الإستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي، وتحدث خلالها مانوارينج عن نهاية الحروب بشكلها التقليدي التي كانت تعبُر فيها الجيوش النظامية الحدود الإقليمية للدول المعادية للسيطرة عليها أو على جزء منها، مشيرا إلى أنه خلال العقدين الأخيرين، انتشر نوع جديد من الحروب يسمى «الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة»، يتمثل في السعي لإنهاك إرادة الدولة المستهدَفة بالاستعانة بالقوة الناعمة، من أجل اكتساب النفوذ وإرغامها على تنفيذ إرادة أعدائها في نهاية المطاف.
إن القوات الأمنية لبلاده، من جيش ومخابرات وقوات خاصة، توظف خطط واستراتيجيات الجيل الرابع من الحروب. فضلا عن ذلك، يكفي تتبع ما يجري بالمنطقة العربية للتأكد بشكل أكبر من التأمر الأمريكي مع أشخاص أو جهات من الداخل لأجل تسهيل عملية إكراه الدول العربية والإسلامية على تنفيذ الرغبة الأمريكية، أحيانا عن جهل تام بالمساعي الحقيقية للجهة التي توفر الرعاية والدعم، وأحيانا تواطئ دولة بأكملها.
تطور الحروب
جراء التطورات والتحولات التي حدثت في العالم لم تعد الحروب تتم بنفس الطرق التقليدية، وأضحت القوى الكبرى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على استراتيجيات عسكرية جديدة، يطلق على بعضها اسم الجيل الرابع من الحروب. كما أصبح من الضروري استيعاب هذا الجيل الجديد لمعرفة طبيعة ونوعية النزاعات العسكرية الحالية، وكذا لوضع الأمور في سياقها الصحيح. كلمة الجيل الرابع تحيل على وجود ثلاثة أجيال سابقة من الحروب، وعبارة «جيل» تحيل على تحول نوعي وكمي.
ظهر الجيل الأول من الحروب بعد التوقيع على معاهدة صلح «ويستفاليا» سنة 1648، وهي المعاهدة التي أنهت حروب الثلاثين سنة الأوروبية. وبموجب تلك المعاهدة، تمكنت دول أوربا من فرض نوع من الاحتكار على الحروب. وقبل ظهور الجيل الأول من الحروب، كانت تشارك في الحروب كيانات مختلفة (العائلات، القبائل، الديانات، المدن...)، بالاستعانة بوسائل متعددة، كتقديم الرشاوى وتنفيذ الاغتيالات، فضلا عن الجيوش والقوات البحرية. وهذا ما يجعل الجيوش الحكومية النظامية غير قادرة على عدم رؤية الحرب إلا في صورة قوات عسكرية نظامية تتصارع فيما بينها.
مع حلول القرن التاسع عشر، بدأت تتغير المعطيات على أراضي المعركة، وأصبحت المعارك الحربية عن طريق رص صفوف الجنود عديمة الجدوى، بسبب ظهور البنادق، وبنادق الشحن... وجراء ذلك برز مشكل التنافر البارز بين الثقافة العسكرية وغياب الانضباط الكبير داخل أراضي المعركة. وأدى هذا الأمر لظهور الجيل الثاني من الحروب كحل لهذا التنافر. تم تطوير هذا الجيل على يد الجيش الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى، عندما بحث الخبراء العسكريون الفرنسيون عن حل لمواجهة الإطلاق الكثيف للنيران، التي كانت في غالبيتها تأتي بشكل غير مباشر من سلاح المدفعية. كان الهدف هو إنهاك قوى الخصم، وقد اختصر الفرنسيون إستراتيجيتهم الحربية الجديدة في عبارة: «سلاح المدفعية يفتح، سلاح المشاة يحتل».
وعلى غرار الجيل الثاني، كان الجيل الثالث من الحروب نتاجا للحرب العالمية الأولى. طور هذا الجيل الجديد الجيش الألماني، وهو ما يصطلح عليه حاليا بالحرب الخاطفة. تعتمد خطة الحرب الخاطفة على استخدام عنصر المفاجأة والهجوم بسرعة لمنع العدو من الصمود دفاعيا. طورت عدة دول المبادئ التي قام عليها مفهوم الحرب الخاطفة خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، لكن الجيش الألماني (الفيرماخت) كان من طبق هذا المفهوم واستخدمه على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية. تتضمن الحرب الخاطفة شن قذف مدفعي مكثف يهدف إلى إلحاق أكبر قدر من الخسائر بقوات العدو، بالإضافة إلى التأثير على معنويات الجنود المدافعين، ثم يعقبه هجوم بالوحدات الجوية من قاذفات ومقاتلات لتدمير النقاط الدفاعية للعدو، بعد ذلك يأتي دور وحدات المدرعات التي تتبعها وحدات مشاة ميكانيكية مجهزة بآليات مدرعة ومدفعية مضادة للطائرات.
تحول جذري
عوامل مثل إبطال تمركز القرار وأخذ زمام المبادرة تأخذنا من الجيل الثالث إلى الجيل الرابع، لكن الجيل الرابع من الحروب يمثل التحول الأكثر راديكالية منذ التوقيع على معاهدة صلح «ويستفاليا» سنة 1648. وتفضي حروب الجيل الرابع إلى فقدان الدولة لاحتكارها للحرب، وظهور ميليشيات مستقلة بذاتها، كتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
كما تتميز حروب الجيل الرابع بالعودة إلى الاستعانة بمختلف الكيانات في النزاعات، على خلاف التدخل الحصري للدول. «نجد الآن أنفسنا في مواجهة الخصم القديم والأشد ثباتا للغرب المسيحي؛ أي الإسلام. فبعد ثلاثة قرون من تبني إستراتيجية دفاعية، التي تلت فشل الحصار التركي الثاني لمدينة فيينا سنة 1683، عاد الإسلام لتبني إستراتيجية هجومية، من خلال التوسع في كل اتجاه»، يقول ويليام ليند، أحد أهم المنظرين العسكريين المختصين في الجيل الرابع من الحروب. هذا التخوف الغربي من حروب الجيل الرابع يعتبر أي تنظيم، مهما كانت إمكانياته ومهما كانت توجهاته، منخرطا بالضرورة في حروب الجيل الرابع، بل يصر صناع القرار السياسي والعسكري والاستراتيجي الغربي بإلحاح على وجوب إنشاء قوات حربية من الجيل الرابع. فضلا عن ذلك، يعتبر الخبراء العسكريون الغربيون بأن الهجرة هي أحد أشكال الغزو الحربي، ويعتبرونها بنفس خطورة الغزو العسكري الذي تشنه الجيوش النظامية، بل أشدها خطرا على مصالح الدولة المستضيفة.
وحسب عدد من الخبراء العسكريين تطور الجيل الرابع من الحروب بالموازاة مع التحولات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي غيرت ملامح العالم. علاوة على ذلك، وكسائر الأجيال السابقة، لم تدخل حروب الجيل الرابع المشهد كأداة حربية كاملة التطور لكنها نشأت بشكل تدريجي وفي مناطق متفرقة. ومثل الأجيال السابقة، فإن التكتيكات الحربية المنتمية للجيل الرابع لا تستعمل على انفراد، بل تدمج فيها تكتيكات الأجيال الثلاثة السابقة.
دور التكنولوجيا
كما ينبغي ربط الجيل الرابع من الحروب مع التطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم، فالتحولات التكنولوجية لها تأثير واضح ولا يخفى على أي أحد، لكن ربط التحولات الحاصلة بين أجيال الحروب في المقام الأول بالتكنولوجيا يبسط المشكل بشكل كبير. فالعوامل الحقيقية التي تقف وراء تغير ملامح الحروب هي الدوافع السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي علاقة بهذه الملاحظة، توقع عدد من المؤلفين الذين يكتبون حول مستقبل الحرب أن الحروب القادمة ستتأسس على تأثير تطور تكنولوجيا المعلوميات على التكتيكات الحربية والأسلحة. كما تطرقت العديد من المقالات لمسار الحروب التي توظف التكنولوجيا الحديثة، وجلها ركزت على الطابع جد الفتاك لربط التوصل بالمعلومات وقت حدوثها بالأسلحة المتحكم فيها عن بعد. وفي الواقع، يتوقع بعض الكتاب أن المجتمعات القادرة على إنتاج أسلحة كهذه سيهيمنون على الحروب في المستقبل لدرجة لم يعتدها العالم منذ إقدام القوى الأوربية على احتلال معظم أرجاء العالم.
وبينما لا تزال البنيات الخارجية للنظام العالمي قائمة وبارزة للعيان، فقد تغيرت على نحو كبير طريقة اشتغالها. ففضلا عن تزايد عدد الدول ذات السيادة، كانت هناك تحولات عميقة فيما يتعلق بنوعية الفاعلين المتدخلين في الشؤون الدولية. ورغم كون الدول ذات السيادة تظل الفاعل الأساسي، لكن الفاعلين الدوليين في شكل الأمم المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوربي، ومنظمة الاتحاد الإفريقي، وعدد من المنظمات غير الحكومية أصبح لها دور أكبر على الساحة الدولية. فضلا عن ظهور فاعلين جدد عابرين للقارات في شكل شركات متعددة الجنسية، وبعض الحركات الدينية، والجماعات المتطرفة، وعصابات المخدرات، والتي أصبحت تمارس نفوذا متزايدا في مجال العلاقات الدولية.
من الناحية الاقتصادية، أصبح العالم أكثر ارتباطا ومتباعدا في الآن نفسه، أكثر ارتباطا فيما يتعلق بالتجارة، ومنقسما فيما يتعلق بتوزيع الثروات. فبالنسبة للدول الغنية والفقيرة على حد سواء، نجم عن الاندماج الاقتصادي العالمي تناقص موطد وبارز لسيادة الدول على أقاليمها. فمثلا، خلال سنة 1918 كانت الدول تمارس مراقبة مطلقة على اختيار الدول التي تتاجر معها، ونسب الفوائد داخل حدودها الإقليمية، وتسعيرة بيع المواد، ونوعية المعلومات التي يتم نشرها. لكن الاندماج السريع لاقتصاد دول العالم نجم عنه تقييد كبير لقدرة الدول ذات السيادة على ممارسة نفوذها داخل أقاليمها بنفس الطرق التقليدية، بما في ذلك الاستعمال بشكل أحادي للقوة العسكرية.
من الناحية الاجتماعية، تتطور تقريبا كل يوم قنوات دولية للتواصل في كل مجالات النشاط الإنساني. وفي هذا الإطار تزايدت بوتيرة جد كبيرة أعداد الشركات العابرة للقارات، ومجموعات البحث، وحتى اللوبيات التي تحرص على إقامة قنوات التواصل من خلال مختلف المنابر الإعلامية. كل هذه القنوات تربط الأفراد بطرق جديدة تختلف جذريا عن الطرق التقليدية المعهودة. وكنتيجة لذلك، لم تعد تدبر العلاقات الدولية بالاعتماد أساسا على القنوات الرسمية الدبلوماسية والعسكرية. علاوة على ذلك، تؤدي الارتباطات الجديدة التي نجمت عن العولمة إلى التدفق المتزايد للمعلومات غير الرسمية بين المجتمعات وتهميش الروابط التي تجمع المواطن بوطنه الأم. وتزامنا مع ذلك، وفي ظل تناقص أهمية روابط الانتماء الوطني، يصبح الولاء لمجموعات عابرة للحدود تتأسس على الروابط العرقية، أو الدينية، أو الثقافية حاضرا بشكل أكبر. وفي الختام، نعاين في العصر الراهن ظهور جيل يستخدم بدون أدنى عناء أدوات عصر المعلومات دائمة التطور. إن ربط التعليم بالتكنولوجيا منخفضة الكلفة نسبيا، أدى لانتشار العلوم في كل بقاع العالم.
ترتيب الأوراق
من حيث الجوهر، يقوم العالم في الوقت الراهن بإعادة ترتيب أوراقه في إطار سلسلة من الشبكات المتداخلة فيما بينها، التي لا تخضع دائما لسلطة مجال اشتغالها. وبالتالي تجد الدول ذات السيادة نفسها أمام وضع حرج، فهي بين اتجاهين، ففي الأعلى تجد نفسها أمام آليات قائمة كالأمن العالمي، والتجارة، والمنظمات الاجتماعية، وفي الأسفل تجد الحركات عابرة الحدود التي ترغب في نسف مؤسسات الدولة.
هذه التحولات الكبيرة التي تهم مختلف أشكال النشاط البشري تلعب دورا بارزا في تحديد ملامح الجيل الرابع من الحروب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو الشكل الذي سيأخذه هذا الجيل الرابع من الحروب. وبالعودة للمنطقة العربية ألا يمكن اعتبار ما يعرف ب «الربيع العربي» أحد أشكال حروب الجيل الرابع، خصوصا في ظل توافر نفس العوامل التي تطرق لها أغلب المنظرين العسكريين الغربيين، العوامل التي تشير إلى أن الحرب وطريقة شنها تختلف حسب العصور، وأن الحرب (بمعنى الإكراه كما جاء في مداخلة الخبير العسكري الأمريكي) يسهل تنفيذها كلما استعملت فيها آليات ووسائل الجيل الرابع من الحروب.
يتفق كل الخبراء على كون ثورة المعلومات ستؤدي لا محالة لتحول جذري سواء في طريقة تعامل المجتمعات مع النزاعات أو في كيفية قيام القوات المسلحة الخاضعة لتلك المجتمعات بشن الحروب. وفي هذا الصدد، يرى نفس الخبراء وجوب التمييز بين ما يسمى ب «حروب الشبكات» (Netwar)، التي ترتبط بالنزاعات التي تتم على المستوى المجتمعي من خلال شبكات معقدة من العلاقات، والحروب الإلكترونية التي تتم على المستوى العسكري الصرف. وعلى خلاف الحروب الإلكترونية التي تندرج أساسا في إطار حروب الجيل الثالث، التي أضحت أشد فتكا بسبب استخدام التكنولوجيا الحديثة، تعتبر «حروب الشبكات» نموذجا من الجيل الرابع من الحروب بسبب عدم بروز النزاع بشكل واضح. ويتعلق هذا النموذج من حروب الجيل الرابع بالنزاعات المرتبطة بالمعلومات على مستوى واسع بين الدول أو المجتمعات. يعني هذا الأمر محاولة إحدى الدول إشاعة الفوضى، أو إتلاف ما تعرفه ساكنة مستهدفة أو تغيير طريقة رؤيتها لنفسها وللعالم حولها. كما قد تستهدف حرب الشبكات الرأي العام أو النخبة، أو كلاهما معا، وقد تستخدم فيها معايير الدبلوماسية العمومية، والبروباغندا، والحملات النفسية، وتخريب المجال السياسي والثقافي، وتمويه وسائل الاتصال المحلية أو التدخل في طريقة اشتغالها، واختراق شبكات الكمبيوتر وقوائم البيانات، علاوة على السعي لنشر الانشقاق أو حركات المعارضة من خلال شبكات الكمبيوتر (حالة موقع «تويتر» الذي كان له دور بارز في إسقاط حسني مبارك).
«قد يعني وضع إستراتيجية لحرب الشبكات توظيف عدد من المعايير ومن وجهة نظر جديدة، معايير لم تستخدم أبدا في السابق لكن كان ينظر إليها بشكل مغاير»، يقول جون أركيلا، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ستانفورد، في مقال مشترك مع ديفيد رونفلدت، أستاذ العلوم السياسية بنفس الجامعة. ويزيد الكاتبان: «حرب الشبكات تمثل مدخلا جديدا داخل سلسلة النزاعات تتداخل فيها الأشكال الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية والعسكرية لل «حرب».»
مالي.. الدولة الفاشلة
يوضح الوضع بدولة مالي الطريقة التي تقوم من خلالها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، وعلى رأسهم فرنسا، بتوظيف القوة العسكرية والسياسية لخدمة أجندات ذات الأمد البعيد بالاستعانة بآليات الجيل الرابع من الحروب، وتوظيف الإرهاب كذريعة لا محيد عنها لتبرير الاستعمار والهيمنة الكولونيالية الجديدة. وبدءا بتأسيس أفريكوم سنة 2007، وتأجيج الحرب في ليبيا، والانقلاب العسكري بمالي، وشن القوات الفرنسية لعملياتها العسكرية للحد من تزايد نفوذ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أصبح من الواضح جدا بأن الولايات المتحدة نجحت بشكل فعال في زعزعة الاستقرار بإفريقيا الغربية، وفي تحقيق عدد مهم من أهدافها الإستراتيجية على المدى البعيد بالمنطقة، وجعل دولة مالي إحدى الدول الفاشلة.
وفر انتشار تنظيم القاعدة في بلاد المغرب في أجزاء واسعة من الأراضي بمنطقة الساحل الغطاء الضروري الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية في أمس الحاجة إليه لتوسيع حضورها العسكري بالقارة الإفريقية، وتعزيز تواجدها، وذلك لضمان استفرادها بخيرات القارة وموادها الأولية والخام. وبينما يقوم الإعلام الغربي بنقل الوضع في إفريقيا جنوب الصحراء على أنه «نتيجة غير متوقعة» للهجمة الإمبريالية ضد ليبيا ولرغبة حركة الأزواد في تحرير شمال مالي، فالأمر الواقعي الذي لا يقبل الجدال يتمثل في كون الولايات المتحدة حاولت لسنوات عديدة بسط سيطرتها على المنطقة، النفوذ الذي أصبح أكثر إلحاحا بعد المساعي الصينية لإيجاد موطئ قدم بالقارة السمراء.
منذ سقوط نظام القذافي بليبيا، دخلت مالي في حرب أهلية ضارية قسمت البلاد عن آخرها. وشرع محاربو الطوارق العائدون من ليبيا حاملين معهم أسلحة نظام القذافي، في شن الحرب ضد باماكو أملا منهم في خلق دولة أزواد الحرة شمالي مالي. كما تم استغلال تذمر وانزعاج الضباط في صفوف الجيش المالي للانقلاب على حكومة باماكو. تزعم الانقلاب الضابط أمادو سانوغو، الذي تلقى تدريبه بالولايات المتحدة، والذي كان يترأس فيلقا عسكريا من الضباط الماليين, الذين كانوا يدعون بأنهم منشغلون بحماية دولتهم، بسبب حسهم الوطني، وبقمع الثورة في الشمال. لكن في الواقع، لم تكن خطتهم تلك سوى خدعة قام بها سانوغو والأمريكيون الذين يدعمونه لزعزعة استقرار دولة مالي. وكما كان متوقعا، أدى الانقلاب لإدخال البلاد في حالة من غياب الاستقرار السياسي، وفتح الباب أمام عدو أكثر خطورة في الشمال في ظل غياب أي حكومة شرعية في العاصمة.
«بعبع» القاعدة
في خضم الصراع الذي دار بين حكومة الرئيس المخلوع توري، وقوات الطوارق، برز تهديد جديد بالشمال يتمثل في تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي. وحسب ما صرح به شهود عيان من مالي لعدد من المنابر الإعلامية، وصل مقاتلو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي للبلاد على متن سيارات رباعية الدفع محملين بأسلحة متطورة ومعدات للتواصل. وتماما مثلما حدث مع جميع فروع القاعدة، يرتبط تاريخ تنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي بالتواجد العسكري للولايات المتحدة الأمريكية وأجهزة مخابراتها في منطقة الساحل. تم تأسيس أفريكوم، أو القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا، سنة 2007 أثناء فترة حكم جورج بوش، لكي تقوم، حسب ما جاء على لسان إدارة بوش، «بالدفاع عن مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال تعزيز القدرات الدفاعية للدول الإفريقية... والقضاء على التهديدات العابرة للدول.» لكن، بعد مرور أشهر قليلة على تأسيس أفريكوم، غيرت الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال اسمها وأصبحت تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، لتتحول مباشرة بعد ذلك لتنظيم يشكل تهديدا حقيقيا بالنسبة للمنتظم الدولي.
يطرح عدد من المتتبعين الكثير من علامات الاستفهام حول الطريقة التي تمكن من خلالها التنظيم من أن يصبح بمثل هذه القوة في غضون بضعة أشهر، وذلك في ظل التواجد الكثيف للمخابرات والجيش الأمريكي. كيف كان بالإمكان أن تسمح المخابرات الأمريكية للتنظيم بتعزيز حضوره. سيكون من المعقول الاعتقاد بأن كلا الحدثين لا يمكن أن يكونا مجرد صدفة. بدل من ذلك، فلكي يحصل أفريكوم على الشرعية للتواجد بالمنطقة كان في حاجة لعدو واضح. ولذا قامت الولايات المتحدة على ما يبدو بتبني جماعة إرهابية مجهولة، ومنحها راية القاعدة، لأجل خلق الشروط التي تتيح تواجد قواتها العسكرية بالمنطقة.
لدى النخبة الإمبريالية التي تتحكم بالجيش الأمريكي أسباب عديدة لتفسير رغبتهم في زعزعة استقرار منطقة الساحل، والقارة الإفريقية بشكل عام. أولا وقبل أي سبب أخر هناك الرغبة الأمريكية في وضع حد للغزو الاقتصادي الصيني للقارة الإفريقية. ثانيا، تطمح الولايات المتحدة الأمريكية لفعل أي شيء للوقوف في وجه التطور الاقتصادي لإفريقيا، الذي يؤدي إلى الاستقلال وعدم التبعية. فواشنطن وبورصة وول ستريت لا يستطيعان تحمل رؤية الخدام السابقين يطورون أنفسهم خارج هيمنة الدولار الأمريكي. وبينما دخلت أمريكا وأوروبا وجل دول العالم في حالة من الركود الاقتصادي والمالي، ظلت عدة بلدان إفريقية بعيدة عن شبح الضائقة المالية العالمية، وبقيت مستقرة اقتصاديا. وبطبيعة الحال لا تستطيع القلة المهيمنة على العالم السماح بهذا الأمر، ولذا كانت مضطرة لإعادة فرض هيمنتها عن طريق الاستعانة بنفس التشكيلة المعتادة من الأسلحة، أي الإرهاب، والانقلابات العسكرية والاستعانة بالتهديد والابتزاز، (منهجيات الجيل الرابع من الحروب).
أصبحت مالي على عدة مستويات تجسد نموذجا جديدا للدولة الفاشلة، فقد تحولت لدولة منقسمة تعم فيها الفوضى، وأصبح جزء كبير من سكانها تحت حكم الإرهابيين والجماعات المتطرفة. ومثل ليبيا، أخذت مالي في التحول إلى ملاذ آمن للحملات الإرهابية الدولية، التي لا تسعى سوى لجلب الدمار التام لكل ما أفلحت إفريقيا الحديثة في تحقيقه.
هذه الجهات التي تسعى لفرض إرادتها على شعوب القارة الإفريقية، تقوم عن وعي أو بدون إدراك ذلك بالعمل على تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. ومثلما حدث في ليبيا، والصومال، ونيجيريا، وعدد غير محدود من البلدان الأخرى، يستعين الإمبرياليون الأمريكيون بالسلاح المدمر للإرهاب، وهو ما أدى لجعل مالي دولة فاشلة. الهدف من وراء ذلك كله هو تقوية وتعزيز هيمنتهم وتواجدهم بالقارة الإفريقية، وتوسيع أجندتهم الكولونيالية الجديدة بإفريقيا. إنها حرب الجيل الرابع.
إمارة الغاز
قبل تمكن فرنسا من الشروع في شن حملتها العسكرية على شمال مالي، تحدثت عدد من المنابر الإعلامية الفرنسية عن الدور الذي تسعى قطر لأن تلعبه بمالي، وقيامها بتمويل الجماعات الإسلامية لأجل زعزعة استقرار البلاد. المعلومات التي وردت في الجريدة الأسبوعية الساخرة «لو كانارد أونشيني» التي فضل البعض التعامل معها بحذر، قالت إن قطر تساهم في تمويل الجماعات المسلحة، وبأن الوحدات القطرية الخاصة توفر الدعم لبعض الطوائف المتمردة شمالي مالي من خلال تدريب الأشخاص المنضمين حديثا لوحداتها (خصوصا المنتمين لجماعة أنصار الدين). توصلت الأسبوعية الفرنسية لهذه المعطيات بالاستعانة بتقرير لمديرية المخابرات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الفرنسية.
لكن، وبغض النظر عن درجة ذلك التدخل وحجم نفوذه، شكل التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأجنبية إستراتيجية تستعين بها قطر بشكل متزايد داخل القارة الإفريقية، خصوصا بعد هبوب رياح الربيع العربي. فمنذ انطلاق شرارة الاحتجاجات بالأقطار العربية، تدخلت الإمارة عن طريق تقديم الدعم المالي للأحزاب السياسية كجماعة الإخوان المسلمين بتونس ومصر سنتي 2011 و2012. كما أن قطر تدخلت كوسيط بإقليم دارفور من خلال الحوار الذي أجري بالسودان سنة 2011، وشاركت رفقة قوات حلف الناتو لشن الحرب على نظام معمر القذافي سنة 2011، وتقدم الدعم المالي لعدد من الجماعات داخل سوريا.
وعلى شاكلة ما قامت به في مصر، وليبيا، وتونس، وما تقوم به في سوريا، ألا يمكن اعتبار ما تقوم به إمارة الغاز أحد أشكال الجيل الرابع من الحروب؟ هناك الكثير من العوامل التي تقف وراء صياغة السياسات الخارجية القطرية. وفي هذا الصدد، وكما هو الحال بالنسبة للتدخل القطري بسوريا، تقوم قطر بزعزعة الاستقرار الداخلي لدول تتمتع بالسيادة بالاعتماد على تمويل جماعات منشقة عن النظام، وتسليط الأضواء على مجريات الأحداث من خلال قناة «الجزيرة»، وكلها استراتيجيات تنتمي للجيل الرابع من الحروب.


مانوارينج: الجيل الرابع يعتمد «القوة الناعمة» لإخضاع الشعوب
«(...) نتحدث هنا عن شيء تحدث عنه الكثير من الأشخاص من قبلنا، بمن فيهم الرئيس الفنزويلي (الراحل) هوغو تشافيز منذ سنوات عديدة. نتحدث عن «الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة». سواء أحببنا أم كرهنا، وسواء كنا مستعدين لها أم لا، وسواء أردنا ذلك أم لم نرده، فهي هنا؛ هي معنا. فنحن نتعاطى مع هذا الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة.
ما هي الحرب؟ الحرب هي «إرغام» الطرف الآخر على الرضوخ لرغبة العدو. أسطر هنا على كلمة «إرغام». في الماضي، وفي إطار الاتفاقيات الغربية التقليدية، وما يصطلح عليه بمعاهدة صلح «وستفاليا»، كانت الفكرة تقول إن الحروب تجري بين دولتين تتمتعان بسيادة كاملة، أو تحالف دول ذات سيادة في مواجهة تحالف لدول أخرى ذات سيادة. فضلا عن ذلك، كانت تلك الحروب عسكرية بالمعنى الكامل للكلمة. أعلام، طيران، زي حربي، تجاوز الحدود الإقليمية لدولة معينة لأجل السيطرة على إقليم معين، أو سوق، أو دولة بأكملها.
لكن في ظل الواقع الحالي، وبالضبط خلال العشرين سنة الماضية، اكتشفنا أن هذا الأمر أصبح عديم الجدوى، وما أصبح رائجا أكثر هو الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة. على ما يبدو، لا نود أن نعترف بأننا نتعاطى حربا كهاته. وعندما لا نقوم بذلك، لا نجد أمرا يدعو للقلق... أليس كذلك.
لكن ألا يجب أن نقلق بشأن هذا الأمر؟ بالطبع ينبغي علينا أن نقلق. ألم يصدر الرئيس الفنزويلي (الراحل) أوامره لكبار ضباطه عام 2005 بالأكاديمية العسكرية بكاركاس أن يتعلموا المزيد عن الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة، وأن يطوروا عقيدة للتعاطي معها. نحن مازلنا نفكر بنفس الطرق التقليدية، التي تنتمي لعصر معاهدة «وستفاليا»، عندما نتحدث عن الدفاع، وعن القوات النظامية تخترق حدود دولة ذات سيادة. لكن، ما يقع اليوم هو عكس ذلك. فآخر مواجهة عسكرية من هذا النوع بمنطقة أمريكا اللاتينية حدثت منذ نحو 100 عام...
ما الهدف إذن من وراء الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة؟ الهدف ليس هو سحق نظام عسكري آخر، أو القضاء على قدرة دولة معينة في نشر قواتها العسكرية بالخارج. الهدف الرئيس هو إنهاك إرادة الدولة المستهدفة، ونسف قدراتها ببطء ولكن بثبات، وذلك لأجل اكتساب النفوذ. وفي نهاية المطاف، وبعدما يتأتى ذلك النفوذ يبرز الهدف الحقيقي المتمثل في إرغام العدو على الامتثال لإرادتك. وسواء أكان هذا النوع من الحروب الدموية كالصدمة والرعب الذي خلفته الحرب العالمية الثانية أو الحرب الكورية أو بعض الحروب الأخرى التي شاركنا فيها، يظل الواقع هو أن الإرغام، سواء أكان حميدا أم لا، هو في حد ذاته إكراه.
يتعين علينا التفكير في الأمر مليا، لأن هدفنا في الوقت الراهن هو إطباق السيطرة على العدو على نحو يبعث على الدهشة، ويظل مرتبطا بالرغبة في الوصول لنقطة تأثير تفضي لجعل عدوك يستسلم لإرادتك. القاسم المشترك الذي يجمع بين كل هذه الأمور هو ما يصطلح عليه ب «زعزعة الاستقرار». لم نعد نرسل قوات نظامية لتعبر الحدود، أو على الأقل في أغلب الأحوال. كما أنه في حال إرسال القوات العسكرية لا تكون كلها نظامية، ولا تضم الرجال فحسب، بل تضم النساء كذلك، وحتى الأطفال. يتعين علينا استيعاب هذه الأمور، والتعاطي معها. وبما أنها مشاكل عابرة للحدود الإقليمية للدول، تظل الطريقة الوحيدة التي نستطيع من خلالها التعامل مع الوضع بشكل فعال، هي الحلول العابرة للحدود الإقليمية للدول.
لم يقترح السفير أناوندي أن نسلك هذا المسار فحسب، بل أن نعتمد كذلك على القدرات الذهنية. القدرات الذهنية هي السلاح الأهم في هذا السياق. أشدد على القوة الذهنية، القوة الذكية. إنها ليست قوة النيران. ما الذي أدى لسقوط حائط برلين؟ الدبابات؟ المدفعية؟ الطيران؟ لا... إنها العملة النقدية الألمانية. يمكن لعملية زعزعة الاستقرار أن تتخذ أشكالا عدة، وفي الغالب ما تكون نسبيا حميدة. لكن مرة أخرى، لدينا مشكلة الإكراه. وهذه الإكراهات التي ترتبط بمكان وقوع الحدث، وما يقع أثناء ذلك يتمثل في فكرة خلق «الدولة الفاشلة». هذه كلمة أخرى لا نجرؤ على التلفظ بها. «الحرب» و«الدولة الفاشلة». لا نريد استخدام الكلمة لكي نظل دبلوماسيين، ولكي لا نجرح أي أحد. لكن الحقيقة هي أن بعض الدول التي تحدثنا عنها في أمريكا الوسطى وغيرها، لا يخضع جزء كبير من أطرافها لسلطة الحكومة المركزية. يخالف هذا الأمر معنى «السيادة» التي تحدثنا عنها. السيادة هي التحكم في كل أرجاء البلاد، والأشخاص في إطار كيان سياسي معترف به. إذا لم يكن في استطاعة الدولة التحكم في كامل أرجاء إقليمها، يطرح السؤال عمن يتكفل بذلك. يستخدم عادة مصطلح «إقليم غير خاضع للسلطة الحكومية». نوعا ما يحمل هذا المصطلح في طياته بعض التعقيد. لذا أفضل بدل عنه استخدام عبارة «إقليم خاضع لسلطة حكومية». لكن، ينبغي هنا الإشارة إلى أنه غير خاضع لسلطة الدولة، بل يخضع لمجموعات غير تابعة للدولة، مجموعات تحمل السلاح وخارجة عن القانون وتشن أعمال العنف. على امتداد فترة محددة من الزمن، تخلق «دولة فاشلة»، وبذلك تتمكن من التدخل عبر التحكم في هذه الدولة. لا يمكن ذلك الأمر من التحكم في الدولة فحسب، بل يمكنك أن تذهب لأبعد من ذلك كلما أمكن ذلك. لكن، ما الذي يحدث للدولة؟ الدولة لا تختفي، فهي ما تزال موجودة. يتعين على طرف ما تولي زمام الأمور، إذا لم يظهر أحد ليتحكم بها. يحضرني نموذج هايتي، فقد كان القيام بتركها حتى تفشل عملية جد مكلفة بالنسبة للغرب. كما أن بعض الدول الأخرى عرف عنها تحولها لدول تنتشر فيها الجريمة، فيما ظهرت دول «شعبوية» جديدة. في مواقف كهذه، يظل آخر رجل يقف على رجليه، مهما كانت إصابته بليغة، هو المنتصر. لنركز قليلا على بعض المصطلحات لتوضيح الأمور أكثر. الحرب هي الإكراه، سواء نجم عنها قتل الأشخاص أم لا. المصطلح الثاني هو «الدولة الفاشلة»، لا يتعلق الأمر بحدث طارئ، بل بسيرورة تنفذ ببطء، عندما لا يكون أي أحد منتبها لما يقع. إذا قمت بتنفيذ ذلك بطريقة جيدة، ولمدة كافية، وببطء شديد، فسيستيقظ عدوك ميتا.»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.