صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس بالقنيطرة حفل تخرج الفوج 24 للسلك العالي للدفاع والفوج 58 لسلك الأركان    بورصة البيضاء تنهي التداولات على وقع الأحمر    49 في المائة من المواطنين يقتنون الأضحية قبل عيد الأضحى خلال فترة من 3 إلى 7 أيام    دراسة…إرتفاع حرارة الأرض الناجمة عن النشاط البشري إلى "مستوى غير مسبوق"    ماذا قال مدرب منتخب زامبيا عن مواجهة المغرب؟    "ليكيب": تأجيل كأس أمم افريقيا 2025 المغرب إلى بداية 2026    ولاية أمن تطوان تتفاعل بجدية مع مقطع فيديو يوثق لتبادل الضرب والجرح    انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    مطالب بإنصاف حراس الأمن المدرسي    الاضراب يشل المؤسسات الصحية بإقليم الحسيمة للأسبوع الثاني    الاتحاد السعودي يوافق على رحيل لاعبه المغربي حمد الله    نصف نهائي كأس العرش يومي 21 و23 يونيو بأكادير    يونس البحاري كاتبا إقليميا بتازة    تفاصيل جديدة حول مأساة سيدي علال التازي..    التكنولوجيا تُعزّز مصداقية امتحانات الباك    دفاع "مومو" يطالب بالكشف عن الخبرة التقنية على هاتف موكله    سائقو سيارات الأجرة يحاصرون حافلات المطار ويمنعونها من نقل المسافرين    ترقب في القدس لمسيرة الأعلام الإسرائيلية وبن غفير يهدد بدخول باحات المسجد الأقصى    المخرج عزيز السالمي يترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان الرباط كوميدي    أنتونيو كونتي مدربا جديدا لنابولي الإيطالي    مناهضو التطبيع يواصلون الاحتجاج ضد المجازر في غزة ويستنكرون التضييق وقمع المسيرات    إطلاق نار يستهدف سفارة أمريكا في بيروت    صديقي يكشف عدد الأغنام المستوردة الموجهة لأداء شعيرة عيد الأضحى    "اتفاق الرباط" يوصي بالاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي    دراسة…حرارة المياه الجوفية ستجعلها غير قابلة للاستهلاك بحلول نهاية القرن    تعزية في وفاة زوجة محمد الحمامي رئيس مقاطعة بني مكادة بطنجة    ماركا تُرشح دياز للفوز بالكرة الذهبية الإفريقية    قوافل الحجاج المغاربة تغادر المدينة المنورة    إقليم برشيد…أونسا تكشف سبب نفوق رؤوس الأغنام    الأكاديمية فاتحة الطايب تُشرّح واقع الأدب المقارن بجامعة محمد الخامس    "سفر في الوجوه، رواق" للكاتب عزيز الشدادي    توقعات أحوال الطقس غدا الخميس    مبادرة بوزان تحتفي بزي "الحايك" الأصيل    مراكش.. شاب يقتل والده بطريقة بشعة ويلوذ بالفرار    مجلس المستشارين يصادق على مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الأربعاء    ارتفاع أسعار الذهب بدعم من ضعف الدولار    علماء أمريكيون يقتربون من تطوير لقاح مركب ضد جميع فيروسات الإنفلونزا    23 قتيلا و2726 جريحا حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    قصف مستمر على غزة والجيش الإسرائيلي مستعد "لتحرك قوي" على حدود لبنان    تقرير: 70 في المائة من الأطباء يتمركزون في أربع جهات فقط وطنجة ليست ضمنها    مهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير يفتح باب المشاركة في دورته الجديدة    لطيفة رأفت: القفطان المغربي رحلة طويلة عبر الزمن    سلوفينيا تعترف بدولة فلسطين    بطولة رولان غاروس: الايطالي سينر يبلغ نصف النهائي ويضمن صدارة التصنيف العالمي بانسحاب ديوكوفيتش    مجلس النواب الأميركي يصوّت على معاقبة مسؤولي "المحكمة الجنائية الدولية"    خبراء: حساسية الطعام من أكثر الحالات الصحية شيوعا وخطورة في زمن تنوع الاطعمة    فرق محترفة تقدم توصيات مسرحية    الرجاء يتلقى ضربة موجعة قبل موقعة مولودية وجدة    حكم يدين إدريس لشكر بسب صحافيين    كيف ذاب جليد التطبيع بين إسرائيل والمغرب؟    السر وراء رسو ناقلات النفط الروسي قبالة سواحل المغرب    "أونسا" يكشف نتائج التحقيق في أسباب نفوق أغنام ببرشيد    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (15)    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    دراسة: القطط بوابة خلفية لانتقال أنفلونزا الطيور إلى البشر    الأمثال العامية بتطوان... (615)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقديس صناديق الاقتراع
نشر في المساء يوم 26 - 07 - 2013

نشهد ظاهرةً لافتةً في حياتنا السياسية، منذ بدأ مسلسل ما يسمى «الربيع العربي»، هي ظاهرة تجدد (النزعة) الشعبوية في صورةٍ، ونسخةٍ، جديدة منها هي: تقديس صناديق الاقتراع. لِنَقُل إنها الموجة الثانية من
الشعبوية في بلادنا العربية؛ الموجة التي يركبها فريق سياسي معلوم، ذو نفوذٍ في أيامنا هذه، لم يكن شريكاً في الموجة الشعبوية الأولى التي شهدتها هذه البلاد بين خمسينيات القرن العشرين الماضي وسبعينياته. وفي الظن أن وطأة هذا الجيل الثاني من الشعبوية أخطر من جيلها الأول، لأنها شعبوية تُرَكبُ لاشتغالها بطارية «ديمقراطية»، فتتلطّى بشرعية يقابلها العالم المعاصر بشعور القبول والرضى، ويستدخلها ضمن منظومة قيمه السياسية التي هي غير منظومة القيم السياسية التي انتعشت فيها شعبوية الأمس.
الشعبوية، تعريفا، هي نزعة تقديس الشعب، والنظر إليه نظرة خلاصية بما هو ميزان الحقيقة ومستودعها. نعرف أن المثقفين والسياسيين الكبار، في تاريخنا الحديث والمعاصر، انتقدوا هذه النزعة بشدة وعدّوها هدّامة للسياسة ولفكرة التغيير الثوري، ونعرف أن رجلا من طراز لينين دشن عهده السياسي والثوري، في نهاية القرن التاسع عشر، بمساجلة الشعبويين الروس في كتابه الأول الشهير «مَن هُمْ أصدقاء الشعب» (1896)، كما نعرف أن هذه النزعة لم تكن مرضا خاصّا بالمجتمعات التي حكمتها نظم شيوعية ستالينينية أو ماوية - فحسب، بل أصيبت بها المجتمعات الغربية التي حكمتها نُظم نازية وفاشية، والمهم في الموضوع أن الشعبوية تستسهل السياسة والتغيير السياسي حين تُعطّل فعالية الوعي، ودور عوامل الثقافة والفكر في ذلك التغيير، موكلة الأمر كله إلى «الشعب» بوصفه -على زعم الشعبويين- مالكا للحقيقة! وإذا ما تركنا جانبا ضبابية مفهوم الشعب والتباساته، في وعي الشعبويين، ومكانته غير المتعيّنة من أي تحليل اجتماعي - سياسي لعلاقات الإنتاج الاجتماعية، فإننا نجد في توسل مفهوم الشعب لَوْذا بمُطْلق من المطلقات، وبكليةٍ من الكلّيات السياسية المغلقة التي يَمْنَع المفهوم من تبيّن ما بداخلها من تناقضات وتباينات غير قابلة للجمع أو الإخفاء. وهذا ما دعانا، في مناسبة سابقة، إلى حسبان الشعبوية محاولة بائسة لتأسيس «ميتافيزيقا سياسية» جديدة.
على أنّ أخطر ما حملتْه الشعبوية أنها تحوّلت إلى غطاء إيديولوجي للنظم التسلّطية والديكتاتورية في العالم المعاصر، في الشرق والغرب على السواء؛ إذ باسم الشعب وإرادته العليا حصلت فداحات، وانتهكت حقوق، وسالت دماء؛ وباسم الشعب جرى احتكار السلطة من قبل فريق واحد في المجتمع تنزل -أو نزل نفسه- منزلة الناطق الأوحد باسم إرادة الشعب. وإذا كانت الدولة الثيوقراطية قد حكمت في القرون الوسطى، وفرضت إرهابها ومشانقها، باسم «الحق الإلهي DROIT DIVIN»، فإن نظائرها المعاصرة لم تفعل سوى أنها أحلت الشعب محلّ السماء كمصدر لشرعية سلطتها لتعيد إنتاج النظام الاستبدادي عينهِ! ولتسوغ سلطان «إكليروس سياسي» جديد قام فيه الحزب الواحد مقام الكنيسة، وكان له -هو أيضا- بَابَوَاتُه وكرادلتُه ومطارنتُه من الإيديولوجيين.
تتمثل النسخة الجديدة -الراهنة- من الشعبوية في تقديس صناديق الاقتراع، بما هو صيغة أخرى لنزعة تقديس الشعب؛ فالشعب هو المعيار وفيصل التفرقة، وما يقوله، ما يختاره، ما يقرّره، ليس محل جدل أو اعتراض. شاءت الليبرالية السياسية أن يصبح الشعب بديلا من غيره في التأسيس لشرعية السلطة، وأن ترفع رأيه إلى مرتبة العِصمة (الشعب، هنا، يقوم مقام الإكليروس في الدولة الثيوقراطية)! ولكن بينما يلحظ نظام الليبرالية السياسية مكانا للنقد والمعارضة ومخالفة الرأي العام السائد، من دون حسبان ذلك انتهاكا للإرادة العامة، يكتفي «أتباعُها» في بلادنا العربية -وقد انضم الإسلاميون إلى جمعهم- بحسبان الاعتراض على الإرادة السائدة، اعتراضا على إرادة الشعب، واختياره، وانشقاقا أو خروجا عن الجماعة، فيتحول المعارض إلى معادٍ للديمقراطية، ومن دون أن يقول من يتهمونه بذلك إن الديمقراطية شيء والليبرالية السياسية شيء آخر، ومن دون أن يقرّروا أن الديمقراطية لا تخرج -بالضرورة- من صناديق الاقتراع، كما تُعَلمنا التجارب السياسية المعاصرة (=النازية والفاشية مثلا، خرجتا من صناديق الاقتراع أيضا)، لأن الشعب ليس معصوما من الخطأ، وقد يرتكب فداحات في حقّ مصيره، خصوصا إذا ما ابْتُليَ بالفقر والجهل: وهُمَا معا يجرّدانه من الإرادة الحُرّة التي هي شرطٌ للمواطنة.
الأغرب في هذا الموضوع أن الذين يمارسون، اليوم، وبحماسة شديدة، هذا الضّرب الجديد من الشعبوية (=تقديس صناديق الاقتراع)، كانوا إلى عهد قريب يجادلون في أن يكون الشعب مصدر السلطة، ويتهمون القائل بهذا القول بتهمة العدوان على «حاكمية» الله، وبعضهم كان يحسب المجتمع كافرا لم تَبْلُغْهُ الدعوة بعد، وينبغي أن يخضع للفتح! فسبحان من حول «المجتمع الكافر» إلى شعب يشكّل مصدر السلطة، وتستثير «إرادتُه الحُرّة» غَيرةَ المدافعين عنها في وجه المعارضين.





عبد الإله بلقزيز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.