الرباط.. افتتاح منتدى رفيع المستوى حول الذكاء الاصطناعي كرافعة للتنمية بإفريقيا    محامو المغرب ينددون بعقوبات الاتحاد المصري ضد الشيبي ويعلنون تدويل الملف    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    إحباط عملية كبرى للتهريب الدولي للمخدرات بمنطقة سيدي رحال الشاطئية    "ذا صن": أتلتيكو مدريد يقترب من ضم نايف أكرد خلال الميركاتو الصيفي        مجلس الحكومة يصادق على فتح اعتمادات إضافية لفائدة الميزانية العامة    مسيرة حاشدة بمكناس تدعو لوقف حرب "الإبادة" الإسرائيلية على قطاع غزة    فوز مرشحة اليسار الحاكم كلاوديا شينباوم بالانتخابات الرئاسية في المكسيك    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بالأخضر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية ليوم الإثنين    اتحاد الكرة البلجيكي ‬يستبعد عودة كورتوا للمنتخب    استقرار أسعار النفط مع تقييم المستثمرين لقرار "أوبك+" خفض الإنتاج    كليات الطب تعلن تأجيل الامتحانات استجابة لمطلب الطلبة ولفسح المجال لتطويق الأزمة    توقيف فرنسي مطلوب دوليا في باب المدينة المحتلة بتهمة ترويج المخدرات    أهمية صناعة السينما والمحتوى البصري بفعاليات اليوم الأول لمهرجان روتردام للفيلم العربي    جمع عام استثنائي بالدار البيضاء للغرفة الوطنية للمنتجين السينمائيين    بعد جدل "القبلة الأسترالية".. مطالب بفتح تحقيق عاجل في الصفقات الطاقية    رغم الجفاف.. المنتجات الفلاحية تغزو الاتحاد الأوربي    السياحة المغربية تواصل نموها.. 31.9 مليار درهم حتى نهاية أبريل    القسم الثاني: مفاجآت عدة تبقي الإثارة متواصلة في مقدمة وذيل الترتيب    حماية المحيطات.. الأمم المتحدة تدعو إلى تعبئة جماعية    من ضمنها "شات جي بي تي".. بحوث بالذكاء الاصطناعي "تورط" خريجي جامعات    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب اليابان    الفنيدق: استعدادات مكثفة لإنجاح الموسم الصيفي    صحيفة إسبانية تهتم بتعزيز المغرب دفاعه بإنشاء منطقتين للصناعة العسكرية    ارتفاع أسعار النفط بعد قرار "أوبك بلس"    لهذه الأسباب.. تأجيل امتحانات الدورة الربيعية لكلية الطب والصيدلة بطنجة    عمر ‬هلال ‬يفحم ‬مجددا ‬ممثل ‬الجزائر ‬بالأمم ‬المتحدة ‬و ‬يفضح ‬أساليبه ‬الملتوية:‬    120 شاحنة للنقل الدولي تنتصر عبر دول العالم لقضية الصحراء المغربية    المطار الدولي ببني ملال يستأنف نشاطه    "الإهمال" و"الفوضى" يطالان واحة سيدي يحيى بوجدة    اليابان ‬تدعم ‬جهود ‬المملكة ‬لتسوية ‬قضية ‬الصحراء ‬المغربية ‬وكوريا ‬تراهن ‬على ‬المغرب ‬باعتباره ‬بوابة ‬لإفريقيا ‬    إسرائيل توصي مواطنيها بعدم السفر لجزر المالديف    بدعم من اليونسكو ومن أجل نشر المواد الصحفية المتنوعة : المعهد العالي للإعلام والاتصال يطلق منصة بيداغوجية ومهنية لفائدة الطلبة    من هم مساعدو مدرب برشلونة الجديد؟    تعرض صحراويين للقتل من طرف الجيش الجزائري.. إعدام خارج القانون    أفلام وحكام مهرجان "الرباط كوميدي" الخامس: مسابقة الأفلام الكوميدية القصيرة.    الرجاء البيضاوي يعتلي الصدارة في انتظار خطوة واحدة بوجدة    الجامعة الملكية المغربية للملاكمة بطولة المغرب التأهيلية للملاكمة كبار للموسم الرياضي 2024/2023    الدراج العثماني يحل ثانيا في "غاروا"    مداهمة مقاهي للشيشة وسط طنجة وتوقيف أشخاص مبحوث عنهم    موسيقى جهجوكة.. نغمات صوفية من جبال المغرب إلى أبرز مسارح العالم    المؤتمر الوطني الإفريقي يخسر غالبيته المطلقة في برلمان جنوب إفريقيا ويبحث عن ائتلاف    تتويج الفنان والعازف السعودي عبادي الجوهر بجائزة زرياب للمهارات بمهرجان تطوان الدولي للعود    The Village Next to Paradise فيلم من الصومال تتغنى به المواقع السينمائية حول العالم    بعد منع أسماء لزرق من الغناء بتونس.. فنانون مغاربة يطالبون ب"تطبيق المعاملة بالمثل"    انطلاق أعمال القمة الدولية لريادة الأعمال ونهائي برنامج الإيسيسكو لتدريب الشباب بمجال التكنولوجيا    الأمثال العامية بتطوان... (613)    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    جهة الرباط تتصدر إصابات "كورونا" الجديدة    توديع فوج حجاج إقليم تاوريرت المتوجهين إلى بيت الله الحرام    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    4 فوائد صحية محتملة للقهوة "رغم أضرارها"    "العلم" تواكب عمل البعثة الطبية المغربية لتقريب خدماتها من الحجاج في مكة والمدينة    عامل المضيق الفنيدق يستقبل الحجاج المتوجهين للديار المقدسة    «الموسوم الوجيه بأعلام آل الشبيه» : كتاب يتتبع مسار العائلة والزاوية الإدريسية لثلاثة قرون    أول مغربية تقاضي أسترازينيكا تصف الحكم القضائي بالتعويض المالي بالمنصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة العربية الفصحى والعربيات المغربية
نشر في المساء يوم 19 - 11 - 2013

اللغة نظام اتفاقي من الرموز، هدفها ربط الصلة بين مجموعة إنسانية محدودة، كلما تطورت هذه المجموعة تطورت معها لغتها، وكلما كثرت المجموعات ازداد عددها وتفرقوا إلى فرق، وتفرقت معهم اللغة إلى متغيرات Variantes، مسايرة في ذلك ظروف عيش كل فريق على حدة، إلى أن تتحول هذه المتغيرات عبر القرون إلى لهجات متباينة يستجيب كل منها للحاجيات والظروف الاجتماعية والبيئية التي تميز الفريق الذي اختص بتداولها.
سنحاول في هذه المقالة التفصيل في الفرق بين اللغة واللهجة، وبيان أسباب تكوين اللهجات، وننهي مقالنا بالوقوف عند مستويات اللغة العربية في المغرب، وهي ما نصطلح عليه بالعربيات المغربية، على اعتبار أنها تنويعات للعربية الفصحى.
1 - اللهجة وعلاقتها باللغة
اللهجة طريقة في الاستعمال اللغوي توجد في بيئة خاصة من بيئات اللغة الواحدة، وهي العادات الكلامية لمجموعة قليلة من مجموعة أكبر من الناس، تتكلم لغة واحدة. وهذه الطريقة أو العادة الكلامية تكون صوتية في غالب الأحيان، من ذلك لهجات العرب القديمة، كالعنعنة وهي قلب الهمزة المبدوء بها عينا، وكذلك الكشكشة وهي إضافة الشين بعد كاف الخطاب في المؤنث، وكذلك العجعجة وهي جعل الياء المشددة جيما، وهذه الظواهر ماتزال متحققة في أغلب اللهجات العربية، في كل مناطق العالم العربي.
ويلعب الاختلاف الصوتي دورا مهما في اختلاف اللهجات وتنوعها. واللهجة تغير يطال اللغة على مستوى تحققها الصوتي أو التعبيري. ويتفق أغلب الباحثين السوسيو-لسانيين والبنيويين على أن اللهجة نظام تواصلي لا يختلف عن اللغة، فاللهجة في الاصطلاح العلمي هي "مجموعة من الصفات اللغوية المنتمية إلى بيئة خاصة، يشترك فيها أفراد البيئة الواحدة"، وبيئة اللهجة جزء من بيئة أوسع وأشمل، وهذه البيئة الشاملة هي بيئة اللغة.
ويزكي "دي سوسير" هذا الارتباط القائم بين اللغة واللهجة من خلال قوله: "من الصعب تحديد الفرق بين اللغة واللهجة، خاصة أن اللهجة غالبا ما تأخذ اسم اللغة، حيث تكون لغة إنتاج أدبي".
واضح من هذا الكلام أن مفهوم اللهجة مرتبط دائما بمفهوم اللغة، بل إن أغلب السوسيو-لسانيين يرفضون التفريق بين اللغة واللهجة، على اعتبار أنه تفريق انطباعي وذاتي وغير علمي، إذ اللغة بالنسبة إليهم هي اللهجة نفسها، لذلك نرى كلفات (Calvat)، في كتابه "Linguistique et colonialisme"، يقر بأن اللهجة ليست سوى لغة محطمة سياسيا، واللغة ما هي إلا لغة نجحت سياسيا. وقد يصدق هذا التصور على الأمازيغية أو العربيات المغربية على تنوع تحققها بين جهات المغرب، فقد نفترض، على حد زعم كلفات، أن هذه الأخيرة تعرضت للإقصاء والتهميش، مما أدى إلى عدم امتلاكها القرار السياسي، وهذا ليس وليد اليوم بالطبع، وإنما هو ناتج عن ظروف تاريخية ممتدة زميا ومكانيا، أهلت العربية الفصحى للعب أدوار دينية وسياسية واقتصادية في المغرب، في حين تراجع دور العربيات المغربية والأمازيغيات دينيا وسياسيا واقتصاديا، مما حولها إلى وسائل تواصلية يومية، لكنها بلا سلطة تذكر، إلا إذا استثنينا حضورها في الفلكلور الشعبي على شكل شعر أو أغان وأمثال وقصص شعبية و"حواديث"...
فيشمان، بدوره، يفضل مصطلح التنوع اللغوي (Variété)، بدلا من المصطلحات التقليدية المعروفة. ومفهوم (Variété)يعني الاعتراف بنوعيات مختلفة ومتعددة من اللغات باختلاف وتعدد المناطق الجغرافية داخل البلد الواحد. ومن بين العلوم التي تهتم بهذا الجانب اللسانيات الجغرافية.
وفي ما يتعلق بالمدرسة الأمريكية، سواء التوزيعية التقليدية في شخص كل من تشومسكي (Chomsky) وهاريس (Haris) أو السوسيو-لسانيات في شخص (Labov)، فتؤكد أن علاقة اللغة واللهجة هي علاقة العام والخاص والكل والجزء، فنقول مثلا (تاريفيت تشلحيت تقباليت...) باعتبارها نوعيات تنحدر من اللغة الأم وهي "الأمازيغية"، ونفس الأمر ينطبق على العربيات المغربية، فعربية (الدار البيضاء ودكالة وفاس ومراكش ووجدة والداخلة وطانطان...) هي تنويعات لغوية، ولا يصح نعتها بكونها (لغات مستقلة)، إنها تنويعات لغوية للغة الأم (العربية الفصحى)، ومن يعتقد عكس هذا فإنما يناقض حقيقة لغوية ثابتة.
يمكن أن نخرج بخلاصة جزئية مما سبق، تتجلى في كون العلاقة بين اللغة واللهجة علاقة وطيدة، فصيرورة (لهجة-لغة) أو صيرورة (لغة-لهجة) رهينة بتوافر شروط سياسية واقتصادية ودينية أو عدم توفرها. ونمثل لذلك باللغة اللاتينية التي كانت لغة رسمية، فتفرعت عنها اللغات اللاتينية الحديثة (الإسبانية والإيطالية والفرنسية)، وذلك عقب تدهور الإمبراطورية الرومانية، بفعل هجومات الجرمان والهون. كما أن اللغة الفرنسية كانت في ماضيها لهجة يتكلم بها أشراف باريس، ونظرا إلى استعمالها من طرف الساسة الباريسيين فقد تحولت إلى لغة ذات سلطة رمزية، فهيمنت على اللهجات الأخرى (البروتون والاكستان...).
أما اللغة العربية الفصحى في المغرب فقد هيمنت على العربيات المغربية والأمازيغيات، لكونها كانت تملك شروطا مؤهلة تجلت في كون الإسلام لا يمكن فهم مضامينه إلا بها، فمال المغاربة (عربا وأمازيغ) إليها وجعلوها لغتهم لكونها حاملة الوحي الإلهي، ويمكن في هذا السياق العودة إلى معظم التراث الفقهي المغربي، فهو مكتوب من طرف فقهاء أمازيغ بلغة عربية لا غبار عليها، ومن ثم لا يمكن القول إن العربية الفصحى عملت عنوة على إبادة الأمازيغيات والعربيات المغربية، فهذا كلام باطل، وليس هناك دليل أصدق من أن هذه الأخيرة مازالت موجودة، ولها حضور هام في التراث الشفوي المغربي، كوسائل تواصلية يومية وكأدوات للتعبير والإبداع الفني، كما أن الدستور الجديد للمغربي يتعامل معها باعتبارها لغات.
2 - كيف تتكون اللهجة
هناك عاملان رئيسيان يعزى إليهما تكون اللهجات في العالم وهما: الانعزال في بيئات الشعب الواحد؛ والصراع اللغوي نتيجة الغزو أو نتيجة الهجمات الأجنبية.
وقد شهد التاريخ نشوء عدة لغات مستقلة من اللغة الواحدة نتيجة هذين العاملين أو كليهما؛ فحين نتصور لغة من اللغات قد اتسعت رقعتها وفصلت بين أجزاء أراضيها عوامل جغرافية أو اجتماعية، نستطيع الحكم بإمكان تشعب هذه اللغة إلى لهجات عدة. وتترتب عن هذا الانفصال قلة احتكاك أبناء الشعب الواحد بعضهم ببعض أو انعزالهم عن بعضهم البعض. ويتبع أن هذا الانعزال في البيئات اللغوية أن لغة الشعوب أو القبائل، التي كانت من أصل واحد، لا تلبث، بعد مرور قرن أو قرنين، أن تتطور لتصبح مستقلة على مستوى نطق الأصوات وصفاتها، مما يشعب اللغة الأم إلى تنويعات لغوية هي ما يسميه عامة الناس (لهجات)؛ فمن طبيعة الكلام التطورُ والتغيرُ مع مرور الزمن، ولكن الطريق الذي يسلكه الكلام في هذا التطور يختلف من بيئة إلى أخرى، مما يعطينا في النهاية تنويعات لغوية عديدة لنفس اللغة الأم، وهو ما نلمسه بوضوح شديد في العربيات المغربية، مثلا في فاس حيث يتم تحقيق القاف في جملة (قال لي)، وفي دكالة يتم تحقيق القاف (كاف، (gal lya... وهو ما نجده مفصلا في قول ابن خلدون في نطق القاف "كاف" لدى العرب البدو، حيث يقول: "ومما وقع في لغة هذا الجيل العربي لهذا العهد، حيث كانوا من الأقطار شأنهم في النطق بالقاف فإنهم لا ينطقون بها من مخرج القاف عند أهل الأمصار، كما هو مذكور في كتب العربية أنه من أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى. وما ينطقون بها أيضا من مخرج الكاف، وإن كان أسفل من موضع القاف وما يليه من الحنك الأعلى كما هي، بل يجيئون بها متوسطة بين الكاف والقاف. وهو موجود للجيل أجمع حيث كانوا من غرب أو شرق، حتى صار ذلك علامة عليهم من بين الأمم والأجيال مختصا بهم لا يشاركهم فيها غيرهم. حتى إن من يريد التعرب والانتساب إلى الجيل والدخول فيه يحاكيهم في النطق بها".
وليس للانعزال الجغرافي وحده كل الأثر في تكون اللهجات، بل يجب أن نضم إليه الانعزال الاجتماعي، واختلاف الظروف الاجتماعية بين البيئات المنعزلة داخل الأمة الواحدة. وهناك عوامل تشترك بينها جميعا وقد ترجع إلى رابطة سياسية أو قومية أو اتجاه خاص في التفكير.
منير بن رحال
*أستاذ اللغة العربية - باحث في اللسانيات والتواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.