في الطبعة الجديدة «بورقيبة والمسألة الدينية» الصادر ضمن سلسلة مقاربات عن دار سراس التونسية للنشر تطرح الكاتبة والإعلامية أمال موسى إشكالية العلاقة بين الخطاب السياسي والممارسة الاجتماعية للدين في فترة الحكم البورقيبي. وتتناول الكاتبة هذه الإشكالية من مقاربة سوسيولوجية. ويتضمن الكتاب بابين، حيث اهتم الباب الأول المتضمن لفصلين بموضوع «الشخصية البورقيبية والإصلاحات التحديثية». أما الباب الثاني فاهتم ب«المسألة الدينية من خلال تحليل مضمون الخطاب السياسي الرسمي في تونس». كشفت أمال موسى في مقدمة الكتاب عن المنهج الذي اتبعته في تحليلها للمسألة المطروحة، موضحة أن المساحة الزمنية من سنة 1956 إلى سنة 1987 هي محور اهتمام بحثها على اعتبار أن هذه الفترة «شهدت تعاطيا خاصا مع الدين يتسم أساسا بطابع إشكالي وذلك لطبيعة علاقة خطاب بورقيبة السياسي مع الممارسة الاجتماعية للدين». أما مقاييس اختيار هذه الخطب فهي ثلاثة، أولها حدثي آني، والثاني متعلق بالجمهور الموجه إليه الخطاب، في حين اتصل المقياس الثالث بالمجالات ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بالمشروع المجتمعي التحديثي. كما سعت أمال موسى إلى توظيف تقنية الحوارات المعمقة لإثراء البحث، من خلال الحديث مع شخصيات تتمتع بصفة الشاهد المتميز، وعايشت بورقيبة وواكبت بحكم موقعها أطوار بناء الدولة الوطنية الحديثة. وهذه الشخصيات هي: محمد مزالي وأحمد المستيري والشاذلي العياري والشيخ مختار السلامي ومحمد الصياح وفتحية مزالي. وتتوقف الباحثة عند خطب الزعيم الحبيب بورقيبة مستقرئة ملامح تعاطيه مع المسألة الدينية في سياقات تاريخية محددة وتبعا لوقائع بعينها عرفتها الساحة السياسية والمجتمع التونسي. وتأتي أهمية هذا الكتاب، الذي ينخرط في مجال البحوث الاجتماعية الجادة، من كونه بحثا علميا أكاديميا ينأى عن التجاذبات أو الإدانة، ويرنو إلى تقديم قراءة موضوعية تتابع تعاطي الفاعل السياسي مع الظاهرة الدينية. واشتمل الكتاب على ثلاثة أنواع من الخطب، هي خطب بورقيبة بمناسبة المولد النبوي الشريف بجامع الزيتونة وغيره من المساجد، وخطب ألقيت في مناسبات سياسية، وأخرى ألقاها في رحلاته إلى السعودية وتركيا وموريتانيا. كما سعت آمال موسى إلى توظيف تقنية الحوارات المعمقة لإثراء البحث من خلال الحديث مع شخصيات تتمتع بصفة الشاهد المتميز، والتي عايشت بورقيبة وواكبت بحكم موقعها أطوار بناء الدولة الوطنية الحديثة. وإذا كان الزعيم بورقيبة قد شكّل موضوعا أثيرا للمؤرخين وللساسة الذين سجلوا شهاداتهم على العصر وأرخوا للحركة الوطنية من خلال أحد رموزها، فإن انخراط الباحثين في مجال الإعلام والسوسيولوجيا يعد محدودا، ومن هنا يأخذ بحث بورقيبة والمسألة الدينية للباحثة أمال موسى فرادته. وتتوقف الباحثة موسى أيضا عند ظاهرة التناقض والازدواجية في كل من قضيتي الحجاب والتجنيس، الشيء الذي يكشف عن عمليات مختلفة للتسييس والمناورة والتوظيف. وتحاول الباحثة أن تستفيد من الوظيفة الاجتماعية للدين، حيث انتهت الباحثة بعد التحليل إلى الإقرار بأنه من الصعب معرفيا الاطمئنان إلى فرضية علمانية الموقف البورقيبي لافتقارها إلى فلسفة مادية مطلقة. واستنتجت آمال موسى أن بورقيبة تعاطي مع الدين بطريقة اتصفت بالنفعية والبراغماتية وبالأسلوب الانتقائي والواقعية. ومثل هذه الأوصاف تعني بأن شروط تحقق الدولة العلمانية التي تفصل بين السلطة الروحية والسلطة السياسية غير متوفرة. ولا تتجاوز علاقة الدولة بالدين حدود التوظيف ولا تحمل أي اعتبارات فكرية وسياسية. لذلك، فإن ظاهرة التناقض في الخطاب وجدلية التخفي والتجلي والتواصل والتمايز، كلها تندرج في إطار التكتيك السياسي وتلبي مصالح الدولة وتستجيب لمقتضيات التعبئة السياسة. وانتهى الكتاب إلى أنه بقدر ما يصح نسبيا وصف تجربة بورقيبة بالتحديثية فإنه في المقابل يصعب وصفها بالعلمانية الكلية، وربما يعود ذلك إلى ضرورة تعالق شروط العلمانية مع الزمن والأجيال وتراكم الخبرات والممارسة.