فاز الشاعر الفرنسي إيف بونفوا بجائزة الأركانة العالمية، التي يمنحها بيت الشعر بالمغرب. وقد آلت الجائزة لهذا الشاعر لكونه منح من خلال تجربته الفريدة الإنسانية شعرا فريدا وعميقا أيضا. منحت لجنة تحكيم جائزة الأركانة العالمية للشعر، التي يمنحها سنويا بيت الشعر في المغرب، بشراكة مع مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، وبتعاون مع وزارة الثقافة، للشاعر الفرنسي، بإجماع أعضاء اللجنة،التي تكونت من الشاعر عبد المجيد بنجلون، رئيساً، ومن الأعضاء: الناقد عبد الرحمن طنكول، والشعراء: دانييل لوفيرس، حسن نجمي، نجيب خداري، رشيد المومني، رشيد خالص. وبررت اللجنة منح الجائزة في دورتها الثامنة للشاعر الفرنسي إيف بونفوا بكونه منح الإنسانية، من خلال تجربته الفريدة، شعرا ذا بعد إنساني عميق. وأوضح بيت الشعر في المغرب بأن احتفاءه بإيف بونفوا يأتي باعتباره شاعر الحكمة والتجديد. إذ تمكن عبر أعماله الشعرية والنقدية، منذ انضمامه إلى السورياليين الفرنسيين إلى اليوم، من تجسيد صورة الشاعر الحقيقي المهووس بكتابة لا تخلو من المخاطر والتحديات. وقد سعى بيت الشعر في المغرب من خلال منحه الجائزة لإيف بونفوا إلى منح بعد النظر الفكري لهذا الشاعر وعلى خاصيته المميزة كصانع للغة. وقد أثار إيف بونفوا أسئلة حارقة حول الشعر، بل تعداه ليشمل الحوار الذي يقيمه هذا الجنس مع الأجناس الإبداعية الأخرى كالموسيقى والفن التشكيلي. ففي خضم هذا التفكير الجريء، تمكن بونفوا، بنجاح، من تحقيق كتابة منسجمة ومتجددة باستمرار. وقد أشاد بيت الشعر «بتجربة هذا الشاعر الفذ الذي يقاوم في الآن نفسه غواية اللغة وإغراء اللامنتهى، من جهة، وكمال العالم الذي يفتنه، من جهة أخرى. إن هذه الزاوية الحرجة التي يتخذ منها إيف بونفوا مكانا لصوته تجعل شعره يتأرجح بين القول الشعري والتأمل النظري، فيظل وثيق الصلة بأشياء الحياة البسيطة حيث يغدو فضاء انبجاس الشعر فضاء يتجدد فيه الواقع عبر كيمياء الكلمات. اشتغل إيف بونفوا بجهد كبيرعلى اللغة كمادة ليخلق منها شعرا يمنحه تفردا وعمقا خاصين. فرغم الانبهار باللامرئي فهو لا يتغاضى عن دينامية الحسي كما تتجلى في آنية وبساطة الأشياء. إنه شاعر الحضور بامتياز، فهو يعبر بشعره عن ذاته بالقرب من الكائن والأشياء. وبعد مراحل من الارتياب والعراك، ومن التخلي والقبول، فإنه يحتفي اليوم ببيان القول». كما أثنى على تجربة إيف بونفوا «الذي أصر دوما على قياس قوته وضعفه كإنسان. أكثر من ذلك، فهو أثبت قدرته على أن يجعل من كل كلمة حدثا، بل وجودا له. وقد مكنه هذا التصادم المرهف من أن يقيم سبيكة لحام بين المفكر والفكرة. فالشاعر الذي يعبر بهذه الطريقة عن انبجاس الأشياء والصدى الذي تحدثه بين الكلمات يصبح بدوره ذاك الوعاء الذي تصب فيه الكلمات قبل أن تتغير هيئتها و تتبدى للقارئ. ويضيف بيان بيت الشعر بأن بونفوا نجح «في تحقيق الجلاء بين الفكري والحسي على حد سواء، لذلك فهو يعيد مجددا الكائن إلى جوهره، مستعينا بلغة تسميه من جديد كما للمرة الأولى. وعلى الرغم من ذلك فشعره ليس تصويريا، بل يتعداه ليصبح ميالا إلى التخيل الأولي. ويظل بدون شك كتابا مفتوحا». ويستخلص البيان بأنه «بهذا الاختيار الجمالي والوجودي حقق إيف بونفوا تحديا عظيما: أن يجمع مجمل التجربة الإنسانية التي لا ترضى لنفسها إلا أن تصبح حضورا ذا جدوى للأشياء دون أن ينكر احتمال فقدانها. فبونفوا يثبت أكثر من غيره أنه شاعر الإنسانية حيثما ينشأ وحيثما يمكث!» ويختم بيت الشعر بيانه قائلا: «إن الشعر هو الذي ينقذ الإرث الإنساني من الضياع، إذ بدونه فهو منذور حتما للضياع. هذا هو درس الأمل الذي يقدمه لنا إيف بونفوا، دون قصد أو عن دراية، في شكل أشبه باحتفالية الهبة و العطاء».
