أخنوش يمثل الملك في القمة العربية بالمنامة    من ضمنها المغرب.. واشنطن تحث دولا عربية على المشاركة في قوة متعددة الجنسيات في غزة    الإيقاف والغرامة.. جامعة الكرة تصدر عقوبات تأديبية    شاب يقدم على وضع حد لحياته داخل غابة بطنجة    الحسيمة: تعبئة 10 ملايين درهم لإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء    النصيري على رادار مدرب إشبيلية السابق    مبابي يغيب عن مواجهة سان جرمان أمام نيس بداعي الإصابة    بعد إغلاق مكتب "الجزيرة"... قرار بوقف بث القناة في الضفة الغربية    خطير.. رئيس وزراء سلوفاكيا يتعرض لإطلاق نار (فيديو)    اختناق عشرات التلاميذ بالدار البيضاء    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العودة إلى موضوع "شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين"!    الدار البيضاء.. افتتاح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    وسط "تعنت" ميراوي .. شبح "سنة بيضاء" بكليات الطب يستنفر الفرق البرلمانية    إضراب كتاب الضبط يؤخر محاكمة "مومو" استئنافيا    "فيفا" ينظم أول نسخة لمونديال الأندية للسيدات    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    حماية ‬الأمن ‬القومي ‬المغربي ‬هو ‬الهدف ‬الاستراتيجي ‬الأعلى    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية الباراغواي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    فتح بحث قضائي حول تورط شرطي في ترويج الكوكايين    انتخاب المكتب التنفيذي للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    توسيع 6 مطارات مغربية استعدادا للمونديال    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار يتوقع نمو الاقتصاد المغربي ب3% خلال 2024    موريتانيا.. مقتل جنديين في تحطم طائرة تدريب عسكرية    مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    بما في ذلك الناظور والحسيمة.. 2060 رحلة أسبوعية منتظمة تربط المغرب ب135 مطارا دوليا        تأجيل القرار النهائي بشأن الغاز الطبيعي بين نيجيريا والمغرب    التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    تسجيل أزيد من 130 ألف مترشح بمنصة التكوين على السياقة    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    الفيفا يحسم موقفه من قضية اعتداء الشحات على الشيبي    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    قصيدة: تكوين الخباثة    زنيبر: رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمته المملكة    الجيش الملكي ومولودية وجدة يواجهان الدشيرة وأولمبيك خريبكة للحاق بركب المتأهلين إلى المربع الذهبي    معرض هواوي العالمي "XMAGE" ينطلق لأول مرة بعنوان "عالم يبعث على البهجة"    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    رسالتي الأخيرة    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    المنتخب المغربي يستقبل زامبيا في 7 يونيو    هل يتجه المغرب إلى تصميم المدن الذكية ؟    الأمثال العامية بتطوان... (598)    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    الأمثال العامية بتطوان... (597)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لهذه الأسباب مازالت الجزائر «مسرحا للغموض»
الانتخابات الرئاسية دليل واضح على «طوق السرية» المضروب على الأوضاع في البلاد
نشر في المساء يوم 06 - 04 - 2014

منذ الإعلان عن ترشح بوتفليقة، أصبح كل من هب ودب يعرف مسبقا ما ستسفر عنه نتائج هذه الانتخابات، دون أن يدرك بالمقابل ما يحاك في كواليس النظام. فالصمت المضروب بإحكام، إضافة إلى ملل المعارضة، أصبحا يرخيان على البلاد بظلال دامسة ويشيعان فيها جوا ثقيلا من الاستسلام.
ذات يوم، سأل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أحد الوزراء الجزائريين قائلا: لماذا أنتم غامضون هكذا؟ فأجاب الوزير مبتسما: «لأن هذا بالضبط هو مصدر قوتنا»... هذه الجملة بالتحديد، هي خير من يلخص الحالة الراهنة التي توجد عليها الجزائر، وذلك نظرا إلى طبيعة نظامها الذي يتخذ من سلاح الغموض مذهبا وديدنا منذ فجر الاستقلال إلى الآن.
فهناك اليوم رئيس دولة في السابعة والسبعين من عمره، خائر القوى بسبب نوبة حادة ألمت به نهاية أبريل 2013، يترشح رغم تداعي طاقاته الجسمانية لولاية رابعة، وهنالك معارضة مقسمة بين المقاطعة وبين المواجهة، وثمة كذلك جيش كان بالأمس في منتهى القوة، ويبدو اليوم مقسما بين قيادة عليا تصطف وراء الرئيس، وفريق آخر يعارضه، وهناك جهاز مصلحة الاستخبارات والأمن الأسطوري، الذي يعطي الانطباع على معارضة عودة الرئيس لقصر المرادية، وهناك وهناك...
أشياء كثيرة تحجب الرؤية بكيفية شبه مطلقة، وتساهم باستمرار في تغذية الإشاعات والإشاعات المضادة. إذ هنالك عتمة مطبقة، وثقافة متأصلة لحفظ السر، يتشبث بهما المسؤولون تشبث الرضيع بثدي أمه، ويحافظون عليهما حفاظهم على الحياة.
لا أحد يطالبه بجري مسافة المارطون
من أصل مائة شخص صرحوا بترشحهم لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، اثنا عشر منهم فقط، هم من سلموا ملفاتهم إلى المجلس الاستشاري. من بين هؤلاء، يوجد بوتفليقة في خط الانطلاق كعادته، مشمرا على ساعد الجد، رغم صحته المتردية وغياباته المتكررة التي أقنعت الجزائريين في لحظة ما بأن الشيخ المتهالك قد شبع من أوجاع السياسة وأنه سيخلد للراحة أخيرا.
لكن هيهات هيهات، إذ سرعان ما أعلن الوزير الأول عبد المالك سلال يوم 22 فبراير عن عودة رئيسه إلى الحلبة، ما أثار جدلا كبيرا في الأوساط السياسية وغذى الشك في مصداقية هذا الإعلان. غير أنه في 3 مارس، أصبح الخبر رسميا لما تحامل الرجل على نفسه وقصد شخصيا رئيس المجلس الاستشاري، مراد مدلسي، أحد أوفى أوفيائه الذي كان وزيرا سابقا له في الاقتصاد ثم في الخارجية، لكي يقدم ترشحه رسميا ويمضي عليه أمام أضواء كاميرات التلفزة الجزائرية.
لقد كان ذلك أول ظهور عمومي له بالمباشر وبالصوت والصورة منذ نهاية نقاهته الباريسية، حيث تلفظ بشبه كلمات نصف مسموعة ويداه ترتجفان من الوهن. فهل طمأن ظهوره ذاك جميع الجزائريين؟ كلا... ولو أن ظهوره ذاك سمح على الأقل بإبراز تحسن طفيف في حالته الصحية. فالرجل ليس مشلولا ولا أبكم كما أشيع عنه، ولكنه حتما ليس هو نفس الرجل الذي كان.
الجزائر تدار كسوق صغير
معسكر الخصم لا يشاطر هذا الرأي بطبيعة الحال. «الأمور لم تحسم بعد»، يقول لطفي بومغار، مدير التواصل لعلي بنفليس، رئيس الحكومة السابق ومنافس بوتفليقة الأول: «هذه أول مرة لا يكون فيها ترشح بوتفليقة ثمرة لتوافقات عريضة كما في السابق. فمعسكره يشبه قلعة محاصرة يتناقص المدافعون عنها يوما بعد آخر». وهذا ما يؤكده رئيسه الذي يترشح للمرة الثانية حيث صرح قائلا: «لماذا علي أن أصمت؟ هل لكي أترك طريقا معبدا أمام السلطة الحالية؟ أنا لست ساذجا ما دمت أدرك بأني سأواجه إمكانات ضخمة، إمكانات دولة برمتها. غير أنه ليس من طباعي أن أبلع لساني وأن أتخلى عن مبادئي».
نفس هذه الفكرة يشاطرها كمال بن كوسة، المرشح العابر الذي تخلى عن السباق لكنه يسعى في المقابل إلى أن يضغط بكل قوته بعد أن يؤسس حزبه: «نحن لسنا سذجا، إذ نعرف أن النظام لن يرحل، لكننا نود أن يتطور ويكون في مستوى تطلعات الجزائريين. فالجزائر اليوم، تدار وكأنها سوق صغير. كل شيء فيه هزيل ويحلق في أدنى المستويات. والمشكل الجوهري فيه ليس هو عدم توفر الإرادة وإنما عدم توفر الكفاءات. فمهما انتحل مسؤولونا الأعذار، وقدموا لنا أرقاما على أرقام، فلن يسمع كلامهم أحد، وخصوصا الصحافيون، فإلى متى سنبقى تحت وطأة التخلف؟ تخلف في النمو، تخلف في الإدارة، تخلف في كل شيء...».
تجدر الإشارة هنا إلى أن بن كوسة هذا، يخاطر برمي نفسه في سلة عامرة بالعقارب، ألا وهي سلة السياسة الجزائرية.

إنها هنا ثورة حقيقية
يتخايل في الأفق تحديان رئيسيان. أولهما الانتقال من اقتصاد مركزي يرزأ تحت نير بيروقراطية ثقيلة تدينها حتى الدولة نفسها، إلى اقتصاد حقيقي للسوق. وثانيهما، وهو أكثر تعقيدا من سابقه، الخروج من الاتكال كليا على البترول إلى إعادة تصنيع البلاد مع تنمية الفلاحة والمصالح الأخرى. هذا دون الحديث طبعا عن عقلية الاستغناء اللامشروع والفساد المفرط الذي ينخر جسد الأمة.
يقول عمارة بن يونس في هذا الصدد: «لقد تبنينا مؤخرا معاهدة اقتصادية واجتماعية للتنمية على مدى خمس سنوات، وذلك بعد سلسلة من النقاشات المحتدمة بين الدولة والنقابات وأرباب العمل، وارتبطنا على إثر ذلك بمجموعة من الالتزامات ثم أنشأنا آلية للمتابعة. كما رسخنا مبدأ حرية المبادرة، ولم نعد نفرق بين المقاولات العمومية والمقاولات الخاصة التي كانت تمثل بالنسبة إلينا عدوا لدودا. إنها هنا ثورة بالحق والحقيق...»، وهذا ما يؤكده بالفعل رئيس مقاولة للصناعة الغذائية: «هذه المعاهدة ستذهب بعيدا، لأنها لا تتعلق بمجرد توصيات وإنما هي بالفعل التزامات صريحة وواضحة، ما يحتم علينا أن نكون حذرين في تطبيقها». أما «الثورة» الأخرى المنتظرة بعد الانتخابات، فهي إصلاح الدستور:
«المشروع جاهز»، يقول عضو بارز في الحكومة، «فالحالة الصحية للرئيس، ثم غيابه وفترة نقاهته، إضافة إلى الأزمة الحادة التي مرت منها جبهة التحرير الوطني، لم يسمحوا في السابق بانطلاق الانتخابات».
أما التغيير المهم المنتظر، فهو إحداث منصب لنائب الرئيس، يتمتع به صاحبه بصلاحيات حقيقية ويؤهله لخلافة الرئيس في حالة العجز أو الوفاة، بدل رئيس المستشارين.
وعوض تنظيم انتخابات سابقة لأوانها في غضون 60 يوما في حالة الوفاة أو الاستقالة، و150 يوما في حالة العجز، فإن نائب الرئيس هذا هو من سيكمل ولاية الرئيس. وهدف ذلك هو سحب البساط من تحت أقدام من يراهنون على عدم قدرة بوتفليقة على الصمود في منصبه خمس سنوات أخرى.
وإذا كان النقاش حول إنشاء هذا المنصب لم ينضج بعد، فإن المؤكد هو أن بوتفليقة هو من سيحسم الأمر في النهاية بتعيين الخلف «السعيد». غير أن على هذا الأخير أن يحظى بمباركة محمد مدين، أو «توفيق» سابقا، رئيس إدارة المخابرات والأمن، وذلك لأنه إذا كانت ولاية بوتفليقة الرابعة لها مظاهر المرور بالقوة، فإن هذا الأخير يدرك على كل حال بأنه لن يذهب بعيدا في مشواره، وهو إدراك يشاركه فيه محمد مدين بدون أدنى شك.
وهكذا يتجلى مرة أخرى أن الأمور في الجزائر، ليست فقط مسألة مواجهات ولي الذراع بين جهة وأخرى، وإنما تتعداها إلى ضرورة البحث عن توازنات والسقوط في توافقات وسط نظام يبقى هاجسه الجوهري هو ترسيخ الاستقرار.
ومهما يكن، فإن هنالك اسمان يتكرران دائما كلما أثير موضوع تعيين نائب الرئيس. أحدهما هو أحمد أويحيى، الوزير الأول السابق، وعبد المالك سلال. فإذ كان الأول ذا كفاءة كبيرة لا يجادل فيها حتى رئيس الدولة نفسه، فإن علاقته ببوتفليقة تتسم مقابل ذلك بالتوتر والتشنج، مما سيفوت عليه ربما فرصة التعيين في هذا المنصب. أما الثاني الذي تعتقد باريس أنه هو من سيعين، فإنه لم يخف أبدا قلة اهتمامه بالسلطة وإعراضه الظاهر عن إكراهاتها.
حركة «باركة» تنزل إلى الشارع
سخرية، تعاليق لاذعة، ملصقات، صور وفيديوهات مشوهة، تلك هي أنشطة جمعية «باركة» التي تعني «كفى» بالعربية الفصحى.
لقد أنشئت هذه الجمعية بادئ الأمر على المواقع الاجتماعية، وبالخصوص في موقع فايسبوك على شاكلة سابقتها «كفاية» في مصر، تلك التي طالبت برحيل الرئيس حسني مبارك. ويقوم بتنشيطها صحافيون وأطباء ومناضلون في المجتمع المدني. وتمثل طبيبة التوليد أميرة بوراوي، وجها من وجوهها البارزة: «إنها حركة مواطنة تعارض ولاية رابعة لبوتفليقة وتطالب بإجراء انتخابات حرة ونزيهة لأجل العبور إلى تغيير سلمي في الجزائر».
وبعد أسبوع من إعلان الوزير الأول عبد المالك سلال عن ترشح بوتفليقة، نظم العشرات من الأشخاص مظاهرة سلمية أمام الكلية المركزية لجامعة الجزائر، فردت عليها السلطات العمومية بفتل مثير للعضلات، حيث قامت بتشتيت المتظاهرين بموجب قانون أصدر سنة 2001 يمنع المسيرات في العاصمة، وذلك رغم رفع حالة الطوارئ التي أعلن عنها في سنة 2011 ، ثم أقدمت على تنفيذ اعتقالات متفرقة واحتجازات مطولة في مخافر متعددة.
علي بن فليس.. المرشح الحقيقي
يهتف أنصاره عاليا: «لا مجال لأن يكون مرشحنا أرنب سباق للرئيس المغادر»، فالوزير الأول السابق يؤمن بحظوظه كلها ويحرص على ألا يحرمه التزوير من فوز محتمل... ولكل من ينصحه بالانسحاب من الانتخابات احتجاجا على تزويرها المحتمل، ولكل من يعاتبه أن يكون مرة أخرى مجرد أرنب سباق لبوتفليقة، ولكل من يعتقد أن الأمور قد حسمت مسبقا، يجيب علي بن فليس بأنه سيربط الفعل بالقول وأنه ماض إلى النهاية. فقد سلم الوزير الأول السابق ملف ترشحه إلى المجلس الاستشاري يوم 4 مارس، ثم استشهد الصحفيين بلهجة مهددة وصرح بصوته المرتعش أمام رئيس المجلس الاستشاري الذي أخذ على حين غرة: «أنا لن أصمت أبدا، وأحذر كل من في نيته أن يقوم بسرقة أصوات الشعب...».
إذن، لا مجال هنا لمجرد رغبة في ممارسة حق الترشح من أجل الترشح، فبعد أن كان منافسا لبوتفليقة سنة 2004، ها هو ذا الرجل يعيد الكرة مؤمنا بحظوظه بعد الفشل الذي أبعده عشر سنوات عن الساحة السياسية.
»إنه ليس متخاذلا ولا متراجعا» يقول لطفي بومغار، مناصره الوفي المكلف بالتواصل في حملته الانتخابية. «علي بن فليس لا يقبل سياسة الأمر الواقع ويريد إقناع الناس بإمكانية إقامة مشروع بديل للجزائر»، فهل سيغير الرجل من استراتيجيته ويشرع في توجيه سهام انتقاداته إلى بوتفليقة بعدما أعلن هذا الأخير عن ترشحه رسميا رغم مرضه وتقدم سنه؟
الولاء
يقدم بنفليس كمعارض وحيد لرئيس الدولة، ذلك أن هذا الرجل الذي كان كاتبا عاما لجبهة التحرير الوطني، يعتمد على شبكة من المعارف الهامة نسجها على امتداد التراب الوطني، وهو يعول عليها بنفس القوة التي يعول بها على دعم عشرة من الأحزاب التي تواليه: «نحن ننتظر أن تلتحق بصفوفنا شخصيات وازنة ووجوه بارزة من الذين خيبت ظنهم ولايات بوتفليقة الثلاث»، يقول أحد المقربين من المرشح.
»إن معسكر الرئيس لم يربح المعركة بعد، لذلك ينبغي على الجزائريين أن يتعبؤوا لأجل إسماع صوتهم كما فعلوا غداة انتخاب لمين زروال سنة 1995». فما هي الاحتياطات التي سيتخذها بن فليس لمواجهة تزوير محتمل؟ ففي فيلتين متواجدتين على مرتفعات الجزائر العاصمة، يستعملهما كقيادة عامة لحملته الانتخابية، وضعت فرقه آليات لجمع مختلف المعطيات حول التصويت.
يقول في هذا لطفي بومغار: «تفاصيل هذه الآليات سرية، وسوف لن نعلن عنها الآن، ولكننا نتوفر على جميع الإمكانيات اللازمة للبرهنة على التزوير إن حصل».
وتبقى الآن معرفة مصير الرجل ليلة 17 أبريل، هل سيتقاعد في حالة الفشل أم سيعتمد على الحملة الراهنة لكي يتموقع كمعارض دائم وطبيعي لنظام بوتفليقة؟ يؤكد أحد مستشاريه في هذا الخصوص:»هذه التساؤلات ليست في جدول الأعمال، لأن الرجل مقتنع بأن التغيير ممكن إذا ما ذهب الناخبون بكثافة إلى صناديق الاقتراع. وهو من جهة أخرى، لا يجهل شيئا عن الرهن الجاثم على عملية التصويت ولا عن الظروف التي ستمر فيها هذه العملية، ولكنه يؤمن بالمقابل بقدرة الجزائريين على أخذ مصيرهم بيدهم».
إبطال نفوذ الجيش
هل لا زالت للبكماء الكبيرة كلمة تقال في الحياة السياسية وفي عملية انتخاب الرئيس؟ لقد فعل رئيس الدولة كل شيء للتقليل من نفوذها.
منذ فجر الاستقلال ومؤسسة الجيش تلقي بكل قوتها في عملية تعيين رئيس الدولة. فهي من اختارت أحمد بن بلة سنة 1962، قبل أن تنقلب عليه ثلاث سنوات بعد ذلك لصالح العقيد هواري بومدين. وهي كذلك من حسمت مسألة خلافة هذا الأخير سنة 1979 لما عارضت «تتويج» عبد العزيز بوتفليقة لتضع على رأس الدولة ضابطها الأكثر أقدمية في أعلى رتبة في الجيش، والذي لم يكن ساعتها سوى العقيد الشاذلي بن جديد.
وبعدما أعلنت على رؤوس الأشهاد بأنها ستنسحب من الحياة السياسية، عادت وبرزت من جديد في يناير 1992 لما دفعت بن جديد إلى الاستقالة وأوقفت مسلسل الانتخابات، في الوقت الذي ظهر فيه جليا أن جبهة الإنقاذ هي من ستفوز حتما بالانتخابات. فسارعت بحل هذه الأخيرة، وسلمت مقاليد الدولة لمحمد بوضياف، أحد صانعي حرب التحرير. سنتان بعد ذلك، فرضت الجنرال ليمين زروال كرئيس للدولة قبل أن تقوم بانتخابه في نونبر 1995 . وأخيرا في سنة 1999، هي من اختارت بوتفليقة بعد أن كانت قد نحته عن كرسي الرئاسة عشرين سنة قبل ذلك الأوان. غير أنه من سوء حظها، لما استتب الأمر لهذا الأخير، بذل كل ما في طاقته لتقزيم دورها في المجال السياسي، إلى درجة أن الجنرال محمد العماري، رئيس الأركان العامة (المتوفى سنة 2012 ) عارض مع فريق من الضباط السامين إعادة ترشيح بوتفليقة سنة 2004. وقد كان ذلك حدثا غريبا أضر كثيرا بالجنرال وبمن معه. وهكذا، وبعد إعادة انتخاب «بوتف» (كما يسميه البعض) فقد الجيش لأول مرة في تاريخه دوره كحكم في الانتخابات الرئاسية.
فماذا حصل بعد ذلك؟
الدواليب
لا النفوذ المتعاظم للرئيس، ولا مهارته السياسية الكبيرة، استطاعا أن يجردا الجيش نهائيا من هامش مناوراته، أي ما خول له أن يتحكم به في مصير الجزائر منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمن. وهذا ما يجعل بوتفليقة، رغم كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع في نفس الآن، يحذر دائما من أصحاب القبعات المزركشة. وقد تضاعف حذره بعد الجلطة الدماغية التي ألمت به يوم 27 أبريل سنة 2013 ، بعدما خشي على الخصوص من «انقلاب عسكري ملفوف تحت غطاء طبي»، وتأكد بأن فريقا من القيادة العامة قد يطيح به لو طبق الفصل 88 من الدستور الذي يحدد حالات العجز لدى رئيس الدولة ومن بينها حالة المرض.
وهكذا، ومنذ بداية نقاهته بمركز الاستراحة ب»لزانفليد» بباريس، سارع المريض إلى القيام بمناوراته الأولى للحد من هذا التهديد. فبدأ بتهميش وزيره المفوض في الدفاع، الجنرال عبد المالك كنايزة بعدما آنس منه فتورا تجاه فكرة ولايته الرابعة. ولم يقف عند هذا الحد، بل أقدم على القيام بتغيير حكومي حيث عوض الجنرال كنايزة بالجنرال قايد صلاح، الذي يراكم الآن منصبي نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة.
وفي خضم هذه التدابير المتخذة، والتي لم يكن بعضها ضروريا بالأساس، عمد إلى إعادة هيكلة عميقة لمصلحة الاستخبارات والأمن. ثم حرك بعد ذلك لجنة الموارد البشرية في وزارة الدفاع لتسريع وتيرة الإحالة على التقاعد للعديد من الضباط السامين المشبوهين. وبالخصوص منهم من أظهروا معارضة لعودة الرئيس إلى قصر المرادية.
تحويل الانتباه
لإبقاء الضغط قويا على الجيش، أطلق بوتفليقة حملة إعلامية ضد مصلحة الاستخبارات والأمن بواسطة شخصيات بارزة وصحفيين معروفين بقربهم من دوائر النفوذ. وهكذا قام عمار السعداني، الكاتب العام لجبهة التحرير الوطني، بحملة تنديد واسعة ضد النفوذ المتعاظم للمصالح الاستخباراتية، فركز على إبراز سلبيات ذلك النفوذ وانعكاسه الخطير على الحياة السياسية والمؤسساتية الجزائرية. ولم يكن تحويل الانتباه إلى هذا المجال بريئا. وإنما كان فرصة هيئت للرئيس لإبراز أدائه ولفت النظر إلى مدى قدرته على مزاولة الحكم بكيفية عادية. وبهذا أصبح تطبيق الفصل 88 من الدستور في خبر كان. وبعد مرور أسبوعين على هذه الحملة الممنهجة، خرج الرئيس من صمته ليدافع عن شرف الجيش وشرف المصالح الاستخباراتية، فوضع بذلك جميع الثكنات والنوادي العسكرية والأمنية في جيبه، فكانت النتيجة أن بلع كل واحد لسانه وأحجم عن مناقشة الولاية الرابعة. وهذا ما حذا بجنرال متقاعد أن يصف الوضعية الراهنة للجيش قائلا بغير قليل من التعجب: «لم يعد الجيش كما كان في السابق، وهذا في حد ذاته نبأ ليس سيئا بالمرة...».
* عن مجلة «جون أفريك»
سيفوز بوتفليقة ولو بدون اللجوء إلى الغش
ستبتدئ الحملة الانتخابية يوم 23 مارس، وسيشرع البعض في تقديم برامجه، بينما سيندفع البعض الآخر في الدفاع عن حصيلته، وهذا ما سيعطي للصحافة الحرة مادة دسمة، غير أن النقاشات لن تحلق عاليا، كما أن المشاركة يوم التصويت لن تحطم أرقاما قياسية. فهل هنالك تخوفات من انزلاقات محتملة أو اشتعال للشارع؟
الجواب هو نعم، خصوصا إذا ما اقترفت الشرطة خطأ أو كثيرا من الأخطاء، وهو احتمال غير وارد رغم الحذر الذي لا زالت تتمسك به منذ اندلاع الربيع العربي. «الأمور ليست كما كانت في سنة 2004»، يوضح عضو من فريق حملة بنفليس.
«لم تعد للشباب طاقة ولا رغبة بعدما شاهدوا ما طرأ في دول الجوار. فكل ما يطمحون إليه هو إشراكهم في تدبير مستقبل البلاد، فهم قد ملوا حتى من والديهم فناهيك عن مسؤوليهم، لذلك ففكرة رشهم بالدينارات لإسكاتهم لن تكون كافية... «. رؤية يدحضها عضو سابق في الحكومة كان مقربا في السابق من بوتفليقة وأصبح اليوم من معارضي الولاية الرابعة: «الجزائريون مستعدون لتقبل كثير من الأشياء بما في ذلك تلك الصورة البغيضة التي نصدرها عنا إلى الخارج، وشرطهم الوحيد، هو أن يعم السلم في البلاد. ولا تخطئوا في التقدير، فإن بوتفليقة لا زال يتمتع بشعبية كبيرة سيما في الجزائر العميقة، لأجل هذا فهو سيفوز في الانتخابات ولو بدون اللجوء إلى الغش. والخوف الذي يراود الناس هو أن يصبح وهو في مرضه دمية في يد رجل ظل يحركه كيف يشاء. وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد في الجهة المعارضة شخصية فيها من الكارزما ما تثير فيهم شهية الحلم أو تغريهم بزعزعة النظام».
وبينما الجزائر توجد اليوم في مفترق الطرق، فإن جوا غريبا من الاستسلام يخيم على شعبها الذي كان معروفا فيما مضى بالتمرد والغضب، وسبب ذلك هو أن المسؤولين نجحوا في تقديم فكرة التغيير إليهم كمرادف للمغامرة، وانخراط في بلبلة وعدم استقرار كذينك اللذين ولدتهما السنوات العشر السوداء. «يقضي الجزائريون نصف حياتهم في التردد والنصف الآخر في التحسر»، يلخص بمرارة، لطفي بومغار، الناطق الرسمي لعلي بنفليس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.