لم يصنع الاتحاد الاشتراكي، منذ انتخب ادريس لشكر كاتبا أول خلفا لعبد الواحد الراضي، الحدث الذي كانت تفرضه عودته لمقاعد المعارضة بعد سنوات من تدبير الشأن العام. وباستثناء هذه المناوشات التي عرفها الفريق الاتحادي بمجلس النواب، والتي يراهن من خلالها الكاتب الأول على تفعيل ما يسميه بالقانون الأساسي لحزب المهدي وعمر، فقد ظل عاديا حتى وهو يضع اليد في يد حميد شباط ليشكل مع حزب الاستقلال خصما موحدا ضد حكومة بنكيران. وحده خروج لشكر الأخير بمناسبة المؤتمر الوطني للمرأة الاتحادية، والذي تحدث فيه عن تعدد الزوجات، وعن إمكانية مراجعة أحكام الإرث في مدونة الأسرة، هو الذي منح الكاتب الأول للاتحاد بعض الحضور في مواجهة خصومه، قبل أن يفجر اليوم قنبلة الفريق النيابي من جديد، ويقرر إبعاد «خصومه» وتجميد عضويتهم. حينما نقرأ اليوم سيرة الرجل على امتداد هذه الأشهر التي قضاها على نفس الكرسي الذي جلس عليه اليوسفي، وقبله عبد الرحيم بوعبيد، سنجد أنه لم يقو على ترميم البيت الاتحادي، وجمع الشتات كما يجب. وبدا أن الخلاف أعمق مما تصوره جل المتتبعين الذين اعتقدوا أن الغاضبين من انتخاب لشكر « زعيما جديدا»، قد يغفروا له بعد سلسلة اللقاءات السرية والعلنية التي باشرها مع تيار أحمد الزايدي. وكانت الحقائق التي نشرتها وسائل الإعلام حول تدخل بعض الأيادي من خارج الاتحاد لتحويل نتائج التصويت لصالح ادريس لشكر كاتبا أول، قد زادت طينة الحزب بلة. العارفون ببيت حزب القوات الشعبية يجزمون أن ما يعيشه الحزب اليوم هو النتيجة الطبيعية لسنوات ظل فيها يداوي بعض الجراح، دون أن يتمكن من معالجتها بشكل نهائي. لذلك سيكشف تقرير تنظيمي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حينما كان الاتحاديون في طريقهم لمؤتمر وطني جديد، كيف «أن الحزب يسير نحو انتحار جماعي. خصوصا وأن الأداة الحزبية فقدت التأطير والتعبير عن حاجيات المواطنين». ثمة الكثير من مظاهر الجمود، كما قال التقرير، التي أصابت أغلب الأجهزة الحزبية في الفروع، والأقاليم، والجهات، نتيجة عدم احترام دورية التجديد، وعدم الانسجام، مما أدى إلى تفككها. بالإضافة إلى عدم قدرتها على القيام بالمهام الموكولة إليها، وتعطيل دور الأجهزة التقريرية التي لم تعد تجتمع إلا بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية، مع مراكمة المهام الحزبية والتمثيلية ولمدد طويلة، مما يحول دون تجديد النخب الحزبية، ويؤدي إلى انغلاق التنظيم في وجه الطاقات والكفاءات الجديدة. مع شيوع مظاهر التسيب وعدم الانضباط للقرارات الحزبية، وطغيان الحلقية والولاءات خارج الضوابط الحزبية. وإجمالا، فقد فقدت الأداة الحزبية قدرتها على التأطير والتعبير عن حاجيات المواطنين، وتحولت المسؤوليات الحزبية إلى مجرد ألقاب ونياشين يتم استعمالها لحجز المواقع بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية، هذه الاستحقاقات التي لم تعد تشكل مناسبة للتعبئة والكفاح لنصرة الحزب وخدمة المصلحة العامة، بل مناسبة تستعر خلالها الحروب الداخلية حتى أصبح بعض الاتحاديين هم من يتقدمون الحملات المضادة ضد مرشحي الحزب. ولذلك تغذت هذه الاختلالات من الخلافات التي تنخر قيادة الحزب وتجعلها في حالة عجز عن التدخل لفرض الانضباط، بل وأحيانا تؤدي الحمايات في قيادة الحزب إلى استفحال هذه الاختلالات. ولعل أبلغ وأقسى توصيف للحالة الداخلية، كما يقول التقرير الذي أراده الحزب أن يكون خارطة طريق المؤتمر الوطني التاسع، هي تلك التي توجد عليها تنظيمات الاتحاد الاشتراكي. وهو ما يجعل الاتحاد يعيش حالة انتحار جماعية. في الوقت الذي شكلت فيه الصراعات الداخلية، التي طبعت الحياة الحزبية للاتحاد الاشتراكي منذ التأسيس، مصدر قوة وحيوية التنظيم الحزبي، كما أكد ذلك الشهيد عمر بنجلون في تقديمه للتقرير الإيديولوجي أمام المؤتمر الاستثنائي سنة 1975، وهي صراعات كانت تتأسس على الاختلاف في كيفية مواجهة القمع والاستبداد. إنه جزء من تقرير ينطبق عليه القول المأثور «وشهد شاهد من أهلها». تقرير يشرح لنا كيف وصل الاتحاد اليوم مع كاتبه الأول إلى ما وصل إليه من حروب ومعارك هامشية قد تؤدي به، لا قدر الله، إلى هذا الانتحار الجماعي الذي بشر به التقرير. وهو وضع لا أحد يتمنى أن يصله حزب المهدي وعمر ليس لتاريخه فقط، ولكن من أجل المستقبل السياسي للبلد الذي بدون اتحاد قوي، سيكون بلا طعم ولا رائحة. بقي فقط أن نعتذر عن هذه العودة ثانية للنبش في سيرة حزب المهدي وعمر. فالمناسبة شرط، كما تقول القاعدة الشرعية.