يحكي مصطفى الشاهدي الوزاني، المعتقل السياسي السابق، عن بداية مشوار حياته كمقاوم، وكيف تحول من عميد شرطة مكلف بالمواصلات اللاسكلية إلى مدرس للغة العربية لدى البعثة الفرنسية. يعتبر الوزاني الجنرال أوفقير عدوه اللدود وسبب كل محنه التي عاشها بعد اختطافه واحتجازه بدار المقري إلى جانب الصحافي المصري السابق سعد زغلول وزوجة شيخ العرب، ليفر إلى فرنسا ويحمل صفة لاجئ حيث عمل هناك كصحافي وخبير في شؤون الهجرة ومستشار إعلامي بدواوين وزراء فرنسيين. يحكي المعتقل السياسي السابق عن الطريقة التي حصل بها على جواز سفر مزور من أجل الفرار من المغرب في اتجاه إسبانيا، حيث التحق بالمعارضين بفرنسا بمساعدة الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي. في هذا الحوار المطول يروي مصطفى الشاهدي الوزاني قصة اتهامه بالضلوع في ملف الطائرة المصرية المشاركة في حرب الرمال، التي سقطت في قبضة الجيش المغربي وتم اعتقال الضباط السامين الذين كانوا على متنها ومنهم الرئيس المصري السابق حسني مبارك. خلال إقامته بفرنسا التقى عددا من رؤساء الدول، منهم صدام حسين ومعمر القذافي، كما كان ضمن خلية التفكير الخاصة بالكتب التي ألفها صديقه مومن الديوري المعارض الشرس لنظام الحسن الثاني. كتب عن الوزاني المحامي الفرنسي الشهير موريس بوتان في كتابه الذي يحمل عنوان «الحسن الثاني، دي غول وبن بركة: ما أعرفه عنهم»، حيث ذكره كأحد المختطفين الذين أجرى محاولات بشأنهم من أجل إطلاق سراحهم عندما كانوا محتجزين بدار المقري. تحدثت في الحلقات السابقة عن أن قصر المعارض مومن الديوري كانت تقصده عدد من الشخصيات، منها الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بلة، هل من تفاصيل عن ذلك وما هي نوعية الاجتماعات التي كانت تنظم فيه؟ كان بن بلة يحضر عددا من الاجتماعات واللقاءات التي تهم قضايا المغرب العربي. وكان لي لقاء معه بلندن عندما غادر السجن، وذلك في رحلة مع عدد من المغاربة المعارضين منهم الشرايبي المعروف بمشاكسته، وبينما كنا في اجتماع قدم عندي شخص وهمس في أذني وقال إن الحاج يريد لقاءك، فسألته عمن يكون الحاج، فرد علي إنه الحاج أحمد بن بلة وإنه في مقهى فرافقته والتقيته. أخبرني بن بلة أنه سمع عني الكثير، فاقترح علي أن يقوم بتمويل مشروع إصدار مجلة أو جريدة يكون هدفها هو فضح ممثلي الدول العربية في الساحة الأوروبية الذين لهم مواقف معادية للقضايا العربية، وتهدف أيضا إلى تقوية الاتصال بشخصيات فرنسية، وحرر شيكا بقيمة 50 ألف فرنك فرنسي وقتها، غير أنني اعتذرت إليه وأخبرته أن وقتي لا يسمح بذلك وشكرته. كما حدث أن تلقيت اتصالا من المستشار الملكي رضى اكديرة، الذي طلب مني أن أعقد لقاء للمغاربة المهاجرين مع بن بلة في أي مكان يريده من أجل ممارسة بعض الضغوط على الحكومة الجزائرية، وقد قمت بعرض الفكرة على بن بلة وتابعت تفاصيلها مع أحد مقربيه وبالفعل تم اللقاء ببلجيكا، وبعدها اتصل بي اكديرة، وشكرني وقال إن مكتبه مفتوح إذا ما رغبت في الحصول على أي شيء أو أي امتياز لكني لم أفعل ذلك. وهل كانت لك أي علاقة بهواري بومدين؟ لقد التقيت هواري بومدين خلال صيف 1963 لما التقيت حسني مبارك في قضية اختطاف نذير بوزار، كما التقيته، أيضا، بعد سفر صادفتني خلاله مشاكل وكنت متوجها إلى باريس انطلاقا من الجزائر. ما هي طبيعة المشاكل التي صادفتك وأنت في طريقك نحو باريس؟ كنت متوجها من الجزائر العاصمة نحو باريس، وكان يجب علي أن أغير الطائرة في مارسيليا، وتفطن رجال الأمن إلى احتمال أن يكون جواز سفري مزورا، فأعطوا تعليماتهم إلى أن أظل في المطار وبقيت أنتظر حتى حل المساء بمقر شرطة المداومة، ومن أجل تجنب الملل تجاذبت أطراف الحديث مع رجال الأمن، وقدمت لأحدهم بعض الأشعار التي كنت قد كتبتها حول المقاومة الفرنسية، وكانت منشورة في جريدة «فرنس دابور»، وكلها تمجيد للمقاومة، فصار رجال أمن المداومة لطيفين معي، فسألتهم عن أسباب حجزي فأجاب رئيسهم أن الحجز شفوي وليس لديه أمر مكتوب يوضح أسباب الاحتجاز، فأخبرني أنه ما دام ليس له أمرا مكتوبا بإمكاني المغادرة قبل الثامنة صباحا، فاستفسرنا بعدها عن الطائرات التي وجهتها الجزائر ومن حسني حظي أني وجدت واحدة واتصلت بمكتب هواري بومدين وأخبرتهم بما حدث لي. ولماذا عدت للجزائر ولم تكمل الرحلة نحو باريس؟ فضلت العودة إلى الجزائر من أجل أن أستقل طائرة تكون لها وجهة مباشرة نحو باريس تفاديا لحدوث أي مشكل. هل كان جواز سفرك مزورا؟ نعم، كان لدي جواز سفر مزور، لأني كنت أتحرك بجوازي سفر، واحد خاص برحلات الجزائر وآخر بباقي الوجهات، لأنه لا يمكن في تلك المرحلة أن تعرف السلطات المغربية أني سافرت إلى الجزائر، لذلك كان لدي جوازان واحد أستعمله للرحلات التي تكون من المغرب وآخر خاص برحلات الجزائر. لما عدت إلى الجزائر إثر المشكلة التي حصلت لك بمرسيليا هل بقيت هناك؟ أولا، لا بد من الإشارة إلى أن الطائرة التي كنت بها كانت موجهة نحو مدينة قسطنطينة ولم تكن متوجهة نحو الجزائر العاصمة، لذلك أعطى بومدين أوامره لرئيس شرطة قسطنطينة فاستقبلني بحفاوة كبيرة وأخذني لزيارة مآثر تاريخية إلى أن حل المساء، عندئذ رافقني إلى الجزائر العاصمة حيث التقيت بومدين من جديد فضحك وقال «عدت». ما هي المواضيع التي كنت تتنقل من أجلها للجزائر؟ كما سبق أن قلت، هي تتعلق باختطاف نذير بوزار إلى جانب بعض الاستشارات وما يتعلق بجيش التحرير. كم مكثت بالجزائر بعد عودتك إليها؟ تقريبا يومين، وتوجهت بعدها مباشرة من الجزائر العاصمة نحو باريس تفاديا لأي متاعب قد تنجم عن جواز السفر المزور. من خلال ما ذكرت يبدو أن علاقتك بالجزائريين كانت جيدة؟ إلى حد ما، ومنها أنه عندما كنت أعمل بمكتب الجامعة العربية بباريس طلب مني المندوب الجزائري بالجامعة أن أقبل الإشراف على إدارة شؤون تعليم اللغة العربية لأبناء الجالية الجزائريين وكنت وقتها ما زلت أحمل صفة لاجئ، فقبلت بذلك وصار لي مكتب بالودادية الجزائرية ووضعوا تحت تصرفي ميزانية محترمة إلى جانب سيارة جديدة. كما قمت بالعملية نفسها تجاه أبناء الجالية المغربية دون اتفاق مع الحكومة المغربية واستطعت أن أفتح 100 قسم لتعليم أبناء المغاربيين المهاجرين.