يوسف الحلوي تعرضت القارة الإفريقية لغزو غربي كاسح في القرن التاسع عشر، اتفقت خلاله القوى الغربية الاستعمارية على تقسيم إفريقيا الغنية بالثروات والموارد الطبيعية، فاتجهت إيطاليا نحو ليبيا واستحوذت إنجلترا على مصر واحتلت فرنسا المغرب والجزائر وتونس، ولم تكتف بذلك، إذ فكرت في اجتياح منطقة النيجر الكبرى وهي المنطقة التي وصلها الإسلام عن طريق فتوحات «أبي بكر بن عمر اللمتوني»، فاعتنقت الكثير من قبائلها دين الإسلام واستمرت بعضها في عبادة الأوثان إلى حدود الفترة التي ستواجه فيها المنطقة الغزو الفرنسي. وُووجه الغزو الفرنسي بمقاومة عنيفة قادها الإمام «ساموري توري» وهو مسلم من مواليد 1835م بسانكورو بغينيا كوناكري، استطاع أن يوحد الكثير من القبائل المسلمة وأن يواجه المخططات الاستعمارية وأن يجهضها على مدار عقدين من الزمن. خاض ساموري توري منذ صغره تجارب صقلت مواهبه القيادية، فقد دفعه والده لأحد أصدقائه بساحل العاج ليعلمه تجارة السلاح، فخبر طرق العديد من البلدان الإفريقية واحتك بالكثير من القبائل واطلع على عاداتها، ونظرا لتعدد مواهبه وحنكته، ألحق ببلاط ملك بيساندوغو، فتعلم عنده طرق التواصل مع الزعماء وكيفية إدارة الحروب وشن الغارات، ولم يكن الملك على دينه، فقرر الانفصال عنه وتشكيل فرقة عسكرية مهمتها إقامة دولة إسلامية في المنطقة تنصف المسلمين المضطهدين وتعيد إليهم حقوقهم المغتصبة. مع حلول عام 1874 م، سيضع ساموري توري خططه موضع التنفيذ فسيطر على مدينة كانكان ذات الأغلبية المسلمة ثم وحد «فوتالجون»، وفي عام 1884م أعلن قيام دولته بعد سلسلة من المعارك الطاحنة مع القبائل المعادية له، وكان أول أمر سيفكر فيه هو تسليح الجيش وتنظيم الولايات والأقاليم التابعة لدولته، فقسم البلاد إلى مائة واثنتين وستين مقاطعة، يديرها وال من أقاربه بمعية رجل عسكري وآخر متخصص في علوم الدين، وحرص على تسليح رجاله بسلاح عصري عوض الأسلحة البدائية التي كان يستعملها الأفارقة في حروبهم في زمنه. والواقع أن ما قام به عُد دليلا على عبقريته في تلك الحقبة، إذ لم يكن من بين الزعماء الأفارقة من حذا حذوه، يقول الجنرال الإيطالي «أوريست باراتيرا»: «إن ساموري أظهر تفوقا على كل زعماء إفريقيا الغربية، حيث إنه الوحيد الذي تميز بصفات الزعامة، وحيث كان سياسيا محنكا وقائدا يمتلك القدرة على وضع الخطط الحربية التي يصعب توقعها» . وأما القائد الفرنسي «بيروز» فقد أطلق عليه اسم نابوليون السودان لشدة دهائه. أسس ساموري دولة قوية من الماندنجو واهتم كثيرا بإنشاء المدارس والمساجد لنشر تعاليم الدين إيمانا منه بأهمية الدين في معاركه ضد أعدائه وقد ذكر المؤرخون أنه كان يأخذ الأطفال وينشئهم تنشئة عسكرية ودينية مركزة، مما ساعد على اتساع قاعدة مؤيديه والموالين لدعوته، وعلى المستوى الاقتصادي أنشأ ساموري الكثير من الأسواق التي يختص كل واحد منها بتجارة معينة، فهناك سوق العاج وآخر للذهب وآخر للمواشي وغير ذلك، فازدهرت التجارة في دولته، مما مكنه من إنشاء مصانع لإنتاج السلاح وأخرى لقطع الغيار، وهو أمر غير مسبوق في منطقة النيجر. بعد مؤتمر برلين عام 1884م، الذي عمل على تنظيم الاحتلال الأوربي لإفريقيا، وضعت فرنسا مملكة ساموري نصب عينيها لوفرة ثرواتها وخيراتها فقاومها باستماتة وكبدها خسائر فادحة وتجلت عبقريته في تقسيم قواته إلى ثلاثة فرق، واحدة كلفها بمواجهة تقدم الفرنسيين وأخرى أسند إليها مهمة غزو الوثنيين الذين أعلنوا ولاءهم لفرنسا، وثالثة اهتمت بضبط الأمن في المناطق الخاضعة لسيطرته. أجبر ساموري القوات الفرنسية على الاعتراف بدولته كما دفعها إلى طلب الهدنة غير ما مرة، وكانت استراتيجيته تعتمد على استنزاف خصومه في معارك طويلة الأمد، وهو ما نجح فيه على مدى عشرين عاما، مما أجبر الفرنسيين على تغيير قادتهم وضباطهم المرة تلو الأخرى بسبب تسرب الملل إلى نفوسهم . فساموري يقاتل على أرضه ووسط أهله، وهو أقرب من عدوه إلى فهم طباع القبائل الإفريقية وطريقة تفكيرها، أما أعداؤه فهدفهم الربح والحصول على الثروة. كان ساموري قائدا مخلصا لأمته، وهو ما دلت عليه الكثير من الأحداث فلم يكن يضع لمصالحه الذاتية أي اعتبار في مفاوضاته. وقد بلغ به نكرانه للذات إلى حد قتل ابنه حين طلب منه الاستسلام للفرنسيين وابنه هذا كان قد ترعرع في معسكر الفرنسيين، بعد أسره وقد حرصوا على تربيته تربية خاصة، ثم حاولوا توظيفه للضغط على والده، فلما لم تنجح هذه الخطة استمالوا أحد الزعماء المسلمين واسمه «تيبا» وسلحوه وتحالفوا معه لإضعاف ساموري وقد آتت هذه الخطة أكلها، إذ تآكلت مقاومة ساموري بسبب تضعضع جبهته الداخلية. قبض على ساموري عام 1898 م ونفي إلى الغابون، فوافته المنية هناك عام 1900م وبنهاية مقاومته استطاعت فرنسا الدخول إلى منطقة غرب إفريقيا والسيطرة عليها بالكامل.