يرى الدكتور محمد الغالي، أستاذ علم السياسة بجامعة القاضي عياض مراكش، أن إسناد الإشراف على الانتخابات للحكومة فيه ربح معنوي مهم وفرصة ذهبية لإزالة الصورة النمطية العامة التي ألصقت بوزارة الداخلية كمهندس وموجه ومحدد لمختلف الخرائط الانتخابية. واعتبر أن الثقة بالمؤسسات الدستورية وفتح المجال أمامها لتمارس صلاحياتها والاعتراف بأدوار الآخرين ومشاطرتهم إياها هي صمام الأمان في تحقيق انتخابات حرة وشفافة ونزيهة. - ما هي الرسائل التي حملها إسناد الإشراف على الانتخابات إلى الحكومة؟ أشير في البداية إلى أن موضوع الانتخابات يدخل في إطار السياسات العمومية. وحسب الباب الخامس من الدستور، فالحكومة مسؤولة عن تنفيذ السياسة الحكومية في مختلف المجالات، التي تشكل العملية الانتخابية جزءا لا يتجزأ منها، والتوافق على إسناد الإشراف على الانتخابات إلى الحكومة يتماشى والدستور، منطوقا وروحا، مما يعني تجاوز سلوكات الالتفاف على الدستور، ويخلق ثقافة الالتزام بمبدأ سمو الدستور كضمانة أساسية لجعل مختلف الفاعلين يتصرفون في نطاق قواعد اللعب التي حددها الدستور ونظمها. كما أن إسناد الإشراف على الانتخابات إلى الحكومة يعطي إشارات واضحة في اتجاه احترام الأدوار التي حددها الدستور لكل فاعل، ويعزز المنحى الجديد للثقافة الدستورية التي تنبني على ربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة في تدبير قضايا الشأن العام.. - بعد الحسم في الجهة التي ستتولى الإشراف على الانتخابات، هل تعتقد بأن الحكومة قادرة على ربح هذا التحدي، خاصة إذا استحضرنا البنية العتيقة والمتشابكة التي تدبر بها العمليات الانتخابية بالمغرب، وكذا الحضور القوي لبصمات الداخلية. في اعتقادي إسناد الإشراف على الانتخابات للحكومة فيه ربح معنوي مهم، على اعتبار أنه يعطي إشارات الثقة إلى الحكومة. كما يعزز مركزها وموقعها كفاعل حقيقي في الهندسة الدستورية الجديدة، وليس فقط ككائن يلعب دورا احتياطيا في بعض الملفات. لكن من الناحية العملية يظهر بأن الحكومة الحالية من حيث طريقة إخراجها تفتقر إلى التجربة في مجال إدارة العمليات الانتخابية على اعتبار الدور الذي كانت تلعبه وزارة الداخلية بوصفها أم الوزارات. وفي اعتقادي، تشكل هذه اللحظة فرصة ذهبية لإزالة الصورة النمطية العامة التي ألصقت بوزارة الداخلية كمهندس وموجه ومحدد لمختلف الخرائط الانتخابية. وهذا بدوره يمكن أن يشكل تحولا مهما في المسار الديمقراطي للمملكة المغربية من خلال القطع مع المسلسلات الانتخابية الصورية، وتعزيز المشاركة الحقة وتنميتها، ووضع سبل جديدة للارتقاء بالانتخابات إلى حدث ومحطة أساسية في بناء مستقبل المواطنين والمواطنات. - ألا تعتقد أن إسناد الإشراف على الانتخابات إلى الحكومة قد يضع هذه الأخيرة في زاوية ضيقة أمام خصومها وأمام الرأي العام المحلي والخارجي في حال وقوع تجاوزات؟ المهم في اعتقادي أن نبدأ ونجرب هذه التجربة ونوفر لها فرص وشروط النجاح وبعدها يمكن أن يكون هناك تقييم يتم الوقوف من خلاله على نقط القوة ونقط الضعف، وبالتالي تجاوز الأحكام المسبقة أو الأحكام الجاهزة التي تكرس الاعتقاد بأن الحكومة غير قادرة على إدارة الانتخابات. فالحكامة الجيدة لا يمكن أن تتحقق إلا بالانخراط الفعلي والمشاركة والالتزام، وهذه فرصة يجب على الحكومة أن تعرف كيف تجعل منها منطلقا لنجاحها في تدبير مثل هذه الملفات. - في نظرك، هل كان من الضروري أن يخرج الصراع بين وزارة الداخلية والحكومة حول الجهة التي ستشرف على الانتخابات للعلن، أم أن الأمر كان مقصودا لقطع للطريق على محاولة إحداث هيئة وطنية مستقلة؟ الحديث عن صراع بين الحكومة والداخلية يعتبر طرحا غير صحيح على اعتبار أنه يعيد الأمور إلى مربع الصفر ويخلق مشكل التضامن والانسجام الحكومي، وهذا عكس ما ينص عليه الدستور، الذي ينص على أن الحكومة تعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين ومختلف السياسات. كما أن الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية، كل في القطاع المكلف به وفي إطار التضامن الحكومي. فكل وزارة لا يمكن أن تقوم بأي خطوة تتعلق بالتدبير الحكومي المشترك إلا في إطار المنظور الشامل للحكومة وتحت رقابة رئيس الحكومة الذي يلعب دور التنسيق والالتقائية. وفي اعتقادي، فإن الثقة بالمؤسسات وممارسة صلاحياتها هما اللتان تعطيانها القوة وتجعلانها في مستوى مسؤولياتها وليس دائما البحث عن الحلول التوافقية التي قد تقود إلى تبخيس المؤسسات واهتزاز ثقتها بنفسها، سواء من خلال هيئة أو لجنة عليا للانتخابات. - الحديث عن الإشراف وعن مسودة المشروع التنظيمي للجماعات كشف أن وزارة الداخلية لا زالت تتصرف في بعض الأحيان كمؤسسة «متمردة»، وخارج سيطرة رئيس الحكومة، وهو ما اتضح أيضا بعد تمسك حصاد بتحيين اللوائح، ضد إجماع الفرق النيابية على اعتماد لوائح جديدة. كيف تفسر هذه العلاقة الملتبسة؟ ليس من مصلحة الحفاظ على كينونة الدولة المغربية تكريس مثل هذه الاعتقادات، على اعتبار أن الدينامية التي يعيشها المغرب في مختلف المستويات تفرض الارتقاء إلى ممارسة سلوكات أكثر مسؤولية وأكثر تحقيقا للأمن القومي. أكيد أن وزارة الداخلية اكتسبت خبرة وتجربة مهمة في إدارة مجموعة من القضايا والملفات، ولكن تبني الدستور الحالي لمجموعة من المبادئ التي تروم تحقيق الشفافية والنزاهة يفرض تخلي الداخلية عن منطق الوزارة الأم والعمل تحت مظلة العمل الحكومي المشترك. - في نظرك، ما هي الآليات الكفيلة بإجراء انتخابات نزيهة تحت إشراف حكومي، في ظل الجدل القائم حول صعوبة اعتماد البطاقة الوطنية، وهو ما اعتبرته أطراف في المعارضة تخوفا غير مبرر؟ في اعتقادي، الثقة بالمؤسسات الدستورية وفتح المجال أمامها لتمارس صلاحياتها والاعتراف بأدوار الآخرين ومشاطرتهم إياها هي صمام الأمان في تحقيق انتخابات حرة وشفافة ونزيهة. فإشراف الحكومة على الانتخابات لا يعني أنها هي صاحبة القول والفصل لأن أحكام الدستور تنزع عنها صفة الخصم والحكم في نفس الوقت إذا ثبت في حقها ما يمس بشفافية العملية الانتخابية من خلال عدم القدرة على ضمان تكافؤ الفرص بين مختلف الفاعلين أو غيرها، فالدستور يوفر الوسائل الكفيلة للطعن في السلوكات غير القانونية أو غير المتماشية مع منطق الملاءمة لخيارات ومقاصد الدولة، التي يمكن أن توظف من طرف جهات حكومية للتأثير في حرية إرادة الاختيار، عبر اللجوء إلى القضاء المختص في ذلك.