الحكومة تبرر وقف الدعم الاجتماعي المباشر ب"الغش" في المعطيات    تقرير: استفادة 6987 نزيلا من برنامج التعليم والتربية غير النظامية    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    كأس الكونفدرالية: تحكيم سنغالي لإياب النهائي بين نهضة بركان والزمالك المصري        توقعات أحوال الطقس غدا الخميس    توقيف شخصين بحي العرفان في حالة تلبس بحيازة وترويج المؤثرات العقلية    بتتويج "دار النسا" و"صلاح وفاتي".. مهرجان الدراما التلفزية يعلن الفائزين بجوائز دورته ال13    أسترازينيكا تعلن سحب لقاحها لكوفيد من الأسواق    هل له آثار جانبية؟.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاحها المضاد ل"كورونا" من جميع أنحاء العالم    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    الجيش الملكي يواجه نهضة الزمامرة لتعبيد الطريق نحو ثنائية تاريخية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    مشروع قانون يتعلق بمناطق التسريع الصناعي يحظى بمصادقة مجلس المستشارين    جلالة الملك يستقبل مبعوث خادم الحرمين الشريفين حاملا رسالة لجلالته    لوحة الجمال والعار    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    بنموسى يشدد على التزام الحكومة بتحسين ظروف اشتغال الأسرة التعليمية    سلا تشهد ولادة عصبة جهوية للألعاب الإلكترونية    طيران كوت ديفوار يطلق خطا مباشرا بين الدار البيضاء وأبيدجان    واشنطن تعلّق إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل بسبب "مخاوف" بشأن رفح    2026 هو موعد تشغيل محطة تحلية المياه بالدارالبيضاء    تأهيل ملاعب فوق عقار تابع لصوناداك يثير الخلاف داخل مجلس جماعة البيضاء    ‮ ‬من أجل توفير الأدوية الخاصة بالأمراض النفسية والعقلية، اتفاقية‮ ‬شراكة بقيمة ‮ ‬69مليون درهما    قرار تحويل "درب عمر" يصطدم بتمرد أصحاب "الطرافيكات"    التعاون الوطني بتطوان يختتم فعالياته المخلدة للذكرى 67 لتأسيسه بحفل بهيج    تشكل موردا ماليا ل 13 مليون فرد وتشغل 40% من اليد العاملة.. الفلاحة في المغرب أمام تحديات كبيرة    النفط يتراجع مع زيادة المخزونات الأمريكية    ياسمين عبد العزيز تصدم الجميع بحديثها عن طليقها أحمد العوضي (فيديو)    مشاركة البطل الطنجاوي نزار بليل في بطولة العالم للقوة البدنية بهيوستن الأمريكية    الركراكي مدربا جديدا لسريع واد زم    منتخب الصغار يواجه كرواتيا وإنجلترا وأمريكا    التقنيون يواصلون احتجاجهم ويستنكرون تغييب ملفهم عن جولة أبريل من الحوار الاجتماعي    بعد ضجة آثاره المميتة.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    مجلس الوزراء السعودي يوافق على مذكرة تفاهم مع المغرب في مجال الثروة المعدنية    الصين: انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي في أبريل إلى 3,2 تريليون دولار    نادية فتاح تبحث مع المدير العام لمنظمة العمل الدولية تمويل الحماية الاجتماعية بالمغرب    "من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن"    بطولة انجلترا: رفض استئناف نوتنغهام بشأن عقوبة خصم 4 نقاط من رصيده    بطولة انجلترا: ثياغو سيلفا ينضم إلى نادي بداياته فلومينينسي في نهاية الموسم    حرب غزة: هل يمضي نتنياهو قدما في اجتياح رفح أم يلتزم بالهدنة المقترحة؟    المعتقل السياسي نبيل أحمجيق يتضامن من داخل زنزانته مع انتفاضة الطلاب العالمية لنصرة غزة    نور الدين مفتاح يكتب: ثورة الجامعات    مجلس جماعة فاس يقرر إقالة العمدة السابق حميد شباط من عضوية مجلسه    وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    سائقو سيارات نقل البضائع بامزورن يؤسسون مكتبهم النقابي    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    حملة بيطرية تختتم "مهرجان الحمار"    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عام الحلوف
نشر في المساء يوم 02 - 05 - 2009

كشف فيروس «أنفلونزا الخنازير» عن مفارقات غريبة في العالمين الإسلامي والمسيحي. فقد اندهش المسيحيون وهم يكتشفون أن المسلمين يربون الخنازير ويأكلونها مثلهم، مع أن القرآن يحرم عليهم أكل لحومها. في المغرب سارع المسؤولون إلى توضيح أن السياح والأجانب المقيمين في المغرب هم الذين يلتهمون «الحلوف». مع أن جولة قصيرة إلى أروقة المتاجر الممتازة تكفي لكي تتأكد من أن إخواننا المغاربة المسلمين هم الأكثر إقبالا على رفوف «لحم الحلوف». والشيء نفسه بالنسبة إلى أروقة الخمور، والتي يندر أحيانا أن تعثر داخلها على «نصراني» واحد. ولو عولت شركات إنتاج الخمور والأسواق الممتازة على النصارى لترويج خمورها لأفلست وأغلقت معاصرها إلى الأبد.
وقد تساءل أحد الساخرين عن إمكانية قيام عباس الفاسي بما قام به سلفه إدريس جطو عندما اندلعت قضية «أنفلونزا الطيور» وانهارت مبيعات الدجاج في المغرب، فظهر جطو في الجرائد والتلفزيون وهو يلتهم فخذ دجاجة بشهية مفتوحة عن آخرها لطمأنة المواطنين وتشجيعهم على إعادة الدجاج إلى طواجينهم وطناجرهم. وتساءل: هل سيقوم عباس الفاسي بطمأنة الجالية الأجنبية المقيمة بالمغرب والسياح الذين يتوافدون على بلادنا ومعهم «وكالين لحم الحلوف» المغاربة، وذلك بتذوق «كوطليطة» من لحم الحلوف أمام الكاميرات ووسائل الإعلام لكي يقتنعوا أن «حلوفنا» الوطني بخير وعلى خير ولا يشكو من أي مرض.
أما في مصر المحروسة (من طرف مخابرات الرئيس)، فقد قررت القيام بمذبحة جماعية في حق «حلاليفها»، مما أثار احتجاج الطائفة القبطية المسيحية التي تقتات على لحوم الخنازير، والتي اعتبرت قرار الحكومة المصرية اعتداء على أحد حقوقها الغذائية الرئيسية. ولم يثر قرار إعدام الخنازير في مصر قلق القبطيين وحدهم، بل أثار أيضا سخط «الزبالين». فقد وجدوا أنفسهم فجأة بدون عمل، بعد أن تم الإجهاز على الخنازير التي كانت تضمن لهم خبزهم اليومي. فالأزبال والفضلات التي كانوا يجمعونها من القمامة في شوارع مصر كانت هي الطعام المفضل الذي يشتريه منهم «المعلفون» لإطعام خنازيرهم.
أما الأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية فقد عبرت جميعها صراحة عن قلقهما البالغ بسبب المذبحة الحيوانية التي اقترفتها مصر في حق «حلاليفها» المسكينة. وكم اندهشت وأنا أسمع مقدم نشرة أخبار الثامنة في القناة الثانية (الفرنسية طبعا) يقول إن البلاغ الرسمي لهذه المنظمات يؤكد أن ما اقترفته مصر في حق «الحلوف» يعتبر تصرفا غير مجد وغير إنساني.
واسمحوا لي هنا أن أفتح قوسا لكي أقول إن عملية إعدام القطيع «الحلوفي» لأي دولة هو قرار سيادي ولا دخل لمنظمة الأغذية والزراعة أو الأمم المتحدة فيه. وإذا كانت مصر قد قررت ذبح خنازيرها عن بكرة أبيها فذلك شأن يخصها. وعندما أعدمت إنجلترا الآلاف من أبقارها بسبب مرض جنون البقر ورأينا جثث الأبقار تتفحم في محارق ضخمة لم نسمع أصوات كل هذه المنظمات تنتقد هذه الطريقة غير الإنسانية في الإجهاز على الأبقار البريطانية.
الولايات المتحدة الأمريكية قتلت حوالي مليون عراقي بسبب الحصار والاجتياح، ومع ذلك لم تتحرك كل هذه الآلة الأممية لانتقاد ما اقترفته من جرائم إبادة في حق شعب أعزل. واليوم يتحرك العالم بأسره بعد أن مات بضع عشرات بسبب الخنزير لكي يعلن حالة الطوارئ في الكرة الأرضية بأسرها. أما في غزة فقد قتل الجيش الإسرائيلي ألف مواطن أعزل بالقنابل الفسفورية، ومع ذلك لم نسمع الأمم المتحدة تدعو إلى معاقبة إسرائيل بسبب إبادتها للمدنيين بالأسلحة المحظورة عالميا. وهذه إحدى المفارقات العجيبة في التعامل الأممي مع الكوارث.
لكن ما قامت به مصر لا يعني أنها كانت على صواب. فالطريقة السليمة لمواجهة «أنفلونزا الخنازير» هي اقتناء اللقاحات المضادة الضرورية والأقنعة الواقية وتجهيز المستشفيات بالعتاد الطبي الضروري لمواجهة المرض. ولأن حكومة مصر لم تستطع أن تعرض أمام المصريين كل هذه الاحتياطات الطبية الأساسية لمجابهة المرض، فإنها فضلت الحل السهل و«بانت ليها فالحلوف» وقررت أن تقطع المشكل من أصله. ما قامت به مصر يذكرني بتلك النكتة التي تقول إن أعرابيا كلفه مرور القطار قرب قريته قطيعا كاملا من الأغنام، بحيث كان كل يوم يدهس شاة أو اثنتين إلى أن بقي الأعرابي بدون قطيع. وذات يوم ذهب عند ابنته في المدينة ووجد ابنها الصغير يلهو بقطار صغير وسط البيت، فسارع إلى نزع حذائه وبدأ يضربه محاولا تكسيره وهو يقول للطفل «قتل الزمر أولدي قبل ما يكبر ونعودو واحلين معاه».
ومن بين المفارقات العجيبة التي كشف عنها مرض «أنفلونزا الخنازير» أن «الحلوف» لديه مدافعون شرسون عن حقوقه ومصالحه. فقد تحركت منظمة الصحة العالمية لإزالة التهمة عن «الحلوف» وإلصاقها بالمكسيك. وذلك باقتراح تعويض اسم «أنفلونزا الخنزير» باسم آخر هو «أنفلونزا المكسيك». لكن المكسيك بدورها احتجت وعبرت للمنظمة عن كون هذا المرض «شرفا» لا تدعيه، ولذلك فيجب البحث عن مشجب آخر يعلق عليه العالم مرض خنازيره. وهكذا تم التوصل إلى صيغة وسطية تحترم سمعة الخنزير وسمعة المكسيك على حد سواء، واخترعت منظمة الصحة العالمية اسما جديدا للمرض هو «إيه.آتش1.آن1».
ويعتبر هذا التراجع العالمي عن تسمية المرض باسم الحيوان الذي يتسبب فيه، سبقا في تاريخ الأمراض الحيوانية الفتاكة التي حلت بالبشرية. فلم نسمع في السابق بأن مربي الأبقار والطيور وحكوماتهم احتجوا على تسمية «جنون البقر» و«أنفلونزا الطيور» بذريعة أن قرن أبقارهم وطيورهم سيتسبب في تدمير قطاع تربية هذه الحيوانات والطيور.
كل هذا يعني شيئا واحدا، وهو أن «الحلوف» حيوان مهم ولديه نفوذ سياسي واقتصادي كبير لم نكن لنكتشفه لولا هذه المحنة. فقد كنا نعتقد أنه في المحن يظهر الرجال على حقيقتهم، فإذا بنا نكتشف أنه في المحن يظهر «الحلوف» أيضا على حقيقته، خصوصا بعد أن أثبت العلم الحديث بالأدلة خطأ مقولة الشاعر الفرنسي «لويس أراغون» الذي كتب ذات قصيدة أن المرأة هي مستقبل الرجل، فالعلم اليوم يقول إن «الحلوف» مستقبله هو الرجل وليس المرأة. فالكثير من المستشفيات الأوربية والأمريكية أصبحت تستعمل أعضاء «الحلوف» لزراعتها في جسم الإنسان، وعلى رأسها الكبد والجلد والكليتان والقلب. وما يجهله الكثير منكم هو أن كبد وقلب وكليتي وجلد «الحلوف» تشبه قلب وكبد وكليتي وجلد الإنسان حد التطابق. وهناك الكثير من المرضى الذين يعيشون اليوم في العالم بقلب «حلوف» أو كبد «حلوفة». فبسبب ضعف الإقبال على التبرع بالأعضاء لم يبق أمام الأطباء من حل سوى اللجوء إلى أعضاء «الحلوف» التي لا يرفضها جسم الإنسان نظرا إلى التطابق الكبير بينها وبين أعضاء جسم الإنسان.
ولعل هذا ما دفع بعض العلماء المتعصبين لنظرية انحدار الإنسان من الحيوان إلى إلغاء العمل بنظرية داروين التي تقول بانحدار الإنسان من القرد وتعويضها بنظرية جديدة تقول بانحدار الإنسان من «الحلوف». وهنا أتذكر اليوم الذي كنا فيه داخل أحد أقسام التربية الإسلامية ندرس نظرية الفيض، فإذا بالأستاذ الذي كان ماركسيا انتهى به حظه العاثر بعد إلغاء عز الدين العراقي وزير التعليم الاستقلالي لمادة الفلسفة من برامج التعليم، إلى تدريس القرآن والأحاديث النبوية مكان نظرية الشك، يخرج عن الموضوع وينتهي محاضرا حول نظرية أصل الأنواع لداروين. وعندما سألنا عن أصلنا قلنا له جميعا إن أصلنا من آدم عليه السلام، فضحك إلى أن ظهرت أسنانه التي نخرها «الروج» و«فافوريط» وقال لنا مستهزئا إن أصلنا جميعا هو القرد. فوقف أحد التلاميذ المشهورين بصمتهم طوال السنة وقال بهدوء للأستاذ :
- «هضر على راسك أسي، إلى نتا باك فايت ليه كان قرد حنا راه عارفين شكون هوا بانا»...
للآسيويين تقليد عريق في تقويمهم السنوي، بحيث يسمون السنوات بأسماء الحيوانات. فهناك عام الفأر وعام القط وعام الأفعى إلى غير ذلك من الحيوانات والزواحف. وأستطيع أن أجزم بأن هذا العام المنحوس الذي نعيشه يستحق أن نسميه عام «الحلوف» بامتياز. فمع الأزمة الاقتصادية العالمية، التي لا علاقة لنا في المغرب بها طبعا، لم يكن ينقصنا سوى «مرض الحلوف»، الذي لا علاقة لنا به أيضا، حسب وزيرتنا في الصحة.
ومع كل هذه الأشياء التي تحدث في العالم والتي نسمع المسؤولين عندنا يسارعون إلى تأكيد أننا في المغرب لا شأن لها بها، أصبحنا نتساءل: هل فعلا يوجد المغرب في كوكب الأرض أم في المريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.