سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أوريد : حين كنت واليا على جهة مكناس تافيلالت كنت دائما أتساءل مع نفسي «ماذا أفعل هنا؟» انتقد الأمازيغيين وقال إنه صلى صلاة الجنازة في «أمسية» على عبد الله العروي
يحرص حسن أوريد، أول وآخر ناطق رسمي باسم القصر الملكي، على أن يكون مجال الثقافة هو النافذة التي يطل منها بعد كل محطة سياسية يعبرها داخل أروقة الدولة. ويتذكر البعض خروجه الإعلامي بعد إعفائه من منصبه كوال لجهة مكناس تافيلالت في يناير الماضي، حينما ألقى محاضرة بمقر مركز طارق بن زياد، الذي أسسه رفقة عدد من الأمازيغيين قبل أن يستقيل منه، قبل أقل من أسبوع، للتفرغ لمهمته الجديدة كمؤرخ للمملكة، حيث تحدث عن أزمة الرأسمالية، متوقعا نهاية سعيدة لها، ثم كال لها السباب من كل جانب ونعتها بالمتوحشة والمنحازة إلى خيار المادة والقائمة على تشييء الإنسان وتضخيم شهوته الاستهلاكية وإخضاع كل شيء لقانون العرض والطلب. المثقف عندما يكون منطقيا في مقدماته وحالما في استنتاجاته لا بد أن يكون أديبا أو شاعرا، وهذا حال أوريد الذي أراد أن يدشن دخولا ثقافيا لنفسه يليق بمنصبه الجديد كمؤرخ للمملكة خلفا للراحل عبد الوهاب بنمنصور، إذ قدم، أول أمس بدار الفنون بالرباط، ديوانه الشعري الجديد بعنوان «فيروز المحيط»، وقرأ قصيدة جديدة قال إنه كتبها في خلوة فكرية ونفسية بالداخلة، في قلب الصحراء المغربية، متأملا الدنيا والأفكار من حوله، ثم قدمها هدية إلى «المساء» للانفراد بنشرها مشكورا. أوريد رد على سؤال ل«المساء» حول قدرته على المزاوجة بين إكراهات رجل الدولة وحساسية الأديب والشاعر الذي يسكنه، وإلى أي حد استطاع النجاح في التفويق بين الاثنين، علما بأن الكثيرين فشلوا في ذلك، فقال إنه لا يرى أي تناقض بين أن يكون المرء أديبا وكاتبا وبين أن يكون خادما للدولة، مستشهدا في ذلك بالمؤرخ المغربي عبد الرحمان بن خلدون، الذي كان وزيرا لدى السلطان أبي عبد الله الحفصي سلطان بجاية، وعمل سفيرا في قشتالة. واستطرد أوريد قائلا إنه حين كان واليا على جهة مكناس تافيلالت كان دائما يتساءل مع نفسه «ماذا أفعل هنا؟»، مضيفا أن المثقف فيه كان دائما رقيبا على المسؤول في الإدارة الترابية، والعكس أيضا، وكان يقول لمعاونيه باستمرار «لكي تفهم جون ليس عليك أن تعرف الألمانية ولكن عليك أن تعرف جون». أوريد قال في مقدمة ديوانه إنه ابن تربة أمازيغية «تعربت في شطر منها»، وانتقد بشكل ضمني بعض نشطاء الأمازيغية قائلا: «أمازيغيتي أحملها في دمائي الممتزجة بالوافد العربي وفي لساني، كانت روحا ولا تزال تأبى الخضوع شأنها شأن الملكة دهية، وترفض النكوص أسوة بطارق. لم تكن عروبتي وأمازيغيتي متضاربتين، وكذلك واقع الحال في وجدان مواطني. لكن الأمر لم يكن كذلك في رؤى نشطاء الإحياء الأمازيغي ولا لدى معتنقي القومية العربية، بين هؤلاء علاقة ارتياب، بل عداء، وكان ما أدعو إليه ينظر إليه كأمر هجين هو موضع توجس واغتياب». وكأي مثقف حائر في هذا الزمان، حملت القصائد النثرية في الديوان انشغالات فكرية وثقافية لصاحبها، وجاءت أقرب إلى الخواطر التي تعكس الأسئلة المتحركة لدى أوريد. وفي إحدى هذه القصائد النثرية، لا يتردد مؤرخ المملكة في إطلاق النار على مؤرخ آخر، غير متوج، هو عبد الله العروي، إذ يقول واصفا جلسة جمعته ببعض الأصدقاء في إحدى الأماسي: «كنا ثلاثة/ وقد نكون أربعة/ أو عشرة/ صلينا صلاة الجنازة/ على شيخنا». خلف هذه الكلمة الأخيرة يضع نجمة، وحين تنظر في الهامش تقرأ: «جرى الحديث آنذاك عن مفكر مغربي مرموق نظر إلى أزمة الإيديولوجيا العربية المعاصرة».