عانى فريق نجم الشباب البيضاوي لكرة القدم، الذي يعيش الآن قدره الحزين خارج الأضواء، من تبعات صراعه المرير مع السلطة، فقد كان فريق درب غلف مصنفا في خانة الجمعيات المسيسة التي تمارس كرة عليها بهارات سياسية. ظلت اجتماعات الفريق تحت مراقبة المخبرين السريين، وجند النظام مجموعة من العناصر لجس نبض المسؤولين الذين خاضوا مباريات ضد المستعمر استمرت في عهد الاستقلال في ما يشبه لعبة الأشواط الإضافية، ومن نتائج هذا التصنيف إعدام رئيس الفريق حمو لفاخري، بل إن غضب القصر من الرئيس امتد ليشمل اللاعبين، إذ منع العديد منهم من دخول عالم الاحتراف أو الاقتراب من أسوار المنتخب الوطني المغربي، أبرزهم الهداف بابا الذي تلقى عروضا من أندية أوربية سرعان ما تلاشت في الهواء كخيط دخان. بعد إعدام الرئيس، تحول نجم الشباب إلى فريق مغضوب عليه، ولاسيما أن بنحمو كان صعب المراس في تعاملاته مع مختلف الفرقاء، فقد ضم لاعبين من الراك وهما المرحومان إسماعيل والمختار، دون انتظار موافقة من النتيفي الكاتب العام لجامعة كرة القدم، و«خطف» حارسا من ثكنة عسكرية وحول اتجاهه صوب نجم الشباب، بل إن انتقال اللاعب بابا إلى بوردو قد واجهته عراقيل بسبب صورة لفاخري لدى القائمين على الكرة. لم يكن أحد يعتقد أن مباراة المغرب الفاسي ضد نجم الشباب البيضاوي في ربيع سنة 1963، ستكون الأخيرة لرئيس الفريق البيضاوي، حيث داهمته الشرطة في يوم الإثنين الموالي للمباراة وهو يجالس بعض رفاقه في مقهى لا بريس بحي المعاريف، غير بعيد عن درب غلف معقل نجم الشباب، ونقلته على وجه السرعة صوب السجن المركزي بالقنيطرة.. هناك نفذ فيه حكم الإعدام رميا بالرصاص، يوم الخميس، بتهمة التمرد على النظام ورفض تسليم السلاح للجيش النظامي، بعد أن أصر على الاحتفاظ بالذخيرة الحية كقيادي في جيش التحرير. نشأ محمد بن حمو لفاخري في درب غلف، ولقب بالفاخري لأنه كان يقطن عند عمه الذي كان يعتبر من كبار تجار الفحم بالحي. في زنقة المعدن ترعرع الشاب وبدأ يداعب الكرة كبقية أقرانه، وحين اشتد عوده انضم إلى نادي البريد البيضاوي وتمكن من فرض مكانته رغم قصر قامته. كان حي درب غلف يضم ثلاثة فرق تمارس ضمن الجامعة الحرة لكرة القدم، وهي الحياة البيضاوية والريف ثم السعادة، وعلى الرغم من تواجد هذه الفرق فإن العديد من اللاعبين الموهوبين من أبناء الحي فضلوا الانضمام إلى فرق أخرى كالوداد والراك واليسام واليوسا وغيرها من الأندية التي كانت تشكل قاطرة الكرة في بلد يئن تحت وطأة المستعمر. ارتبط حي درب غلف بالوطنية، وصنف كحي للمقاومة بوجود بن حمو لفاخري، ونواة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وفريق الحياة لكرة القدم، وأسماء كروية رائدة من قبيل الحاج عبد القادر الشافعي وحسن لابورط لاعب الوداد، ثم اللاعب الموهوب مبيريك في الوداد والحرشاوي، ألمع نجوم فريق نجم الشباب مع بابا ونودير والمحجوب الصحراوي والفقيه الفاطمي وحميدة موسطاش ولحسن طوطو ومصطفى محروس وآخرين. في هذا الفضاء المشبع بروح الحركة الوطنية، انخرط أهل الكرة في صلب المقاومة، وعهد إلى بنحمو لفاخري بتكوين نواة صلبة للمقاومة عبر الكرة، فكان التفكير في خلق قطب كروي، يضم الفرق الثلاثة الرائدة على مستوى الحي وهي الحياة والريف ثم السعادة، وكانت سعادة الرجل عارمة حين ذابت كل الخلافات الشكلية وتم الاتفاق على ميلاد كيان كروي قوي ظاهره رياضي وباطنه سياسي. كان الهدف الأول هو خلق كيان رياضي قادر على لعب الأدوار الطلائعية للوداد والراك، لهذا كان إجماع المؤسسين سنة 1942 على إسناد الرئاسة إلى محمد بنحمو لفاخري دون منازع، وارتأى هذا الأخير تعزيز فريق عمله بعناصر أخرى كالجيلالي لفاخري وحميد لفرانك وبريك إضافة إلى أسماء من شركة الخطوط الوطنية «ستيام» بالمعاريف لتأمين تنقلات الفريق، وفي ظرف قياسي تمكن القطب الجديد من حرق المراحل، كما كان بنسعيد، بائع الصحف بالقرب من مقهى لاكوميدي، إحدى الدعائم الأساسية للمكتب المسير. يقول أحمد صبري، الكاتب الصحافي وأحد رجالات درب غلف، وهو يستحضر فترة لفاخري، إن الرجل كان حريصا على تقوية الفريق بإعادة أبناء الحي الذين وضعوا مواهبهم رهن إشارة فرق مجاورة، وظل مصرا على أن يتقاسم فريق درب غلف قلوب البيضاويين مع أعتد الأندية، كلابورط وعزمي ومبيريك، وأضاف أن بنحمو كان مخلصا للوطن مناضلا في صف الحركة الوطنية من خلال جيش التحرير، «رغم انشغاله في الحقل السياسي كمقاوم لا يشق له غبار، فقد كان يخصص للكرة حيزا زمنيا بحضوره في المباريات الكبرى كالديربيات، مع أنه كان يقضي فترة طويلة من الليل في اجتماعات مع المقاومين، وحين يدخل إلى مستودع الملابس قبل المباراة أو في ما بين الشوطين يحفز اللاعبين ويزرع فيهم روح المثابرة». ويروي الحاج محمد نودير، رئيس المكتب المديري لنجم الشباب البيضاوي، تفاصيل الارتباط ببنحمو، حيث أكد أن أوج عطاء الفريق تحقق في عهد الرئيس لفاخري، الذي يمزج بين كاريزما رياضية وأخرى سياسية، وأضاف أن الفريق تمكن، في ظرف ثلاث سنوات، من الصعود إلى القسم الأول ونيل لقب البطولة، وعاش نودير مسارا مشابها للفاخري حيث يحمل قبعة المقاوم برئاسته لمجلس المقاومة على المستوى الجهوي، والرياضي بشغله منصب رئيس المكتب المديري لنجم الشباب الذي حمل قميصه، فضلا عن الصفة السياسية كمستشار جماعي وعضو في مجلس جهة الدارالبيضاء.