مرة أخرى، جريمة بشعة تهز مدينة فاس خلال شهر رمضان. سيدة تقدم على قتل ثلاثة من أبنائها خنقا بوسادة نوم بينما كانوا يرقدون في سبات عميق ويتنفسون دفء أم تحولت في غمضة عين إلى «وحش آدمي». في غفلة من الجميع، حولت هذه السيدة فلذات أكبادها عفاف وأسامة وياسين، وهم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية أشهر و5 سنوات، إلى جثث هامدة، وجلست تتأمل ما اقترفته يداها، في وقت ذهبت فيه التحريات الأولية إلى أن القاتلة تعاني من مرض انفصام الشخصية، الذي يجعل المريض فاقدا للوعي، وتكون له شخصية أخرى غير شخصيته الحقيقية، وينظر إلى أبنائه ك«أعداء»، حيث يعتبرهم سبب مشاكله وما يعانيه من أزمات. ما فطر عليه الإنسان، وحتى الحيوان، يجعل من الصعب تقبل مثل هذه الجريمة، فلا يمكن بجميع المعايير والمقاييس أن تقدم أم على قتل فلذات أكبادها. وإذا ما اختلت هذه المعايير كما وقع في جريمة فاس، فمن الضروري البحث عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك. وهي في غالب الأحيان تكون أسباب خارجة عن إرادة مرتكبة الجريمة. الفرضيات الأولى، والتي تبقى إلى حدود الساعة الأقرب إلى الحقيقة، ترجح أن السيدة عانت من مرض نفسي قاهر دفعها إلى خنق أبنائها. وبالتالي فتحليلنا للأمور لا يجب أن يكون قاصرا، ولا يجب أن نوجه فقط أصابع الاتهام للأم الجانية، لأن هذه الأخيرة تظل في جميع الأحوال ضحية، طالما أن هناك متدخلين آخرين كانوا سببا غير مباشر في هذه الجريمة، وعلى رأسهم وزارة الصحة التي لم تستطع توفير العناية والأدوية اللازمة لهذه السيدة ولآلاف المرضى النفسيين الذين يعيشون بيننا ويهددون حياتهم وحياتنا، في غياب مراكز تؤويهم وتمكنهم من العلاج.